بعض الحقائق المتعلقة بالدراسة و الامتحان.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسيبسم الله الرحمن الرحيمالخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
التعلم والتعليم قوام الدين :
أيها الأخوة الكرام، في خطبة سابقة تحدثت عن الامتحان بشكل عام، ووعدتكم أن أعالج موضوع الامتحانات بشكل خاص، لذلك هذه الخطبة مرتبطة بخطبة قبل الماضية متعلقة بالامتحان، لكن أقدم اعتذاري لأخ كريم لا يعنيه الامتحان وجاء لهذا المسجد، فإكراماً لطلابنا وأبنائنا وفلذات أكبادنا، ينبغي أن تسامحنا إذا كان الموضوع لا يعنيك، لكن يعني جمهرةً كبيرة جداً من طلابنا.
أيها الأخوة، إن التعلم والتعليم قوام هذا الدين، ولا بقاء لجوهره، ولا ازدهار لمستقبله إلا بهما، والناس أحد رجلين: متعلم يطلب النجاة، وعالم يطلب المزيد، ولا خير فيما سواهما، كن عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، أو محباً، ولا تكون الخامس فتهلك.
معرفة الله عز وجل علة وجود الإنسان في الحياة الدنيا :
أيها الأخوة الكرام، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( العالم والمتعلم شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس ))
[ابن ماجه عن أبي أمامة]
السبب أنك في الحياة الدنيا جاء الله بك إليها من أجل أن تعرفه، لذلك العلم، وطلب العلم، ومعرفة خالق السماوات والأرض، ومعرفة أنبيائه، ومرسليه، ومعرفة منهجه القويم، هو علة وجودك في الدنيا، عفواً طالب في الجامعة، الجامعة فيها مطعم، فيها مجلات، فيها مكتبة، فيها صحف، لكن سبب وجوده في الجامعة الدراسة، علة وجوده الأولى الدراسة، فإذا ذهب إلى الجامعة ولم يحضر المحاضرة، ولم يتابع المقررات، ولم يقرأ، ودخل إلى النادي الرياضي، ثم دخل إلى المطعم، ونسي علة وجوده فهذا طالب ابتعد بعداً كبيراً عن الهدف الذي جاء به للجامعة.
لا تصح حركة الإنسان إلا إذا عرف سرّ وجوده :
فيا أيها الأخوة الكرام، نحن في هذه الدنيا علة وجودنا الأولى أن نعرف الله، والعلة الثانية أن نتقرب إليه بعمل صالح يكون ثمناً للجنة، من هنا النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( العالم والمتعلم شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس ))
[ابن ماجه عن أبي أمامة]
أنا لا أتصور إنساناً يأكل، ويشرب، ويسهر، ويتابع الأخبار، ويلتقي مع أصدقائه، ويقيم الولائم، والنزهات، ولا يخطر في باله أن يسأل هذا السؤال الكبير لماذا أنا في الدنيا؟ إنسان سافر إلى باريس، وسأل إنسان في الطريق إلى أين أذهب؟ نقول له: ما هذا السؤال؟ أنت لماذا أتيت إلى هنا؟ إن جئت طالب علم فاذهب إلى المعاهد والجامعات، وإن جئت سائحاً فاذهب إلى المقاصف والمتنزهات، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى الأسواق والمعامل، لا يمكن أن تصح حركتك إلا إذا عرفت سرّ وجودك.
