نماذج مضيئة في سيريلانكا وفيتنام وكينيا تثبت الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الاستعداد ومواجهة المخاطر المتوقعة

في كل يوم تزداد التحديات البيئية المختلفة منذرة بمخاطر جديدة لا يعلم إلا الله مداها .. وهو الأمر الذي دفع ببرنامج الأمم المتحدة للاستراتيجية الدولية للحد من المخاطر منذ نشأته وحتى الآن إلى بذل مزيد من الجهد لوضع آليات محددة لتخفيف حدة هذه المخاطر وبالتبعية  الحد من الكوارث بصورة أكثر إيجابية عما مضى.

وقد استعرضنا في العدد السابق بعضاً من هذه الآليات وفي مقدمتها حتمية إشراك المسئولين عن البيئة في كل قطر في آلية إدارة المخاطر بصورة أو بأخرى، وطرحنا التجربة السيريلانكية كنموذج إيجابي للدول النامية التي نجحت في وضع (خارطة طريق) لإدارة أخطار الكوارث، وتناولنا كذلك ضرورة تضمين معايير تخفيف الخطر في الهياكل البيئية التنظيمية.

ونواصل عزيزي القارئ في هذا العدد من منتدى البيئة طرح مزيد من الآليات التي تساعد على الحد من المخاطر المتوقعة والتي يمكن لا قدر الله أن تؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها.

وبالإضافة إلى تقييمات الآثار البيئية، تستخدم عدة آليات أخرى للتحليلات البيئية، ومن اهمها التحليل البيئي الاستراتيجي، وهو منهج لتطوير مدخلات لسياسات أو خطط محددة وقد تم استخدام هذا التحليل في 14 دولة في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا ووسط أوروبا. وعلى سبيل المثال فقد قامت حكومة سريلانكا كما ذكرنا باتباع خطوات لاستخدام التحليل البيئي الاستراتيجي لمراجعة الخيارات البيئية في خطط تطوير القرى كما قامت باستكشاف إمكانية دمج إخطار الكوارث في منهجيات التحليل البيئي الاستراتيجي.

 

 تقييم التغير البيئي كعنصر من عناصر الخطر

أن تقييمات الخطر تعد أساس استراتيجيات تخفيفه والتخطيط للطوارئ، ويتعين أن تكون أساسا لخطط التنمية أيضا. وسواء تم أجراء هذه التقييمات على المستوى المحلي أو الوطني، يتعين حسبان التغيير البيئي كعامل من عوامل الخطر. فعلى سبيل المثال، يتعين ان تشمل تحليلات الخطر في المناطق الساحلية عامل ارتفاع منسوب البحر.

كما يذكرنا التركيز على التغيير البيئي كعامل من عوامل الخطر بأن الخطر يتغير عبر الزمن، ولذلك يتعين أن يأخذ ذلك في الاعتبار من خلال تحديث التقييمات بصفة دورية.

 

صناعة خرائط للأخطار المتوقعة

صناعة خرائط للأخطار المتوقعة مهمة أساسية للهيئات البيئية التي تخزن البيانات الرئيسية والتي تمتلك قدرات جيدة على صنع هذه الخرائط. وللأسف فإن وجود تلك الخرائط إذا تم وضعها من الأساس غير معروف للشركاء الآخرين. ويتعين أن تأخذ خرائط الأخطار المعلومات الاجتماعية والاقتصادية في الاعتبار بالإضافة إلى العوامل المادية خاصة على المستوى المحلي.

وبالإضافة إلى تحديد المخاطر (من الفياضانات والزلازل إلخ...) فقد قامت بعض الهيئات البيئية في بعض الدول النامية بصنع خرائط للمناطق الحساسة التي يمكن أن تتأثر بالكوارث، ففي كينيا يوفر "أطلس حساسية البيئة للمنطقة الساحلية" معلومات خول توزيع الموارد الطبيعية على الساحل لدعم جهود مراكز اتخاذ القرار للتعامل مع التسربات النفطية.

