ماذا يعني استقلال الجامعة ؟‏(3)‏
بقلم: د‏.‏ سليمان عبد المنعم
ثمة مقوم ثالث ومهم من مقومات الاستقلال الأكاديمي يتعلق بأسلوب اختيار القيادات الجامعية‏.‏ وهذه مسألة مثيرة للجدل تتباين فيها آراء الأكاديميين أنفسهم ما بين المؤيدين بشدة لنظام الاختيار بطريق الانتخاب

 

والمقتنعين بأسلوب الاختيار بطريق التعيين الحكومي‏.‏ ونحن نعرف الظروف الخاصة التي جرت في ظلها انتخابات عمادة إحدي كليات الطب العريقة في مصر في بداية تسعينيات القرن الماضي والسلبيات التي صاحبتها والتي ربما كانت السبب وراء العدول عن نظام الانتخاب والأخذ بنظام التعيين‏.‏
النقد الأساسي الذي يوجه لأسلوب اختيار القيادات الجامعية بالانتخاب هو أن ولاء العميد المنتخب يكون لمن أعطوه أصواتهم واهتمامه ينصب علي إرضائهم وكسب ودهم وتحقيق مصالحهم الشخصية أحيانا بما قد يتعارض مع متطلبات العملية التعليمية والصالح العام‏.‏ أما النقد الذي يوجه إلي نظام الاختيار بطريق التعيين الحكومي فهو أن ولاء العميد يصبح لمن قام بتعيينه وأن ذلك قد يفتح الباب لتسييس العمل الأكاديمي وتدخل المعايير السياسية والأمنية في اختيار القيادات الجامعية‏.‏
لا أعرف ما إذا كانت لدينا استطلاعات للرأي حول هذه المسألة حتي نتبين توجهات أعضاء هيئة التدريس لكن الاعتقاد الشائع أن الأكثرية تؤيد اختيار القيادات الجامعية بطريق الانتخاب‏.‏ ومع ذلك فقد أثبتت التجارب أن لكل من أسلوبي الانتخاب والتعيين مزاياه ومساوئه‏.‏ ربما لم يمنع نظام التعيين من اختيار قيادات جامعية ناجحة كان حرصها علي المعايير الأكاديمية والعلمية أكبر من سعيها لإرضاء الجهة التي عينتها‏.‏ وفي المقابل فإن نظام الانتخاب حين كان مطبقا لم يفرز دائما أفضل العناصر وأكثرها جدارة‏.‏
والواقع أن مسألة الاختيار بين نظامي الانتخاب والتعيين يجب وضعها في إطار سؤال أكبر وأكثر جدوي وهو ما الذي يتحقق به الاستقلال الأكاديمي لتصبح الجامعة مؤسسة ناجحة تعتمد المعايير التعليمية والعلمية الحديثة المطبقة في العالم المتقدم وتنهض برسالتها التنويرية في المجتمع دون قيود أو ضغوط ؟ فالحاصل أن مأزق التعليم الجامعي في مصر سواء علي صعيد تدني مستوي العملية التعليمية أم علي صعيد تراجع دور الجامعة في البحث العلمي والتنوير إنما يرجع في أحد أسبابه لأن هناك قيودا وضغوطا شتي تحد مما يجب أن يتوافر للجامعة من انطلاق وحرية‏.‏ وهذه القيود أو الضغوط قد تكون سياسية أو دينية أو ذات طبيعة إدارية بيروقراطية أو مالية‏.‏ فالحريات الأكاديمية مثلا تتراجع أمام القيود السياسية أو الضغوط الدينية‏.‏ والبحث العلمي لم يقتله سوي البيروقراطية الإدارية‏.‏ وتدني الجودة التعليمية سببه نقص التمويل‏.‏ ولهذا فإن اختيار القيادات الجامعية يجب أن ينطلق أساسا من اختيار أشخاص قادرين علي الوفاء بهذه المتطلبات الضرورية للنهوض بالجامعة وتحقيق استقلالها‏.‏ من هنا فربما يكون مجديا ومنطقيا الجمع بين نظامي الانتخاب وتوافر مؤهلات جدارة معينة‏.‏ ولئن كان الانتخاب يعني الاحتكام إلي إرادة أعضاء الهيئة التدريسية فإن مؤهلات الجدارة تعني أن تتوافر للشخص أهلية علمية وكفاءة إدارية وامتلاك رؤية للتطوير‏.‏
