اسمه ونسبه
ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة ابن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الديلي الكناني، ويقال: الدؤلي، وفي اسمه اختلاف كثير. والديلي: بكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام، والدؤلي: بضم الدال المهمة وفتح الهمزة وبعدها لام، هذه النسبة إلى الدئل بكسر الهمزة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وهي قبيلة كنانة التي تنتسب لها قريش، وإنما فتحت الهمزة في النسبة لئلا تتوالى الكسرات، كما قالوا في النسبة إلى نمرة نمري-بالفتح-وهي قاعدة مطردة، والدئل: اسم دابة بين ابن عرس والثعلب. وحلس: بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وبعدها سين مهملة.
ولادته ووفاته
لـم يـعين التاريخ عام ولادة ابي الاسود, ولكن اكثر مترجميه ذكروا انه ولد في الجاهلية ,وسوف نعرف تاريخ ولادته من خلال تاريخ وفاته وعمره. ونـلاحـظ في هذا المجال ان هناك اختلافا واسعا حول تحديد عام وفاته، ويمكننا تقسيم الروايات الـتي تشير إلى سنة وفاته إلى اربع طوائف كما يتبنى هذا التقسيم الدجيلي ((12)) :1 ـ قسم قليل يؤرخ عام وفاته سنة (99) هجرية، فقد ذكره ابن خلكان مع غيره من الروايات والخوانساري في روضاته مع غيره من الروايات أيضا دون أن يتبناه. 2 ـ قسم كبير من المؤرخين يعين عام وفاته سنة (69) هجرية، ذكره ابن خلكان ,والقفطي، وابو الـفـرج، والـعسقلاني، وغيرهم جمع غفير من المؤرخين يطول المجال لوحاولنا عرض اسمائهم ((وهي كلها محكمة مسندة)) ((13)). 3 ـ قـسـم يـؤرخ عـام وفـاتـه سـنـة ((ع)6) هـجـريـة، وهي احدى روايات السيوطي في ((بـغـيـة الـوعاة)) والحموي في ((معجم الادباء)) وابن الانباري في ((نزهة الالباء)) ويذكر الـسـيـدالـدامـاد فـي تـعـلـيـقته على ((اختيار معرفة الرجال)) نقلا عن ((جامع الاصول)): ((مـات بـالـبصرة في الطاعون الجارف سنة سبع وستين وكان قد اسن)) ((14))، وهذه الرواية لاتخلو أحيانا من سند يسندها ولو ان من يتمسك بها عدد قليل من المؤرخين. 4 ـ الـقـسـم الرابع : لم يحدد عام وفاته، وانما تاتي الرواية هكذا: ((وقيل مات قبل الطاعون بعلة الـفـالـج)) وذكـرت فـي الـروضـات ووفيات الاعيان باعتبارها احدى الروايات، وتبناهاصاحب ((الاغاني)) على اعتبار عدم وجود ذكر لابي الاسود في قضية مسعودوالمختار ((15)). وعـنـد الـتـحقيق حول هذه الروايات، نرى ان الادلة التي تقوي الرواية التي تحدد عام وفاته سنة (69) هـجرية تحمل مرجحات تفتقر إليها غيرها, وهذا ما يجعلنا نرجح ان عام وفاته سنة (69) هجرية وهذه المرجحات هي : 1 ـ كـثرة المؤرخين القائلين بهذا التاريخ، وقلة المؤرخين الذين التزموا بغيره، بل ان البعض الذي التزم بغير هذا التاريخ جعل التاريخ الرئيس هو عام (69) هجرية ونسب غيره إلى كلمة ((قيل)) مشيرا بذلك إلى ضعفه. 2 ـ الـروايـة الـتـي تحدد عام وفاته بسنة (69 ه) ((محكمة متسلسلة مسندة)) ((16)) بينما غيرهالا يملك مثل هذه الخصائص والمميزات. 3 ـ اقـتـران وفـاة ابي الاسود ـ في الروايات ـ بحادثة تاريخية مهمة هي الطاعون الجارف ,حيث نـرى ان اكـثـر المؤرخين الذين ارخوا عام وفاته ذكروا انه توفي في الطاعون الجارف ((وهذا الطاعون وقع سنة (69) للهجرة حسبما ذكره كثير من المؤرخين، ولم يقل أحد بان هذا الطاعون وقع بغير هذه السنة)) ((17)). وفي القاموس : ((الجارف : الموت العام والطاعون)). وفـي الـروضـات : ((وطـاعـون الـجـارف كما ذكره السيد نعمة اللّه الموسوي الجزائري في كتابه (مسكن الشجون) وغيره، هو الوباء العام الذي اصاب البصرة في سنة تسع وستين من الهجرة، ولـم يـبق فيهم الا ثلاثة ايام، فقتل في اليوم الأول سبعين الفا, وفي اليوم الثاني اثنين وسبعين، وفي اليوم الثالث جميع اهل البلد الا نادرا, يقال : انهم تسعة انفس أو اقل، وهوغريب جدا)) ((18)). وهذا ما يؤكد