 

المعرفة المحلية أداة في إدارة أخطار الكوارث

إن الحفاظ على البيئة وإدارة الكوارث عاملين أساسيين في سبل عيش السكان المحليين الذين يقطنون المناطق الأكثر عرضة للخطر. وقد قام هؤلاء – من خلال خبرتهم الطويلة – بتجميع كم هائل من المعلومات عن الأخطار والأحداث البيئية. وتعد هذه المعلومات موردا قيما يسهم في الحفاظ على البيئية وإدارة الكوارث في هذه المناطق. ومع تمزق أنماط المعيشة التقليدية، فإن الحفاظ على استمرارية المعرفة التقليدية من جيل إلى جيل أصبح تحد صعب. وهو الأمر الذي يحتم اعتبار المعرفة المحلية عاملا مكملا للعلم في تطوير خطط إدارة الكوارث على المستوى المحلي.

وإذا كان العلم والتكنولوجيا أساس تخفيف أخطار الكوارث وتنفيذ خطة عمل إطار هيوغو. إلا أن الأساس العلمي للربط بين الإدارة البيئية وحدة وتواتر الأخطار الطبيعية ما زال ناقصا ويفتقر إلى الدعم من المؤسسات الوطنية والدولية. وبينما توجد بعض أمثلة التميز التي من الممكن أن تسهم في تعميق فهم تلك العلاقات، فإن إشراك صانعي السياسات من شأنه أن يحفز البحث الذي يحدد الفرص المبتكرة لتخفيف أخطار الكوارث. وبصفة عامة، فإن استثمارات أكثر مطلوبة لتحديد الخيارات التكنولوجية البديلة وتشجيع الابتكار في مجال الحلول صديقة البيئة لتخفيف المخاطر.

 

بنجلاديش ودعم الممارسات المحلية

ففي بنجلاديش يتم استخدام الطين النهري مثلاً في رفع البيوت فوق منسوب الفياضانات. ويتم تشجيع السكان على زرع الأشجار حول بيوتهم لحماية التربة من التآكل.

وقد قام المركز الآسيوي للتحضير للكوارث ADPC بالتعاون مع CARE بتشجيع ودعم استمرار استخدام هذه الوسيلة في بلديات "تونجي" و"جايباندا". وقد كانت مشاركة أصحاب المصلحة الرئيسيين وقيادات المجتمع المحلي وأعضائه عنصرا أساسيا في تطوير خطة لإدارة خطر الكوارث. وقد تم إشراك المجتمع المحلي لتحديد مدى تعرضهم للخطر من خلال استخدام "ادوات التقييم الإشراكية في المناطق الريفية".

وبالإضافة إلى ذلك فقد تم تنفيذ أنشطة توعية، وقامت حملة لزيادة الوعي بتعليم السكان بعض الإجراءات المنزلية البسيطة التي ممكن أن تستخدم للاستعداد للفيضان السنوي.

وقد تم إنشاء بعض البيوت الإرشادية المقاومة للفيضانات باستخدام وسيلة رفع البيوت وذلك باستخدام المعونة المالية من مساهمي المشروع. وقد تم تنفيذ هذا المشورع في أربعة بلديات في شمال بنجلاديش وتقوم منظمات أخرى أيضا بتشجيع استخدام هذه الوسيلة المحلية في البلاد.

إن الظروف الطبيعة تغير حدة ومدى تكرار الكوارث وتؤثر على الموانع الطبيعية التي من شأنها تخفيف آثار الكوارث وحماية المجتمعات. كما أن الحفاظ على الوحدات الأيكولوجية الأساسية يقلل انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري وبذلك تقلل فرص حدوث كوارث مستقبلية. كما أن الوحدات الإيكولوجية الأساسية القادرة على إعالة السكان بصورة مستدامة تقلل الآثار الاجتماعية والاقتصادية للكوارث على المجتمعات. ولذلك فإن الاستثمار في الوحدات الإيكولوجية الأساسية سيؤدي إلى توفيرات كبيرة.