إن الجامعة ستكون هي الفائز الأكبر من الأخذ بأسلوب الجمع بين آلية الانتخاب ومفهوم الجدارة أيا كانت الصياغة المقترحة‏.‏ ولا أظن أن حكومة يضيرها اختيار أسلوب يحقق المصلحة العامة في أهم مجال يتحدد به مستقبل الأمم وتطور الشعوب مثل مجال التعليم الجامعي‏.‏
إنني أطرح هذه الفكرة للنقاش العام لكي يتم تعميقها وبلورتها من جانب المهتمين معتقدا من وجهة نظري أنها تحقق المزايا التالية‏:‏
‏1-‏ تحقيق استفادة الجامعة والمجتمع من الكفاءات الكبيرة التي تزخر بها والتي يعتقد كثيرون أن الأسلوب الحالي المتبع لاختيار القيادات الجامعية لا يتيح استيعابها‏.‏
‏2-‏ موضوعية وحياد الجهة المنوط بها تقييم توافر شرط الجدارة حيث المقترح أن تشكل علي نحو يشبه لجنة الحكماء من كبار أساتذة الجامعة بمن فيهم الأساتذة غير المتفرغين للإستفادة بخبرتهم العريضة‏.‏
‏3-‏ الحد من سلبيات الأخذ بنظام‏'‏ الأقدمية‏'‏ التي تؤدي في تطبيقها المطلق إلي حرمان مؤسسات الدولة من كفاءات كثيرة‏,‏ وهو ما يعني إمكان إعطاء دور أكبر لشباب الأكاديميين متي توافرت فيهم الشروط المطلوبة‏.‏
‏4-‏ عدم اقتصار معيار الجدارة علي عنصر الأهلية العلمية فقط وشموله لعنصري الكفاءة الإدارية وتوافر رؤية للتطوير من خلال المشروع الذي يتقدم به المرشح‏.‏ فقد أثبتت التجربة أن لدينا علماء أفذاذ ومع ذلك فقد لا يستطيعون أو يرغبون في الاضطلاع بمسؤوليات أكاديمية‏.‏
‏5-‏ تحقيق دمقرطة أكبر لعملية انتخاب من توافرت فيهم شروط الجدارة بحيث لا تقتصر فقط علي الأساتذة كما كان الوضع في ظل نظام الانتخاب السابق بل تشمل عموم أعضاء هيئة التدريس من مدرسين وأساتذة مساعدين وربما ممثلين عن قطاعات أخري في الجامعة‏,‏ وهو الأمر المأخوذ به في العديد من النظم العالمية المتقدمة‏.‏ فقد كان غريبا أن نظام الانتخاب السابق والذي يعتقد الكثيرون في ديمقراطيته مقارنة بالوضع الحالي لم يكن يمنح حق الانتخاب سوي للأساتذة فقط وممثل واحد عن الأساتذة المساعدين وممثل آخر عن المدرسين‏,‏ وهو الوضع الذي كان يعني عمليا احتكار فئة الأساتذة لعملية اختيار العميد وهو أمر غير ديمقراطي‏,‏ بحيث كان يتصور أن يعبر العميد المنتخب عن‏25%‏ فقط من أصوات أعضاء هيئة التدريس نتيجة لاستبعاد عموم الأساتذة المساعدين والمدرسين وهم الذين يشكلون قاعدة الهرم العددي في الجامعة‏.‏ ربما نختلف كثيرأ أو قليلا حول كيفية ترجمة هذا الاقتراح علي أرض الواقع لكن المؤكد أن نظاما لاختيار القيادات الجامعية يجمع بين شرطي الجدارة والقبول العام سوف يحقق مزايا أسلوبي الانتخاب والتعيين ويتفادي مساوئ كل منهما في الوقت ذاته‏.‏
 ‏solimanabdulmonaim@hotmail‏
 

 

المزيد من مقالات د‏.‏ سليمان عبد المنعم<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 148 مشاهدة
نشرت فى 2 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,798,707