موقع الأستاذ عبد الفتاح أمير عباس أبو زيد

موقع لغوي أدبي تربوي قبمي

أسلوب المدح والذَّمِ  

أولاً : مَفهومُهُ

تَتَضَّمنُ اللغةُ ألفاظاً وأساليبَ كثيرةً تَدُلُّ على المدحِ والذّمِ ، بَعْضُها يؤدي هذه الدلالةَ أداءً صريحاً ، لأنّهُ وُضِعَ من أولِ الأَمْرِ لِيَدُلَّ عليها ، وَبَعْضُها لا يؤديها إلا بقرينةٍ – دلالةٍ – واضحةٍ .

فمن النوع الأولِ : أمْدَحُ وأُثني واسْتَحسِنُ وأذُمُّ وأهجو واسْتَقْبِحُ وأشباهُها ، وما يُشارِكُها في الاشتقاقِ . نحو : أمْدَحُ في الرّجُلِ صَبْرَهُ وحُسْنَ احتمالِهِ ، وأَذمُّ فيه يأْسَهُ وفُتورَ هِمّتِهِ ، وأُثني عليكَ بما أحْسَنْتَ ، وأهجو مَنْ قَبَضَ يَدَهُ عن الإحسانِ .

 

ومنها : الجميلُ ، العظيمُ ، الفاضلُ ، الماجِدُ ، البخيلُ ، الحَقودُ ، الخائِنُ وغيرها من ألفاظِ المدحِ والذّمِ الصريحين .

 

ومن الثانيةِ كثرةٌ عديدةٌ ، أولُها أساليبُ النَفْيِ والاستفهامُ والتعجُّبُ والتفضيلُ وغيرها . حيثُ تَضُمُّ إلى معناها الخاصَ دلالةً على المدْحِ أو الذّمِ ، مثلُ قولِكَ في وصف إنسانٍ يَتَحَدّثُ الناسُ عن فضائلِهِ ومزاياهُ : ما هذا بَشَراً ! تُريدُ أنّهُ مَلَكٌ مَثلاً ، أو قولُكَ في ذَمِّ آخَرَ يَتَحَدَّثُ الناسُ عن عيوبِهِ ونقائِصِهِ : ما هذا بَشراً ! تُريدُ أنّهُ شيطانٌ ، فَتُخْرِجُهُ من صِنْفِ البَشَرِ ! ومثلُ قولِ أعرابيٍ سُئِلَ عن حاكمين فقالَ : أمّا هذا فأَحْرَصُ الناسِ على الموتِ في سبيلِ اللهِ ، وأمّا ذاكَ فَأَحْرَصُ الناسِ على الحياةِ في سبيلِ الشيطانِ . ومن النوعِ الصريحِ الدالِّ على المَدْحِ العامّ (نِعْمَ) ، ومنهُ الدالُّ على الذّمِ العام (بِئْسَ) وما جرى مجرى هذه الأفعالِ في الدلالةِ على المدحِ العامِ والذّمِ العامِ . والمقصودُ بالمدحِ العامّ والذّم العامّ أنّه ليْسَ مقصوراً على شيءٍ مُعَيَّنٍ ، ولا على صِفَةٍ خاصَةٍ ، ولا يَتَّجِهُ إلى أمرٍ دونَ غيرِهِ ، بل يَتَّجِهُ لِيَشْمَلَ كُلَّ أمورِ الممدوحِ أو المذمومِ . فالمدحُ العامُّ يَشْمَلُ الفضائلَ كُلَّها ، ولا يَقْتَصرُ على بعضٍ منها ، كالعِلْمِ أو الكَرَمِ أو الشّجاعَةِ . والذّمُ العامُّ يَتَضَمَّنُ العيوبَ كُلَّها ، ولا يَقْتَصِرُ على بعضٍ منها ، مثلِ الكَذِبِ أو الجَهْلِ أو السَّفَهِ *

ثانياً : مُكَوّناتُ تراكيبُ المَدْحِ والذّمِ

يُقَسِّمُ عُلماءُ البلاغَةِ الجُمَلَ اتي تؤدي معنى مفهوماً في الكلامِ العربيِّ إلى قسمين : الأولُ الجملةُ الخَبَريّةُ ، والثاني الجملةُ الإنشائيةُ ، **وجُملةُ المدحِ والذّمِ تَقَعُ ضِمْنَ النوعِ الإنشائيِّ .

