رابطة شعراء البادية

منبر الشعراء و الأدباء والمثقفين من المحيط إلى الخليج

فالح الكيلاني

موسوعة شعراء العربية 
المجلد السادس- الجزء الثاني
شعراء العربية في الاندلس
بقلم د. فالح الكيلاني
عبد الكريم البَسطي الاندلسي
هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم البسطي القيسي شاعر من شعراء الاندلس .
 ولد بمدينة (بسطة ) في اوائل التاسع الهجري فعاش في القرن الأخير من حياة العرب المسلمين في تلك الربوع وربما ولد في ( غرناطة ) لان مؤرخي الادب ومؤرخي التاريخ الاسلامي لم يثبتوا سنة ومكان ولادته ولا الذين جاؤوا من بعدهم .
 وكان الشاعر قد تثقف ثقافة شرعية شاملة تلقى تعليمه على ما درج على تلقيه الطلبة في ذلك الحين من علوم دينية ولغوية، وفي شعره إشارة إلى أستاذه (عبد الله محمد البياني ) الذي يعده نموذجاً للشيخ المربي، ويذكر من زملاء دراسته (أبا عبد الله بن الأزرق الوادي آشي)، و(أبا يحيى بن عاصم)، و(أبا عبد الله محمد بن مالك الأَلْيُرِي)، و( أبا عبد الله بن رجاء) فهؤلاء عايشوه وكانوا زملاء له في دراسته . واهلته دراسته لان يكون اما ما ومفتيا حيث عين في الامامة والخطابة وتصدر للفتوى والتوثيق فعين وتثقف ثقافة لغوية عربية أدبية مكينة فكان شاعرا ملهما ومجيدا ويمثل شعره صورة مشرقة من صور الشعر الاندلسي ويمثل الاحداث القاسية المريرة التي عاناها العرب المسلمون في ايام الاخيرة لحكمهم في الاندلس .
 و تعرّض شاعرنا البسطي إلى الاسر حيث اسره النصارى في معاركهم مع العرب المسلمين في غرناطة اخر معاقل العرب المسلمين في الاندلس وقاسا ما قاساه على ايديهم خلال اسره من آلآم جسدية وتعذيب ونفسية انعكست عليه فذكرها في شعره أنهم نقلوه إلى مدينة ( آبرة ) ولعلها (يابرة ) ـ وأمضى فيها مدة ليست بالقليلة نتيجة كثرة شعره الذي قاله في الأسر يقول في مطلع القصيدة التي ابتدأ بها ديوانه، وقالها في أسره:
لو كنتُ للمحبوب يوماً جَلِداً 
مـا كنت أشكو اليوم منه جَهارا
ولَمَا شكا جفني القريحُ سُهادَهُ 
ولمـا شكا قـلبي المـشوَّقُ نارا
لكنني أُبعـدت عن أوطانِـِه 
لا طـائِعًا ، كلاَّ، ولا مُـختارا
ويقول ايضا :
يا سيّدي الحُبُسُ الذي خاطبتكم 
في شأنه أمد الكرا فيه انقضى
وأنا على ما كنته من رغبتي 
في أخذه لم أنتقل عما مضى
فعساكم أن تبرموا فيه معي 
عقد المراء على الذي الحب اقتضى
ولمدة شئتم بما قد شئتم 
إني جعلتُ إليكَ ذاكَ مفوضا
وبذاك خطكم اكتبوا لي سيّدي 
فيه يتم القصد عندي المرتضى
بلغتم المأمول من دنياكم 
وأرتكم متهللاً وجهَ الرضى
وبقيتمُ للمسلمين ببسطةٍ 
بسنا علومكم الكريمةِ يستضا
حتى قيل انه فتح حانوتا للبيع والشراء وليرتزق من خلاله وموردا لرزقه فاحرقه بعض منافسيه واعدائه
ويقول في مدينته( بَسطة) بعد أن دفعته المحن إلى التشنيع بها:
خـليلَيَّ مـا مِثلي يُقيم ذليلا 
ويَحملُ من ضَيم الزمان ثَقيلا
ويرضى بِعَيْشٍ لا يزال بِبَسطةٍ 
يُجدِّد من خطبِ الهمومِ جَليلا
فلا تعذُلاني في رحيلِيَ عنكما 
فإني لِما أَلقى عـزمتُ رَحيلا
