اسمها‮ ‬سلمة‮.. ‬ولقبها الطاهرة‮.. ‬وشهرتها قرة العين
يحفل التاريخ بالعديد من الشخصيات التي‮ ‬تشدنا للتوقف أمامها أكثر من مرة،‮ ‬وفي‮ ‬كل مرة تفاجئنا الشخصية ونكتشف بعض الجوانب التي‮ ‬لم‮ ‬يلتفت إليها بعد،‮ ‬وهذا ربما بسبب‮ ‬غموض الشخصية أو ثراء سيرتها أو ضعف الأخبار التي‮ ‬وصلتنا عنها أو لخطورة الدور التي‮ ‬لعبته في‮ ‬زمنها،‮ ‬وربما لأسباب أخري عديدة نحن لسنا في‮ ‬مجال لذكرها،‮ ‬قرة العين أو الطاهرة أو زرين واحدة من هذه الشخصيات،‮ ‬التي‮ ‬نحتار كثيرا أثناء الاطلاع علي تاريخها‮ ‬،‮ ‬فسيرتها الحافلة تفرض نفسها فرضا علينا لكي‮ ‬نتوقف ونتأمل في‮ ‬محاولة للفهم،‮ ‬وأهمية وخطورة شخصية قرة العين تكمن بظني‮ ‬في‮ ‬النتائج التي‮ ‬ترتبت علي فكرها‮ ‬،‮ ‬حيث تشير المصادر البابية والبهائية‮ ‬،‮ ‬إلي أنها هي‮ ‬التي‮ ‬أدخلت فكرة تعطيل عبادات الديانة الإسلامية في‮ ‬البابية والبهائية،‮ ‬وكانت وراء تحول البابية من طريقة صوفية محدودة داخل بعض المدن الإيرانية،‮ ‬إلي نحلة أو ديانة بشرية تنتشر في‮ ‬العديد من البلدان العربية والأوروبية،‮ ‬خطورتها تعود أيضا إلي أنها هي‮ ‬التي‮ ‬دفعت الباب أو علي‮ ‬محمد مؤسس الدعوة البابية إلي ادعاء الألوهية‮ ‬،‮ ‬كما أنها كذلك كانت خلف ظهور البهائية،‮ ‬فقد شربت مؤسسها بهاء الله أو الميرزا‮ ( ‬البرنس‮ ) ‬حسين علي نوري أفكارها عن تعطيل الحدود الإسلامية‮ ‬،‮ ‬وفكرة استمرارية نزول الوحي‮ ‬وعدم انقطاعه،‮ ‬وشجعته علي تأسيس حدود خاصة بديانته البشرية،‮ ‬وأيضا كانت ملهمته في‮ ‬ادعائه الألوهية،‮ ‬أضف إلي هذا أنها كانت أول امرأة في‮ ‬البلدان العربية والإسلامية تخلع الحجاب والنقاب وتقود حملة لتحرير النساء منه،‮ ‬وتدعو إلي مساواة المرأة بالرجل،‮ ‬كما كانت المرأة الوحيدة التي‮ ‬طالبت بأن تتزوج المرأة من تسعة رجال في‮ ‬وقت واحد،‮ ‬شخصية بهذا الحجم وتلك القوة والقدرة وهذه الخطورة،‮ ‬أظن انه من الضروري‮ ‬أن نقدم علي قراءتها،‮ ‬وتوضيح الدافع الحقيقي‮ ‬لتبنيها هذه الأفكار،‮ ‬ومحاولة تحديد الصفات الشخصية والفكرية التي‮ ‬جعلتها تؤثر علي الباب والبهاء،‮ ‬وجعلتهما‮ ‬يستسلما لأفكارها المتمردة علي السائد والمتسيد،‮ ‬خاصة إذا كان هذا السائد والمتسيد هو العقيدة ذاتها‮ .