 

وجملةُ المَدْحِ يَجبُ أن تكونَ جُمْلَةً إنشائيةً ، تتكونُ من فِعْلٍ يُرادُ بِهِ الدّلالةُ على المَدْحِ أو الذّمِ ، ويكونُ دائماً فِعلاً ماضياً ، ويلي هذا الفعلَ فاعِلٌ ، ثُمَّ يأتي بَعْدَهُ الاسمُ المخصوصُ بالمَدْحِ أو الذًّمِ .

كما نقولُ في الذَّمِ

ففي المدحِ نقول 

بِئْسَ السلوُكَ الغَدْرُ .

بِئْسَ (بِئْسَت) الصفةُ البُخْلُ .

نِعْمَ الكريمُ خالِدٌ .

نِعْمَ أو نِعْمَتُ الفتاةُ فاطِمَةُ .

 

حَيْثُ تكوّنتْ جُملةُ المدحِ الأولى من الفعلِ (نِعْمَ) الذي يُرادُ مِنْهُ إنشاءُ المدْحِ ومِنْ فاعِلِهِ (الكريم) الذي يلي الفعلَ مُباشرةً، ومِنْ المخصوصِ بالمدْحِ (خالد) . أما الجملةُ الثانيةُ ، فقد تكونت من الفِعْلِ المُستَخْدَمِ في المَدْحِ ، (نِعْمَ أو نِعْمَتْ) والذي يجوزُ تذكيرُهُ، كما يجوزُ تأنيثهُ إنْ كانَ الفاعِلُ مُؤَنَثاً ، ومن الفاعِلِ (الفتاة) ومن المخصوصِ أو المقصودِ بالمَدْحِ (فاطمة) .

وتَكَوّنتْ جُملةُ الذّمِ الثالثةُ من الفِعْلِ الدالِّ على الذِّمِ (بِئْسَ) ومن فاعِلِهِ (السلوك) مَتْلُوّاً بالمقصودِ بالذّمِ (الغَدر) وكذلك الرابعةُ ، فقد بُدئت بالفعلِ الدالِّ على الذّمِ (بِئْسَ ، بِئْسَتْ) ، والذي جازَ تذكيرهُ وتأنيثهُ لأنَّ الفاعِلَ مؤنثٌ ، تلاهُ الفاعِلُ (الصفة) ، ثم جاء بعدهما المقصودُ بالذّمِ (البخل) .

 

إعراب المخصوص بالمدحِ والذّمِ

لا يختلفُ النحويون في في كونِ المخصوصِ بالمدحِ أو الذّمِ اسماً مرفوعاً ، ولكنهم يختلفون في سبب هذا الرَّفعِ نظراً لتقديرِ سَبَبِ الرَّفعِ . ولهم في ذلك الفهم ثلاثُ وجهاتِ نَظَرٍ .

 

الأولى : اعتبارُ المخصوصِ بالمدحِ أو الذّمِ مبتدأً مُؤَخّراً ، والجملةُ الواقِعَةُ قَبْلَهُ في مَحَلْ رَفعِ خَبَرٌ له .

 

الثانية : اعتبارُ المخصوصِ بالمدحِ أو الذّمِ خبراً لمبتدأ محذوفٍ يُقَدَّرُ وَفْقَ المعنى المفهومِِ من الجملةِ . فإمّا أن يكونَ (هو) أو (هي) أو غيرهما .

 

الثالثة : إعرابُ المخصوص على أنّهُ بَدَلُ من الفاعِلِ في الجملةِ ، وهذا الإعرابُ هو الأكثرُ صحة وسهولةً ، إذا كان فِعْلُ المدْحِ والذمِّ غيرُ (حبذا) (ولا حبذا) فلا يجوزُ اعتمادُه عِْندئِذٍ .

 


**يُقَسِّمُ البلاغيون الكلام إلى نوعين : خبر وإنشاء

فالخبر ما يَصِحُ أن يُقالَ لقائله إنه صادق فيه أو كاذب ، فإن طابقَ الكلامُ الواقِعُ ، كان صاحبه صادقاً ، وإن كان غير مطابق للواقع ، كان صاحِبُه كاذباً .

أما الإنشاءُ فهو ما لا يَصِحُ أن يُقال لقائله إنه صادقٌ فيه أو غيرُ صادقٍ وهو نوعان : الإنشاءُ الطلبي ، وهو ما يُطْلَبُ فيه حصولُ أمرٍ غيرِ حاصِلٍ عند وقتِ الطلبِ بواسطةِ الأمرِ والنهي والاستفهامِ والتمني والدعاءِ .