إن تطوير ونشر التكنولوجيا الجديدة لإدارة الموارد الطبيعية يقدم فرصا عديدة لتخفيف الخطر.

 

علم المخاطر

في يناير عام 2005 قام المجلس الدولي للعلوم بطرح مبادرة لتطوير برامج حول المخاطر الطبيعية والمخاطر من صنع الإنسان. وقد دعى المجلس إلى إجراء بحوث جديدة في مجالات:

·        آثار الكوارث الطبيعية على النظم الاجتماعية والإيكولوجية

·        اتفاقية حول إطار دولي للمراقبة لجمع المعلومات والبيانات حول الكوارث الطبيعية

·        صنع خرائط لتعرض السكان والموارد والأنشطة الاقتصادية للكوارث المتعددة.

·        محاكيات تجمع بين الأوجه الجيوفيزيقية والإيكولوجية والاقتصادية والديموغرافية لسيناريوهات الكوارث

·        بناء قدرات علمية محلية في المناطق الحساسة لاستثمار المعرفة المتراكمة وتحفيز الابتكار

·        نشر النتائج ذات الصلة وعرضها على صناع السياسة والجمهور

 

حساب قيمة الخدمات الإيكولوجية

وبينما تعتمد درجة الحماية التي توفرها الوحدات الإيكولوجية الأساسية على عدد من العوامل، فقد سعى العلماء إلى حساب "الربح من الوقاية" وهذه بعض الأمثلة على هذه الطريقة الإيجابية:

·        حددت دراسة أن الحفاظ على الغابات حول نهر "فوهيترا" في شرق مدغشقر تبلغ قيمته 126,000 دولار أمريكي ناتجة عن الضرر الأقل الذي تسببه الفياضانات على زراعات الأرز.

·        يلعب مستنقع "موثورجاويلا" في سريلانكا – والذي يغطي مساحة 3100 هكتار – دورا هاما في السيطرة على الفيضانات لأنه يخفف سرعة اندفاع المياه من الأنهار ويقوم بصرفها ببطء في البحر. وقد تم حساب قيمة هذه الخدمة بحوالي 5 ملايين دولار سنويا أو حوالي 1,750 دولار لكل هكتار.

·        إن تثبيت الشاطئ مهم أيضا في الأنهار الداخلية، ففي شرق المملكة المتحدة تم تقدير تكلفة خسارة النباتات على شواطئ الأنهار بحوالي 425 دورا لكل متر مربع (تكلفة بناء مثبتات صناعية لمنع التآكل).

·        في إندونيسيا تم تقدير قيمة الحماية الساحلية التي توفرها غابات المانجروف بحولي مليون دولا للكيلومتر

 

الغابات .. قيمة بيئية كبيرة

إن الدور الهام الذي لعبه تآكل الغابات في تأثير الإعصار "جي" في هاييتي حاز على اهتمام إعلامي واسع وساهم في رفع الوعي العام من تآكل الغابات كعامل من عوامل أخطار الكوارث.

كما أن جهود إدارة مستجمعات المياه – والتي تعتبر الأكثرها نجاحا التي تشرك المجتمعات المحلية – منتشرة حول العالم.

 وإدارة الغابات بطريقة بيئية سليمة تعلب دورا هاماً في تقليل مخاطر نيران الغابات المدمرة. وقد قامت كل من إندونيسيا وماليزيا والصين وروسيا وكندا بتحسين وسائل إدارة الغابات عن طريق تقليل الحطام على آرض الغابة لتقليل خطر اشتعال النيران.

