خلق الله الكون فى حالة اتزان , وخلق معه الآليات التى تحافظ على اتزانه , ومنها كيف تحافظ الارض على درجة حرارتها لتصلح لعيش البشر وسائر المخلوفات النباتية والحيوانية عليها .
وتحافظ الأرض على درجة حرارتها بمجموعة من الغازات تتواجد فى الطبقة الأولى من الغلاف الجوى والمعروفة بطبقة ( تروبوسفير ) . هذه الغازات موجودة بنسب ضئيلة جدا ولكن لها القدرة على امتصاص أشعة الشمس ومنع خروج حرارتها المنعكسة من الارض بالقدر الذى يحافظ على دفء الكره الأرضيه , ولولا وجود هذه الغازات لأصبحت درجة حرارة الأرض -20 درجه مئويه.
والهواء الجوى – كما نعلم – يتكون من غاز النيتروجين بنسبة 78,08 % والأوكسجين بنسبة 20,94 % أى أن الاثنين معا بنسبة 99,03 % مما يبين هامشية باقى الغازات رغم تأثيرها الشديد .
وقد تردد فى السنوات الأخيرة مصطلحات متعددة يقصد بها مجموعة الغازات المحتفظة بالحرارة , مثل غازات الصوية , الدفيئة , الدفء الكونى ، الأحترار ، وهى غازات ثانى أكسيد الكربون – الميثان – أكسيد النيتروز ( غاز الضحك ) – الهيدرو كربونات – سادس فلوريد الكبريت – وبخار الماء وذلك فضلا عن غاز الأوزون وهو بخلاف غاز الأوزون الموجود فى طبقة ( ستراتوسفير ) والذى يمثل النطاق الذى يحمى الأرض من نفاذ الاشعة فوق البنفسجية القاتلة . وقد جاءت تسمية غازات الصوبة لتعبر عن نفس فعل الصوبات الزجاجية أو البلاستيكية فى الاحتفاظ بالحرارة تحتها تماما كما تفعل هذه الغازات فى الغلاف الجوى.
ماهى المشكلة ؟
على مدار التاريخ الإنساني عرفت الأرض العديد من التغيرات المناخية التي استطاع العلماء تبرير معظمها بأسباب طبيعية، مثل: بعض الثورات البركانية أو التقلبات الشمسية، إلا أن الزيادة المثيرة في درجة حرارة سطح الأرض على مدار القرنين الماضيين (أي منذ بداية الثورة الصناعية) وخاصة العشرين سنة الأخيرة لم يستطع العلماء إخضاعها للأسباب الطبيعية نفسها ، حيث كان للنشاط الإنساني خلال هذه الفترة أثر كبير يجب أخذه في الاعتبار لتفسير هذا الارتفاع المطرد في درجة حرارة سطح الأرض أو ما يُسمى بظاهرة الاحتباس الحراري Global Warming.
ظاهرة الاحتباس الحراري
يمكن تعريف ظاهرة الاحتباس الحراري Global Warming على أنها الزيادة التدريجية في درجة حرارة أدنى طبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض ، كنتيجة لزيادة انبعاثات غازات الصوبة الخضراء greenhouse gases منذ بداية الثورة الصناعية، وغازات الصوبة الخضراء هي غازات طبيعية تلعب دورًا مهمًا في تدفئة سطح الأرض حتى يمكن الحياة عليه ، حيث تقوم تلك الغازات بامتصاص جزء من الأشعة تحت الحمراء التي تنبعث من سطح الأرض كانعكاس للأشعة الساقطة على سطح الأرض من الشمس، وتحتفظ بها في الغلاف الجوي للأرض ، لتحافظ على درجة حرارة الأرض في معدلها الطبيعي كما سبق الايضاح.
لكن مع التقدم في الصناعة ووسائل المواصلات منذ الثورة الصناعية وحتى الآن مع الاعتماد على الوقود الحفري (الفحم و البترول و الغاز الطبيعي) كمصدر أساسي للطاقة، ومع احتراق هذا الوقود الحفري لإنتاج الطاقة واستخدام غازات الكلوروفلوركربونات في الصناعة بكثرة ، كانت تنتج غازات الدفيئة بكميات كبيرة تفوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة الأرض، وبالتالي أدى وجود تلك الكميات الإضافية من تلك الغازات إلى الاحتفاظ بكمية أكبر من الحرارة في الغلاف الجوي، وبالتالي من الطبيعي أن تبدأ درجة حرارة سطح الأرض في الزيادة.
