الزكاة.. ماهي ؟!
مقال لم ينشر للدكتور مصطفى محمود
كانت من عادة اخواننا الشيوعيين حينما يذكر موضوع الزكاة.. ان يبتسم الواحد منهم في سخرية وكأنما وجد الثغرة التي ينفذ منها.
فالزكاة عنده هي الحمل المخجل لمشكلة العدل الاجتماعي.. فالعدل لا يعالج بالتسول وبتوزيع الصدقات.. وانما بالبتر والاستئصال والنكال والتنكيل بالمستغليني الظالميني ونزع اصحاب المال واصحاب الأرض من جذروهم بانقلاب شيوعي يصحح الأوضاع وهذا التوصيف الشيوعي للزكاة خاطئ.. ولكن نبرة العنف في كلام الرفاق كانت تذكرني دائما برأي قاله المفكر الاسلامي المغربي المهدي بني عبود ان الشيوعية ليست نظرية وليست مذهبا وليست فكرا.. كل هذا تمويه ولكن الشيوعي في الحقيقة طبع.. الشيوعية غل وحقد وضغن وطبيعة ثأرية تنزع بصاحبها إلي طلب النكال والتنكيل والاذلال والتسلط وهم لايرون اصلاحا الا ان يكون بترا واستئصالا دمويا وقلبا لكل شئ من القواعد.. وهي طبيعة تلتمس وانما المذهب الذي يساعدها.. ومن هنا كان اختبارهم للشيوعية لا عن قناعة ولا عن منطق ولا عن عقل.. ولكن عن طبع.. وهم نفسهم الذين اختاروا فيما مضي مذهب الخوارج والقرامطة والخرمية وهم انفسهم الذي اختاروا فيما بعد التكفير والهجرة لأنه يشبع فيهم نفس الطبيعة.. ونعود إلي تصور الرفاق عن الزكاة.. ونقول لقد فهموها خطأ فليست الزكاة هي تفضل من الغني يلقي به للفقير من باب حسنة لله يا محسنين.. وليست صدقة لمتسول.. بل هي حق يؤخذ من خير مال القادر ويصل الي يد المحتاج في كرامة ودون ان يسأل أو يمد يدا فما يصل اليه حق وليس تفضلا.. وحكمة الضريبة التي تؤخذ بقانون وتنفق بقانون.. ثم أن الزكاة ليست لها حد أقصي.. فهي في حدها الأدني اثنان ونصف في المائة ولكنها مفتوحة في حدها الأقصي الي ما شاء الله وماشاء كرم المعطي يسألونك ماذا ينفقون قل العفو أي كل ما زاد عن حاجتك حتي99 في المائة مما تملك اذا اعتبرت ان حساب لقمتك وثوبك وكفافك والباقي لله.. فهي تجارة مع الله وتعامل مع الخالق وليست تفضلا علي الخلق وهي من حيث اسمها زكاة فهي تزكية لصاحبها وتطهير له.. يتطهر بها من الشح والبخل والأنانية.. فالمنتفع الأول بها صاحبها.. والصدقات تزيل اوساخ الناس تؤديها كلما تطهرت وصفت نفسك من تعلقاتها المادية الأرضية ولا ينقص مال من صدقه.. وما انفقت من مال فالله مخلفه.. قد يخلف الله مالا أو صحة أو رحمة أو ذرية صالحة او نجاحا او توفيقا.. ولكن لابد وان يثبت الله فاعل الخير دنيا واخرة.. هذا قانون الهي لا يتخلف ويعرفه تماما الذين يقبلون علي الزكاة ويتنافسون فيها.. والله لا يخلف وعده ابدا.. والزكاة تلطف الحق وتكسر العيني الحاسدة وتؤلف القلوب لأنها مال حلال يخرج من صاحبه حبا وكرامة وطواعية ويصل الي المستحق دونما من ولا أذي.. واذا ادخلنا في نصاب الزكاة, فزكاة الشركات وزكاة البنوك وزكاة المؤسسات التجارية وزكاة الدول التي خصها الله بالموارد والثروات.. فان مجموع النصاب الناتج سيتجاوز المليارات عدا وسيصبح في طاقته ان يغير موازين الاقتصاد الموجودة تماما.. ثم ان انفاق هذه المليارات بأسلوب عصري واستثمارها لصالح الطبقة الفقيرة ولخلق المشاريع لتشغيل الأيدي العاطلة وبناء الصناعات والارتفاع بالتعليم كفيل بأن يغير معه الحياة دون عنف ودون قهر ودون نكال او تنكيل.. هكذا تلتقي الايدي في محبه وتعاون وتكافل فيستمر الخير مزيد من الخير.. اما العنف الشيوعي فلن يثمر الا عنفا ولن يثمر النهب الا رفضا وكسلا