والإنشاءُ غَيْرُ الطلبيِّ : وهو ما لا يُطْلَبُ فيه حُصولُ أمرٍ – طَلَبٍ – وله أساليبُ كثيرةٌ ، منها المدحُ والذَّمُ والتعجبُ والقَسَمُ وأفعالُ الرجاءِ وغيرُها . انظر البلاغة الواضحة ، على الجارم ومصطفى أمين . دار المعارف 1989 : 137

ثالثاً : أحكامُ نِعْمَ وبِئْسَ ، من حَيْثُ :

1- الدلالةُ على المدحِ العامِّ والذمِّ العامِّ .

تَخْتصُ (نِعْمَ) بالدلالةِ على المدحِ العامِّ (وبِئْسَ) على الذّمِ العامِّ واعتبارُ أنّ كُلاً من هذين الفعلين فعلاً ماضياً جامداً ، تَجَرَدَّ مِنْ الدلالةِ الزَّمنيةِ على الزمن الماضي ، كما تَدُلُّ غَيُرها من الأفعال الماضيةِ على الزَمنِ الماضي ، وقُصِدَ من دلالةِ هذهِ الأفعالِ مُجَرّدَ الدلالةِ على المَدْحِ أو الذّمِ دونَ تحديدِ زَمَنٍ خاصٍ يَقَعُ فيه المدحُ والذّم ، اللذان لا يُحددان بِزَمَنٍ مخصوصٍ- بل يُرادُ بهما كلُّ شخصٍ في أي زمانٍ ومكانٍ – ولكنّ هذين الفعلين محتاجان مثلُ بقيّةِ الأفعالِ – إلى اسمٍ مرفوعٍ بَعْدهما يكونُ فاعلاً لهما.

  

2- اقتصارُ فاعِلِهما على أنواعٍ مُعَيّنَةٍ أَشْهَرُها :

أ- الاسمُ المُعَرّفُ (بأل) الجِنْسِيَّةِ الدالةِ على كُلِّ أفرادِ الَنْوعِ ، لا على فَرْدٍ مُعَيَّنٍ بِذاتِهِ ، مثل : نِعْمَ الرَّجُلُ الأنيقُ وبِئْسَ الولدُ العاقُّ .

 

ب- الاسمُ المضافُ إلى المعَرّفِ (بأل) الجنسية مثل : نِعْمَ فاعِلُ الخيرِ سعيدٌ ، وبِئْسَ فاعِلُ الشَّرِّ فلانٌ .

 

جـ- الاسمُ المضافُ إلى ما أُضيفُ إلى اسمٍ مُعَرَّفٍ (بأل) السابقةِ ، مثل : نِعْمَ مُتَّبِعُ أسلوبِ التغذيةِ الصِحيَّةِ ، وبِئْسَ مُتّبِعُ أسلوبِ التغذيةِ العَشوائيةِ .

 

د- الضميرُ المستَتِرُ ، المُفَسَّرُ بِنَكِرَةٍ منصوبةٍ على التمييزِ ، المتأخِرَةِ عن الفِعْلِ والمُقَدَمَةِ على الممدوحِ أو المذمومِ ، والمطابَقَةِ للمدوحِ أو المذمومِ في الإفرادِ والتثنيةِ والجَمْعِ والتذكيرِ والتأنيث . مثل :

نِعْمَ قوماً العَرَبُ = نِعْمَ القومُ قوماً العربُ .

بِئْسَ قَوْمَاً أعداؤهم = بِئْسَ القومُ قوماً أعداؤهم .

ومثل : نِعْمَ رجلين السائقُ ومساعِدُهُ .

نِعْمَ رجالا الكريمُ والصادقُ والأمينُ .

نِعْمَ – نعمتِ – فتاةً المتواضعةُ .

نِعْمَ – نِعمت – فتاتين الأمينتان .

نِعْمَ – نِعْمَتْ – فتياتٍ الكريماتُ .

 

هـ- وقد تكونُ النَّكِرَةُ كَلِمَةَ (ما) بمعنى (شيء) فتكونُ في موضعِ النَّصْبِ على التمييزِ ، مثل : نِعِمّا يَفْعَلُهُ المُحْسِنُ الكريمُ = نِعْمَ شيئاً يَفْعَلُهُ المحسنُ الكريمُ ، ومثل : بئسَ ما يَعْمَلُهُ البخيلُ الحريصُ = بئسَ شيئاً يَعْمَلُهُ البخيلُ الحريصُ. ومثل قولِهِ تعالى " نِعِمّا التقوى = نِعْمَ شيئاً هي التقوى .  ومثل  "إن تبدوا الصّدقاتِ فَنِعّمِا هَي"  = إن تبدوا الصدقاتِ فنِغّما إبداؤها – إظهارُها –ومثل : نعمّا يَعِظُكُمْ بِهِ" = نِعْمَ شيئاً يَعِظُكُم بِهِ .