ومن المفارقات التى تثير الدهشة أن أول رصد لنسب غاز ثانى أكسيد الكربون فى الجو كان بمعرفة هيئة الأرصاد البريطانية عام 1860 وأن العالم السويدى سفانت أرينيوس حصل على جائزة نوبل عام 1903 حول العلاقة بين غازات الدفيئة والدورات الجيوكيميائية على الكرة الأرضيه وأن أول محطة لتتبع نسب ثانى أكسيد الكربون أقامتها الولايات المتحده فى مدينة مونالوا بولاية هاواى .
بالتأكيد نظام المناخ على كوكبنا أكثر تعقيدًا من أن تحدث الزيادة في درجة حرارة سطحه بهذه الصورة وبهذه السرعة، فهناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في درجة حرارته، أهمها ذلك النظام الكونى لدوران الارض حول محورها بزاوية ميل تتراوح بين 21,1- 24,5درجه تنتقل بينهما على مدار 41ألف سنه.
لذلك كان هناك جدل واسع بين العلماء حول هذه الظاهرة وسرعة حدوثها، لكن مع تزايد انبعاثات تلك الغازات وتراكمها في الغلاف الجوي ومع مرور الزمن بدأت تظهر بعض الآثار السلبية لتلك الظاهرة؛ لتؤكد وجودها وتعلن عن قرب نفاد صبر هذا الكوكب على معاملتنا السيئة له.
ومن آخر تلك الآثار التي تؤكد بدء ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل فعلي:
· ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات خلال الخمسين سنة الأخيرة؛ حيث ارتفعت درجة حرارة الألف متر السطحية بنسبة 0.06 درجة سلزيوس، بينما ارتفعت درجة حرارة الثلاثمائة متر السطحية بنسبة 0.31 درجة سلزيوس، ورغم صغر تلك النسب في مظهرها فإنها عندما تقارن بكمية المياه الموجودة في تلك المحيطات يتضح كم الطاقة المهول الذي تم اختزانه في تلك المحيطات.
· تناقص التواجد الثلجي وسمك الثلوج في القطبين المتجمدين خلال العقود الأخيرة؛ فقد أوضحت البيانات التي رصدها القمر الصناعي تناقص الثلج، خاصة الذي يبقى طوال العام بنسبة 14% ما بين عامي 1978 و 1998 وخاصة فوق قمم الجبال بنسبة 14% وتوضح قمة جبل كليمانجارو الأفريقى هذه الحالة حيث انحسر الجليد من فوق قمة الجبل من 12كيلومتر مربع الى كيلومتران فقط ، بينما أوضحت البيانات التي رصدتها الغواصات تناقص سمك الثلج فى جذور جبال الجليد بنسبة 40% خلال الأربعين سنة الأخيرة، في حين أكدت بعض الدراسات أن النسب الطبيعية التي يمكن أن يحدث بها هذا التناقص أقل من 2% .
· ظهور مساحة ذائبة داخل المحيط المتجمد الشمالى كونت بحيرة غير متجمده طرها نحو 250 كيلومتر .
· ملاحظة ذوبان الغطاء الثلجي بجزيرة "جرين لاند" خلال الأعوام القليلة الماضية في الارتفاعات المنخفضة بينما الارتفاعات العليا لم تتأثر؛ أدى هذا الذوبان إلى انحلال أكثر من 50 بليون طن من الماء في المحيطات كل عام.
· أظهرت دراسة القياسات لدرجة حرارة سطح الأرض خلال الخمسمائة عام الأخيرة ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بمعدل درجة سلزيوس واحدة ، وقد حدث 80% من هذا الارتفاع منذ عام 1800، بينما حدث 50% من هذا الارتفاع منذ عام 1900.
· أظهرت الدراسات طول مدة موسم ذوبان الجليد وتناقص مدة موسم تجمده ، حيث تقدم موعد موسم ذوبان الجليد بمعدل 6.5 أيام /قرن، بينما تقدم موعد موسم تجمده بمعدل 5.8 أيام/قرن في الفترة ما بين عامي 1846 و1996، مما يعني زيادة درجة حرارة الهواء بمعدل 1.2 درجة م/قرن.
كل هذه التغيرات تعطي مؤشرًا واحدًا وهو بدء تفاقم المشكلة؛ لذا يجب أن يكون هناك تفعيل لقرارات خفض نسب التلوث على مستوى العالم واستخدام الطاقات النظيفة لمحاولة تقليل تلك الآثار، فرغم أن الظاهرة ستستمر نتيجة للكميات الهائلة التي تم إنتاجها من الغازات الملوثة على مدار القرنين الماضيين، فإن تخفيض تلك الانبعاثات قد يبطئ تأثير الظاهرة التي تعتبر كالقنبلة الموقوتة التي لا يستطيع أحد أن يتنبأ متى ستنفجر، وهل فعلًا ستنفجر!!