وفاته في سنة (69) من الهجرة. وهكذا نرى ان هذا التاريخ يملك مرجحات يفتقر إليها غيره. امـا ما ذكره صاحب ((الاغاني)) نقلا عن بعضهم ان أبا الاسود مات قبل (69 ه): ((لانا لم نسمع لـه فـي فتنة مسعود وامر المختار بذكر)) ((19)) فقد ناقشه الدجيلي بقوله : ((وهذا تعليل غير مـلزم فما دام الرجل قد ابتلاه اللّه بمرض الفالج في اخريات ايامه وهذا المرض من شانه ان يجعل الانـسان جليس البيت، ولان فتنة مسعود وقعت بعد موت يزيد بن معاوية مباشرة اي في سنة (64) هـجرية وخروج المختار كان سنة (66 ه) إذا فمن الطبيعي ان اباالاسود لا يذكر في هذا الوقت مـع وجوده حيا لشيخوخته ولما به من المرض)) ((20)) ,والظاهر ان هذا المرض اصابه اواخر حياته، لانه اشترك في المعارك قبل ذلك. ويـذكـر في ((مرآة الجنان)): ((انه اصابه فالج فكان يخرج إلى السوق يجر رجله)) ((21))، وذكرفي الشعر والشعراء (ج 2 / ص 615): ((انه كان من (المفاليج))). وهذا يفسر عدم مشاركته في الانتفاضات التي حدثت في عصره وخاصة الشيعية. ذكـر أبو العلاء المعري في ((رسالة الغفران)): ((ان أبا الاسود الدؤلي كان اعرج)) ((22))، وقـال عـنـه في الشعر والشعراء (2 / 615): ((ويعد في العرج)). وسنذكر انه شارك في اكثر المعارك التي وقعت في زمان خلافة الامام علي (ع).
عمره : وكـذلـك اتـفـق الاكـثـر عـلى تحديد عمره حين وفاته بـ (85) عاما ((23)) كما اشار لذلك ابـن خـلـكان، وابو الفرج، والخوانساري، وغيرهم ممن تعرض لتحديد عمره، وعلى هذاالاساس تكون ولادته في الجاهلية وقبل الهجرة بـ (16) عاما. [1]
إسلامه
كان أبو الأسود ممن أسلم على عهد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وغالب الظن أن أبا الأسود دخل الإسلام بعد فتح مكة وانتشاره في قبائل العرب، وبعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) انتقل إلى مكة والمدينة.
[عدل]نشوء علم النحو
قيل إن علياً وضع له: الكلام كله ثلاثة أضرب: اسم وفعل وحرف، ثم رفعه إليه وقال له: تمم على هذا. يروى بأن حديثاً دار بينه وبين ابنته هو ما جعله يهم بتأسيس علم النحو وذلك عندما خاطبته ابنته بقولها ما أجملُ السماء (بضم اللام لا بفتحها) فأجابها بقوله (نجومها) فردت عليه بأنها لم تقصد السؤال بل عنت التعجب من جمال السماء, فأدرك حينها مدى انتشار اللحن في الكلام وحينئذ وضع النحو. وحكى ولده أبو حرب قال: أول باب رسم أبي باب التعجب.
وقيل إنه كان يعلم أولاد زياد بن أبيه وهو والي العراقين يومئذ، فجاءه يوماً وقال له: أصلح الله الأمير، إني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم وتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون أو يقيمون به كلامهم؟ قال: لا، فجاء رجل إلى زياد وقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون، فقال زياد: توفي أبانا وترك بنون!! ادعوا لي أبا الأسود، فلما حضر قال: ضع للناس الذي نهيتك أن تضع لهم.
وقيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم؟ يعنون النحو، فقال: لقنت حدوده من علي بن أبي طالب.
وقيل إن أبا الأسود كان لا يخرج شيئاً أخذه عن علي بن أبي طالب إلى أحد، حتى بعث إليه زياد المذكور: أن اعمل شيئاً يكون للناس إماماً ويعرف به كتاب الله عز وجل، فاستعفاه من ذلك، حتى سمع أبو الأسود قارئاً يقرأ: (إن الله بريء من المشركين ورسوله) كان الرجل يقرأ (رسولهِ) مجرورة أي انها معطوفة على (المشركين) هذا يغير المعنى ،لأن (رسولَه) مرفوعة إي انها معطوفة على الله، فقال: ما ظننت أن أمر الناس آل إلى هذا، فرجع إلى زياد فقال: أفعل ما أمر به الأمير، فليبغني كاتباً لقناً يفعل ما أقول له، فأتي بكاتب من عبد القيس فلم يرضه، فأتي بآخر فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه، وإن ضممت فمي فانقط بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت، ففعل ذلك.