طلب العلم فريضة على كل مسلم :
أيها الأخوة الكرام، كلام خالق الأكوان يقول:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
[ سورة الذاريات: 56 ]
علة وجودك الأولى أن تعبد الله، لكن الناس يتحركون حركة غير هادفة، بل هناك استبيان دقيق جداً يؤكد أن الذين يعرفون أهدافهم، ويتخذون وسائل لتحقيق أهدافهم، لا يزيدون عن ثلاثة بالألف من الناس، يعيش ليأكل، ويشرب، ويتابع الأخبار، ويتعشى، و يعمل نزهة، واجتماعاً، ولقاء، ويرجع إلى البيت، وهكذا إلى أن يأتيه الأجل، لماذا أنت في الدنيا؟ لماذا جاء الله بك إلى الدنيا؟ ماذا بعد الموت؟ هناك حياة أبدية، ماذا أعددت لها؟ لذلك أيها الأخوة الكرام، طلب العلم فريضة على كل مسلم، لذلك الآن تعلُّم العلوم المادية يحقق عمارَة الأرض، تفوق الغرب بالعلوم المادية فملكوا الأرض كلها، بعد أن ملكوا الأرض كلها بتفوقهم بالعلوم فرضوا على الشعوب ثقافتهم، فرضوا عليها انحرافاتهم، فرضوا عليها إباحيتهم، هناك شيء اسم غزو ثقافي، وهو أخطر مليون مرة من الغزو العسكري.
القوة في هذا العصر هي قوة العلم :
أيها الأخوة، تعلُّم العلوم المادية يحقق عمارَة الأرض عن طريق استخراج ثرواتها، واستثمار طاقاتها، وتذليل الصعوبات، وتوفير الحاجات تحقيقاً لقوله تعالى:
﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾
[ سورة هود: 61 ]
أي جاء بكم إلى الدنيا من أجل أن تعْمروها، وتعلم العلوم المادية، هناك علوم شرعية، قرآن، حديث، فقه، أسباب النزول، فقه مقارن، الموضوعات الشرعية لا تنتهي، وهناك علوم مادية، فيزياء، كيمياء، رياضيات، فلك، طب، هندسة، جيولوجيا، تعلم العلوم المادية والتفوق فيها قوة، يجب أن تكون في أيدي المسلمين، ليجابهوا أعداءهم، أعداء الحق، أعداء الخير، أعداء السلام، تحقيقاً لقوله تعالى:﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
[ سورة الأنفال: 60 ]
أيها الأخوة، القوة في هذا العصر في العلم، بل إن الحرب الحديثة ليست حرباً بين ساعدين، و لاحرباً بين سيفين، ولا حرباً بين سلاحين، و لكن الحرب الحديثة حرب بين عقلين، فالدولة المتفوقة بالعلم تهيمن على بقية الدول.
أيها الأخوة، وبالتحرر من الجهل والوهم، واعتماد النظرة العلمية، واتباع الطريقة الموضوعية، نستطيع أن نسقط كل الدعاوى الباطلة المزيفة التي يطرحها أعداؤنا أعداء الدين للنيل من إمكاناتنا، وطموحاتنا، فباعتماد النظرة العلمية تصح رؤيتنا، وبإيماننا بالله، وباستقامتنا على أمره الذي نستمد منه قوتنا، قال تعالى:
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
[ سورة آل عمران: 160]
بعض الحقائق المتعلقة بالدراسة و الامتحان :
لذلك هذا الموضوع الذي سوف أعالجه لأبنائنا الكرام هو من أجل تفوقهم في التحصيل العلمي، وانضباطهم في الجانب السلوكي، أحد أسباب انتصارنا أمام التحديات التي يمكن أن نواجهها هي التفوق العلمي، أول نقطة أيها الأخوة، الآن الكلام بشكل خاص إلى الطلاب، أن تجلس على مقعد وثير في غرفة الجلوس مع أهلك، والحديث منوع، والشاشة مفتوحة، وتقرأ بينهم، هذه القراءة لا معنى لها إطلاقاً، لذلك تسمى هذه القراءة قراءة التصفح، على مقعد وثير، على شرفة أمام طريق مزدحم، أمام منظر جميل في غرفة الجلوس، هذه الأماكن لا تصلح للدراسة، لأنها أماكن تصرفك عن الدراسة مئات المرات في الساعة، ولا تثمر، ولا تسمن، ولا تغني من جوع، فأنت من هذه القراءة لا تذكر من الذي قرأته إلا انطباعاً عاماً، تقول: الكتاب صعب، فيه موضوعات دقيقة، القراءة السريعة ولنسميها قراءة التصفح، هذه القراءة لا تسمن ولا تغني من جوع، مضيعة للوقت، استهلاك رخيص للوقت، وهي القراءة التقليدية، وهي القراءة التي يعتمدها معظم الطلاب، ويتوهمون أنهم درسوا وقرؤوا الكتاب مرتين، لكن الامتحان في النهاية امتحان ذاكرة، ذاكرتهم لا تحوي واحد بالألف من هذه المعلومات التي قرؤوها.