‬ هذه المرأة ولدت بين سنتي‮ ‬1814‮ ‬و‮ ‬1819‮ ‬في‮ ‬قزوين بإيران،‮ ‬سميت زرين تاج‮ ‬،‮ ‬وهو اسم فارسي‮ ‬معناه بالعربية ذات التاج الذهبي،‮ ‬وقيل إن اسمها الأصلي‮ ‬سلمي هانم،‮ ‬لقبها البابيون ببدر الدجي وشمس الضحي‮ ‬،‮ ‬ولقبها الباب بعد ذلك بقرة العين،‮ ‬ويقال إن الذي‮ ‬أطلق عليها هذا اللقب أستاذها في‮ ‬كربلاء سيد كاظم الرشتي،‮ ‬كانت أسرتها من الأسر المتدينة المعروفة في‮ ‬قزوين،‮ ‬تدعي بـ آل البرغاني،‮ ‬اسم والدها الحاج الملا صالح القزويني البرقاني كان من فقهاء عصره،‮ ‬شقيق الملا تقي‮ ‬إمام الجمعة في‮ ‬قزوين،‮ ‬قيل إن والدها عين لها معلّماً‮ ‬منذ طفولتها،‮ ‬فجدّت في‮ ‬تحصيل العلوم والفنون،‮ ‬وبدأ نبوغها بالظهور منذ صباها الباكر،‮ ‬فكانت تحضر دروس أبيها وعمها اللذين كانا‮ ‬يلقيانها علي الطلبة،‮ ‬وكانا‮ ‬يضعان لها ستاراً‮ ‬لتستمع إلي الدروس من ورائه،‮ ‬وسرعان ما أخذت تشارك في‮ ‬المجادلات الكلامية والفقهية التي‮ ‬تثار بين رجال أسرتها،‮ ‬عندما بلغت الرابعة عشرة من عمرها‮ ‬،‮ ‬اقترنت‮ (‬الطاهرة‮) ‬بابن عمها الملا محمد بن الحاج ملا تقي،‮ ‬ورزقت منه بثلاثة أولاد ذكرين وبنت واحدة،‮ ‬وفي رواية أخري رزقت بثلاثة ذكور،‮ ‬رزقت بإبراهيم وإسماعيل في‮ ‬مدينة كربلاء العراقية،‮ ‬عندما ارتحل إليها زوجها لطلب العلم،‮ ‬ورزقت بإسحاق بعد عودتها إلي قزوين‮.‬ المهدي المنتظر ‮ ‬في‮ ‬تلك الفترة كانت المنطقة الفارسية منشغلة بانتظار ظهور المهدي‮ ‬المرتقب،‮ ‬وازدحمت الحياة الفكرية بالعديد من الطرق الصوفية،‮ ‬كان علي قمتها الطريقة الشيخية للشيخ أحمد الإحسائي،‮ ‬وكان‮ ‬يترأسها آنذاك السيد كاظم الرشتي،‮ ‬وكانت هي‮ ‬تميل إليه بينما زوجها كان من خصومه فكريا وفقهيا،‮ ‬وقد انعكس هذا الخلاف علي حياتها الأسرية،‮ ‬وزاد من حدة الشقاق بينهما،‮ ‬وهو ما دفعها إلي هجرتها لبيت الزوجية،‮ ‬وترك زوجها وأولادها والعودة إلي كربلاء للتعلم من كاظم الرشتي،‮ ‬فسافرت إلي كربلاء عام‮ ‬1843م،‮ ‬وبمجرد وصولها علمت إن الأستاذ الذي‮ ‬جاءت من أجله كاظم الرشتي قد توفي،‮ ‬فمكثت تدرس مؤلفاته وفكره،‮ ‬وجلست تنتظر الموعود الذي‮ ‬بشرت به الطريقة الشيخية،‮ ‬وقد حكي‮ ‬صاحب الكواكب الدورية،‮ ‬وهو من أهم مؤرخي‮ ‬البابية والبهائية،‮ ‬أنه بعد وفاة رئيس الطائفة الشيخية،‮ ‬ادعي الباب علي حسين الشيرازي‮ ‬أنه خليفته،‮ ‬ونصب نفسه رئيسا للشيخين،‮ ‬وبعدها بفترة دون أن تعلم قرة العين بذلك،‮ ‬أرسلت رسالة للملا حسين البشروئي،‮ ‬مستفسرة منه