وعندما يكونُ فاعلُ (نِعْمَ وبِئْسَ) ضميراً ، يُشْتَرَطُ فيه ثلاثةُ أمورٍ :

أولاً : إفرادُه بِلَفْظْ واحدٍ ، وإخفاؤهُ – استتارُهُ – ، فلا يجوزُ إظهارُهُ في التثنيةِ والجمعِ ، للاستغناءِ عن تثنيتِهِ وجَمْعِهِ، بتثنيةِ وجمعِ تمييزهِ . مثل : نِعمَ تلميذين المؤدَبُ والمُجْتَهِدُ ولا يقال : نِعْما . ومثل : بئس – بئست صفتين الخِداع والمكر ، ولا يُقال بِئْسا ...

ثانياً : أنْ يُفَسِرَ الفاعلَ المُسْتَتِرَ ، اسمٌ نَكِرَةٌ يُذْكَرُ بَعْدَهُ منصوباً على التمييزِ ، مثل : نِعْمَ قاضياً سميرٌ .

ثالثاً : وإذا كانَ الفعلُ مؤنثاً : جازَ أن تَلْحَقَ الفِعْلَ (تاءُ التأنيث) ، مثل : نِعْمَ – نِعْمَتْ – المرأةُ سعادُ ، أو نِعْمَ – نِعْمَتْ سعادُ امرأةً وكذلك الأمرُ إنْ كانَ الاسمُ المخصوصُ مؤنثاً ، يجوز تذكيرُ الفِعْلِ وتأنيثُهُ – وإنْ كانَ الفاعلُ مُذكراً . مثل: نِعْمَ – نِعْمَتْ – الخُلُقُ المروءةُ ، وبِئْسَ – بِئْسَتْ – العقابُ الإهانةُ .

كلمةُ (ما) أو (مَنْ) مثل : نِعْمَ ما يَفْعَلُ الكريمُ وبِئْسَ مَنْ تَراهُ ذليلاً .

3- الاسمُ المخصوصُ بَعْدَهما :

تحتاج (نعم وبئس) إلى اسمٍ مرفوعٍ بَعْدَهما يكونُ مقصوداً بالمدحِ أو الذَّمِ ، ويُسمى المخصوصَ بالمدحِ أو بالذّمِ . ويُشْتَرَطُ – كما مَرَّ – أن يكونَ مَعْرِفَةً ، أو نَكِرَةً موصوفةً أو مضافَةً ، وأنْ يكونَ أَخصّ مِنْ الفاعِلِ، لا مساوياًً له ، وأنْ يكونَ مُطابِقاً لَهُ في المعنى ، فيكونُ مِثْلَهُ في التذكيرِ والتأنيثِ والإفرادِ والتثنيةِ والجَمْعِ. وأن يكونَ مُتأخراً عَنْهُ ، كما يَجِبُ أنْ يَتَأَخّرَ عن التمييزِ إن كانَ الفاعِلُ ضميراً مُسْتَتِراً ، مثل نِعْمَ رَجُلاً الصادقُ .

أمّا إذا كانَ الفاعِلُ اسماً ظاهِراً ، جاز تقديمُ المخصوص على التمييزِ أو تأخيرُهُ عَنْهُ . مثل : نِعْمَ السائِقُ رَجُلاً خليلٌ ، ونِعْمَ السائِقُ خليلٌ رجُلاً .

هذا والمخصوصُ بالمَدْحِ أو الذّمِ مرفوعٌ دائِماً – كما مَرَّ – وقد يُحْذَفُ المخصوصُ ، إن دلّ عليهِ دليلٌ ، كأنْ يُدْكَرُ مِنْ قَبْلُ في الكلامِ – مثلُ قَوْلِه تعالى في سورة أيوب عليه السلام بَعْدَ أنْ وردَ ذَكَرَهُ في أياتٍ من السورةِ "(نِعْمَ العَبْدُ ، إنه أوّابٌ) أي نِعْمَ العَبْدُ أيوبُ – عليهِ السلامُ – إنّه أوابٌ = شديدُ العَودَةِ إلى رَبِّهِ ومثل: سَمِعتُ خطاباً لم أعرفْ صاحِبَهُ ، ثُمَّ عَلِمْتُ أنّهُ عَليٌّ ، نِعْمَ الخَطيبُ . أي نِعْمَ الخطيبُ عليٌّ .