حفظ المعلومات يكون بقدر الجهد الذي يبذله الإنسان في القراءة :
الآن هناك نقطة دقيقة جانبية، العلوم كلها سابقاً كانت علوماً وصفية، يقول لك: هناك ضجيج، الطائرة أثناء هبوطها لها ضجيج، الآن هذه العلوم الوصفية التي تعتمد على الوصف انقلبت إلى علوم رياضية تعتمد على وحدة قياس، هبوط الطائرة يساوي مئة وخمسة وعشرين ديسيبل، صار هناك وحدة قياس للضجيج، العلوم في أكثرها تنتقل من علوم وصفية إلى علوم رياضية، الآن إذا كان من الممكن أن نخترع وحدة قياس الجهد في الدراسة، فهذه القراءة وأنت في غرفة الجلوس، أو مطل على نافذة لمنظر جميل، أو في الطريق، أو في مكان عام، أو في انشغالك عن موضوعات الدراسة، هذه القراءة لا تقدم لك من الجهد الذي ينبغي خمسة بالمئة، مضيعة للوقت، قراءة التصفح مضيعة للوقت، فإذا كان معظم طلابنا يجلسون على مكان مريح، ومع أهلهم، ويقرؤون، ويقطعون في اليوم مئتي صفحة، لا تذكر من هذه الصفحات ولا واحد بالمئة منها، وبالنهاية الفحص فحص ذاكرة
أما حينما تجلس أيها الطالب وراء طاولة بعيداً عن الضجيج، والمناظر التي تدعو إلى الشرود، وتفتح الكتاب المقرر، وتقرأ بتأن وتعمق، وتضع علامة بقلم شفاف تحت كل فكرة رئيسة، وخطاً بالرصاص تحت كل فكرة فرعية، ثم تلخص الفقرة على هامش الكتاب، وتضع خطاً باللون الأحمر تحت كل كلمة تحب أن تضيفها إلى قاموسك، وخطاً بلون آخر تحت أية عبارة تحب أن تغني بها أساليبك التعبيرية، ثم تضع إشارة بلون ثالث تحت كل فكرة غامضة لتسأل عنها أستاذك، أو صديقك المتفوق، وبعدها ترسم مخططاً للبحث الذي قرأته، وتملأه بالأفكار الرئيسة، ثم تسمعه لمن حولك، أو تحاول أن تراجعه من ذاكرتك، أو أن تكتبه، هذه القراءة الذي يمكن أن تنتفع بها في الامتحان.
قراءة الفقرة، تلخيصها، وضع خط تحت الفكرة الرئيسة، تحت الكلمة الجديدة التي تتمنى أن تضيفها إلى ذاكرتك، تحت العبارة الأدبية، قراءة مع الدراسة، هذه القراءة هي التي يمكن أن تثمر في الامتحان، بالمناسبة على قدر الجهد الذي تبذله في القراءة يكون حفظ المعلومات، وكلما ضعف الجهد تبخرت المعلومات من ذاكرتك.