وإنما سمي النحو نحواً لأن أبا الأسود قال: استأذنت علي بن أبي طالب أن أضع نحو ما وضع، فسمي لذلك نحواً.
هناك بعض الأفراد أخذوا العلم من أبي الأسود، ودرسوا على يَدَيه، وخاصة علم النحو والعربية، وقراءة القرآن.
يقول ابن الأثير في الكامل في التاريخ، في حوادث سنة تسعين من الهجرة :
وفيها توفي نصر بن عاصم الليثي النحوي، وقد أخذ النحو عن أبي الأسود الدؤَلي |
.وكان الفتى رامي الأسدي من أذكى طلابه حيث ساعد على نقل الأخبار الهامة عن سيرة أبو الأسود الذاتية
ويقول أيضاً في حوادث سنة تسع وعشرين ومِائة :
وفيها مات يحيى بن يعمر العدوي بـ خراسان، وكان قد تعلَّم النحو من أبي الأسود الدؤَلي، وكان من فُصحاء التابعين، وغيرهما من النحاة والقُرّاء الذين كان لهم دورهم الثقافي آنذاك |
.
كان لأبي الأسود بالبصرة دار، وله جار يتأذى منه في كل وقت، فباع الدار فقيل له: بعت دارك، فقال: بل بعت جاري، فأسلها مثلاً.
وكان ينزل البصرة في بني قشير، وكانوا يرجمونه بالليل لمحبته علياً، فإذا ذكر رجمهم قالوا: إن الله يرجمك، فيقول لهم: تكذبون، لو رجمني الله لأصابني ولكنكم ترجمون ولا تصيبون.
ويحكى أنه أصابه الفالج فكان يخرج إلى السوق يجر رجله، وكان موسراً ذا عبيد وإماء، فقيل له: قد أغناك الله عز وجل عن السعي في حاجتك، فلو جلست في بيتك، فقال: لا، ولكني أخرج وأدخل فيقول الخادم:قد جاء، ويقول الصبي:قد جاء، ولو جلست في البيت فبالت علي الشاة ما منعها أحد عني.
وحكى خليفة بن خياط أن عبد الله بن عباس كان عاملاً لعلي بن أبي طالب على البصرة، فلما شخص إلى الحجاز استخلف أبا الأسود عليها، فلم يزل حتى قتل علي. مئة تسعة وعشرين
شعره وديوان شعره
حكى أبو غفر الدؤلي -وكان شاعراً- قال: كنت عند عبد الملك بن مروان إذ دخل عليه أبو الأسود الدؤلي-و كان يعير لشكله-فقال له عبد الملك: يا أبا الأسود، لو علقت عليك عودة من العين، فقال: إن لك جواباً يا أمير المؤمنين، وأنشد:
افنى الشباب الذي افنيت جدتـه | كر الجديدين من آت ومنطلق |
لم يتركا لي في طول اختلافهما | شيئاً أخاف عليه لذعة الحـدق |
أما والله لئن كانت أبلتني السنون وأسرعت إلي المنون لما اثبت ذاك إلا في موضعه، ولرب يوم كنت فيه إلى الآنسات البيض اشهى منك إليهن، وإني اليوم لكما قال امرؤ القيس:
أراهن لا يحببن من قل مالـه | ولا من رأين الشيب فيه وقوما |
ولقد كنت كما قال أيضاً:
ورعن إلى صوتي إذا ما سمعـنـه | كما يرعوي عيط إلى صوت اعيسا |
فقال عبد الملك: قاتلك الله من شيخ ما أعظم همتكّ.
وكان لأبي الأسود من معاوية بن أبي سفيان ناحية حسنة فوعده وعداً أبطأ عليه فقال:
لا يكن برقك برقاً خـلـبـاً | إن خير البرق ما الغيث معه |
لا تهني بعد إذ أكرمـتـنـي | فقبيح عـادة مـنـتـزعـه |
وله أشعار كثيرة، فمن ذلك قوله:
وما طلب المعيشة بالتمني | ولكن ألق دلوك في الدلاء |
تجيء بملئها طوراً وطوراً | تجيء بحمأة وقليل مـاء |
ومن شعره أيضاً-وله ديوان شعر-:
صبغت أمية بالدماء أكفنا | وطوت أمية دوننا دنياها |
طبع ديوان شعره بتحقيق الأستاذ محمد آل ياسين بشرح السكري، -
ومن أشهر ما قال شعرا شعره في الحكمة:
لا تنه عن خلق وتاتِ بمثله | عار عليك إذا فعلت عظيم |
نشاطه العلمي
أكثر اشتهاره بعلم العربية، لكنه كان محدثاًأيضاً، اشتغل برواية الحديث النبوي ونقله، وهو راو ثقة، روى عن بعض الصحابة.
ساحة النقاش