جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
عين على كتب التراث
الشعر
و أراء بعض العرب في الشعر و الشعراء
سمى العرب الشاعر شاعرا لآنه يشعر بما لا يشعر به غيره
و كان العرب يسمون قصائدهم : الحوليات ، و المقلدات ، و المنقحات ، و المحكمات .. ليصير قائلها فحلا خنذيذا ، و شاعرا مفلقا .. و في بيوت الشعر : الأمثال و الأوابد ، و منها الشواهد و منها الشوارد .
و الشعراء عندهم أربع طبقات : فأولهم الفحل الخنديذ ، و الخنذيذ هو التام
قال الأصمعي :
قال رؤبة : الفحول هم الرواة ، و دون الفحل الخنذيذ ، الشاعر المفلق ، و دون ذلك الشاعر فقط ، و الرابع الشعرور . و لذلك قال أحدهم في هجاء أحد الشعراء :
يا رابع الشعراء كيف هجوتني ... و زعمت أني مفحم لا أنطق
و سمع بعض العلماء يقول : الشعراء ثلاثة .. شاعر و شويعر و شعرور .
و الخنذيذ هو الذي يجمع الى جودة شعره ، رواية الشعر الجيد من شعر غيره . و الشاعر المفلق وهو الذي لا رواية له .. الا أنه مجود في شعره كالخذيذ في شعره .. و الشاعر فقط هو فوق الرديء بدرجة .. و ااشعرور هو لا شيء .
و قيل بل هم شاعر مفلق و شاعر مطلق و شويعر .
و المفلق هو الذي يأتي بشعره بالفلق و هو العجب .
و قد أبدى كثير من الشعراء في بعض قصائده أو في أبيات معنى الشعر الحقيقي و ميزه عن النظم و غيره ..
فالحطيئة قد أبدى رأيه بالشعر معتبرا اياه أنه من الصعب الوصول اليه خاصة بالنسبة للمرء الذي يحاوله دون أن يكون عالما به و بأساليبه و أوزانه و قوافيه و مقوماته .. فلا بد أن تنزلق به قدمه .. يقول
فالشعر صعب و طويل سلمه ... اذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به الى الحضيض قدمه ... و الشعر لا يسطيعه من يظلمه
يريد أن يعربه فيعجمه
وقسم بعضهم الشعراء الى أنواع أربعة . يقول أحدهم :
الشعراء فاعلمنّ أربعة ... فشاعر يجري و لا يجرى معه
و شاعر من حقه أن ترفعه ... و شاعر يحوم حول المعمعة
و شاعر لا تستحي أن تصفعه
و من طرائف بشار بن برد قيل : أن أحد الشعراء جاءه يعرض عليه قصائده ليبدي رأيه فيها .. فقال له : يا بان أخي الشعراء ثلاثة .. فشاعر و شويعر و ابن زانية .. فأما أنا فشويعر .. و أما الباقي فاقتسمه بينك و بين امرئ القيس .
و قد أبدى عدد من الشعراء العرب بعض آرائهم في الشعر .. و قد أكد طرفة بن العبد أن الشعر هو ما جاء به الشاعر صادقا في عواطفه .. يقول
ولا أغير على الأشعر أسرقها ... عنها غنيت ، و شر الناس من سرقا
و ان أحسن بيت أنت قائله .. . بيت يقال اذا أنشدته صدقا
أما أحمد شوقي ، فيرى أن الشعر لا بد أن يكون عاطفة أوحكمة أو ذكرى .. و الا كان نظما لا حياة فيه يقول :
و الشعر ان لم يكن ذكرى و عاطفة ... أو حكمة ، فهو تقطيع و أوزان
في حين أن الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي يرى أن الشعر الحقيقي هو الذي يهتز له فؤاد المرء و تنتعش روحه .. و تلتذه مسامعه فينتشي السامع و يهتز له طربا و نشوة .. يقول :
اذا الشعر لم يهززك حين سماعه ... فليس خليقا أن يقال له شعر
و أقول في أبيات :
هو الشعر بوح أو نسيـب و حكمة ... اذا هزّ نفس المرء فهو جميـــل
هو الشعر ما بـاح الضمير بسره ... و عبّر عنه في الفــؤاد دليلُ
اذا الشعر لم يخرج من الروح نبضه ... فليس له نحـو الحياة سبيـل
و يرى الأخطل الصغير ( بشارة الخوري ) أن لقب الشاعرية أهم من الولاية و الحكم .. و أن أصحاب التاج يتمنون لو أنهم استعاضوا بتيجانهم بوفرة تحيط برأس الشاعر ..يقول في قصيدته الرائعة " المتنبي و الشهباء " ألقاها في عام 1965 في احتفال في مدينة حلب بمناسبة بذكرى مرور ألف عام على وفاة المتنبي .. يقول فيها مخاطبا المتنبي :
أخا الوفرة السوداء ، كم ملك ... أعاضك التاج لو يوما بها اعتصبا
و الوفرة ، هي الشعر الأسود المجمع على الرأس
فهو يكني بعبارة أعاضك التاج باعتصابه بالوفرة ، أن يمتلك شاعرية المتنبي مقابل ملكه .. ثم يخاطبه بقوله :
طلبت بالشعرِ دون الشعرِ منزلة ... و شاء ربُّك ألا تدرك الطلبا
اذن لأثكلتَ أمَّ الشعرِ واحدَها ... و عُطِّل الوكرُ لا شدوًا و زغبا
فهو يعاتبه لسعيه في طلب الامارة و الولاية وهي أدنى مرتبة من الشعر .. و منزلتها أدنى من منزلتك كشاعر .. فيعتبر الأخطل الصغير أن مرتبة الشاعرية هي أهم و أعظم من كل المراتب .
ثم يبدي الأخطل الصغير رأيه ببعض الشعر الحديث فيقول :
بعض الجديد الذي يدعونه أدبا ... يموت من يومه ، هذا اذا وُسبا
و سب : يقال وسبت الأرض . .أي كثر عشبها و اخضوضر
و يقال أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل احد أبناء هرم بن سنان .. و كان زهير بن أبي سلمى كثير المديح له .. و هو الذي يقول فيه :
تراه اذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
قال سيدنا عمر : ماذا أعطيتم لزهير لقاء مدحه لكم .. قال : أعطيناه مائة و ناقة .. و كذا و كذا .. الخ .
فقال عمر رضي الله عنه : أعطيتموه ما يفنى .. و أعطاكم ما يبقى
....
خالد خبازة
المصدر: خالد خبازة