عن نتائج بحثه عن ظهور الموعود أو الإمام المنتظر قالت فيها‮: ‬إذا وفقتم للقاء طلعة الموعود فلا تحرموني‮ ‬من موافاتي‮ ‬بذلك النبأ‮ " .. ‬فسلم رسالتها للباب فأجاب مطلبها وضمها لحواريه الذين أطلق عليهم اسم حروف الحي،‮ ‬وهم أول من آمنوا بفكره وساندوه في‮ ‬نشر دعوته،‮ ‬وبهذا أصبحت جناب الطاهرة أول امرأة آمنت بالموعود الجديد‮. ‬وذكر في‮ ‬كتاب‮ "‬كشف الغطاء‮" ‬إن جناب الطاهرة قد أُبلغت برسالة حضرة الباب بواسطة الملاّ‮ ‬علي‮ ‬البسطامي‮ ‬الذي‮ ‬زار كربلاء في‮ ‬سنة‮ ‬1844م‮ (‬1260هـ‮) ‬بعد عودته من شيرا،‮ ‬وقيل في‮ "‬مطالع الأنوار‮: ‬لما علمت جناب الطاهرة بسفر زوج أختها المدعو محمد علي‮ ‬من قزوين،‮ ‬سلمته خطابا مختوما وطلبت منه أن‮ ‬يسلمه إلي ذلك الشخص الموعود الذي‮ ‬لابد وان‮ ‬يقابله أثناء بحثه،‮ ‬وأفهمته إن‮ ‬يقول له‮:‬ لمعات وجهك أشرقت‮ ‬وضياء طلعتك اجتلي قـال ألسـت بربكـم‮ ‬ ‭ ‬قلنا بلـي قلنـا بلـي وقد قابل الملاّ‮ ‬محمد علي‮ (‬حضرة الباب‮) ‬وأقبل إلي دعوته وسلّمه الخطاب وأوصل إليه الرسالة،‮ ‬فأقرها حضرة الباب ضمن حروف الحيّ‮ ". ‬وكانت الوحيدة من بين حروف الحيّ‮ ‬الثمانية عشرة التي‮ ‬لم تقابل حضرة الباب،‮ ‬إلا أنها حسب تخمين‮ ‬‭_ ‬مارثا ل‮. ‬روت في‮ ‬الطاهرة أعظم امرأة إيرانية‭_ ‬قد شاهدته ببصيرتها الخفية الثاقبة‮ ".‬وتروي المصادر البهائية أن قرة العين بعد فتري انتقلت من كربلاء إلي الكاظمية،‮ ‬وكانت تلقي دروسها مرتدية الحجاب فقط دون النقاب،‮ ‬وهو ما أثار حفيظة الناس،‮ ‬واشتد الجدال بسبب تصرفها هذا،‮ ‬لهذا أثرت السلامة وعادت مرة أخري إلي كربلاء سنة‮ ‬1847م،‮ ‬وبدأت دعوتها إلي البابية بشكل علني‮ .‬ تعطيل الحدود قرة العين‮ ‬‭_ ‬حسب اتفاق جميع المصادر البهائية والبابية‮ ‬‭_ ‬لم تكن حتي اللحظة قد قابلت علي حسن أو الباب مؤسس البابية‮ ‬،‮ ‬كما لم تكن تعلمت بعد جميع أفكاره،‮ ‬وكل ما عرفته عن الباب والبابية ما تواتر من إيران انه قد نصب نفسه رئيسا لطائفة الشيخية الصوفية،‮ ‬وما كتبه هو عن شرح سورة الكوثر،‮ ‬حيث إن الباب في‮ ‬ذلك الوقت كان في‮ ‬بداية دعوته لمذهبه الجديد،‮ ‬وقد قدم نفسه للذين‮ ‬ينتظرون ظهور الموعود بما كتبه في‮ ‬سورة‮ ‬يوسف،‮ ‬وتتفق مصادر البهائية والبابية علي أن فكره لم‮ ‬يكن قد تبلور بعد،‮ ‬وانه قدم نفسه كبديل لرئيس الطريقة الشيخية الذي‮ ‬سبق وتوفي،‮ ‬حتي