أدب الأطفال في الشعر القصصي
يقول الدكتور أحمد علي كنعان عن الشعر القصصي:
(فن أدبي رفيع من فنون الأدب العربي فن القصة، والتقاء هذا الفن بالشعر جعله متميزاً في أدبنا الحديث، وكان للشاعر أحمد شوقي الريادة في هذا الميدان)[1].
إنني أسمي هذه الأقاصيص الشعرية: حكايات شعرية تمييزاً لها عن القصص الشعري، فذاك فن له أسسه ومقوماته التي تقوم على أركان متعددة معقدة هي أسس القصة النثرية، ولكنه في سياق شعري.
فالموضوع والشخوص أو الأبطال الرئيسيون والثانويون والحوار والصراع والحبكة والعقدة والحل بنوعيه التمهيدي والمفاجئ...
الأقاصيص الشعرية في أدب الأطفال هلامية العناصر هلامية النسيج والبناء، هي ملامح قصصية ولكنها بشكل بسيط يناسب المرحلة العمرية.
الحكاية الشعرية:
(هي أنشودة شعرية، تؤدى بأسلوب قصصي مشوق، تشبه المقال من حيث بناء الشكل، لها مقدمة، وهي بداية الموضوع، في خط بياني صاعد نحو القمة، وأخيراً الخاتمة، وفيها الحل وغالباً ما يكون مفاجئاً، يكمن في بيت المفاجأة، ويسمى هذا النوع من الحل (لحظة التنوير) كما في الأقصوصة.
وغالباً ما تكون هذه الحكايات رمزية على لسان الطيور والحيوانات، وذلك أدعى للتشويق، من ذلك حكايات شوقي في ديوانه الشوقيات حيث أفرد باباً سماه: باب الحكايات يشمل خمساً وخمسين حكاية)[2].
بين الحكاية الشعرية والنشيد:
للحكاية التشويق، وللنشيد الطرب، والحكاية الشعرية تجمع بين الفنين في آن معاً.
النشيد، له ميزة الإيقاع الموسيقي، ذلك الإيقاع المحبب للنفس الإنسانية، فيكسبها الرقة والعذوبة واللطافة والشفافية، حيث تستشف النفس به الأحاسيس الجمالية والأذواق المرهفة، مما يغذي العنصر العاطفي الوجداني.
أما الحكاية الشعرية، فإنها تثير ملكة التصور مما يغذي ملكة التفكير، ولهذا كانت الحكاية الشعرية محببة لدى الأطفال، وتحتاج مكتبة الطفل إلى تغذية هذا الفن.
وهذه بعض الأقاصيص أو الحكايات الشعرية.
لقد كنا ونحن صغار ننشد هذا النشيد لشوقي ونحن في غاية المتعة:
ومن " ألسن التجريب".. كانت حكاية "الثعلب والديك" ربما الأكثر شهرة في هذا المضمار. حكاية "حكيمة" حفظها ـ شعراًـ الصغار، ووعوا ـ معناها ـ وهم كبار، يقول " شوقي" في مطلعها:
برز الثعـــــــلب يوما في شعــــــار الواعظــــــــــــينا.
فمشى في الأرض يهـــذي ويســـب المــــــــــــاكرينا.
ويقول: الحـــــــمد لله إلـــــــــه العــــــالـمــــــــــــينا.
يا عــــــــــباد الله توبوا فهو كهــــــــــف التـــــائبينا.
وازهدوا في الطير إن الـعيش عيش الزاهـــدينــــــا.
واطلبوا الديـــك يؤذن لصـــلاة الصــــــــــــبح فينــا.
فأتى الديك رســــــول من إمــــــــــام النــــاســــكينا.
عرض الأمر عليــــــه وهـــــو يرجـــــــو أن يلينـــا.
فأجـــــاب الديـك عذرا يا أضـــل المهـــــتدينــــــــــا.
بلـــــغ الثعلب عنـــي عن جـــــــدودي الصالحـــــينا.
عن ذوي التيجان ممن دخــــــل البطــــــــن اللعينــا.
إنهم قــــــــــالوا وخير القــــــول قــول العــــــارفينا.
" مـــخطـــئ من ظن يومــــا أن للثعــــــــلب ديـــنا"!.
