شهر واحد فقط قد مضى على قمة كوبنهاجن التي عقدت لمواجهة مشكلة التغيرات المناخية والتي منيت بفشل ذريع، بعد طحن وضجيج سبقها لأكثر من عامين .. وصدق عليها المثل الشائع (تمخض الجمل فولد فأراً).

شهر واحد فقط مضى على مولد التغيرات المناخية.. وكأن العالم لم يتعظ، إذ احتشدوا من جديد قادة وحكوميون ومنظمات بيئية دولية، وحطوا رحالهم هذه المرة في العاصمة الألمانية برلين خلال الشهر الماضي بمناسبة انطلاق العام الدولي للتنوع الحيوي وبدأت التحذيرات تنطلق هذه المرة من برلين وكأن هناك أذن تسمع او تنصت، فبين من قائل إن الزمة البيئية العالمية الراهنة تقضي على التنوع الحيوي، وآخر يشدد على أهمية الحياة في الأرض مع ضرورة الحفاظ على قيم التنوع لحياتنا ولمستقبل الأجيال القادمة، وأخيراً يؤكد على ان صيانة تنوع الفصائل والأنواع الطبيعية شرط جوهري لاستمرار حياة البشر.

والواقع المؤلم يؤكد أن التنوع الحيوي في العالم أجمع يعاني في الأساس من أخطار بشرية طاحنة.. فقد أكدت كبريات المنظمات البيئية العالمية وفي مقدمتها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة حسبما أفادت وكالة انتربرايس سيرفس العالمية أكدت أن 17,000 نوعاً يواجهون الآن خطر الانقراض الفوري، وذلك من أصل 47,677 نوعاً مهدداً جرى رصدهم وتسجيلهم، وهو الأمر الذي يدل على أن عدد الأنواع المهددة بالانقراض في تزايد مستمر.

وما أشرت إليه في البداية من أن العالم على أعتاب فشل بيئي جديد أكدته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بمناسبة الاحتفال ببداية العام الدولي للتنوع الحيوي في برلين بضرورة عكس هذا التوجه على الفور وليس فيما بعد، ثم أقرت بأن الهدف الذي حددته مؤتمرات عالمية عقدت على مدى عقد كامل بوقف انقراض النواع بحلول هذا العام 2010 قد اتضح أنه هدف وهمي.

وقد أوضح الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) أيضاً أن 50% من كافة البرمائيات مهددة بالانقراض، وأدرج على قائمة الأنواع المهددة بالانقراض أيضاً 70% من الحياة النباتية، و37% من أسماك المياه العذبة، و28% من الزواحف، و21%من الثدييات،و12% من جميع الطيور.

والمحزن هو ما أعلنه الصندوق العالمي للطبيعة من ان 27% من الأنواع قد انقرضت بالفعل خلال الفترة من 1970 حتى 2005.. جدير بالذكر أنه تم بالفعل حصر نحو 1,75 مليون نوعاً أغلبها من الكائنات الصغيرة كالحشرات والكائنات الحية المجهرية، حيث قد العلماء أن هناك 13 مليون نوعاً حياً موجوداً في الوقت الراهن.

ولابد وأن نشير في هذا الصدد إلى أن التنوع الحيوي يشمل أيضاً الاختلافات الجينية في صلب كل نوع او فصيلة، مثل أنواع المحاصيل وسلالات الماشية المختلفة.. كما أن هناك تنوع النظم الإيكولوجية كالصحاري والغابات والجبال والبحيرات والأنهار والمشاهد الطبيعية الأخرى.. وفي كل هذه النظم هناك الكائنات التي تحيا فيها وترسم صورة التنوع الحيوي في العالم كله من بشر وحيوانات ونباتات وعناصر البيئة الطبيعية المختلفة التي تصيغ في النهاية منظومة المحيط الحيوي المتنوعة.

ولاشك أن اختلال التنوع الحيوي لا يمثل فقط خسارة بيئية فادحة .. ولكنه يمثل كذلك خسارة اقتصادية أفدح حيث قدر مشروع (اقتصاديات النظم الإيكولوجية والتنوع الحيوي الذي يموله الاتحاد الأوروبي) قدر الخسائر الناتجة عن هلاك الحيوانات والنباتات بنحو خمسة مليارات يورو في السنة الواحدة .. كما قدرت الدراسة المعنية بقياس اهمية التنوع الحيوي من الناحية الاقتصادية قيمة الخسائر الناجمة عن انقراض الأنواع الحيوية في الفترة من 2000 -2050 بحوالي 7% من إجمالي الناتج العالمي.

كذلك نجد أن استثمارات تتراوح قيمتها بين 40 إلى 45 مليار دولار سنوياً ستكون ضرورية لموازنة هذه الخسائر الناتجة عن تدمير الشعاب المرجانية، وتعرية التربة، والزراعة المكثفة، والحصاد المفرط للاستهلاك البشري، وغيرها من الظواهر بسبب النشاطات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة.

ويبقى في النهاية التساؤل ذاته قائماً متى يفيق العالم من غفوته ويولي مزيداً من الأهمية سواء لحماية التنوع الحيوي أو الحد من ظاهرة التغيرات المناخية أو الإهدار البيئي بشكل عام؟

أو دعونا نتساءل فقط كيف يحمي الإنسان .. الإنسان؟

المصدر: المكتب العربي للشباب والبيئة
  • Currently 179/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
59 تصويتات / 1726 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

156,137