كتاب البيان العربي‮ ‬والفارسي‮ ‬لم‮ ‬يكن قد فكر في‮ ‬تأليفهما،‮ ‬والثابت أنه ادعي نزولهما عليه في‮ ‬السجن قبل إعدامه،‮ ‬والغريب في‮ ‬الأمر أن قرة العين بمجرد علمها بظهور الموعود في‮ ‬إيران من البشروئي،‮ ‬وعلمت إن اسمه علي حسن الشيرازي،‮ ‬وبعد تلقيها رسالة من الباب بقبولها في‮ ‬الجماعة الجديدة،‮ ‬أعلنت بين أهالي‮ ‬العراق عن الموعود أو المهدي المنتظر الذي‮ ‬تتمناه،‮ ‬الموعود الذي‮ ‬رسمته في‮ ‬خيالها،‮ ‬الذي‮ ‬سيحررها من قيود السائد والمتسيد،‮ ‬المهدي الذي‮ ‬سيعطل الحدود الإسلامية ويحرر المرأة من النقاب والحجاب ومن سطوة المجتمع الذكري‮ ‬ومن الأزواج،‮ ‬وكان هذا الموعود أو المهدي المنتظر‮ ‬يمتلك القدرات الإلهية فنادت بين الخاص والعام‮ : " ‬قد ظهر الموعود ونزل الرب الودود‮ "‬،‮ ‬وهو ما دفع بعض العلماء إلي شكوتها،‮ ‬فأبعدتها الحكومة إلي بغداد،‮ ‬وأمرت بإقامتها جبريا في‮ ‬بيت الشيخ محمد الألوسي،‮ ‬مع هذا لم تستسلم وظلت تناقش وتحاور وتجادل وتدعو لهذا الموعود،‮ ‬ويروي لنا آقا محمد مصطفي البغدادي‮ ( ‬في‮ ‬رسالة أمرية‮ ) ‬وهو من محبيها ومن الذين عاصروها‮ ‬يروي لنا عن إحدي هذه المناظرات‮ ‬،‮ ‬وكانت في‮ ‬منزل والده ببغداد،‮ ‬مؤكدا قيامها بالدعوة لمن كانت تحلم به كما سبق واشرنا وليس للذي‮ ‬ظهر‮ ‬،‮ ‬فقد أشار إلي قيامها بالحديث عن الحدود وجميع ما تمنته في‮ ‬تلك الجلسة،‮ ‬مع إن الباب لم‮ ‬يكن قد فكر بعد فيما تقوله‮ ‬،‮ ‬فقد قال آقا محمد البغدادي‮: ‬إن قرة العين ناظرت العلماء والعرفاء،‮ ‬وهي تبين وتبرهن‮ ... ‬في‮ ‬حضور المفتي‮ ‬،‮ ‬فأظهرت سر الظهور،‮ ‬وأعلنت نسخ التقليد المهجور،‮ ‬وبينت تجديد الشريعة الإلهية بشريعة البيان‮ ( ‬الباب‮ ‬‭_ ‬البابية‮ ‬‭_ ‬والبيان هو اسم الكتاب المقدس للبابية‮ ‬،‮ ‬نزل كما‮ ‬يدعون باللغة العربية واللغة الفارسية‮ ) ‬،‮ ‬وكانت في‮ ‬مجلس الأحباء مكشوفة الوجه‮ ... ‬وقد تزلزل البعض‮ .. ‬وقالوا إن حضرته‮ ( ‬الباب‮ ) ‬لم‮ ‬ينسخ الشرع العتيق،‮ ‬ولم‮ ‬يجدد أمرا بل زاد في‮ ‬الأحكام،‮ ‬وأكد في‮ ‬الصلاة والصيام،‮ ‬وحرم الدخان،‮ ‬وان السيدة قرة العين تجاوزت الحد ونسخت الشريعة التي‮ ‬ورثتها عن الأب والجد بدون أمر من حضرة الأعلي‮ ( ‬الباب‮ ) " ‬،‮ ‬ولخطورة ما تدعو إليه قرة العين،‮ ‬قام احد الحضور ويدعي علي بشر،‮ ‬وكان من أتباع الطريقة الجديدة‮ ‬،‮ ‬بكتابة