ولعل الطريقه الغالبة علی حكايات "أمير الشعراء" هي أن يصرّح بمغزی المثل، ويصوغه في بيت يجعله في الختام. ويوفق إلی الإجادة فيكون أروع بيت في الحكاية. فمن خلال تظاهر "أبي الحصين" بالتوبة عن أكل لحم الطير.. أعطي شاعرنا الكبير إشارات استفهام، وعلامات تعجب. فهو يحذر من تصديق العدو، والانسياق وراء مزاعمه وأكاذيبه، ومحاولته تغيير جلده رغبة "نهش لحم الديك". ونري "الثعلب" يكرر المحاولة الخادعة / الماكرة:
أَتى نبيَّ الله يوماً ثعلبُ فقـــــال: يا مولايَ، إني مذنـــــــــبْ
قد سوَّدتْ صحيفتي الذنــــــوبُ وإن وجدْتُ شافعاً أَتـــــــوب
فاسألْ إلهي عفوهُ الجليلا لتائــــــبٍ قد جاءهُ ذليـــــــــــــــلا
وإنني وإن أسأتُ السيرا عمـــــــلتُ شرَّا، وعملتُ خيـــــرا
فقد أتاني ذاتَ يومٍ أرنبُ يرتَــــــعُ تحتَ منزلي ويَلعَـــــــــبُ
ولم يكن مراقِبٌ هُنالكا لكنَّــــــني تَركتُهُ معْ ذلكـــــــــــــــــا
إذ عفتُ في افتراسهِ الدناءهْ فلم يصلهُ من يدي مســــــاءهْ
وكان في المجلس ذاكَ الأرنبُ يسمعُ ما يبدي هناكَ الثعلبُ
فقال لمَّا انقطعَ الحـــــديثُ: قد كان ذاكَ الزهدُ يا خبيـــــــث
وأنت بينَ الموتِ والحياة ِمن تُخــــــمة ٍ أَلقتْك في الفلاة ِ!
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/literature_language/0/69995/#ixzz3tyliBlEg
[1] الطفولة في الشعر العربي والعالمي ص42.
[2] من كتاب: رحلة القصة الشعرية د.أحمد الخاني .مخطوط.
[3] الطفولة في الشعر العربي والعالمي ص 46.
[4] من ديوان: لحن البراءة د.أحمد الخاني.
[5] للشاعر عبدالرزاق عبد الواحد من كتاب :في أدب الطفولة دعلي الحديدي ص298.
[6] ديوان :أشواق الغرباء د.محمد وليد ص:61 ط. جدة.
ماهو الشعرالقصصي؟
الشعرالقصصي، هوالذي يعتمد في مادته علي ذكر وقائع و تصوير حوادث في ثوب قصة تساق مقدماتها، و تحكي مناظرها و ينطق أشخاصها.
فالشاعرالقصصي قد يطوف بحياته حادث مِن الحوادث تنفعل به نفسه و تتجاوب له مشاعره و يهتزإحساسه، فيعمد اِلي تصوير هذا الحادث كما تمثل لديه في قصة ينسج خيوطها و يرسم ألوانها و يطرز حواشيها.(1)
كل مافي الامرأنّ القصيدة القصصية صارت تكتب الان علي أنها نوع ادبي متميز، تحكي بأجمعها قصة، هي بطبيعة الحال، قصة خيالية اكثر منها واقعية و لا يعد هذا عيبا فطيبعي أن يعتمد الشاعر علي عنصر الخيال و قد يبني مِن تجربة خيالية عملاً فنياً كاملاً.
فماذا نقرأ نحن في القصيده القصصية أنقرأ شعراً اَم قصة؟ و دون أن نستغرق في التفكير نرى أنّ التسمية نفسها تحمل الجواب عن هذا السؤال، فبحكم أنها قصيدة، لابد أن تَكون شعراً و بحكم أنها قصصية لابد أن تنقل إلينا قصة. فهي شعر و قصة في آن واحد، و بمقدار متساوٍ. اِنّما تستفيد القصة مِن الشعر التعبير الموحي المؤثر و يستفيد الشعر مِن القصة التفعيلات المُثيرة الحية. فهي بنية متفاعلة، يستفيد كل شقِ فيها مِن الشق الآخر و ينعكس عليه في الوقت نفسه.(2)
الشعرالقصصي فيالادب العربي:
قاريء الشعر العربي يقع علي كثير مِن الحكايات التي تؤكد النزعة القصصية عند بعض شعرائنا القدامی كامريء القيس الذي تبدو هذه الظاهرة في شعره (عند وصفه للصيد) حديث يبدو الموضوع ذا مقدمة وعقده وحل، و غالباً ماتكون المقدمة وصفاً للفرس اَوالناقة و تنسب العقدة عندما يعن لسرب مِن البقرالوحشي فيطارده و يكر ويفرّ حوله حتي يعود و قد اوقع طريده او عدّة طرائد(3).