الذاكرة التعرفية و الذاكرة الاسترجاعية :
الآن عندنا شيء ثان في هذا الموضوع؛ هذا الطالب قضى سنة في عام الشهادة الثانوية يقرأ، فيزياء، كيمياء، رياضيات، تاريخ، إلى آخره، يستمع للدروس من المدرس، ويقرأ بالكتاب، لكن لم يخطر في باله أن يكتب موضوعاً بالفيزياء، المشكلة أنك تملك معلومات مودعة في ذاكرة اسمها الذاكرة التعرفية
مثلاً لو أنك تقرأ نصاً مكتوب فيه: علاقات وشيجة، أي متينة، أنت تعرف معنى هذه الكلمة إذا رأيتها، إذا قرأتها، هذه الكلمة مودعة في ذاكرة اسمها الذاكرة التعرفية، أما حينما تستخدمها في كتاباتك فتنتقل إلى ذاكرة أخرى اسمها الذاكرة الاسترجاعية، أنت لا تذكر هذه الكلمة في أثناء كتابة موضوع بالتعبير، لكنك إذا قرأتها تعرفها، فالكلام الذي تعرفه إذا رأيته ويغيب عنك ولا تستخدمه إذا غاب عنك هذا الكلام لا ينفعك في الامتحان إطلاقاً، في الامتحان يجب أن تأخذ من ذاكرتك، فكيف السبيل لنقل هذه المعلومات أو تلك الكلمات من الذاكرة التعرفية إلى الذاكرة الاسترجاعية؟ هو أن تدقق في الكلمات التي ينبغي أن تسترجعها، وأن تحفظها، القراءة النافعة فيها دقة، وفيها جهد، وقد تكون بطيئة لكن هذا البطيء يغنيك عن كل القراءات، فأي قراءة للمنهج بهذه الطريقة تغني، وقد تنال أعلى العلامات، القضية ليست قضية هذا الكتاب كم مرة قرأته، القضية كيف قرأت الكتاب ولو مرة واحدة.
الكتابة أفضل وسيلة للحفظ :
أيها الأخوة، دائماً بكل مادة يجب أن تكتب من حين لآخر فقرة، عندك مادة الفلسفة في الشهادة الثانوية إن لم تحاول أن تكتب أي كلمة في الفلسفة، يأتي الامتحان الكتاب قرأته مرتين أو ثلاثة، والكتاب تحفظه، يأتي السؤال لا تستطيع أن تكتب ما عندك، الكلمات عندما قرأتها فهمتها لكن لا تستطيع استرجاعها، وأوضح مثل اقرأ فقرة اليوم مساءً من أي كتاب بعناية، وبعد القراءة مباشرة اكتبها، تجد نفسك تفتقر لمعظم الكلمات، معنى ذلك هذه القراءة التصفحية، الاطلاع السريع لا تجدي نفعاً في الامتحان، لذلك إذا أردت أن تحفظ فاكتب، والإنسان حينما يكتب شيئاً يحفظه بالأعم الأغلب عود نفسك أن تكتب بحثاً بالفيزياء، قرأت بحثاً حاول أن تكتبه، تجد صعوبة بالغة جداً، هذا الامتحان معلوماته واضحة عندك أما كلماته وعباراته فلا تملكها، فكلما دربت نفسك على الكتابة كنت أفضل. بالمناسبة أخواننا الكرام، مواد الامتحان فيها مواد حفظية، ومواد نسميها مواد قدرات- ملكات- فاللغة مادة ملكات، اللغة العربية والأجنبية، الرياضيات مادة ملكات، مسائل الفيزياء مادة ملكات، إذا لم تحل أثناء العام الدراسي مئات المسائل لا تنجح في الامتحان، وإذا لم تُعرب مئات الأبيات لا تنجح في الامتحان باللغة العربية، هناك مواد معلومات فقط، التاريخ معلومات، أما اللغة العربية والأجنبية والرياضيات فهذه مواد قدرات، فما لم تتدرب على حل مسألة وإعراب بيت قد لا تستطيع تجاوز الامتحان.