بروتوكول كيوتو : اتفاقية دولية وقعتها جميع دول العالم لتخفيض نسبة انبعاث غازات الصوية كنتيجة لأنشطتها الصناعية والزراعية ولم توقعها الولايات المتحدة الأمريكية التى تساهم بنسبة 36% والصين التى تساهم بنسبة 23% وقد اتفق العالم من خلال قرارات مؤتمر بالى الذى عقد احتفالا بمرور عشرة أعوام على انطلاق بروتوكول كيوتو على اعداد اتفاقية جديدة خلال العامين القادمين كبديل لهذا البروتوكول.
تقرير ستيرن : هوتقرير أعدته لجنة عالية المستوى برئاسة الاقتصادى البريطانى سير نيكولاس ستيرن لدراسة التكلفة الاقنصادية للتغيرات المناخية وقد آثار هذا التقرير الكثير من الجدل لتعرضه لتأثيرات قد تحدث لمناطق مختلفة من العالم نتيجة الدفء الكونى من بينها غرق دلتا النيل فى مصر وانخفاض موارد النيل نتيجة تحرك محتمل لأحزمة المطر على الهضبة الأثيوبية والتى تمثل 85% من موارد مصر من ماء النهر . وهذا التقرير من فرط أهميته أعلنه على العالم رئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير وكلف وزيرة خارجيته مارجريت بيكيت بعرضه على مجلس الأمن فى سابقة لم تحدث من قبل كأول قضية بيئيه تعرض على هذا المجلس.
حقيقة مزعجة : الفيلم الذى أعده آل جور نائب الرئيس الأمريكى السابق حول التغيرات المناخية وتعرض لقضايا كثيرة بالغة الخطورة والذى نال عنه عدة جوائز ( جائزة الأوسكار للأفلام التسجيليه – جائز نوبل مع الهيئة الحكومية المعنيه بتغير المناخ ).
استنادا الى هذه التقارير فانه لايمكن غض الطرف من جانب الحكومة عن القيام باجراءات ما تحسبا لحدوث أية تأثيرات والتى يمكن تحديدها فى ثلاثة اتجاهات هى :-
الأول : وهى التغيرات التىسوف تسود العالم بأثره والتى تتمثل فى ارتفاع درجة الحرارة وماسوف تسببه من تغير فى خريطة التنوع البيولوجى والتى سوف تؤدى الى ظهور امراض جديدة أو انتقالها من منطقة الى أخرى وتغير فى خريطة الانتاج الزراعى بتغير الأقاليم الزراعية لأسباب متعددة .
الثانى : وهى نسب الانبعاثات المخصصة لكل دولة وفرصة خفضها ومن ثم بيعها لتحقيق عائد اقتصادى يسهم فى تطوير بدائل الوقود الحفرى .
الثالث: وهى سيناريوهات غرق أجزاء من دلتا النيل والساحل الشمالية من ناحية ، ونقص موارد نهر النيل – أو زيادتها - من الناحية الأخرى .
ماذا على الحكومة أن تفعل ؟
الأتجاه الأول : تكليفات محددة للوزارات والهيئات المعنية بالبدأ فى الدراسات المرتبطه بالتغيرات المحتملة خاصة فى مجالات الصحة العامة والانتاج الزراعى - دون اغفال المجالات الاخرى .
الأتجاه الثانى : رغم أن نسب الانبعاثات المصرية لم تتجاوز 6، % الا أن اتجاهات الدول الصناعيه أصبحت تميل الى اتهام الدول النامية وبخاصة الزراعية باعتبار أن انتاجها من غاز الميثان يمثل مساهمة كبيرة فى تأثرات غازات الدفيئة ، ورغم أن غاز الميثان هو التالى لغاز ثانى أكسيد الكربون الاأن تأثيره فى الاحتباس الحرارى أشد . لذا فانه من المهم أن تحسم الحكومه قضية مساحة زراعات الأرز باعتبار أن زراعة الارز هى المصدر الرئيسى لأنتاج غاز الميثان – نتيجة التخمر اللاهوائى – ثم تضيف الى انتاج ثانى أكسيد الكربون بحرق قش الارز .
الأتجاه الثالث : الأقتناع بأن تعرض الدلتا لغرق بعض أجزائها أمرا مؤكدا نتيجة اعتبارات غير مرتبطة بالتغيرات المناخية ، وهى تعرضها للأنخفاض نتيجة امتناع طمى النيل عن تجديد تربتها كأحد الآثار الجانبية للسد العالى من ناحية ونتيجة سحب الغاز الطبيعى من تحتها ، فاذا مارتبط ذلك مع ارتفاع سطح البحر نتيجة الدفْ الكونى يصبح النظر فى اقامة منشآت حامية للدلتا والسواحل الشمالية أمرا بالغ الأهمية ( مع التسليم بصعوبة اتخاذ قرارات كبيرة على ضوء تنبؤات مستقبلية يمكن أن تحدث بعد فترة زمنية كبيرة ).