والفرزدق عرض لحادثة وقعت بينه و بين الذئب في قصيدة تكاد تخرج عن طبيعة الوصف النقلي التقليدي للذئب لانه التفت فيها اِلي الجانب القصصي، و أفاض عليها شيئاً مِنالرقة الوجدانية، اِذقال:
وليلةٍ بتنا با لفريين ضافنا علي الزاد ممشوق الذراعين أطلسُ
تَلَمّسنا حتي أتانا ولم يزلْ لَـــدُنْ فطمتـْــه امـــــّه يتـــلمّـــسُ(4)
ويرى الدكتور احمد امين أنّ عمربن ابي ربيعه هو مبتكر فن القصص الشعري ،و كان حرياً بتجربته أن تسهم في تطوير القصيدة العربية و تخرجها عن ما رأى لتقليد القصيدة الجاهلية(5).
اِنّ ما تقدم عن الظاهرة القصصية في شعري امرؤ القبس و الفرزدق ماهواِلاّ حكاية لحال، كان يمكن لها أن تكون خطوة علي طريق الفن القصصي الشعري بما تنبي عنه مِن جيشان العواطف و صدق الانفعالات اِلاَ اَنّ العناية بها لم تتجاوز هذا البوح الوجداني.
لم تعرف العربية اذن الشعر القصصي بمعناه الغربي و انّما عرضَتْ ضروباً مِن نظم التاريخ تشبه اَن تكون متوناً للحفظ و التسميع و مازال هذا شأننا حتي اتصلنا بأورباو آدابها في القرن التاسع عشر و لم يلبث سليمان البستاني أن نقل إلياذه هوميروس اِلي لغتنا شعراً و بذلك رأی شعراءنا تحت أعينهم هذااللون من الشعرالقصصي ورأوا مايجري فيه مِن حروب و حوادث مثيرة تدورحول أبطال اليونان و طروادة. إذن القصص الشعري بمفهومه الغربي لم يظهر اِلاّ في العصر الحديث(6).
ادب المَهاجَر(7):
هو أدب المهاجرين العرب الذين تركوا بلادهم فترة الحكم العثماني للعالم العربي و استقروا في الأميريكيتين الشمالية و الجنوبية و أنتجوا أدباً و ابدعو شعراً و أصدروا صحفاً وكونوا جاليات و جمعيات و روابط ثقافية، و كان إبداعهم الادبي له صفة التمايز عن أدب الشرق بما يجمع مِن ملامح شرقية و ملامح غربیة(8).
وباستقرارهم في الأميركييتين الشمالية والجنوبية أنشاؤارابطتين ادبيتين،إحداهما في المهجرالشمالي و الثانية في المهجر الجنوبي، و هما الرابطة القلمية و العصبة الأندلسية. أهم أعضاء الرابطة هم: جبران خليل جبران، ميخائل نعيمة، نسيب عريضة، رشيدايوب، ايليا اَبوماضي و ... اما اعضاء العصبة فأهمهم رشيد الخوري، الياس فرحات، شكرالله الجر، جبران سعاده، امين الريحاني، سعيد اليازجي ...(9).
القصة في شعرالشعراء المُهاجَريين:
كانت القصة في شعرالشعراء المهاجريين مِن أهم فنون شعرهم، فهي التي تتناول كل احداث الحياة، و تصور كل مادقّ و جلّ مِن امور الوجود. و لعلّ الشعرالقصصي هو مما أخذه المهاجريون عن أخوانهم مِن شعراء لبنان و الأقطار العربية الثانية، كما يعترف بذلك البعض منهم. حيث تري فريقاً ينسب الفضل في ذلك اِلي شاعر الارزشبلي ملاط و آخر يعود به الي خليل مطران.
القصة الشعرية التي نظم فيها مِن شعراء المشرق: مطران (1872- 1949)، و الرصافي (1875- 1945)، و حافظ ابراهيم (1871- 1932)، والياس ابوشبكه (1903- 1947) و بشارة الخوري (1889- 1968)، نظمها شعراءالمهجرو صوروا فيها حيرتهم و تساؤلهم و ألمهم و أملهم و بكاء هم و فرحهم. نظمها إلياس فرحات (1893- 1977)، و رشيد ايوب (1871-1941)، و ابوشادي (1892- 1955). والشاعر القروي (1887- 1984)، و فوزي المعلوف (1899- 1930)، وايليا ابوماضي. اِذن القصة الشعرية كثيرةٌ في دواوين الشعراء المهاجريين، منها: لإلياس فرحات قصة شعرية بعنوان «احلام الراعي» و قصة «الاحتجاج علي مذهب داروين» و كذلك قصة الراهبة. و لفوزي المعلوف قصتُةُ المشهورة: آدم و حواء. و لنسيب عريضة مسرحية شعرية عنوانها: «احتضار أبي فراس»(10).