على الطالب أن يدرس عدة مواد متفاوتة في الصعوبة في اليوم الواحد :
هناك مشكلة ثالثة أيها الأخوة، أن الطالب يضع برنامجاً يقول لك: من السبت للأربعاء كتاب الفيزياء، يقرأ أول فصل، يتعب أو يمل، الآن يضيع الوقت، يجلس مع أهله، يتصفح مجلة، عندما ضيع الوقت دليل أنه ملّ من الكتاب، هذه طريقة غير ناجحة عند معظم الطلاب، أما لو عمل اليوم يجب أن أقرأ عشرة كتب، من كل كتاب فصل، وهذه الكتب ترتب وفق الصعوبة، أصعب كتاب فرضاً كتاب الفيزياء، الكيمياء، الطبيعيات، ثم التاريخ مثلاً أو الجغرافيا، إلى أن تصل إلى أسهل مادة، تقرأ من كل كتاب فصلاً بنشاط عال، انتهى الفصل دع الكتاب، اجلس ربع ساعة، وخذ كتاباً آخر، عندما تبدل الموضوع صار هناك نشاط، هناك تجربة دقيقة جداً يعبرون عنها لو إنسان أعطيناه وزناً يقدر بكيلو وقلنا له: ارفعه، يرفعه مرة، مرتين، ثلاث، عشر، مئة لا يقدر، عندما لم يعد يستطيع أن يرفع نقول: أصيب بحالة اسمها الإعياء، عضلاته وصلت حدّ الإعياء، الآن لو أعطيناه نصف كيلو يرفعه مئة مرة ثانية، عندما يخف الوزن يصبح هناك قدرة جديدة، المرة الثالثة ربع كيلو، يرفعه مئة ثالثة، ثم خمسين غراماً مئة رابعة، بهذه الطريقة يمكن أن تدرس عشر ساعات في النهار، أول ساعة أصعب كتاب، خذ منه فصلاً واحداً، الساعة الثانية خذ كتاباً أسهل، الساعة الثالثة خذ كتاباً أسهل، كلما انتقلت من كتاب إلى كتاب تنتقل من كتاب صعب إلى كتاب سهل، آخر شيء هناك كتاب معلومات عادية جداً تحتاج لقراءة فقط، بهذه الطريقة أنت عندما تدرس عدة مواد في اليوم متفاوتة في الصعوبة، وتبدأ بساعات النشاط بالمادة الصعبة وتنزل، بهذه الطريقة يمكن أن تنتفع من الوقت وتدرس عشر ساعات.
بذل الجهد بالقراءة والكتابة والتنقيح طريق إعداد الجواب المناسب بالعلامات المرتفعة :
أيها الأخوة، هناك قضية أخرى، دائماً عندما تكتب بالامتحان بكتابتك هناك مادة وأسلوب، أي معلومات وطريقة للتعبير عنها، المصحح دون أن يشعر يهتم بالموضوع والأسلوب معاً، فالأسلوب القوي يرفع العلامة، فالطالب عندما ينقح الإجابة، يتابع أخطاءه، يقوي الجملة، يمتن العبارة، يستخدم عبارات فصيحة، يبتعد عن الكلمة العامية، كلما رفع مستوى أسلوبه ارتفعت علامته شاء المصحح أم أبى، ولم لم يكن في السلم علامة على الأسلوب، فأنت في الامتحان ينبغي أن تعتمد أسلوباً قوياً، والأسلوب القوي يحتاج إلى تنقيح، والتنقيح طريقة رائعة جداً في امتلاك أسلوب قوي، أنت اكتب بالرصاص دائماً على المسودات، اقرأ هذه الكلمة هناك كلمة أجمل منها، علاقات متينة؟ لا، علاقات وشيجة، كلما تنقح الأسلوب تقول: هذه الجملة ركيكة فتسرع إلى تبديلها، هذه العبارة مبتذلة ترفع مستواها، الاستفهام غامض توضحه، التنقيح من أروع ما يرفع مستوى أسلوبك، اقرأ واكتب ونقح، ما دام هناك بذل جهد في القراءة والكتابة والتنقيح، معنى ذلك أنت في طريق إعداد الجواب المناسب بالعلامات المرتفعة.
