الديموقراطية في مجتمعاتنا الثائرة
عَرَفت دول العالم الغربي أنظمةً ديمقراطية سبقتنا بها منذ قيام الثورة الفرنسية وبداية عصر النهضة ومازالت تلتزم بها إلى اليوم ,أنظمة تعتمد على حق الشعوب في تقرير مصيرها وحريتها في اختيار حاكمها مما انسحب على كل مسارات الحياة من الأسرة وإلى المدرسة وحتى الدستور والقانون ,بينما تخلى العالم العربي عن مبدأ الشورى في اختيار حاكمه منذ تولِّي معاوية الحكم وتوريثه الملك لابنه يزيد ومازال العرب يطبِّقون منهج معاوية ومن بعده بأشكالٍ مختلفة من ملكية وديمقراطية مزيّفة لم يأخذوا منها سوى الاسم ,لقد فشل العرب في اختيار حاكم يدير شؤونهم العامة بعدلٍ ونزاهة لأسبابٍ كثيرة ليس أوّلها تفرق كلمتهم وقعود العامة عن المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والعامة وليس آخرها الأساليب الإجرامية التي يتبِّعها الرؤساء والملوك في الحفاظ على أماكنهم كنخب متسلِّطة مستحوِذة على الثروات ومتحكِّمة في كل مفاصل الدولة.
بالتأكيد الشعوب العربية اليوم تتوق للحرية ولتطبيق مبدأ الشورى من خلال النظام الديمقراطي الذي يعدّ من أفضل الأنظمة التي عرفها وأبدعها الإنسان ,وإن كان هناك نظاماً أفضل من الديمقراطية يحقق الحرية والعدالة للشعوب العربية فعليهم أن يختاروه دون أدنى شكّ..
ثم جاءت الثورات لتعيد تصحيح المسار وتحاول البحث عن طريق الحرية والدولة المدنية التي يحكمها الشعب وفق الشريعة التي ارتضاها كما كانت إبان الخلافة الراشدة,ولكن علينا أن نفتح أعيننا على جملة من المشكلات التي يمكن أن تواجه الشعوب ومن سيحكمها في هذه المرحلة الحرجة مرحلة التغيير ,وذلك أن الشعوب العربية وحكوماتها حديثة عهد بالديمقراطية نتيجة طول عهد العبودية الذي عاشته...وسأحاول توضيح بعض هذه المشكلات في النقاط التالية:
1-الحياة البائسة....معظم الشعوب العربية تعاني الفقر والفاقة لذلك فقد تبيع العدالة بالمال ,فترشّح رئيساً يعِدها بخطة إقتصادية محبوكة تفتح لهم جنان الخلد وتنسى كيف تقيس هذه الخطة على الحقائق والوقائع والقدرات الفعلية للبلاد,والتي غالباً ما تكون هذه الخطة مجرد فقاعة وحلم لذيذ يدغدغ عواطفهم.
2-القابلية للخضوع ....بقدر ما أن الحرية حق هي أيضاً تتضمن مسؤولية , مسؤولية تجاه المجتمع بالبناء والتطوير والتعاون والتنافس والمشاركة..ومسؤولية تجاه الحكومة بالمراقبة والمتابعة والمساءلة والنقد والمشاركة أيضا ,و رزوح الشعوب العربية تحت وطأة الحاكم الواحد الأوحد وعدم اعتيادها على المشاركة الفاعلة قد يفشل العملية الديمقراطية في بداياتها فيكون الحاكم يمثِّل فئة قليلة جدا...كما أن الإحجام عن المشاركة يعطِّل كثيراً من الجهود التي ستبذلها الحكومة المنتخبة... فهناك احتمال كبير أن تطالب الجماهير بمزيد من القيود والقوانين الصارمة .. لاستعادة الماضي وتكراره للعودة إلى السلبية التي عاشتها الشعوب ماقد يسبب اضطرابات وتغيير للمسار الديمقراطي ما قد يعيد الإستبداد ولو بشكل محسّن أو مختلف وهو ما أسميه القابلية للخضوع.
3-العاطفة الدينية القوية لدى الشعوب وعدم التفريق بين الدين والسياسة... مطالبة بعض الفئات بضرورة كبح الحريات وتكميم الأفواه ومحاصرة الأفكار وإقصاء الآخر وإقناع الجماهير بذلك بلباس ديني في محاولة لفرض رؤيتهم الخاصة واستعادة التاريخ أمر وارد جدا خاصة في بلد مثل اليمن.
4-الأحزاب السياسية......الأحزاب التي تتنافس في الإنتخابات الرئاسية في جميع الدول التي قامت فيها الثورات أحزاب مؤسسة قديمة ولها تاريخ ومن يعملون فيها هم ممن تربّوا على أيدي الإستبداد,فهناك إحتمال كبير لتطبيق ذات الأمر على الشعوب من جديد أي سياسة الإستبداد ..إذا لم تحرص هذه الأحزاب على تجديد دمائها وإشراك الشباب المتّقد في العملية السياسية كقيادات عليا وإدارات تنفيذية لإقحامهم في الواقع من جهة فهم الأقدر على إنتاج الأفكار الجديدة والأكثر جرأة على تنفيذها في الواقع..ومن جهة أخرى تربيتهم على المواجهة في سن مبكرة حتى يتم إعدادهم للمستقبل.
5-الوصاية الخارجية...قد تقع بعض الدول فريسةً للوصاية الخارجية على يد قوى إقليمية أو دولية بغرض المحافظة على مصالح البلاد وضمان الحرية والإستقرار لها ..بالرغم من أن الحرية الحقيقية والإستقرار يبدأ بالإستقلال التام دون التبعية لأي أحد ..وذلك بتحديد الأهداف الرئيسية ووضع خطة محكمة تشترك في تنفيذها جميع القوى والأحزاب للوصول بالبلاد إلى برّ الأمان.
ربما ينظر البعض إلى ما سجلته من ملاحظات وإشكالات قد تواجه الدول والحكومات العربية في المستقبل على أنه نوع من التشاؤم والنظرة السوداوية...ولكن الحقيقة أننا أحيانا نكون بحاجة إلى أن ننظر إلى الواقع بهذه الطريقة التي تضع الأصبع على الجرح حتى نستشف منه ما قد نتوقع حدوثه مستقبلا فنتفاداه ونحاول علاجه من الآن وقبل أن يستفحل الداء...وهذا ليس كل شيء فبالتأكيد هناك العديد من المشكلات التي ستواجهنا أثناء مرحلة التغيير ..فهذه طبيعة الحياة وما علينا سوى الإستعانة بالله ودراسة الحاضر بشفافية و الإستعداد لمواجهة مشكلات المستقبل والإعداد لذلك بكل جرأة ومصداقية ..بعيدا عن العاطفة والوهم الكاذب
علاباوزير
https://www.facebook.com/OlaBawazear?ref=tn_tnmn
https://twitter.com/#!/OlaBawazear
ساحة النقاش