 

رابعاً : حَبّذا ولا حَبّذا وَحَبَّ

ومِنْ أفعالِ المّدْحِ الصّريحِ الفِعْلُ (حَبَّ) ويُقْصَدُ بِهِ المَدْحُ العامُّ مَعَ الإشعارِ بالحُبِّ – حُبِّ الممدوحِ – ويَكْثُرُ أن يكونَ فاعِلهُ اسمُ الإشارةِ (ذا) ، مثل : حَبّذا المتواضعُ إنساناً وحبذا إنساناً المتواضعُ . هذا وإن سُبِقَ الفعلُ (حَبَّ) وفاعِلُهُ بـِ (لا) النافيةِ صارَ دالاً على الذّمِ العامِّ ، نحو : لا حَبّذا المنافِقُ إنساناً ، ولا حبذا إنساناً المنافِقُ .

ويُعْرَبُ المخصوصُ بالمَدْحِ أو الذّمِ في جملةِ (حَبّذا) و(لا حَبّذا) الفعليةِ ، إمّا مبتدأً والجملةُ الفِعْليَّةُ خَبرٌ عَنْهُ. أو يُعْرَبُ على أنّهُ خَبَرٌ لمبتدأ محذوفٍ يُقَدَّرُ من خلالِ الجملةِ .

ويُشْتَرَطُ في المخصوص في هذا السياقِ ، أنْ يَتَأَخّرَ عن الفِعْل والفاعِلِ . فلا يجَوزُ تَقَدُّمُهُ عليهما . لكنّه يجوزُ أنْ يَتَقَدَّمَ على التمييزِ في الجملةِ ، أو يتأخَّرُ عَنْهُ . ومن مِثْلِ جوازِ تَقَدُّمِهِ على التمييزِ ، قَوْلُنا : حَبّذا صديقاً الوفيُّ . ومِنْ تأخيرِه ، قوْلُنا :حَبّذا الوفيُّ صديقاً .

 

أما بالنسبةِ للفاعلِ (ذا) في جُملةِ (حبّذا) ، فإنها تلْتَزِمُ الإفرادَ والتذكيرَ دائماً سواءٌ أكانَ المخصوصُ مُفْرَداً مُذَكّراً أم غيرَ ذلك . نقولْ :

يا حَبّذا جَبَلُ الرّيانِ مِنْ جَبَلٍ           وحَبّذا ساكنُ الرّيانِ مَنْ كانا

وحبّذا نفحاتٌ من يَمانِيةٍ               تأتيك مِنْ قِبَلِ الرّيانِ أحيانا

إذْ بَقيتْ (ذا) في البيتِ الثاني مُفْرَدَةً مُذَكَّرةً مع أنّ المخصوصَ بالمدحِ (نفحات) تَدُلُّ على الجمعِ المؤنثِ .

 

ونقولُ : حَبّذا المخلصانِ صديقين وحبّذا المخلصون أصدقاءَ .

وحبّذا هِنْدٌ وحَبّذا قَرْيَةٌ بها هندٌ . بإفرادِ (ذا) وتذكيرِها دائماً .

والأمْرُ نَفْسُهُ يُقالُ في جملةِ (لا حبذا) المستعملة في الذمِ . نقول :

لا حَبّذا النفاقُ سُلوكاً ، ولا حبّذا سُلوكاً النفاقُ .

ولا حَبّذا الخِداعُ والنفاقُ سلوكاً ، ولا حبّذا المنافقين كتاباً .

ولا حبّذا الاستكانةُ شيمةً ، ولا حَبّذا المفاوضاتُ غيرُ المتكافئةِ أسلوباً لِحَلِّ القضايا المصيريَّةِ .

 

- أما (حَبَّ) فهو فِعْلٌ دالُّ على المَدْحِ ، وأَصْلُهُ (حَبُبَ) أي صارَ محبوباً ، مثل : حَبَّ محمودٌ شهماً . فالمخصوصُ بالمدحِ هو فاعِلُ (حَبَّ) محمودٌ ويكونُ الفاعِلُ – المخصوصُ بالمدحِ – مُطابِقاً للفعلِ في جميعِ الأحوالِ وَفْقَ ما يتقضيهِ المعنى . نقول :حَبَّ سميرٌ وعليُّ رجلين ، وَحَبَّ سميرٌ وعليُّ وعمادٌ رجالاً .

 

ويَجوزُ أيضاً جَرُّ فاعِلِ (حَبَّ) بالباءِ الزائدةِ لفظاً ، مثل : حَبَّ بسعيدٍ كريماً = حَبَّ سعيدٌ كريماً . 