وحول سيناريوهات نقص موارد نهر النيل نتيجة التحرك المحتمل لأحزمة الأمطار فوق الهضبة الأثيوبية فان تحركا يجب أن يبدأ منذ الآن فى الأتجاهات التالية :
1 – تطوير تكنولجيات تحلية مياه البحر والآبار ومياه الصرف الزراعى وبخاصة تكنولوجيا استخدام الطاقة الشمسيه وطاقة الرياح باعتبارهما أصل من أصول التنمية فى المناطق الصحراويه وهوالأصل الأول ، وقد لايكون هناك مفر من استخدام الطاقة النوويه .
2- دراسة استخدام النباتات التى تتحمل الملوحة ( الهالوفايت ) والنباتات التى تتحمل الجفاف (الزيروفايت) فى التعديل الوراثى للمحاصيل الأقتصادية وهى الأصل الثانى للتنمية فى المناطق الصحراوية.
3- النظر فى تغيير التركيب المحصولى فى اطار دخول مصر فى الدول التى تعانى من ندرة المياه نتيجة محدودية موارد المياه والزيادة المضطردة فى عدد السكان .
4- دراسة آثار تغيير التركيب المحصولى على النمط الاستهلاكى للغذاء فى مصر وبدائله .
5- البدء فى حملة قومية لترشيد استخدام المياه وبخاصة فى الزراعة وتقدير انتاجية الزراعة على أساس وحدة المياه وليست التربه وايجاد حل وسط بين وجهتى النظر التى تطالب برفع اليد عن الفلاحين واتهامهم باهدار المياه وعدم تحميلهم أية أعباء اضافيه , والأخرى التى تطالب بتسعير المياه كألية لترشيد استخدام المياه من ناحية واعتبار وحدة المياه هى الأصل الأقتصادى الذى تحتسب على أساسه التكلفة الأقتصادية للمنتج الزراعى.
6-النظر بجدية فى مشروعات التكامل الزراعى مع السودان أو مع بعض دول حوض النيل مثل أوغندا أو حتى بدءا من أثيوبيا .
أما السيناريوهات الخاصة بزيادة موارد النهر فتواجه بدراسة زيادةالفرص التخزينيه للمياه من حيث المنشآت والأماكن وانشاء نظم تصريف سطحية آمنه ، وقد أثبت قرار وزارة الموارد المائية والرى الأخير باطلاق 17 مليار متر مكعب الى البحر أهمية الاستعداد لزيادات محتملة فى المياه .
أما عن حملات التوعية حول تخفيض استهلاك الطاقه أو الحد من التلوث فلايجب الوقوع فى الخلط بينها وبين الحملات المطلوبه فى حالة التوعية بالتغيرات المناخيه ، فالمساهم فى الانبعاثات بنسبة 6,% لايمكن مقارنته بالمساهم ب 36% من الانبعاثات ، فأقصى مايمكن أن يطالب به المواطن المصرى أن يوحد جهوده من خلال منظمات المجتمع المدنى ليكون قوه مسانده للمسئول الحكومى لاتخاذ قرارات من الصعب اتخاذها باعتبارها مبنيه على التنبؤ لفترة زمنيه بعيدة لاأن يطالب باغلاق اجهزة الكومبيوتر أو اطفاء النور فالتصدى لظاهرة الاحتباس الحرارى هى جهود دول تقف امام الاستخدام المفرط للطاقة فى العالم المتقدم.
والحملة المطلوبة - كما أعتقد – هى حملة توجه ضد الافراط فى زراعة الأرز بحيث لاتتجاوز المساحة المزروعة منه رقم مليون ومائة ألف فدان المقررة من وزارة الموارد المائية ووزارة الزراعه والتى وصلت بالمخالفة خلال العام الماضى الى 2 مليون و400 ألف فدان فدان فذلك يحقق أربعة أهداف هى:
1- توفير كميات من المياه توجه الى زراعات أخرى.
2- تقليل نسب انبعاث غاز الميثان الناتج عن التخمر اللاهوائى لزراعات الارز .
3- تقليل اسهام قش الأرز فى انبعاثات ثانى اكيد الكربون نتيجة حرقه .
4- ابطال حجة الدول الصناعية فى اتهام الدول النامية بانتاج غار الميثان بنس
ساحة النقاش