•    من دون شك بأن أول مبادرة في مجال التربية البيئية تعود بأصولها إلى  تكون ضمير الإنسان لقد كان اعتماد الإنسان البدائي على المحيط الطبيعي كاملا من أجل كسب موارده الغذائية وبناء مساكنه والتعامل مع الكوارث الطبيعية التي كان غالبا ما يجهل مصدرها. لذلك فلقد نشأت التربية البيئية فى شكلها التلقائي من خلال تكون حس بشرى شديد الارتباط والتبعية للمحددات الطبيعية. وتدريجيا، فلقد انتقلت تلك الأحاسيس التلقائية من خلال مصفوفة قيم أخلاقية ومعتقديه ودينية وسحرية وطقوسية تترجم كل ذلك العلاقة الرمزية التى كانت الأديان ومازالت تربطها بالشجرة وبالماء وبالتراب فقد شرعت حضارة أور UR بالعراق قوانين تضمن عدم اضمحلال الغابات جراء الاستنزاف الجائر ،كما أن المصري القديم فى تقربه الى النعيم أمام محكمة الموتى يقسم بأنه لم يلوث مياه النيل وكان يتخيل النعيم المقيم فى الآخرة على ضفافه
  •   وحتى شعائر الأديان الأرضية ،أو الوضعية كالبوذية والهندوسية والكنفوشيسيه ترشد أتباعها إلى حسن المحافظة على الطبيعة الأم كذلك جسد اليونانيون القدامى والهنود الأشياء والظواهر الطبيعية مثل الشمس والقمر والأرض والأنهار فى شكل آلهة. وقد انتقلت معارفهم ومشاعرهم وتقديرهم الجمالي فى شكل تراتيل وأساطير مازالت إلى  اليوم تشكل جزءا لا يتجزأ من تراثنا البشرى.     
  •    فليست التربية البيئية حديثة العهد، فإن لها أصولها القديمة، ومع أن الغربيين يرجعون نشأتها إلى  القرن التاسع عشر من خلال ربط التربية بنوعية البيئة إلا أن هناك أكثر من دليل على عمق أصولها فى التراث الإسلامي فهناك أحاديث نبوية شريفة تقع فى هذه الإطار منها قوله عليه الصلاة والسلام " إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها" أما وصية الخليفة أبى بكر الصديق لأسامة بن زيد حين وجهه إلى  الشام فتعد درسا فى التربية البيئية جاء فى زمن لم تكن تشكو فيه البيئة من تدخل الإنسان الجائر فى أنظمتها، وتقول الوصية" لا تخونوا ولا تغدروا ولا تقتلوا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ولا أمرآة ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعير إلا للأكل..." والقول العربي المأثور " غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون" يعكس أصالة الوعى البيئى فى تراثنا الذي يظهر أننا نعد البيئة دينا للأبناء وليست أرثا من الأباء، وهذا ما تدعو إليه برامج التربية البيئية المعاصرة أما قوله تعالى: ( كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين) (البقرة 60 ) فأبلغ من كل قول، فالآية الكريمة تحث الناس على الحصول على رزقهم من البيئة دون ائتلاف أو فساد، وهل تطمح التربية البيئية إلى  أكثر من ذلك؟
  •  إن مسألة حماية البيئة والمحافظة عليها واستغلال مواردها بطريقة عقلانية مسألة معقدة لا يمكن أن تنظمها التشريعات البيئية وكذلك استخدام التكنولوجيا الحديثة وحدهما، وإنما هى مسألة تربوية بالدرجة الأولى فالقوانين والتشريعات وحدها لا تستطيع أن تحقق هذا الغرض المرجو منها، إن لم تستند إلى  وعى وإدراك يصل إلى  ضمير الإنسان، ويتحول إلى  قيم وضوابط للسلوك من أجل المحافظة على البيئة، ولا يمكن أن تتكون مثل هذه الاتجاهات والقيم، إلا عن طريق إعداد الأفراد وتربيتهم تربية بيئية تقوم على أسس دينيه داخل وخارج المدرسة والتربية الدينية الإسلامية مقوم أساسى فى ذلك المجال لقد حدد المنهج الإسلامى مسئولية الإنسان حيال البيئة التى يعيش فيها من خلال مبدأين أساسيين هما درئ المفاسد، وتحقيق الإصلاح.

 

المصدر: د. محمد السيد جميل - خبير تربوي / المكتب العربي للشباب والبيئة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

149,734