رسالة إلي الباب،‮ ‬تضمنت جميع الأفكار الخطيرة التي‮ ‬تنسبها قرة العين له،‮ ‬ويشير صاحب الرسالة الأمرية إلي إن الباب استحسن دعوتها وتبني أفكارها،‮ ‬حيث رد علي صاحب الرسالة علي بشر بقوله‮ : ‬وأما ما سألت عن المرأة التي‮ ‬زكت نفسها،‮ ‬وآثرت فيها الكلمة التي‮ ‬انقادت الأمور لها،‮ ‬فإنها امرأة صديقة عالمة عاملة طاهرة،‮ ‬ولا ترد الطهارة في‮ ‬حكمها لأنها أدري بمواقع الأمر من‮ ‬غيرها،‮ ‬وليس لك إلا اتباعها لأنك لن تقدر أن تطلع بحقيقة شأنها‮ "‬،‮ ‬وهذه الحكاية كما رواها آقا مصطفي،‮ ‬تؤكد إجازة الباب لما نسبته إليه،‮ ‬وتأكيده علي علمها وطهارتها وفضلها وقدرتها الخارقة،‮ ‬رغم أنه لم‮ ‬يكن قد رآها أو تحدث معها بعد،‮ ‬كما أنه من الثابت تاريخيا إن قرة العين لم تقابل مؤسس البابية قط،‮ ‬وهو قد اعدم في‮ ‬سجن ماء كوه سنة‮ ‬1850م‮ ‬،‮ ‬وهي أعدمت بعده بسنتين عام‮ ‬1852م،‮ ‬خلاصة القول إن هذه الرواية تؤكد لنا أن قرة العين هي‮ ‬أول من تحدثت في‮ ‬تعطيل وتغيير الحدود،‮ ‬وان الباب وبهاء الله فيما بعد تعلما منها هذه الأفكار‮.‬ تبادل النساء في‮ ‬عام‮ ‬1884م اتجه البابيون إلي مدينة بدشت التي‮ ‬تقع بالقرب من خراسان الإيرانية،‮ ‬وذلك للاجتماع وبحث كيفية تخليص الباب من محبسه في‮ ‬سجن ماء كوه،‮ ‬حيث ألقت السلطات الإيرانية القبض عليه لتجديفه في‮ ‬الشريعة،‮ ‬كان علي رأس الحضور قرة العين،‮ ‬ومحمد علي البارفروشي الملقب في‮ ‬البابية بالقدوس،‮ ‬وبهاء الله أو الميرزا‮ ( ‬البرنس‮ ) ‬حسين علي نوري المازنداني،‮ ‬مؤسس البهائية فيما بعد في‮ ‬هذا الاجتماع طرحت قرة العين فكرتها عن تعطيل الحدود،‮ ‬وإلغاء التكليف،‮ ‬وتغيير الشريعة الإسلامية،‮ ‬أو علي حد قولهم نسخها،‮ ‬وأكدت للحضور‮ ‬‭_ ‬حسب رواية مؤلف الكواكب الدرية‮ ‬‭_ ‬بأن للقائم مقام المشرع وحق التشريع وعليه فعلا إجراء بعض التغييرات كإفطار رمضان ونحوه،‮ ‬وفي رواية لصاحب مفتاح باب الأبواب قال‮ : " ‬إن قرت العين فاجأت الحضور وظهرت بدون برقع ولا نقاب،‮ ‬ولا قناع ولا حجاب،‮ ‬وعلت المنبر وجلست عليه هنيهة،‮ ‬ثم قامت خطيبة وقالت ما نصه‮ ( ‬نقلا عن ناسخ التواريخ‮ ) : ‬اعلموا أن أحكام الشريعة المحمدية قد نسخت الآن بظهور الباب،‮ ‬وأن أحكام الجديدة البابية لم تصل إلينا،‮ ‬وأن اشتغالكم الآن بالصوم والصلاة والزكاة وسائر ما أتي به محمد كله لغو وفعل باطل‮ ‬،‮ ‬ولا‮ ‬يعمل بها بعد الآن إلا كل‮ ‬غافل وجاهل،‮ ‬إن مولانا الباب سيفتح البلاد،‮ ‬ويسخر العباد وستخضع له الأقاليم السبعة المسكونة،‮ ‬وسيوحد الأديان الموجودة علي وجه البسيطة،‮ ‬حتي لا‮ ‬يبقي إلا دين واحد،‮ ‬وذلك الدين الحق هو دينه الجديد،‮ ‬وشرعه الحديث الذي‮ ‬لم‮ ‬يصل إلينا الآن منه إلا نزر‮ ‬يسير وبناء علي ذلك أقول لكم وقولي‮ ‬هو الحق‮: ‬لا أمر اليوم ولا تكليف،‮ ‬ولا نهي ولا تعنيف،‮ ‬وإنا نحن اليوم في‮ ‬زمن الفترة،‮ ‬فاخرجوا من الوحدة إلي الكثرة،‮ ‬ومزقوا هذا الحجاب الحاجز بينكم وبين نسائكم بأن تشاركوهن بالأعمال،‮ ‬وتقاسموهن بالأفعال،‮ ‬واصلوهن بعد السلوي،‮ ‬وأخرجوهن من الخلوة إلي الجلوة،‮ ‬فما هن إلا زهرة الحياة الدنيا،‮ ‬وإن الزهرة لابد من قطفها وشمها،‮ ‬لأنها خلقت للضم والشم،‮ ‬ولا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يعد أو‮ ‬يحد شاموها بالكيف والكم،‮ ‬فالزهرة تجني وتقطف،‮ ‬وللأحباب تهدي وتتحف‮ ... ‬ساووا فقيركم بغنيكم‮ ‬،‮ ‬ولا تحجبوا حلائلكم عن أحبائكم،‮ ‬إذ لا ردع الآن ولا حد‮ ‬،‮ ‬ولا منع ولا تكليف ولا صد،‮ ‬فخذوا حظكم من هذه الحياة‮ ‬،‮ ‬فلا شيء بعد الممات‮ . " ‬،‮ ‬بهذه الكلمات فجرت قرة العين ثورة بين الحضور،‮ ‬خاصة وأنها تدعو إلي تعطيل الحدود والتكليف‮ ‬،‮ ‬وإباحة الزنا،‮ ‬والتأكيد علي اغتنام اللحظة حتي تصلهم شرائع البابية‮ ‬،‮ ‬وبالطبع لم‮ ‬يعجب هذا الكلام أغلب الحضور،‮ ‬واعترض بشدة القدوس،‮ ‬وفي‮ ‬يوم آخر وقفت قرة العين تدافع عن رأيها‮ ‬،‮ ‬وساندها في‮ ‬ذلك بهاء الله،‮ ‬الذي تبني كل ما أعلنته في نحلته الجديدة التي أسماها فيما بعد بالبهائية‮.‬ ‮ ‬طاهرة لماذا نادت قرة العين بتعطيل الشريعة المحمدية‮ ‬،‮ ‬ودعت إلي التمتع باللحظة ؟‮ ‬،‮ ‬هل لأنها كانت ترغب في‮ ‬مساواة المرأة بالرجل ؟،‮ ‬هل لأنها كانت تهوي التمرد علي الوضع السائد ؟‮ ‬،‮ ‬هل فعلت هذا لكي‮ ‬تنتقم من زوجها ؟‮ ‬،‮ ‬هل كانت قرة العين امرأة سيئة السمعة وانحلالها هو الذي‮ ‬دفعها إلي المناداة بشرعية جديدة تستند إليها ؟