مواجهة الكوارث الطبيعية بين الإمكانيات والقدرات
عين الإنتقاد واسعة تجوب فى كل الأرجاء تلتقط الأخطاء والسلبيات وتبرزها بقوة ولكنها قد لا تغطى الحقيقة أو فيما تفعله تتوخى الحقيقة الكاملة لأنها ينقصها فى معظم الأحوال الموضوعية التي عليها أن تأخذ إلى جانب الظاهر والمنظور تلك الأمور لا نقول الخفية ولكن غير الحاضرة فى الموقف ... لذلك سرعان ما تكون الأحكام المطلقة هى السائدة والتى قد تؤدى فى بعض الأحوال إلى التجريح بل وإصابة الطرف الأخر وهم عادة ما يكونوا من التنفيذين بالإحباط الإ أنها على الرغم من أن ظاهرها يسعى إلى البنيان الإ أنها تصير أداة هدم وتشيع روح الإحباط والقنوط لديهم .. لذلك فنحن فى حاجة إلى الموضوعية فى التناول والمعالجة وذلك هو الغائب الحاضر فى كل ما يعترضنا من مشاكل وتحديات وهو فى العادة ما يؤدى على إطالة الوقت المطلوب بالمواجهة نتيجة عدم التفتح وتقاعس الهمم ... ذلك ما يحدث عند مواجهة أية ظرف طارئ أو كارثة من الكوارث الطبيعية التى تكون فى العادة فوق الإمكانيات المتاحة أو يكون هناك عدم إستعداد لها أو بالمعنى الدقيق إعداد والفرق بين الاثنين واضح فالإستعداد يعنى العلم بالمشكلة والإلمام بها ومن ثم الإستعداد لملاقاتها ولكن ذلك الإستعداد لابد وأن يصبح أو يدخل فى مرحلة متقدمة أى مرحلة الإعداد والأخير لكى ما يحقق فلابد له من إمكانيات وموارد وتخصيص ميزانيات كبيرة ليس فقط لتوفير المتطلبات المادية ولكن أيضاً للإنفاق على البحث العلمى وهى تلك المرحلة السابقة أى التى تسبق وقوع الأزمات والكوارث الطبيعية فقد تكون لدينا المعرفة أو نعرف ما يمكن أن يحدث ويتم الإستعداد له ولكن الإستعداد بالمعرفة وحده لا يكفى أو من خلال التسلم بنية المواجهة دون توفير الأدوات والوسائل المادية فذلك لا يعنى شيئاً حال وقوع الأزمة أو الكارثة لأننا نظل نعمل فى دائرة النوايا التى لا تفيد عند وقوع الأزمة إن لم تترجم إلى واقع عملى يتمثل فى توفير أدوات وبدائل المواجهة " لذلك فإن إدارة الأزمات والكوارث كمفهوم له العديد من الشروط المسبقة الواجب توافرها "Pre Requisites" التى يجب أن تتوفر كى ما يتحقق ذلك المفهوم على المستوى العملى ويؤتى ثمارة عندما تقع الأزمات وأن تحقق المفهوم على المستوى النظرى وحده غير كافِ ولن يغنى أو يسمن عن جوع ... بمعنى أن علم إدارة الأزمات وحده غير كافِ وإن كان يعد ضرورى وكافِ وأساسي كأساس وقاعدة معرفية وأن بناء القدرات "capacity building" على مستوى الموارد البشرية بتأهليها على مناهج إدارة الأزمات وهو إن كان يعد أيضاً أساس وقاعدة مطلوبة ومسبقة فهو أيضاً لا يعد كافِ أو لا تظهر أثاره عند وقوع الأزمات إن لم تتوفر له الإمكانيات والوسائل والأدوات والخطط العلمية أى على مستوى التطبيق " ولعل ذلك هو ما يجعلنا أو جعل البعض منا فى أعقاب وقوع تلك السيول الجارفة التى تعرضت لها منطقة شمال سيناء يؤكد على قصور إدارة الأزمات لدينا وقد كان لهم العديد من المؤشرات والدلائل التى إستخدموها للتدليل على ذلك وهى لا تعدو أن تكون سوى إلتقاط أو إستنباط مما وقع من نتائج وتداعيات ترتبت على هذه السيول أولها عدم الترتيب والتنسيق عند التعامل مع هذه الكارثة أى ما ترتب عليها من أثار ودللوا على ذلك بمرور أكثر من عشر ساعات قبل التحرك للوصول إلى موقع الكارثة وهى فترة بالفعل تعد طويلة نسبياً ولكن ذلك يتوقف فى الأول والأخر على عدة عوامل أخرى لم تكن متوفرة لا أقول لدينا بل أية دولة أخرى من الدول التى ننتمى إليها وهى الدول النامية التى تحاصرها الأزمات من كل حدب و صوب بل أن