اميرة محمود محمد الذهبى
بحث و تقرير عن مقاهي الانترنت اضرار و ايجابيات
في مركز صغير، يتألف من طابقين مساحة كل منهما 20 متراً أو أقل، تصطف 10 أجهزة كومبيوتر بجانب بعضها البعض، لا يفصل بينها إلا حاجز صغير من الخشب المزركش، وأمام كل جهاز جلس شاب أو فتاة، رجل كبير أو أمرأة.. لا يهم، كل ما يهم هنا هو الوصول إلى الإنترنت لقراءة شيء ما، أو إرسال رسالة ما، أو حتى التحدث إلى شخص آخر، قد يكون مجهولاً تماماً فلا يظهر منه إلا اسمه وجنسه فقط. مدير المركز الصغير، والذي لم يتجاوز السابعة عشر من عمره، لا يأبه كثيراً بمن يجلس خلف شاشات الكومبيوتر، يرفع صوت الموسيقى والأغاني المنبعثة من كومبيوتره الشخصي عالياً، يدخن بشراهة كمن يريد أن يثبت للآخرين أنه "مدير" بالفعل، وأنه "بالغ" يتصرف كما الكبار. أو هكذا يظن. صورة واقعية بالفعل، لحال عدد كبير من مقاهي الإنترنت المنتشرة في عالمنا العربي، هي في سوريا، ومصر، والسودان، ولبنان، وفي الكثير من الدول الأخرى، وهي موجودة في السعودية أيضاً مع فرق الخصوصية التي تراعي حرمة الفتيات، فلا تقحمهنّ في هذا العالم المترف بالشكليات والاستهتار. هناك جانب آخر بلا شك، مقاهي إنترنت تحترم نفسها، تحظر التدخين كي لا يزعج الآخرين، وتمنع الموسيقى أو الأغاني، ليس فقط بسبب حرمتها، بل كي لا تؤثر على مرتادي المقهى الذين يبحثون عن هدوء لإنهاء أعمالهم. بين السالب والموجب: يرى البعض في السعودية أن مقاهي الإنترنت باتت متنفساً جيداً للشباب، بعدما صدت في وجوههم معظم أماكن الترفية المخصصة للعائلات، وعلى الرغم أن مقاهي الإنترنت لم تتعد سنوات كثيرة؛ إلا أنها جذبت الكثير منهم ووجدوا فيها شيئاً جديداً ومسلياً عن أماكن الترفية العادية والتي أصبحت مملة مع التكرار، أما الإنترنت فدائماً يتميز بالجديد سواء كان نافعاً أم ضار، فالتخوف من مقاهي الإنترنت أمر طبيعي، ولكن إذا قارنا الإيجابيات بالسلبيات نجد الجانب الإيجابي يسيطر أكثر، فالإنترنت أصبح الوسيلة السريعة للوصول للمعلومة على الرغم أنه لا يؤكدها، والطريقة الأكثر جذباً للقراءة وتنمية المعلومات والوسيلة الأسرع للاتصال بالآخرين. أما البعض الآخر فيقول عن مقاهي الإنترنت: إنها أحد أهم تجمعات الشباب، ففيها يختلط الحابل بالنابل كما يقول المثل المصري، فبين شباب جاد يستخدم الإنترنت للحصول على المعلومات، وشباب جعل من هذه المقاهي وطناً له، وبالتالي امتلئت ببعض الوباءات، فضلاً عن بعض الأدوار المهمة التي تقوم بها هذه المقاهي. فيما يرى الفلسطينيون، خاصة أهل غزة الذين يعيشون الحصار: إنه وبسبب حالة الحصار التي فرضها الاحتلال والعالم على قطاع غزة، لم يعد أمام الفلسطينيين وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي إلا الوسائل التكنولوجية بعيداً عن السفر وقطع المسافات عبر المعابر. فالانترنت كان أهم تلك الوسائل وأكثرها شيوعاً خاصة أنه سريع الانتشار وقليل التكاليف، حيث عكف الفلسطينيون على استخدامه في التواصل مع الأهل والأصدقاء خارج الوطن المحاصر، وحتى مع جامعاتهم التي حرموا بسبب إغلاق المعابر من الوصول إليها. لكن مع استمرار الحصار: بات الإنترنت وسيلة ليس فقط للتواصل وإنما لقضاء أوقات الفراغ الكثيرة لدى الشباب العاطل؛ بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية القائمة، ولتلبية هذه الحاجة انتشرت مقاهي الانترنت في كل أحياء المدن الفلسطينية فلا تكاد تمر بحي إلا وتجد فيه على الأقل مقهى يؤمه الكثير من الناس في ساعات الصباح، يكون هناك متسعاً للفتيات باستخدام الحواسيب الموصولة بالإنترنت لساعات تحددها الفتاة، وكذلك يكون متسعاً للشباب لكن فرصة الفريق الأخير تكون في ساعات