نحو تعريف جديد لمفهوم الفقر

ــــــــــــــــ

أن أزمة الغذاء العالمية التي تواجه العالم منذ الثمانينات يعد الوجه البارز لها من حيث الملامح هو الصحراء الأفريقية في تقاطيعها وهى عدم توفر الغذاء وانتشار الجوع في ذلك الجزء من العالم الذى يعد الاكثرها فقراً على الإطلاق .. وهذه الأزمة قد تبعها تلك الموجات من الجفاف التى ضربت دول غرب أفريقيا فى السبعينات وان المعضلة الحالية لها لا تتمثل فى سوء  الأحوال الجوية أو حتى فى تلك المشكلة الرئيسية التى تتمثل فى تلك  المجاعة  أو حتى فى تلك الاشكالية التى  تعنى كيفية توطين وإطعام هؤلاء المشردين   .. إذ أن برامج الاغاثة من الكوارث يمكن لها أن تضطلع بهذه المهمة سواء من حيث إطعام وتوطين هؤلاء اللاجئين كما أن أزمة الغذاء الحالية التي تواجة القارة الأفريقية  على المدى الطويل تكمن فى الطبيعة والتي ترجع في تكوينها لحقبتين من الزمن وهى التي تحيط بالقارة هي نتاح عاملين مترابطين وهما فجوة فى إنتاج  المواد الغذائية والجوع وتحدث الفجوة فى انتاج المواد الغذائية من ذلك التدهور المفزع فى عملية إنتاج الغذاء الذى يقابله زيادة كبيرة فى السكان خلال الأحقاب الماضية ..كما أن الجوع وسوء التغذية يعدان السبب المباشر وراء حدوث الفقر حتى فى تلك المناطق التى لا تقل فيها إنتاجية الطعام فالفقراء ليس لديهم الدخول أو الموارد التى تمكنهم من مواجهة الجوع وسوء التغذية .

وأن حوالى 36 من الدول الفقيرة فى العالم بعد مايقرب من حقبتين من زيادة المواد الغذائية التجارية والمعونات تعيش الأن حالة من الإعياء والركود الإقتصادى مع زيادة العجز فى ميزان المدفوعات التجاري والدين العام .. لقد فرض الركود الاقتصادي العالمي على الدول الأفريقية قيداً وعائقاً ولاسيما تلك الدول ذات الاقتصاديات الموجهة ومن المقترح أن تتم عملية مواجهة العجز في إنتاج الغذاء الافريقي من خلال محاولة زيادة الانتاجية والامتداد نحو الخارج وإن كان ذلك لم يعد بالحل الأمثل نظراً لعمومية وشمولية أزمة الغذاء العالمى فى ظل الركود الاقتصادى العالمى والأزمة المالية التى طرحت ظلالها على كافة اقتصاديات دول العالم .. وقد أستوجب ذلك البحث عن تعريف جديد لمفهوم الفقر أبعد من حيث مداه عن المفهوم التقليدى لمفهوم الفقر لذلك يمكن من هذا المنطلق تعريف الفقر على أنه يتجاوز مجرد التراجع في الدخول عن والموارد الانتاجية  productive resources   ليشمل كيفية تأمين سبل المعيشة المستدامة sustainable livelihood  وأن شكله وملامحة تشتمل على الجوع وسوء التغذية وكذلك محدودية القدرة للوصول إلى التعليم  والحصول على بعض الخدمات الأساسية ويتدرج تحت ذلك  التعريف الشمولي الجديد أيضاً التمييز العنصري والعزل وكذلك نقص المشاركة في عملية صنع القرار وهنا نجد وضوح البعد الاجتماعي السياسي إلى جانب البعد الاقتصادي الذي كان يرتكز عليه تعريف الفقر وتحديد المؤشرات الدالة عليه دون أن يتضمن ذلك أية أبعاد  اجتماعية وسياسة وتتحمل بعض المؤسسات الاجتماعية الحد من أعباء الفقر .. وطبقاً للقمة العالمية الاجتماعية فأن عملية الحد من الفقر قد تم تعريفها على أنها جهة ضرورة حتمية وأخلاقية واجتماعية وسياسة واقتصادية على البشرية وقد وجهت الدعوة للحكومات بأن تتعامل مع المشكلة من جذورها أي مع تلك الأسباب التي تؤدى إلى تفاقم ظاهرة الفقر وأن تعمل في ذات الوقت على توفير الاحتياجات الأساسية للمجتمع والتأكد من أن الفقراء يمكنهم الوصول إلى مصادر الإنتاج بما فيها الاقتراض والتعليم والتدريب .. ومن منطلق الإقرار بضآلة التقدم فى جهود مواجهة الفقر والحد منه فإن الدورة الرابعة والعشرين الاستثنائية للجمعية العامة قد خصصت لمراجعة إجراءات وخطوات كوبنهاجن وقد قررت أن تحدد الأهداف من أجل التقليل والحد من أوضاع الناس الذين يعيشون فى حالة فقر مدقع إلى النصف بحلول عام 2015 وأن ذلك الهدف قد طرح من جانب قمة الألفية  على إعتبار أنه هدف الألفية للتنمية .