 وقد أشار الى بعض معاصريه في قصائده التي تم مدح بعضهم فيها ومنهم السلطان و الوزراء وقادة الجند او القضاة او رجال الفقه او بعض اصدقائه من الشعراء او رثاء من مات منهم اضافة الى قصائده الإخوانيّة والعتابيّة أو الهجائيّة وهم يختلفون في الرتبة والمركز .
ومن شعر المدح يقول :
ستبلغُ في دنياكَ أعلى المراتبِ 
وتسمو بكَ العلياءُ فوق الكواكبِ
وتقرَعُ أبوابَ السيادة مفرَداً 
وتُجلِي بما تولي ظلامَ الغياهبِ
وتستقبل السعدَ المساعد خادماً 
يُلبّيكَ بالإسعافِ من كلّ جانبِ
ويلقاكَ رُشْدٌ في أُمورِكَ كلَّها 
يحفُّكَ في بدءٍ كذا في العواقِبِ
وعينُ أبِيكَ الفذِّ أضحتْ قريرَةً 
بعيشِك خِلواً من جميع النوائبِ
ومن قصائده الاخوانية قوله :
يا أَفْضلَ الإِخوانِ يا ابنَ رجَاءِ 
غيري لغيركَ بالإِخاءِ يُرائِي
ويشوبُه بنقائصٍ مذمومةٍ 
تُربي إذا تُحصَى على الحَصْباءِ
وأنا الذي أرعى جميعَ حقوقِه 
كرعايةِ الإِعرابِ للأسماءِ
هذا على ما أَنتَ تعلمُ أنني 
فيه من البأساءِ والضرّاءِ
فَهَل أَنْتَ مثلي في الإِخاء وَرْعِيهِ 
أم للبِعادِ نَسِيتَ رَعْيَ إِخائِي
وغَفَلْتَ عن عهد التأنُّسِ دائماً 
حتّى لدى الإِصباح والإِمساءِ
في منزلٍ حيّاهُ مُنْسَجِمُ الحيا 
وسقاه صوبَ الديمةِ الوَطْفاءِ
لم تَتّخِذْ فيه جليساً مؤنساً 
غيرَ العلومِ وسِيرةَ العلماءِ
فلَكَمْ فوائدَ عند ذلك نِلْتُها 
 جلّت لكثرتِها عن الإِحصاءِ
ويعتبرديوانه الشعري آخر ديوان للشعر العربي في الا ندلس وقد تاكد من شاهده وقرأه انه قد سلم من التلف والضياع ووصل الينا كاملا وقيل انه لايزال محفوظا في نسخة فريدة بالخزانة العامّة بمدينة (الرباط ) المغربية . ولهذا الأثر الشعري القيم قيمة أدبيّة تهمّ مؤرخ الأدب وناقد الشعر ودارسه إذ يتبيّن فيه وضع الشعر العربي بالاندلس في القرن التاسع الهجري . ويعتبر وثيقة مهمة ووثائقية تبين حياة العرب والمسلمين في ذلك الوقت بمختلف مظاهرها السياسيّة والاجتماعيّة والعلميّة، كما تهمّ مظاهر كثيرة من حياة الأندلس اليوميّة. حيث أشار الشاعر البسطي إلى عدّة أحداث ومعارك عسكريّة هزّت المجتمع الأندلسي في إمارة غرناطة في القرن التاسع الهجري أغفلت بعضها المصادر التاريخية. وفيه صورة رائعة عن المجتمع العربي في الاندلس في تقاليده وعاداته وقيمه وأخلاقه وفي مشاغله الفكرية وبعض خصائصه اللغوية.
 ولهذا الديوان قيمة ذاتيّة تهمّ حياة الرجل وسيرته وعلاقاته بعديد علماء عصره وكبار رجال الدولة. وأمّا في خصوص معاصريه، فقد أشار إليهم في قصائده المدحيّة والرثائيّة والإخوانيّة والعتابيّة أو الهجائيّة وقصائد الغزل والوصف وغيرها من الفنون الشعرية ومن الغزل يقول متغزلا بفتاة نصرانية :
حديثُ الهوى أحْلَى مِنَ الشَّهْدِ في الفَمِ 
إذا ما وَعاهُ سَمْعُ مُتيَّمِ
فكرِّرْ على أُذْنِي لذيذَ حديثِهِ 
وصرِّحْ بقولِ الحقِّ غيرَ مُذَمَّمِ
لعلَّ مَعَ التَّكرارِ لأسمعُ لَفْظةً 
تَكونُ على داءِ الفؤادِ كَمُرْهَمِ
فبالقلبِ داءٌ مِنْ هَوَى الغِيدِ كامنٌ 
يَبينُ بجسمِي اليومَ للمتوهّمِ
نُحولٌ ودمعٌ واصْفرارٌ وزَفْرَةٌ 
شَواهِدُ صِدْقٍ للعدالةِ تَنْتَمِي
وأعجَبُ عُبّادِ الصّليبِ صبيَّةٌ 
سَبَتْنِي بوجْهٍ مثْلَ بدرٍ مُتمَّمِ
فبِتُّ حليفَ الهمِّ مِنْ فرْطِ حبِّها 
وباتَتْ بهجْري في فراشِ تنعُّمِ
وكَمْ نَعَّمَتْني مِنْ لذيذِ وصالِها 