كلما كثرت الكلمات التي يعرفها الإنسان في لغة ما تأتي عبارته دقيقة جداً :
أيها الأخوة الكرام، لو أعطيناك أعلى كتاب أدب وقلنا لك: اقرأه، أنت إذا قرأته قراءة معاني لا يرتقي أسلوبك ولا شعرة، وقد يكون لكبار الأدباء، أما حينما تنتبه للأسلوب، إلى اختيار الكلمات، إلى اختيار الجمل، إلى التشابيه، إلى الاستعارات والكنايات، يرتقي أسلوبك، مثلاً أنت عندك كلمة نظر، لكن باللغة هناك نظر و لمح، لمح غير نظر، أنت لمحت في السماء طائرة بين السحب، معنى لمح ظهر واختفى، السماء كلها سحب فيها فرج صغيرة، إحدى الفرج رأيت طائرة تقول: لمحت الطائرة، لاح: ظهر له شيء ثم خفــي، لاح غير لمح غير حدج، حدج بمعنى نظر مع الحب، أنت أمام منظر جميل لسهل رائع تقول: رنا، رنا نظر مع المتعة، حدج نظر مع الحب، حملق شيء غريب جداً من شدة فتح العينين ظهر حملاق العينين، خط أحمر تحت الجفن هذا الحملاق، اندهش، بحلق اتسعت حدقة العين وحدق، نظر شزراً باحتقار، شَخَصَ مع الخوف، والنظر له مئات الكلمات كل كلمة لها معنى أصلي ومعنى فرعي.
أنت عندما تعطى لونين أبيض وأسود وأمام منظر طبيعي جميل نقول لك: ارسم هذا المنظر، تأتي صورتك لهذا المنظر ضعيفة جداً، هناك بيت له سقف أحمر، لا يوجد معك لون أحمر، هناك سماء زرقاء، لا تملك اللون الأزرق، هناك وردة لونها جميل لا يوجد عندك هذا اللون، فكلما كثرت ألوانك جملت لوحتك، يقاس عليها اللغة، كلما كثرت كلماتك ارتقت عبارتك، مرة سمعت أن هناك دراسة دقيقة، وضعوا آلة تسجيل برقبة إنسان غير متعلم أمي، وسجلوا كلماته خلال أسبوع، وفرغوها على ورق، وحذفوا المتكرر، هذا الإنسان بكل حياته يتكلم بمئة وخمس وعشرين كلمة ، وضعوا هذه الآلة بصدر أستاذ جامعي، وفرغوا هذه الكلمات كلها، وحذفوا المتكرر، لاحظوا أن الأستاذ الجامعي يتكلم ألف وخمسمئة كلمة، أي في ذاكرته ألف وخمسمئة كلمة يستخدمها في العبارات، فكلما كثرت الكلمات التي تعرفها في لغة ما تأتي العبارة دقيقة جداً.
ضرورة الراحة أثناء الدراسة :
أيها الأخوة، أي برنامج دراسي يجب أن يراعي أوقات الراحة، فإن القلوب إذا كلت عميت، ادرس خمسين دقيقة وخذ راحة لمدة عشر دقائق دائماً، أي برنامج دراسي إذا لم يكن فيه راحة ينسف، هذه الراحة تعطي الإنسان طاقة لمتابعة الدراسة.
الانتباه إلى فهم السؤال :
أيها الأخوة الكرام، والله لا أبالغ مئات الطلاب أو آلاف الطلاب يرسبون لا لأنهم لم يدرسوا، بل لأنهم فهموا السؤال فهماً خاطئاً، فأنا أنصح طلابنا الأعزاء ولاسيما في الشهادات تأتيك ورقة الأسئلة أغلق القلم ضعه على الطاولة، واقرأ السؤال، اقرأه مرة، مرتين، أو ثلاث، دقق في المطلوب، كلما دققت في المطلوب تأتي الإجابة صحيحة ولها علامات عالية، أما مثلاً سؤال في الشهادة الثانوية عن الأدب الاجتماعي، متسلسل بمراحل زمنية قبل الحرب، بين الحربين، بعد الحرب، هذا مثل صارخ، والأدب القومي له تسلسله الآخر، فجاء السؤال عن الأدب القومي بين الحربين، لأن كلمة بين الحربين جاءت بالاجتماعي معظم الطلاب كتبوا الاجتماعي وأخذوا صفراً، دقة السؤال مهمة جداً، انتبه بين الحربين لكن لم ينتبه أن الموضوع اجتماعي وليس قومياً.