خامساً : صياغةُ أسلوبِ المَدْحِ والذّمِ من أفعالٍ أُخرى :

تؤدي معنى (نِعْمَ وبِئْسَ) في إنشاءِ المَدْحِ والذّمِ ، أفعالٌ تُصاغُ على وَزْنٍ مَخصوصٍ ، هو وَزْنُ (فَعُلَ) وتتوفرُ فيها شروطٌ مُعَيّنةٌ ، ولكنَّ إفادةَ المدحِ والذّمِ باستعمالِ هذه الأفعالِ تكونُ خاصةً وليست عامّةً ، ودالةً على معنى مُعَيّنٍ ومحدودٍ ، يَقَعُ بِسَبَبِهِ المدحُ أو الذَّمُ ، كما يُستفادُ من جُملتها معنى إضافيٌّ هو الدلالةُ على التعَجُّبِ .

 

ومع أنَّ هذه الأفعالَ تؤدي معنى المدْحِ والذّمِ ، إلا أنها تَخْتَلِفُ عن (نِعْمَ وبِئْسَ) في أداءِ المَدْحِ والذّمَ المُجرَدَيْن – الخاليين من معنى التعجب - ، ومِنْ حيثُ أنَّ المَدْحَ والذّمَ مع (نِعْمَ وبِئْسَ) يكونُ عامّاً وشاملاً ، وليس مقصوراً على جانِبْ مُحَدَّدٍ من المَدْحِ أو الذّمِ .

 

ويَصْلُحُ الفِعْلُ كي يُؤديَ معنى خاصاً في المَدْحِ والذَمِ وإفادةِ التَعَجُّبِ ، عندما يَتوفْرُ فيه شرطان .

الأول : أَنْ يستوفَي جميعَ الشروطِ المطلوبةِ في الفِعْل الذي يُصاغُ فيه التعجبُ بالأسلوبِ المباشرِ .

 

الثاني : أنْ يصاغَ الفِعْلُ على وَزّنٍ مخصوصٍ هو صيغة (فَعُلَ) ، سواءً أكان في الأصّلِ مصوغاً على هذا الوزن ، مثل : كَرُمَ ، حَسُنَ ، شَرُفَ ، أم لم يَكُنْ .  مثل : فَهِمَ ، كَتَبَ ، بَرَعَ ، والتي تصير وفق الوزن السابق : فَهُمَ وكَتُبَ وبَرُعَ .

 

- فإنْ كانَ الفِعْلُ في أصلِهِ اللغويّ على وَزْنِ (فَعُلَ) ، مثل : كَرُمَ الفتى سعيدٌ ، ولَؤُمَ الخبيثُ فلانٌ ، بنينا صيغتي المَدْحِ والذَمِ منه دونَ أيّ تغييرٍ .

 

- أمْا إذا كان الفِعْل على وزنٍ آَخَرَ  ، حولناهُ إلى وَزْنِ (فَعُلَ ) الذي يَدُلُّ على الخِصالِ والسلوكاتِ التي تَسْتَحِقُّ المَدْحَ أو الذّمَ .  فنقولُ في المَدْحِ من (كَتَبَ وفَهِمَ) : كَتُبَ الصحفيُّ وائلٌ ، وفَهُمَ الطالب محمدٌ .

ونقولُ في الذَّمِ من (جَهِلَ وكَذَبَ ) .  جَهُلَ الغلامُ ابراهيمُ وكَذُبَ الولدُ فلانٌ . 
 

- فإن كانَ الفِعل مَعتلَّ الآخِرِ ، مثل : قضى ، رمى ، غزا ورضي ، قلبنا آخره (واواً ) عِنْدَ نَقْلِهِ إلى صيغةِ (فَعُلَ) ، لتُناسِبَ الضمَّةَ قبلها ، فَتصيرُ : قَضُو ، رَمُو وغَزوَ ، ورضَو .  قَضُوَ المستشارُ عبد الله . 

وغذا كانَ الفِعْلُ مُعتَلّ العين ، مثل : جَادَ وسادَ ، بِقِيتْ على حالِها ، لأنَّ قوانين الإعلال والإبدالِ تُغَيّرُها سيرتها الأولى، لو تحولت إلى جَوُدَ ، وسَوُد ، حيث تنقلب الواو ألفا إذا تحركت وكان ما قبلها مفتوحاً .

نقول : جَادَ العامِلُ ابراهيمُ ، وسادَ الخُلُقُ الكَرمُ .