ولا مبالاة ولن يثمر التسلط الا يأسا وسلبية وينتهي الأمر بأن ينفض كل واحد يده من كل شئ ويقول لتفعل الدولة ما تريد.. ولكن الدولة في الشيوعية ليست كائنا حيا سويا وانما هي ديناصور ومسخ من القوي البولسيية والشعب الخائف المذعور ثم طواغيت ومراكز قوي تعمل طليقة باسم الحزب وتظلم وتستغل وتنهب كما تشاء باسم الحزب وتغطي جرائمها بالشعارات والاكاذيب والاعلام الموجه.. وشتان بين هذا التكوين الاجتماعي المتشبح وبين التكوين المتناسق للمجتمع الاسلامي الذي يعمل فيه الكل مؤمنين بأن العمل عبادة وان الانفاق تعامل شخصي مع الله وان الصدقة تقع اولا في يد الله قبل ان تقع يد الفقر... وان علاج المريض عبادة واقامة جدار منهار عبادة وانشاء كوبري عبارة.. وان المعروف لا يضيع والعمل الصالح لايذهب سدي.. وان الملك له.. وان في السماء اله عادل عدله لا يتخلف... وكل هذا يثمر سكينة ورضيا وراحه قلب تساوي الدنيا وما فيها.. فاين هذا من حال مجتمعات الوفرة والغني التي ينتحر اصحابها رغم الوفرة ويرتفع فيها احصاءات الجنون والامراض النفسية والعقلية والاكتئاب رغم الغني.. وتحلل الأسر وتفكك العلائلات وتنتشر المخدرات والشذوذ الجنسي والجرائم والسرقات رغم العلم والتكنولوجيا والتقدم.. وتتضاعف اعداد مراكز البوليس واقسامه ومع ذلك لا تشعر بلحظة امن ولا تستطع ان تخرج دولارا من جيبك ولا ان تنام دون تعلق المزاليج والترابيس خلف بابك.. لأنه مجتمعات مادية كل مليم فيها محسوب بالكمبيوتر.. ثم لا اعتبار عندها لاي شئ آخر.. او بشكل ادق.. لا تؤمن بان هناك شيئا أخر خارج اللحظة الحاضرة والدولار الذي في جيبك لا حساب نسبي اسمه الغيب.. ولا اعتقاد في اله.. والذين يؤمنون منهم بالله لا يدخلون هذا الايمان في حساب الكمبيوتر وهم لهذا يستبدلون الزكاة بشركات التأمين ومعاشات والنقابات وبدلات البطالة.. وكلها صدقات ولكن ذات منطلق مختلف.. فهي لا تعطي لوجه الله.. وانما اجتهاد عملي من عند صاحبها.. ولسان حال كل منهم يقول.. انما اوتيته علي علم عندي.. وفارق كبير في النية بين العاملين فاحدهما يقول.. وفقني الله فاعطيت ما اعطيت ابتغاء وجهه.. والاخر يقول.. اجهتدت من عندي وانفقت واعطيت.. فاحدهما لا يري الا الله.. والآخر لا يري الا نفسه.. ولهذا ينتهي عمله الي الاحباط.. اما الاول فان الله يثمره بكرمه ويحفظة برعايته.. تلك هي الزكاة.. وهما بلسم وملطف وشفاء للنفس وطهرة للقلب وهي تعامل مع الله رأسا دون وسائط وايمان بالغيب وثقه في المقدور ويقيني بقوانين العدل الالهي التي لا تتخلف وهي شئ أخر تماما غير مفهوم المعونة الاجتماعية في المجتمع الغربي.. وقد يسأل سائل فيقول اليس كلاهما عملا صالحا.. فنقول نعم مع فارق كبير في العرفان فانت في الزكاة لا تعرف لك يدا ولا تري لك يدا ولا تري الا يد الله سبحانه الذي ليس كمثله شئ.. اما في المعونة الاجتماعية بالكمبيوتر فلا تري الا الورقه المرقمة الخارجة من الكمبيوتر ولا تري الا يدك وما تبذل.. وعلي الاكثر لا تري سوي انسانيتك.. والفرق فرق عرفاني.. وهل الدين كله الا هذه الكلمة الصغيرة ذات الكلمات القليلة العرفان.. وهل طلب الله من نبيه سوي العرفان.. فاعلم انه لا اله الا الله واستغر لذنبك.. وهل يفترق مؤمن عن كافر الا بهذه المعرفة.. الذين يرجون ايام الله.. والذين لا يرجون ايام الله.. والذين يؤمنون بالآخرة والحساب.. والذين لا يؤمنون الا بيوم ولحظتهم.. صدقوني لله كل الزكاة تعني الكثير.
ساحة النقاش