و اَشهر مَنْ برع في القصة الشعرية، هو إيليا ابو ماضي، و كثيراً مايعتمد اَبو ماضي علي أسلوب القصص في شعره ،اَو القصص الأسطورية و يستخرج منها دروساً إنسانية ذات قيمة، يعتمد فيها علي عنصري المفاجأة و التشويق. و مهما يكن من أمر يظلّ أبو ماضي مِن الرواد الذين فتحوا صدر الشعر لغير الغنائية الذاتية فزرعوا فيه مواسم جديدة لموضوعات شعرية جديدة تتناول الإنسان، في شتي صوره و تتناوله فكرةً وجوهراً، نفساً و عقلاً. و مثل هذا الغنی في الطاقة الشعرية، مجموعاً الي القدرة علي التمثل الجماعي لنفسية الاُمَّة، هوالذي يجعل مِن أبي ماضي شاعراً كبيراً(11).
ترجمةُ حياة ايليا أبي ماضي:
يُعْتَبر ايليا ابو ماضي أحداكبرشعراءالمهاجرومِن اكبرالشعراء العرب المعاصرين(12). وُلِدَ في قرية «المحيدثة» القريبة مِن بكفيا في لبنان، سنة 1889(13). حيث تلقی علومه الا بتدائية ، ثم رحل اِلي مصر و نزل الاسكندرية حوالي (1900)، حيث مكث فيها اِحدى عشَرْسنة.
أصدر ديوانه الاول «تذكار الماضي» قبل أن يهاجراِلي أميركا الشمالية، عام 1911. ففي مصر بدأت موهبته الشعرية تتفتح و كان للأديب اللبناني أنطون الجميل، الفضل في اكتشافها و نشر بعض قصائدة في مجلة «الزهور» المصرية (1910-1913).
عمل ابوماضي في حقل التجارة و الصحافة، قبل أن يهاجر اِلي مدينة «سنسناتي» في أميركا حيث أمضي خمس سنوات فيها، ثمّ اتجّه نحو نيويورك سنة 1916. ليواصل عمله في نظم الشعر و الاتصال بالأدباء و الكتاب في بعض الصحف التي كانت تصدر هناك. ثم أصْدَر ديوانه الثاني «ديوان ايليا ابو ماضي» سنة 1918، مما حقق له شهرة واسعة في عالم الاغتراب و كذلك في المشرق العربي. ثم صدر ديوانه الثالث «الجداول» سنة 1927 و في سنة 1929 أصدر مجلة السمير، و في سنة 1946 صدر ديوانه «الخمائل» و ظلّ مقيماً بنيويورك اِلي أن توُفّي سنة 1957(14).
القصة الشعرية عند ايليا أبي ماضي:
في قراءَ تنا للقصص الشعرية التي تحفل بها دواوين اَبي ماضي، نجدها قصصاً تفيض ألواناً شتي مِن واقع الحياة و خيالها و رمزها و تشعبات مذاهبها في الرومانسية و الرمزية و الأسطورية. و قدخاف أنْ يؤخذ عليه حصر قصصه بأبناء وطنه، فعمد اِلی ابراز واقع الشرق ممزوجاً بجوانب الغرب و معطياته الرمزية و الرومانسية، التي تستمد عناصرها مِن خياله تارة، اَومِن الاساطير القديمة طوراً و حرص أيضاً أن يجعل تلك العناصر تتلوّن بألوان الوحدة المعبّرة عن الوحشيّة، الألم الموحي بالعصر، كما أنّه اهتمَّ اهتماماً بالغاً بالحوار القصصي المعبر عن الضياع المحيط بالمجتمع الغربي و الشرقي في آنٍ واحد. و هو في كل ماذكرنا كان ملماً اِلماماً ناجحاً بفن القصة الشعرية و أصول نظمها المعبّر(15).
إذن قد تنوعت هذه العناصر القصصية عند اَبي ماضي، فهي تاره: عناصر قصصية واقعية،و تارةً اُخري حكايات خيالية، و تارة ثالثة حكايات رمزية(16).
مِن قصصه الواقعية:
«حكاية حال»: و هي قصة رجل مسن أخلص لزوجته، ولكنها غدرت به لِكبرسنه.
«أنت و الكاس»: و خلاصتها أن الحب لايدوم، و آفته أنّه كالنار في الهشيم...
«قتل نفسه»: و هي قصة شاب أضاع غناه، فتخلی عنه صحبه، فانتحر بعد افتقاره «العاشق المخدوع»: و هي تحكي حب فتی لفتاة، تزوجت مِن غيره، فلّما مات الزوج تزوجها الحبيب الاول، فشيبتهُ باسرافها، و نزواتها، فخرج منها بتجربة خلاصتها (لاتمدح حتي تجرب).