ما حدث لدينا قد يحدث بالنسبة لعدد من الدول الأخرى التى تنتمى لشريحة الدول الكبرى والمتقدمة .... إذا أن ذلك لا يتوقف فقط على توفر الوسائل والأدوات والتقنيات المتوفرة ولكن أيضاً على مدى التقدم التكنولوجى فيها ووسائل الإتصال وأدوات التعامل مع مثل هذه الكوارث الطبيعية .. وفى أحيان أخرى على الرغم من توفر الأدوات والوسائل والإستعدادات فقد يكون حجم الكارثة وقوتها على النحو غير المتوقع "Anticipated" ويفوق هذه الإمكانيات والإستعدادات على نحو كبير مما يؤدى إلى خلق تلك الحالة من العجز والقصور فى المواجهة وفى إدارة الأزمة ثانياً أعداد المضارين وكمية الخسائر وعجز الموارد الحالية أو المتاحة عن تعويض المضارين بالنحو الكافى وحتى ذلك أيضاً يتعلق بقوة الدولة الإقتصادية ومدى ما يتوفر لديها من موارد ولاسيما وأن مثل هذه الأحداث تعد من الطوارئ أى التى لم يتم تخصيصة بنود لها فى الموازنات العامة للدولة أو أن ما يتم تخصيصه لها قد يكون صغير جداً مقارنة بالحادث أو الكوارث الواقعة من حيث حجم الخسائر المترتبة عليها والتى فى معظم الأحوال ما تكون فوق أو بما يتجاوز إمكانيات أية دولة على السواء سواءً من الدول المتقدمة أو النامية على السواء فبماذا نفسر عجز الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا على مواجهة العديد من الكوارث الطبيعية التى وقعت عليها وشردت أعداد كبيرة من المواطنين وقتلت أعداد كبيرة من الضحايا والإ فبماذا نفسر كيف أن أقوى وأغنى دولة فى العالم قد وقفت تمديدها لجميع دول العالم لمساعدتها لمواجهة تداعيات إعصار " كاثرين " وهى الولايات المتحدة وذلك يؤكد على فداحة وضخامة تداعيات هذه الكوارث الطبيعية وإن توفر الإمكانيات والقدرات تعد العنصر المسيطرة "Dominant" فى منظومة إدارتها وهناك العديد من الإحصائيات التى تؤكد مدى قوة هذه الكوارث الطبيعية والتى تعجز عنها وعن إدارة الكوارث والقائمين عليها .. كانت فترة 1999 هى أكثر الفترات كارثية فى تاريخ أوروبا وهى نتيجة لعدة عواصف مثل إعصار "مارتين ولوثر" والتى كان نطاقها " إسكندنافيا ، فرنسا ، ألمانيا " وكانت حصيلتها 150 قتيل وأن خسائرها الإقتصادية فقد قدرت بــ 6.7 مليار والتى كانت فى صورة تعويضات للمضارين كان نصيب إعصار أنتول الإقتصادية منها حوالى 500 مليون وأن عدد القتلى من جراء إرتفاع درجات الحرارة فى صيف 2003 فى أوروبا قد وصلت إلى 221 ألف شخص وفى فرنسا وحدها قد بلغ عدد الوفيات حوالى 15 ألف شخص وفى أوروبا قد وصل عدد القتلى إلى حوالى 6.7 ألف شخص وفى أمريكا وصل إلى 18 ألف شخص كل ذلك يدلل وبقوة على مدى القوة التدميرية لهذه الظواهر التى عادة ما تكون غير متوقعة وفى نفس الوقت تبين مدى نسبة العجز والقصور التى يمكن أن تصيب القائمين على إدارة الأزمات والكوارث الطبيعية وإذا كان الأمر على ذلك النحو بالنسبة للدول المتقدمة فكم وكم يكون بالنسبة للدول النامية التى تحاصرها الأزمات من كل جانب مع تراجع وإنحدار شديد فى الإمكانيات والموارد وتلك هى الحقيقة الغائبة فى تقييم عملية إدارة الكوارث وإدارة الأزمات ... ناهيك عن عامل أخر وهو حداثة ذلك الفرع من المعرفة وهو إدارة الأزمات والكوارث ليس لدينا فقط ولكن بالنسبة لمعظم دول العالم النامى وهى قريبة العهد كما أنها لم تتأهل على النحو الكافئ " لذلك فإن توخى الموضوعية والمقارنة التى تعتمد على النسبية وليس الإطلاق يعد أحد العوامل الهامة والمحورية والتى تصبح فى هذه الحالة بمثابة العصمة التى تعصمنا من الإطلاق فى الأحكام التى تضر ولا تنفع وتهدم ولا تبنى .
ساحة النقاش