‮ ‬ أغلب ما وصلنا عن قرة العين التي‮ ‬لقبت فيما بعد بالطاهرة‮ ‬،‮ ‬يوضح سوء سلوكها،‮ ‬ورفعها الحجاب والنقاب،‮ ‬ودعوتها الرجال إلي تحرير النساء من الحجاب،‮ ‬وتأكيدها في‮ ‬خطبة بدشت أن النساء مثل الزهور خلقن للشم واللمس والضم،‮ ‬ومطالبتها الرجال بتبادل النساء،‮ ‬وذكر أنها بعد أن تركت بغداد إلي طهران،‮ ‬توقفت في‮ ‬الطريق ببلدة كرمان شاه،‮ ‬وهناك أصرت أن تنزل في‮ ‬منزل واحد هي‮ ‬وبعض النساء مع بعض العلماء،‮ ‬وهو ما أثار حفيظة أهل البلدة،‮ ‬ودفع رجال الدين للمطالبة بخروجها هي‮ ‬ومن معها خارج البلدة،‮ ‬وبعد مؤتمر بدشت سافرت في هودج واحد مع القدوس أحد أهم حواري حضرة الباب،‮ ‬وقد رتب لها هذه الرحلة وجهز لها الجمل والهودج بهاء الله مؤسس البهائية،‮ ‬وقيل إنهم أثناء سفرهم إلي مازندران،‮ ‬حاول بعض البابيين الذي‮ ‬كانوا معهم اغتصابها تطبيقا لما نادت به،‮ ‬وما شجعهم علي ذلك أنها كانت تسافر في‮ ‬هودج واحد مع القدوس،‮ ‬فذكر صاحب مطلع الأنوار الوقعة بقوله‮: ‬أراد بعض الأتباع أن‮ ‬يسيئوا استعمال الحرية التي‮ ‬نتجت عن نسخ الشرائع القديمة،‮ ‬وظنوا أن في‮ ‬طرح الطاهرة للحجاب إشارة منها للتجاوز عن حدود الآداب وإشباع الأغراض النفسية‮ ‬،‮ ‬وسبّب هذا التعدي‮ ‬الواقع من هؤلاء البعض‮ ‬غضب المولي وأوجب تفريقهم وتشتيتهم‮ " ‬،‮ ‬وذكر أنهم عندما وصلوا إلي قرية نيالا لم‮ ‬يعجب أهل البلدة بسلوكها‮ ‬،‮ ‬ومبيتها في‮ ‬خيمة واحدة مع القدوس‮ ‬،‮ ‬فثاروا عليهم وقذفوهم بالحجارة حتي ولوا هاربين‮ ‬،‮ ‬وربما كل هذا ما دفع صاحب الحراب في‮ ‬صدر البهاء والباب‮ ‬،‮ ‬أن‮ ‬يؤكد في‮ ‬ترجمته لقرة العين‮ ‬،‮ ‬أنها كانت مريضة بالسوداء‮ ‬،‮ ‬حيث قال‮ : ‬فتاة فتانة‮ ‬،‮ ‬مصابة بالسوداء‮ .. ‬وتنادي علي ملأ الأشهاد بجوار تزويج تسعة رجال بامرأة واحدة‮ .‬ نخلص مما سبق أن سلوكيات قرة العين أو الطاهرة كانت محل شك،‮ ‬وان العديد من الروايات المنسوبة لها تؤكد هذا الظن،‮ ‬سواء الوقائع التي‮ ‬نادت فيها برفع الحجاب أو بتبادل النساء،‮ ‬أو الوقائع التي‮ ‬كانت تنام فيها مع القدوس وغيرة في‮ ‬منزل واحد،‮ ‬كما نظن أن تأكيد صاحب كتاب الحراب أنها كانت مصابة بالسوداء،‮ ‬وهو مرض جنسي‮ ‬يصيب النساء،‮ ‬هو الأقرب لسلوكياتها ولما وصلنا من أخبارها،‮ ‬والقريب للواقع وللمروي أن مرضها هذا هو الذي‮ ‬دفعا إلي البحث عن مرجعية دينية تستند إليها،‮ ‬وكان الباب هو الميس أو الشماعة التي‮ ‬ألبستها فكرها المخالف للشريعة،‮ ‬والذي‮ ‬يعطيها شرعية إشباع رغبتها‮ . ‬
   
 
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 80 مشاهدة
نشرت فى 23 سبتمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,792,799