«أناهو»: و هي قصة فتاة تعطلت سيارتها في الصحراء، و باتت في رعب مِن قاطع طريق معروف في المنطقة، و في النهاية اتضح لها أنه اخوها الذي افتقدته... و هكذا مع العسر يسر، و مَنْ يصبر ينل خيراً.
«الشاعر والامة»: و مغزاها أن الشعوب النائمة يستبد بها الظالمون.
«طبيبي الخاص»: و هي قصة فتی ادعي المرض، و ادّعَتْ حبيبتة أنها الطبيب فجاءَت لزيارته.
«بائعة الورد»: و هي تحكي حال فتاة غدربها حبيبها بعد أن خدعها فقتلتْه، و انتحرت. «ضيف ثقيل» و فيها نقمه علي رجال الدين.
«ذكری و عبرة»: وخلاصتها أنّه أسكر حبيبته حتي اعترفَتْ بحب غيره فأعرض عنها و هجرها...
«حكاية حا ل» و له قصيدة اُخري بهذا العنوان، و لكن هذه القصيدة تحكي قصة شاب كان ثرياً، ثم عضه الدهر بنابه فقررالانتحار، و لكن امرأة محسنة انقذته مِن كبوته.
«وردة و إميل» و هي قصة شبيهة بقصة روميو و جوليت، فقد مات الحبيبان شهيدی الحب .
«حكاية حال» و هذه قصة اُخری بهذا العنوان، و فحواها ينطبق عليه قول الشاعر:
اذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة اهل البيت كلهم الرقص
«الشاعر و الملك الجائر» و خلاصتها أن افكار الشاعر و نصائحه و حكمه باقيه خالدة ، و أنه أبقي علی التاريخ مِن أي سلطان ظالم(17).
و منِ حكاياته الرمزية: دودة و بلبل، رؤيا، الضفادع و النجوم، الغدير الطموح، الصغيرالصغير،السجينة،الغراب والبلبل،التينة الحمقاء، الابريق، ابن الليل، العير المتنكر، العليقة، الكنارالصامت و...
و من حكاياته الخيالية: الاسطورة الأزليه... أمنية إلهة ... و الشاعرفی السماء(18) و...
و سنكتفي فيما يلي بدراسة نماذج لهذه العناصرالقصصية من حيث المضمون و الأسلوب .
شرح و تحليل نماذج من قصصه الواقعية:
الف: الشاعر و الملك الجائر(19):
مضمونها: تنديد جورالحكام
ملحض القصة أن ملكاً ظالماً معتداً بنفسه يري حدود العالم و ما فيه مِن شؤون و شجون ينتهي في حدود سلطانه الذي تمثّل في مملكة واسعة حوت القصور الفخمة و الجنائن المعلقة و العزّ البراق و مظاهر العظمة و الفخامة التي شُيّدت بدماء المساكين و علی حساب حياتهم و بالمقابل جعل ابوماضي مِن شاعر موهوب، حرّ و طليق يتغني بسّر الكون و يتحلي بفكر جّم و بنفس عالية المثال... جعله نقيضاً للملك، فالشاعر مثال للحكمة الأزلية الشاهدة علي بقاء القيم، و الملك نموذج للمغترّين الذين نظروا لآنهم و كأنه ديمومة، و صدروا عن أحكامهم و كأنهم خُلقوا وحيدين في هذا العالم.
تبدأ لحظة الصراع بالاحتكاك بين هاتين الشخصيتين النقيضتين... اِذ يستدعي الملكُ الشاعر و يطلب منه أن يصف جاهه و سطوته و ملكه...