المساء. الإنترنت لتجاوز الحصار وانقطاع التيار في غزة: يؤكد أبو الوليد (في الثلاثينيات من عمره) أن لا غني له عن استخدام الإنترنت يومياً للأغراض العلمية والترفيهية، وبشيء من التفصيل يشير إلى أنه يمتلك جهاز حاسوب في بيته موصول بخط الإنترنت، إلا أن تردده على مقاهي الإنترنت أمر مفروغ منه، والسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في منطقة سكانه فليجأ إلى المقهى ليكمل ما بدأ من أحاديث مع الأصدقاء، أو إنجاز تقرير مهم للعمل، أو حتى مشاهدة مباراة أو فيلم، ويتابع الرجل أن الكثير من رفاقه يسلكون سلوكه، فالإنترنت أينما كان في المقاهي أو حتى في البيوت بات وسيلتهم لقضاء أوقات فراغهم في ظل ما يعانوه من بطالة وحصار. وتنقل مراسلة (لها أون لاين) من غزة، عن ناهض (مدير مركز الوفاء للكمبيوتر والإنترنت) قوله: إن رواد المركز غالبيتهم من الشباب، ويزداد تواجدهم في ساعات المساء ووقت انقطاع التيار الكهربائي، لافتاً إلى أن استخدامات الشباب للانترنت تختلف بين الاستخدامات العلمية بالبحوث والدراسات، وأحياناً تجدهم يستخدمونها للترفيه، سواء بالألعاب أو التواصل مع أصدقاء من دول مختلفة، وفريق ثالث يستخدمه لمشاهدة أحدث الأفلام على الساحة السينمائية، إلا أنه يحظر هذه الفئة من استخدام الانترنت في مركزه، وذلك من خلال شبكة تحكم تحظر تلك المواقع وتمنع المستخدم من مشاهدتها، لافتاً إلى أن ذلك لا يؤثر أبداً على حجم الرواد. وفي مصر للهروب من المنزل والزحام: ومن مصر، ينقل مراسل موقع (لها أون لاين) عن ساهي عاصي (أحد رواد المقهى) قوله: أنا أتواجد في المقهى يومياً رغم وجود جهاز كمبيوتر وإنترنت بمنزلي، فأنا أشعر بالأنس من وجودي بين الأصدقاء. وحول استخدامه للإنترنت يقول أنس: "غالباً يكون في المحادثات وفي الدخول على الفيس بوك، وفي بعض الأوقات أقوم باللعب عليه أو قراءة بعض الروايات". فيما يقول أحمد مرتضى (محامي): "إن مقاهي الإنترنت بالنسبة لنا مهمة؛ لأننا نقوم بكتابة بعض الدفوع الخاصة بقضايانا التي نرفعها في المحاكم، وإنهاء بعض الأوراق على أجهزة الكمبيوتر، خاصة وأننا كل يوم في محافظة مختلفة مما يتطلب منا الاستعانة بهذه المقاهي". وأضاف بالقول: من الممكن أن أقوم بشراء جهاز لاب توب واستخدامه في كتابة دفوعي بدلاً من مقاهي الإنترنت، غير أنني أحتاج إلى مكان هادئ أقوم بالتركيز فيه وهذا ما تحققه هذه المقاهي. مشيراً إلى ضرورة استثمار هذه المقاهي الاستثمار الجيد؛ لأنها مهمة وضرورية في الشوارع والميادين، فأهميتها في ظل التطور التكنولوجي من أهمية وجود دورات المياه العمومية التي لا يمكن أن يستغني عنها الناس. أما أحمد فيصل (من السعودية) فيقول: "وجودي في هذا المقهى من أجل محادثة بعض أصدقائي وأهلي، فوسيلة الاتصال عبر الإنترنت أرخص بكثير من الاتصال التليفوني. مضيفاً بالقول: نحن أغراب عن البلد، ولذلك فمن المهم والضروري أن نجلس عن الإنترنت من خلال هذه المقاهي التي بدأت تنتشر في كل مكان. وذكر أن خدمات الإنترنت وهذه المقاهي بدأت تتطور إلى الأفضل مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية عندما زار القاهرة. الإنترنت للتخفي أيضاً: فيما تنقل مراسلة موقع (لها أون لاين) من جدة، مشاهدات وآراء بعض مرتادي مقاهي الإنترنت، من بينهم عبد الله الخيبري (مهندس كمبيوتر وشبكات) والذي قال: "إن معظم مرتادي مقاهي الإنترنت من فئة الشباب، وأكثر المواقع ارتياداً هي مواقع الدردشة، فأصبحت مقاهي الإنترنت مكانا آمناً بعيداً عن الرقابة الأسرية في حين أنه لا يوجد أي قوانين تحد من هذه الظاهرة، فعدد من الإحصائيات أكدت أن الفرد السعودي أكثر استخداماً للإنترنت من الألماني والفرنسي والأمريكي، إلا