دائماً بالامتحان هناك أسئلة تمتحن الذكاء، أهم شيء أن تفهم مضمون السؤال، ما المطلوب؟ ضع خطوطاً، وهذه الخطوط هي عناصر الإجابة، أما إنسان حافظ، أنا أذكر مرة طالب كتب عشر صفحات بخط صغير، ويبدو أن ذاكرته قوية جداً، الكتابة ليس لها علاقة بالجواب أخذ صفراً، لأنه لم ينتبه للسؤال، السؤال له منحى، وهناك كلمة جاءت بموضوع آخر فانتبه للموضوع الآخر، مشي بالآخر فلم يأخذ أي علامة، إذاً موضوع فهم السؤال موضوع دقيق جداً.
تجميع الطاقات بهدف واحد ترقى بالإنسان إلى أعلى الدرجات :
آخر ملاحظة أخواننا الكرام، كلكم يعلم إذا إنسان عنده عدسة وجاء إلى أشعة الشمس ووضع ورقة تحتها في محرقها تحترق الورقة، ضع ورقة تحت الشمس لا تحترق، لماذا أحرقتها العدسة؟ العدسة جمعت الإشعاعات في نقطة واحدة، فلما اجتمعت هذه الإشعاعات قويت فأحرقت، وكل طالب له اتجاه ديني أي شهواته مضبوطة، اهتماماته مضبوطة، بمكان واحد، فهذه الاستقامة تجمع لك طاقاتك، مرة وضعوا في الطرقات لوحات بأمكنة عديدة في دمشق عن الأوائل بالشهادة الثانوية والأوليات في الشهادة الثانوية، لفت نظر الناس أن معظم الناجحات بالدرجات الأولى محجبات، معنى هذا أن الدين يقوي الدراسة، الدين جمعك، الدين جمع طاقاتك بمكان واحد، الدين منع عنك البعثرة والتشتت، فكل إنسان له اتجاه ديني، عنده صلواته الخمس، عنده غض بصر، هدفه القرآن الكريم، تجميع الطاقات بهدف واحد هذه ترقى بالإنسان، أما إذا كان عنده اهتمامات أخرى لا ترضي الله فنفسه توزعت.
فيا أيها الأخوة، أنا أعتقد أنه لا يوجد بيت إلا و فيه طلاب علم، و لا يوجد شيء أغلى على الأب والأم من نجاح الابن في الشهادات، أليس كذلك؟ أنا أعرف أن الطالب إذا نجح بعلامات عالية صار في البيت عيد، لأنه عرف مستقبله تقريباً.
الابتعاد عن الإزعاج و احترام الآخرين :
وآخر شيء أتمنى أن أقوله: إن هذه أوقات الآن أوقات حرجة جداً، إنسان يفتح المذياع بصوت عال يعطل على طالب دراسته، والله هذا عمل ليس له علاقة بالذوق، ولا بالأخلاق، ولا بالدين، اسمع لوحدك، هناك شخص إذا لم يرفع المذياع لأعلى درجة أو التلفاز لأعلى درجة لا يطرب، هناك طلاب، هناك مرضى، هذه النقطة الدقيقة يجب ألا تتجاوز أصوات أجهزتك بيتك، أصوات الأجهزة التي في بيتك ينبغي ألا تخترق البيت إلى بيت آخر، هناك مريض، هناك طالب يدرس، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن نراعي هذه الأشياء.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين
ساحة النقاش