قال: صِفْ جاهي، ففي و صفك لي للشعرجاهُ اِنّ لـي القصر الذي لاتبلُغ الطيُرذُراهُ
ولــــي الروض الـــذي يعبَقُ بالمســـك ثراه ولــي الجيش الذي ترشحُ بالموتِ ظِباهُ
فماكان مِن الشاعر اِلاّ أن سخر مِن الملك و مِن طلبه ... و أجاب بأبياتِ لاذعة تنم عن هزء و استخفاف، تصور مجد الملك الباطل و قوته المصطنعة الزائلة و عرشه المزعوم المشاد مِن جماجم البشر و قال اَبو ماضي متابعاً وصف الموقف(20):
ضـــحك الشــاعرُ ما سمعتهُ اُذناهُ و تمنـــي أن يُــــداجي فعــصتهُ شفتاهُ
قال: اِنيّ لاأري الأمرَ كما أنت تراه اِنّ ملكي قدطوي ملكك عني و مَحاهُ
فا لشاعر ضحك مِن كلام السلطان و لم يطاوعة قلبه و لسانه علي أن يحابي اَويتملق، فإنّ لَهُ منِ نفسه ملكاً يتضاءل أمامه اَي سلطان آخر. و لذلك أجابَ السلطانَ بقوله:
القصر ينْبيء عن مهارة شاعر لبق، و يخبر بُعْدَه عنكـــــــــا
هو لـــلالي يَدرون كُنه جماله فـــــإذا مضوا فكأنه دُكــــــــا
ستزول أنت ولايزول جلاله كالفُلكِ تبقی، إنْ خَلَتْ، فُلكا
ثمّ تحدث عن الروض و الجيش، والبحر، و الجبل التي يدعي السلطان أنّه يملكها، و ختم حديثه بقوله:
و مررتُ بالجبلِ الأشْمَّ فما زوى عني محاسنََه ولستُ أميراً
و عند ذاك احتدم غيظ السلطان عليه فأمرالجلادَ أن يدحرج رأس الشاعر عن كتفيه، فلما. سقط رأسه يتدحرج علي الأرض، غضب السلطان و قال: "ذوجنة، أمسي بلاجنتهْ"(21). فانظر اِلي هذه الصورة التي يحشد فيها ابو ماضي جملة مِن الشروط الفنية للعمل القصصي:
فاحتدمَ السلطانُ ايَّ احتــــدام ولاحَ حـــُبُّ البطش في مقلتيهْ
وصاح بالجلاد: هاتِ الحسام فـــأسرعَ الــجلّادُ يسعــــي إليهْ
فقال: دحـــرجْ رأسَ هذا الغلام فــــرأسُهُ عبءٌ علـــــي منكبيه
سمعاً و طوعاً، سيّدي: وانتضی عَضَباً يموج الموتُ في شفرتيهْ
نشیر في هذا المقطع الي جملة مِن الامور:
اولها: الموقف الانفعالي للملك... و هو تتبع لحركة نفسه الداخليه التي استثارها الشاعر بحديثه المطول حتي نال مِن الملك و بلغ عمقه النفسي البشْع، ولعلّه يعرفه مسبقاً و يعرف اَي مورد يورد نفسه... و هو موقف فيه مِن التزواج و الانسجام بين ظاهر الملك و باطنه.
أماثانيها: فهوا الحوار السريع الذي رافق المشهد: احتدام الملك و توجيهه الاوامر للجلاد و اسراع هذا الآخير للتلبية...
ثالثها: ميّزات الشخصيات التي تتحرك أمامنا: فالملك مغتّر بنفسه و الجلاد عبدٌ مطواع ينفذ من دون اعتراض، بطبعه و بحكم مهنته خاضع مسير(22).
أكدّ الشاعرفي هذه القصيدة أن الجاه الحقيقي هو في غني النفس و ترفعها عن السفاسف. فلم يَرفي الملك اِلاّ عظمة مفتعلة واهنة و في العرش كرسياً مِن حطام خشب(23).
يعتمد ابوماضي اذاً علي الزمن اعتماداً كلياً ليرینا نتائج موعظته... فإذا المغتر بقوته يدور عليه هذا الزمن و يفقد عرشه و تتحول مملكتهِ إلي هشيم. و يزحف إليه سلطان الموت ليلتقي بالشاعرفي العالم الآخرلقاء مواجهة اُخري تظهر عظمة الفكر و انتصار الشاعر بآرائه التي عمّت العالمين و خلدت صاحبها، بينما المجد الباطل و السؤدد المصطنع ينهار ويندثر مع الزمن و لايعود ذكر في الآفاق، علي عكس اقوال الشاعر التي لاتزال حيّة يتوارثها الناس مِن جيل اِلي جيل و يردد و نها حكمة اُزلية(24).
و في النهاية:
في ليلة طامسة الانجم تسلّل الموتُ اِلي القصرِِ
بين حراب الجند و الأسهَمِ و الأسيفِ الهنديه الحمرِ
اِلي سرير الملكِ الأعظم اِلـــــــــي أمير البَّروالبحرِ
في حومة الموتِ و ظلِّ البلي قــــد التقی السلطانُ و الشاعر
لايجزع الشاعرأن يُقتلا ليس و راء القبر سيفٌ و رمحُ
و الشاعر المقتول باقيةٌ أقــــــــواله فكانــــــــها الأبَـــد
الأسلوب:نجد أبا ماضي تارةً ينظم القصيدة الواحدة متعددة البحور و القوافي منها: هذه القصيده يعني «الشاعر و الملك الجائر». هذه القصيده، قصيدةٌ طویلة نسبیاً، في نحو سبعين بيتاً، مقسمة اِلي ستة مقاطع، و اختلفت فيها البحور و القوافي (نّوع ابو ماضي في اوزان القصيدة الواحدة و قوافيها)،المقطع الأول بحرهُ الرمل و قافيتهُ «ها» المضموم و في المقطع الثاني، بحرهُ الكامل و المقطع الثالث، والرابع و الخامس، بحرهُ السريع و المقطع السادس بحرهُ الرمل. ونری اختلاف القافیة فی المقاطع المختلفة أو فی الأبیات التی جاءت فی مقطع واحد.