أن الواقع يدل أنه الأقل استفادة من هذه الخدمة أو أنه لا يعرف كيف يستخدمها بالأسلوب الأمثل". وأضاف بالقول: إن الكثير يستخدم مقاهي الإنترنت لإيذاء الآخرين، أو نشر صورهم، ومنهم من يستخدم المقهى عند إرسال رسائل للفتيات مثلاً من عنوان بريدي غير معروف لديها حتى لا تتعرف على شخصيته، أو الوصول إلى رقم التليفون المستخدم في تشغيل الإنترنت، وهي طريقة يعتبرها الشباب آمنة لحد ما عند رغبتهم إيذاء الآخرين، خاصة من يحاولون اختراق مواقع معينة فيلجئون لاستخدام الإنترنت بالمقاهي لحماية حواسيبهم من الفيروسات بجانب بعدهم عن الرقابة الأسرية. قصص من داخل المقاهي: تقول كوثر أحمد وابنتها سها ضاحي (من مصر): "سبب تواجدنا في المقهى أننا نقوم بطبع رسالة الماجستير التي أنجزتها ابنتي تمهيداً لعرضها على الدكتور المشرف". وتضيف كوثر بالقول: ابنتي ترددت على مقاهي الإنترنت لإنجاز رسالتها ووجدت بعض المقاهي جيدة إذ إن بعض مديري المقاهي يقوم بطرد الزبون إذا وجد منه أي تصرف غير لائق؛ حفاظاً على حياء المتواجدات في المكان. فيما يوجد منهم من يسئ للمقاهي وتحكي قائلة: "منذ 4 سنوات قام مدير أحد المقاهي بفتح بعض الأجهزة على مواقع إباحية واللمز والهمز بإشارات فجة مع بعض الزبائن والضحك بشكل عالي، فقامت ابنتي بترك المقهى وإبلاغ الشرطة بعد تحرير محضر، وتم إغلاق المقهى لأن الشرطة اكتشفت فيه ما هو أسوأ من ذلك وكان عبرة لغيرة من المقاهي". مشكلة المواقع المحظورة: هذه القصة تشير إلى وجود بعض التجاوزات والمشكلات التي تنتشر في بعض مقاهي الإنترنت، والتي تعتبر مكاناً لفتح المواقع المحظورة، حتى في فلسطين لم يسلم البعض من هذه المشكلة، حيث يقول أبو يحيى (مدير إحدى مقاهي الانترنت والذي أنهى دراسة برمجيات الكمبيوتر): إنه استحدث نظاماً في المقهى لمنع الشباب من الدخول إلى المواقع الإباحية عبر تجميع أجهزة الكمبيوتر في شبكة واحدة تخضع للمراقبة، فإذا ما فتح أحد المرتادين موقعاً مشبوهاً فإن الجهاز يتوقف مباشرة. وأشار أن كل مرتاد يحدد مسبقاً عدد الساعات التي يريد قضاءها أمام جهاز الكمبيوتر ويتم برمجة الجهاز من خلال الشبكة وما إن تنتهي الساعات المحددة حتى يقوم جهاز الكمبيوتر بإيقاف التشغيل تلقائياً، مؤكداً أن هناك تحذيرات ولوائح عامة للمقهى على المرتادين الالتزام بها. وبسؤاله إذا ما كان ذلك يؤثر على إيرادات المقهى أكد أنه في البداية كان التأثير واضحاً لكنه لم يعد مشكلة بعد ذلك، مرجعاً ذلك إلى الوعي الديني والأخلاقي الذي يتمتع به الشباب الفلسطيني. تدريس أخلاقيات الإنترنت للطلاب: ومن السعودية، يقول المهندس عبدالله الخيبري: "إنه من الممكن الإيقاع ببعض العابثين الذين يستخدمون مقاهي الإنترنت لأغراض غير شريفة، بعد استخدامهم نفس المقهى لعدة مرات". منوهاً ببعض الآليات التي يجب العمل بها وبعض الاقتراحات التي بالفعل دخلت مجلس الشورى لمناقشتها بخصوص تقنين استخدام الإنترنت بالنسبة للشباب. وأشاد المهندس الخيبري بطلب العديد من مجلس الشورى وضع عقوبات صارمة لمن يستخدم الإنترنت ليضر به الآخرين، وحجب المواقع التي تنافي قيمنا الدينية والأخلاقية، مؤكداً أنه من الصعب جداً السيطرة على تلك المواقع لذا من الضروري أن يكون لخطباء المساجد والعلماء والدعاة دور في التوعية. وكان من ضمن الاقتراحات إدخال مادة أخلاقيات استخدام الإنترنت من ضمن المناهج الدراسية؛ ذلك لأن أغلب من يستخدم المقاهي هم من فئة الشباب الذين ليست لهم قدرة على التوازن في استخدام الإنترنت بين التسلية والمرح المباح، وبين البحث العلمي المطلوب في كل مجالات الحياة. شارك في هذا التحقيق: غادة بخش من جدة، ميرفت عوف من فلسطين، منير أديب من مصر |