 

والمستنقعات كذلك تلعب دوراً هاماً فهي كالاسفنجيات التي تحبس ثم تصرف ببطء مياه الأمطار والثلوج والفياضانات، ولذلك فإن الحفاظ عليها هام جدا. هذا وقد قامت الدول المنضمة لميثاق رامسار حول المستنقعات بإصدار بيان عام 2005 حول دور الميثاق في منع وتخفيف الكوارث. ومن ضمن نقاط أخرى شجع الميثاق الدول المنضمة على إدارة المستنقعات بطريقة تساعد على تخفيف آثار المخاطر، علي سبيل المثال عن طريق وقف مياه الفياضانات والأمواج المدية وتوفير قدرة أكبر على مقاومة الجفاف في المناطق الجافة وشبه الجافة.

 وفي الولايات المتحدة تبين "مبادرة أمريكا الساحلية" كيف يمكن للحكومة والقطاع الخاص والشركاء الأخرين أن يجتمعوا لدعم جهود إدارة المستنقعات.

أما الغابات الساحلية فهناك العديد من الأمثلة عن حمايتها للمجتمعات من الأخطار، ففي فيتنام قام الصليب الأحمر بالعمل مع المجتمعات المحلية لإعادة الغابات الساحلية بغرض الحماية من العواصف الاستوائية. وبينما تختلف الآراء حول دور غابات المانجروف في حماية المجتمعات من تسونامي المحيط الهندي عام 2004، فإنه من المتفق عليه أن تلك الغابات تحمي من أمواج التسونامي الأصغر والفياضانات الساحلية. وفي سبتمبر 2006 قام الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة بدعم من المبعوث الخاص للأمم المتحدة لمعالجة آثار التسونامي بإطلاق حملة "المانجروف للمستقبل" للحفاظ على غابات المانجروف في المناطق التي تأثرت بالتسونامي.

وتعتبر فيتنام من أكثر الدول عرضة للأعاصير في آسيا، ويقوم الصليب الأحمر الفييتنامي بالعمل على استراتيجيات تخفف حساسية التعرض لأخطار الأعاصير لسكان دلتا النهر الأحمر، وهي منطقة تكثر فيها زراعات الأرز وتعد من أكثر المناطقة كثافة بالسكان في العالم.

وقد قام السكان بزراعة السهول الطينية في هذه الدلتا على مدى قرون عن طريق بناء الخنادق. وكان المزارعون يتركون حزام من المناجروف المقاوم للمياه المالحة بين الخنادق والبحر لحماية حقول الأرز من الأمواج والرياح والأعاصير. إلا أن تقطيع غابات المانجروف لاستخدامها كوقود ورش المبيدات النباتية خلال الحرب في السبعينيات دمرت هذا الحزام الواقي، وكنتيجة لذلك بدأت هذه الخنادق في التآكل مما عرض حقول الأرز والسكان للخطر.

وقد قامت الحكومة والمنظمات غير الحكومية بتنظيم حملة لإعادة زراعة الغابات. وبدعم من الصليب الأحمر الياباني والدنماركي، قام الصليب الأحمر الفييتنامي بزراعة أكثر من 175 كم مربع من غابات المانجروف بطول 200كم على الساحل، حيث تولت المجتمعات المحلية عملية الزراعة ومنحت حق جني المنتجات البحرية في المناطق التي زرعتها لعدد من الأعوام.

وبعد أن انتهت أعمال الزراعة يركز الآن الصليب الأحمر على صيانة الخنادق وتطوير أنشطة أحرى لمساعدة السكان المحليين.

وكانت عوائد هذا المشروع هائلة، فمن الناحية المادية أثبت مشروع المانجروف أن الاستعداد والتخفيف يغطيان تكاليفهما، حيث أن حماية 12,000 هكتار من المانجروف كلف 1,1 مليون دولاء إلا أنه خفض تكاليف صيانة الخنادق بنحو 7,3 مليون دولار سنويا. كما قدر الصليب الأحمر أن 7,750 أسرة زادت من دخلها عن طريق بيع المنتجات البحرية التي تعيش في غابات المانجروف وبذلك زادت من قدرة تحملها للمخاطر المستقبلية.

المصدر: المكتب العربي للشباب والبيئة
  • Currently 182/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
61 تصويتات / 2361 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

156,106