ب: الشاعر والامُة(25)
(مضمونها: الحكمة: مَنْ يَعْرَف حقَّهُ لَنْ يُظْلَم)
في قصيدة «الشاعر و الأمة» و هي تتألف مِن 59 بيتاً ـ يتحدث الشاعر عن اُمَّةٍ كانت تعيش في رخاء و منعةِ و حريةِ، في كنف ملكٍ عادلٍ يُحِبّ شعُبه ويتفاني في خدمته، حتي اوصل شعبه اِلي اَفضل ما تتمناه اُمّةٌ مِن العيش و الرغيد. (26)
كان في ماضي الليالي اُمَّةٌ خلـــع العِزُّ عليها حـِبَرَهْ
يجِدُ النازلُ في أكنافها اُوجهاً ضاحـکــَةً مستبشرهْ
كان فيها ملكٌ ذوفطنة حازمٌ يصفحُ عندالمقدره
ثم مات الملك و خلفه ملك طائشُ الراُي، أفسدتْهُ حاشية سوءٍ لاتُحب الخير للشعب، و زينت له آثامه و شروره فركب رأسه و مضي في طرق البغي، لايلتفت اِلي مصلحة شعبه ولايعتني بمملكته، وسكت الشعب علي شروره فلم يحاسبوه، حتي استفحل فيهم ظلمه و بطشْهُ، فراحوا يبكون علي قبر سلفه العادل الأمين.
مات عنها، فأقامت مَلِكاً طائش الرأي كثيرَ الثَرثَرَه
حولَهُ عُصْبةُ سُوءٍ كُلّما جاءَ إذاً اَقبَلـــَتْ مُعْتــــَذَرَهْ
و في أحد الايام مرّشاعرٌ بمقبرة البلدة، فرأي شيوخها يبكون عند قبرالملك السابق. فلما سألهم عن سبب بكائهم،أجابوه بأنهم يبكون العدل و الرحمة و الحرية و العزة في ذلك القبر، و شكوا مِن جور ملكهم الحالي وطغيانه و فجوره.
مرَّيـــــوماً فــــرأي أشباهَ جـــلسوا يبكون عندالمقبره
قال مالكم؟ ... ما خطبكم اَيُّ كنزٍ في الثَري اَوجوهَرَهْ
قال شيخٌ منهم مُحْدَودِبٌ ودموعُ اليَأسِ تْغشَی بَصَرَهْ
اِنّ مَنْ نبكيه لو أبْصَرَهُ قيصــــرٌ أبصر فيه قيصَرَهْ
كلّما جاءَ إليه خائــــن و اشيــــاً قَرَّبَهُ و استـــَوْزرهْ
وعند ذالك:
هزأ الشاعر منهم قائلاً بلغ السوسُ أصولَ الشجرة
رحمةُ اللهِ علي اسلافكُم إنهـــــّم كانــــــوا تُقاةً بَرَرَهْ
إنّ من تبكونَه ياسادتي كالـــذي تشكون فيكم بَطَرهْ
لوفعلتم فِعْل أجدادكـــم ماقضي الظالمُ منكم و طرَه
والعبرة مِن هذه القصة الشعرية واضحةٌ جداً، فطغیان الحاکم وبغیه لا یمکن أن یسود شعباً يعرف حقوقه و واجباته، و يعمل لرفا هية نفسه و عزة بلادِه و يوقف الطغيان و الفساد و الفجور عند حدودها(27).
الأسلوب:اِنها قصيدة طویلة نسبیاً في نحو ستين بيتاً، علي بحرالرمل و روي واحد وهؤ«الراء»، مقسمةً إلي اَربعة مقاطع ويبدو تغيير المقاطع يرتبط بالتغييرالزمني والمكاني و الموضوعي.
ج: هي(28)
مضمونها: تمجيد الأم
هذه قصة محفل مِن الاخوان عندأحدسراتهم، تدورعليهم الكؤوس، و تغمرهم امواج المرح و البشر، و يدعوهم صاحب الحفل اِلي أن يشربوا نخب صاحبته، ثم يدعوهم اِلي أن يشربَ كل منهم نخب صاحبته في الحفل.