 

وعندما يتمُّ تحويلُ الفعلِ على وَزْنِ (فَعُلَ) ليؤديَ في جُملتِهِ معنى المدحِ أو الذّمِ ، يصيرُ مثلَ (نِعْمَ وبئسَ) في دلالتهما على المدحِ والذّمِ ، ولكنه يَخّتلِفُ عن (نِعمّ وبِئّسَ) في في تَضَمُّنِهِ معنى التّعَجُّبِ ، الذي لا يُستفادُ من جُملةِ (نِعْمَ وبِئْسَ ) . 

 

والفِعْلُ على هذا الوزن في دلالَتِهِ على المدحِ والذّمِ والتّعَجُّبِ مُحتاجٌ إلى فاعلٍ مِنْ نَوْعِ فاعِلِ (نِعْمَ وبِئْسَ) وكذلكَ هو محتاجُ إلى اسمٍ مخصوصٍ بالمدحِ والذَّمِ ، مِثلهما ، كما قد يحتاجُ إلى تمييزٍ كما يحتاجان . 
 

ويكونُ فاعِلُ الفعلِ المعدول إلى وَزْنِ  (فَعُلَ) في إرادَةِ المدحِ والذّمِ كفاعِلِ (نِعْمَ وبِئْسَ) ، إمّا اسماً ظاهراً مُعَرّفاً (بأل) مثل : كَرُمَ الفتى عليُّ ، أو مضافاً إلى اسمٍ مُقْتَرن بها ، مثل : لَطُفَ ابنُ الرجل سميرٌ ، وإمّا ضميراً مستتراً في اسمٍ نَكِرَةٍ بَعْدَهُ منصوباً على التمييز ، مثل : كَرُمَتْ امرأةً ودادُ .

 

إلا أنَّ فاعلَ الفعلِ الظاهر المصوغِ على وزن ( فَعُلَ) ، يُخالِفُ فاعِلَ (نِعْمَ وبِئْسَ) في أمرين :

الأول : خُلُوّهِ من (أل) ، مثل : شَرُفُ زيدٌ ، وذلك غَيْرُ جائزٍ في فاعِلِ (نِعْمَ وبِئس) مثل : نِعْمَ العملُ الخبرُ – وبِئسَ السلوكُ الكِبْرُ .

 

الثاني : أنه لما أفادَ فِعْلُه – مع المدحِ والذَمِ – التَّعَجُّبَ جازَ جَرُّهُ بالباء الزائدةِ ، تشبيهاً له بصيغةِ (أفْعل بـِ) في التعجب ، مثل كرُمَ بخالد كما نقول في التعجبِ أكرمْ بخالدٍ ! وذلك غيرُ جائزٍ في فاعلِ (نِعْمَ وبِئسَ) .

 

أما فاعلُ (فَعُلَ ) – المضْمَرُ العائدُ على التمييز بَعْدَهُ ، فيوافِقُ فاعِلَ (نِعْمَ وبئْسَ ) المْضمَرَ ، من حيثُ أنْ يكونَ بلفظٍ واحدٍ للجميعِ .  مثل : الكريمةُ حَسُنَ فتاةً ، والكريمان حَسُنَ فتيين ، والكرامُ حسُنَ فتياناً ، والكريماتُ حَسُنَ فتيات .  كما نقولُ :الكريمةُ نِعْمَ فتاةً ، والكريمان نِعْمَ فتيين والكرامُ نعم فِتياناً والكريماتُ نِعْمَ فتياتٍ .

ويُخالفُ فاعِلُ (فَعُلَ) المُضْمَرُ العائدُ إلى التمييز بَعْدَهُ ، في جَوازِ أنْ يكونَ مُطابقاً لما قَبْلَهُ إفراداً وتثينةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً .  مثل : المحْسِنُ عَظُمَ إنساناً ، والمحسنةُ عَظُمَتْ إنسانةً والمحسنان عَظُما إنسانين والمحسنون عَظُموا أناساً، والمحسنتان عظمتا إنسانيتين والمحسناتُ عَظُمْنَ إنساناً ، ومثْلُ هذا الأمرِ غيرُ جائزٍ في فاعل (نِعْمَ وبئْسَ ) المضْمَرِ ، حيثُ يكونُ فاعِلُهما المضْمَرُ بِلَفْظٍ واحدٍ يعودُ على التَمييزِ بَعّدَهُ ، نَحْوَ : المحْسِنُ نِعْمَ إنسانا ، والمحْسِنَةُ نِعْمَ – أو نِعْمتْ – إنسانةً والمحسنان نِعْمَ إنسانين .. الخ .