        أن الحد من الفقر كهدف لابد وأن يدرج فى السياسات وخطط العمل القومية فى إطار أهداف التنمية المتفق عليها على المستوى الدولى وعلى أن تكون بمثابة جزء من أجندة التنمية المؤسسة للأمم المتحدة وأن تدمج فى المؤتمرات فى القمم التى تعقدها الأمم المتحدة فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها ممن لهم علاقة بذلك الموضوع .

        أن الحقبة الثانية للأمم المتحدة للحد من الفقر ( 2008-2017 ) التي أعلنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر 2007 قد هدفت إلى تدعيم ذلك الإطار الأوسع  للحد من الفقر وفى ذات الوقت التأكيد على الحاجة لتقوية وتدعيم الدور القيادي للأمم المتحدة في دعم التعاون الدولى من أجل تحقيق التنمية التى تعد ذات أهمية من أجل الحد من الفقر.

وقد بات من المتفق علية الحاجة إلى منظور اجتماعي social perception  للتنمية يعمل على مواجه الفقر فى كل أبعاده .. ويدعم فى ذلك الوقت ذلك التوجه الذى يجعل البشر بمثابة المقترب المركزى للحد من الفقر والذى يكرس ويسعى إلى تمكين هؤلاء الذين يرزحون تحت نير الفقر من خلال المشاركة الكاملة في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على نحو خاص في وضع الخطط والسياسات وأيضا تطبيقها.. تلك التي من شأنها التأثير على مستقيل الفقراء والمهمشين في المجتمع .. إن الحاجة الآن إلى إستراتجية متكاملة للحد من الفقر تستوجب تطبيق خطط وسياسات تتحرك باتجاه تحقيق المزيد من المساواة في توزيع الثروة والدخل وتوفير غطاء الحماية الاجتماعية ..

أن أية منظور اجتماعي يدور حول إشكالية الحد من الفقر لابد وأن يتضمن جدلاً حول فاعلية وحدود التأثير للإستراتجيات الحالية للحد من الفقر .. كما أن أية تحليلات علمية لظاهرة الفقر من المنظور الاجتماعي تطلب دراسة كبيرة لرفع السياسيات الاقتصادية والاجتماعية على الفقراء والجماعات المهمشة .. أن الفقر وتحليلاته الخاصة بأثر الفقر ( ( pcic   تعمل بمثابة أداء لقياس كل من الأثر الاجتماعي والاقتصادي للإصلاحات على مختلف المجموعات الاجتماعية وكذلك دخولهم .. ومن المحتمل أن يؤدى تقرير الأثر إلى إثارة جدل ونقاش على المستوى القومي حول البدائل والاختيارات التي تعود في النهاية إلى إمتلاك إستراتيجيات تنموية قومية وفى ذات الوقت يؤدى إلى تفعيل إجراءات كوبنهاجن .. كل ذلك يؤكد على مدى تعقد ظاهرة الفقر وأسبابها وأيضا شموليتها وهو ما يفرض البحث عن مقترب شمولي يتفق وخصائص هذه الظاهرة الشمولية والمتعددة الأبعاد والمتجذرة الأسباب مما يصعب من إقتلاعها .                  

المصدر: د. جميل جورجي / المكتب العربي للشباب والبيئة
  • Currently 229/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
75 تصويتات / 3069 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

150,145