قام أميرالقصــرِ فــــي كفّهِ كأسٌ أعارنهُ مــعانيها
و قال: يا صحبُ علي ذكركم أملأها حبّاً و أحسوها
ولكن فتي ظل ساكناً دون أن يرفع كأساً اَويشارك في نخب فسأله صحبه:وأنتَ؟
قال: أجل، اَشرب سرالتي بالروح تفديني و أفديــــــــها
صورتها في القلب مطبوعة لاشيء حتي الموت يمحوها
قد وهَبَتني روحــــها كلــــها و لم تخف أني أضحيــــها
ولكن السيدات استشطن غضباً، و تحفر الرجال اِلي الانتصاف منه لهذه الإهانة الموجهة
لسيدات في مجلس أنس و شراب.
و هكذا يتاُزم الموقف و تتعقدالقصة و حينئذٍ يتقدم صاحب الدعوة و يقول
فصاح رب الدار: ياسيدي وصفتها لم لاتسميها
أتخجل باسم من تهوي أحسناء بغيــر اسم؟
و عندها تصل لحظة «التنوير« اِلي غايتها:
فاطرق غير مكترث وتمتم خاشعاً ... اُمي
تمتاز هذه القصه بالحركة و الحيوية. و ممالاريب فيه أن الحوارالذي سيطرعلي مواقفها هوالذي أضفي عليها هذه الصفة الواضحة، حتي قد بدت القصة في جملتها تصويراً لمجلس شراب جري فيه هذا الحوار الحيوي. فقد بدأ الشاعر برواية القصة دون مقدمة و تمهيد و انتهی كذلك بانتهاء الحدث، بل بآخر كلمة تتضمن الفكرة العامة في القصة، و هذا بلاريب يكشف عن براعة في السبك. و أصالته. فقد ظل يماطل القاري و يشوقه حتي النهايه، ثم فاجأه بهذا النتيجه غير المتوقعة، و قد بلغت براعة الشاعر في تصوير تلك العادة، اَن جعلها فذة فريدة. و القصة في جملتها مركزة، موجزة و قدعينت با براز الفكر المجردة و تجيدهادون الالتفات اِلي النواحي الفنيه الاُخري(29)
الأسلوب:قصيدة «هي» مقسمة علی مقطعين اِثنين ، بحره السريع و قافيته «ها»في نحو سبعة و ثلاثين بيتاً.
شرح و تحليل نماذج مِن قصصه الرمزية:
ليس المقصود بالرمزية هنا تلك الرمزية التي يفهمها الغربيون فيالادب، لكن المقصود بها ذلك اللون الموضوعي الذي يرمز بالقصيدة كلها مثلاً، اَوبالعمل الادبي كله اِلي شيء معين،كالرمزفي حكايات كليلة و دمنة و خرافات لافونتين الفرنسية الدالة علی مصير الظالم و جزاء الواشي، اَوعاقبة المغرور في مساق حكاية علي لسان البهائم و الطيور و اذاكان اَبو ماضي يوحي في كثيرٍ مِن قصائده بأفكار، فليس ايحاؤه ايحاء الرمزيين، لأنّ هؤلاء ينتقلون أحياناً في قصائدهم مِن فكرة اِلي فكرة علي أساس الإحساس و الشعور النفسي مع ضعف الرابطة المنطقية بين الفكرتين، ولكن أبا ماضي بجانب عنايته بالاحساس و الشعور النفسي فهوأ يضاًً يعني بالرابطة المنطقية في قصائده الرمزية.(30).
التينة الحمقاء(31)
مضمونها: عاقبة التكبرهى الفناء
التينة الحمقاء التي و هبها الله الأفنان الباسقة، والجذع القوی، و الثمرالذكي، و لكنها رغم جمال منظرها، فقد اعتراها الكبر و الحمق حين قالت لِأترابها لا اُريد أن اَمتع الناس بثمري اَو جمالي، و لا اُعطي الطير منِ ثمري و أغصاني. و في سبيل ذلك سأجعل حجمي مفصلاً علي مايحتاجه جسمي(32)و في ذلك يقول:
اِني مفصلةٌ ظلي علي جَسَدي فلايكـــون به طولٌ و لاقِصَرُ
ولستُ مثمرةً اِلاّ علــــي ثِقَةٍ أنْ ليس يطرُقُني طيرٌ ولابشرُ
وعندماجاءَ الربيع، وقدزين الدنيا بالأخضرالسندسي من الورق، والطيب الزّكيّ مِن الثمر، ظَهَرَتْ التينة الحمقاء عارية، لامنظرَ يجملّها ولاكساءَ يكملها، فكانت النهاية الحزينة التي قال عنها الشاعر:
ولم يُطِقْ �
ساحة النقاش