 

وفي الذّمِ : اللئيمُ بِئْس إنسانا ، واللئيمةُ بِئْسَ – بِئْسَتْ إنسانةً واللئيماتُ بِئسَ – بِئْسَتْ – إنسانا . 

نِعْمَ الكريمُ خالدٌ

نعم  : فعل ماضٍ مبني على الفتح

الكريم : فاعل مرفوع

خالد   : بدل من فاعل مرفوع

       : أو مبتدأ مرفوع . خبره الجملة الفعلية – نعم وفاعلها –

       : أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو)

 

نعم – نعمت – الفتاة فاطمة

نعم – فعل ماض مبني على الفتح

نعمت – نعم فعل ماض مبني على الفتح .  والتاء تاء التأنيث مبنية على السكون ، لا محل لها .

الفتاة  : فاعل مرفوع علامته الضمة

فاطمة : بدل من فاعل مرفوع

       أو : مبتدأ مرفوع ، خبره الجملة الفعلية

       أو : خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هي)

 

بئس السلوك الغدر

بئس    : فعل ماض مبني على الفتح

السلوك : فاعل مرفوع

الغدر    : بدل مرفوع ، أو ... أو ...

 

نعم فاعل الخير سعيدٌ

نعم    : فعل ماض مبني على الفتح

فاعل   : فاعل مرفوع ، وهو مضاف

الخير   : مضاف إليه مجرور

سعيد   : بدل مرفوع من – فاعل .. أو ...

 

نعم قوما العرب

نعم    : فعل ماض مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو) يعود إلى (قوما)

قوما   : تمييز منصوب

العرب  : مبتدأ مرفوع خبره الجملة الفعلية – نعم وفاعلها المستتر 

بئس قوما اعداؤهم

بئس  : فعل ماض مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو) يعود إلى (قوماً )

قوما  : تمييز منصوب

اعداء : مبتدأ مرفوع ، خبره الجملة الفعلية – بئس وفاعلها المستتر

هم    : في محل جر بالإضافة

 

بئس القوم قوما اعداؤهم

بئس   : فعل ماض مبني على الفتح

القوم   : فاعل مرفوع

قوما    : تمييز منصوب

 

نعم رجلين السائق ومساعده

نعم   : فعل ماض مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر فيه تقديره (هو) يعود إلى التمييز (رجلين) .

رجلين : تمييز منصوب ، علامته الياء لأنه مثنى .

السائق : مبتدأ مرفوع علامته الضمة .

مساعد  : اسم معطوف على مرفوع .

 

نعمت فتاتين الأمنيتان

نعمت  : فعل ماض مبني على الفتح ، والتاء للتأنيث وفاعله مستتر فيه تقديره هما يعود إلى الفتاتين .

فتاتين  : تمييز منصوب علامته الياء .

الامينتان : مبتدأ مرفوع – خبره الجملة الفعلية قبله .

 

نعم ما يفعل المحسن الكريم

نعم   : فعل ماض مبني على الفتح – والفاعل ضمير مستتر تقديره (الشيء) .

ما    : اسم مبني على السكون في محل نصب تمييز .

يفعل  : فعل مضارع مرفوع .

المحسن : فاعل مرفوع .

الكريم   : صفة مرفوعة ، والجملة من الفعل والفاعل ، في محل رفع صفة للمخصوص المحذوف .

 

"إن تبدو الصدقات فنعما هي "

إنْ     : حرف شرط مبني على السكون

تبدوا  : فعل مضارع مجزوم ، فعل الشرط ، علامته حذف النون .  والواو : في محل رفع فاعل .

الصدقات : مفعول به منصوب علامته الكسرة .

ف     : حرف ربط

amer123123

اللهم احفظ المسلمين من شر وسوء المنافقين والخونة والعملاء والكافرين يارب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 4012 مشاهدة
نشرت فى 29 نوفمبر 2014 بواسطة amer123123

ساحة النقاش

عبد الفتاح أمير عباس أبوذيد

amer123123
موقع لغوي تربوي وأدبي وقيمي الرؤية والرسالة والأهداف: رؤيتنا: الرؤية : الارتقاء بالمنظومة التعليمية والتربوية بما يؤسس لجيل مبدع منتمٍ لوطنه معتزاً بلغته فخوراً بدينه رسالتنا: السعي لتقديم خدمات تربوية وتعليمية ذات جودة عالية بتوظيف التقنية الحديثة ضمن بيئة جاذبة ومحفزة ودافعة للإبداع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها · إعداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

14,642,483