بما لَمْ تَصِلْ نفسي له بِتَوَهُّمِ
فَقّبَّلْتُ منها الخدَّ وهو موَرَّدٌ 
وثَنَّيْتُ بالثَّغرِ المليحِ التَّبَسُّمِ
وقد نطقَ الناقوس فوقَ كنيسةٍ 
بكفِّ مُغَنٍّ مُولَعٍ بالتَّرَنُّمِ
وأفصحَ قسّيس الأعاجِمِ جاهراً 
بإنجيل روح الله عيسى بن مرْيمِ
ومَدَّ غُرابُ الليلِ ريشَ جَناحِهِ 
فطارَ حَمامُ الضوْءِ رِيشَ بأسْهُمِ
وأتْرابُها خَوْفَ الرقيبِ قواطِعٌ 
يُحاذِرْنَ مِنْ إتْيانِهِ فَوقَ أدْهَمِ
ومَالتْ بفرطِ السّكْرِ وهي مريضةٌ 
كميْل الصَّبا صُبحاً بغُصْنٍ مُنَعَّمِ
ولولا عَفَافِي واتِّقَاءُ عتابِها 
تمتّعتُ منها بالمَحلِّ المُحَرَّمِ
 وكذلك لم نجد ما يشير الى سنة وفاته بالتحديد لكن ديوانه يشير انه من رجال القرن التاسع الهجري وانه توفي قبل سقوط مدينته ( غرناطة ) الاندلسية عام \897 هجرية – 1492 ميلادية. واخيرا نقول انه اخر شاعر عربي في الاندلس وصل الينا ديوانه الشعري.
واختم البحث بهذه القصيدة من شعره
أتهجرني قصداً وتسأل لم أبكي
كأنك من هجري وحبي في شك
وأشكوك ما ألقى من الهجر والهوى
فتأبى سوى الإعراض عني وما تشكي
ومهما أطل من أجل هجرانك البكا
تصل ضحك ذاك السن مني بالضحك
تعطف على مضناك بالعفو والرضى 
فبالعطف من يبغي الشمات به تنكي
إلى كم إلى كم ذا القطيعة والجفا
أما آن من كف أما آن من ترك
فأقسم إن لم تترك الهجر سيدي
هلكت ومن لي بالنجاة من الهلك
وبحر الهوى من خاضه يورد الردى
وإن كان في الحصن الحصين من الفلك
سفكت دمي جرماً بغير جنايةٍ
ووجنتك الحمراء تشهد بالسبك
وجئت لفتك اللحظ أمضى من الظبا
ولم تخش عقبى ما به جئت من فتك
وصيرتني بين الورى مثلاً به
يحاضر في الإسلام والروم والترك
كأني بما أبديت من فرط حبكم
خرجت عن الدين الحنيفي للشرك
نعم إن عقلي في عقالٍ من الهوى
وقلبي في خفق وعيشي في ضنكد
وأوصاف ذاتي قد فقدت جميعها
فمن لي بديني أو رشادي أو نسكي
عجبت وفي أمر الهوى متعجبٌ
لستر غرامي فيك عومل بالهتك
وإني أسيرٌ في هواك معذب
ولست معاذ الله أرغب في الفك
وقد دك طور الصبر مني على النوى
هواك وكم عاينته غير مندك
وكنت على سمك السلامة سالياً
فإذ لحت لي حولت عن ذلك السمك
وكيف وما في الفضل والمجد والعلى
نظيرٌ مساوٍ لا ولا لك من شرك
وفي الروض من تلك الشمائل مشبةٌ
يماثلها في الحسن وهي له تحكي
وبشركم من دونه الزهر يجتلى
ونشركم من دونه نفحةُ المسك
على أن ذاك القلب إن كان قاسياً
يلن من نظامي للبراعة في السبك
وقد زعموا أن الملوك لهم حلى
وأن عليكم تستبين حلى الملك
فأي لئيم جاء يزعم غير ذا
فقد جاء بالبهتان والزور والإفك
ودونك من نظمي عقيلةَ خاطري
هي التبر في المعنى الصحيح وفي السبك
فخذ حسناً منها هواك وإنني
مدى عمري عن رعيه غير منفكِّ
امير البيــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
 العراق- ديالى - بلدروز
*************************

المصدر: موسوعة شعراء العربية المجلد السادس- الجزء الثاني شعراء العربية في الاندلس بقلم د. فالح الكيلاني عبد الكريم البَسطي الاندلسي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 203 مشاهدة
نشرت فى 26 ديسمبر 2016 بواسطة annoman123

عدد زيارات الموقع

41,817