موقع الأستاذ عبد الفتاح أمير عباس أبو زيد

موقع لغوي أدبي تربوي قبمي

أخلاقيات شباب الصحوة «5» : (الرحمة والحب)

كتب: يوسف على فرحات13 مارس, 2013 - 31 ربيع الثانى 1434هـ

 

ربما يظن بعض القراء لأول وهلة وهو يقرأ عنوان هذا المقال أنه مكرر لا يحمل شيئاً جديداً ولاسيما أنه ليس من العناوين المثيرة التي تَلقى رواجاً عند جمهور القراء ولاسيما الشباب منهم. والحقيقة أن الجديد في هذا المقال ليس مادته العلمية بقدر مفهومه والذي تفتقر إليه كثير من الممارسات الدعوية.

وتبرز أهمية هذا الخلق كونه يمثل مُقوم مهم ورئيس في نجاح الداعية، لذا جعله الله سبحانه وتعالى الخلق الأبرز للنبي صلى الله عليه وسلم الذي يمثل هذه الأمة قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾.

لذا بقدر ما يحمل الداعية في قلبه الرحمة للمدعوين يكون حريصاً على هدايتهم وبذل كل الوسائل لتحقيق ذلك الغرض. ورحمة الداعية بالناس وحرصه على نجاتهم من النار لهو أكبر دليل على حبه لهم، لذا فإن الداعية الناجح في دعوته هو الذي يتمنى الخير للناس كل الناس حتى ولو كانوا غير مسلمين فكيف إذا كانوا من المسلمين فهذا من باب أولى.

ومن علامة الرحمة بالناس الدعاء لهم بالهداية لا الدعاء عليهم وهذا نجده في مواقف عديدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم  منها ما أخرجه البخاري ( رقم 3231) أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.

وهذا يدل على معاني الرحمة والشفقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه ومدى صبره وتحمله لأذاهم، بل إنه كان يقابل هذا الأذى بمزيد من الدعوة لهم بالخير، أخرج البخاري (رقم6397) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ. وروى الترمذي (رقم 3942) عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا. وروى مسلم (رقم 4344) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً فَقَالَ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُقَفِّي وَالْحَاشِرُ وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ. وروى أيضاً (رقم 4704) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً.

فهذه المواقف الرائعة والأخلاق الرفيعة منه صلى الله عليه وسلم تأكد على أن ديننا ودعوتنا، هي دعوة حب ورحمة للناس، وأن الأصل في علاقة المسلم مع غير المسلمين تقوم على السلام وأن المسلمين لا يعادون خصومهم ابتداء ولا يعلنون عليهم الحرب إلا إذا وقع عليهم اعتداء أو وقع من الآخرين ظلم لا بد من رفعه، وهذا لا يعني أن الدعاء على الأعداء غير مشروع، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قبائل رِعل وذكوان لأنه وقع منهم غدر واعتداء على أصحابه، إلا أن الحالات التي دعا فيها على المشركين محدودة ربما لا تتجاوز الثلاث مرات، وهذا يدل أن الأصل والغالب الدعاء للناس لا الدعاء عليهم، خاصة إذا كان هناك طمع في إسلامهم.

ومن أَمارة الرحمة فرح المسلم باهتداء الناس للدين فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن له هم في هذه الدنيا إلا هداية الناس كان يفرح للشخص يُسلم فقد روى أبو داود (رقم 2691) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ غُلَامًا مِنْ الْيَهُودِ كَانَ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ.

وربما كانت تمر به الجنازة صلى الله عليه وسلم فيسأل عن صاحبها فإذا قيل له مسلم يفرحُ وإذا قيل له مشرك يحزنُ ويقول: لقد فَلَتت مني هذه النفس إلى النار.

فما أحوج الدعاة اليوم في جميع أقطار الأرض أن يتخلقوا بهذه الأخلاق وأن يُحيوا هذا الفقه ولاسيما أن البشرية عانت الشيء الكثير وهي تنتظر من يُخلصها. وما أحوجنا نحن المسلمين، جماعات وأفراد ومؤسسات وهيئات وتنظيمات أن تسود بيننا هذه الأخلاق وتحكمنا هذه الروح، لعل الشحناء والبغضاء والفرقة ترتفع من حياتنا فالله تعالى يقول: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾.

وقد آن لنا أن نتحرر من النظرة التشاؤمية نحو الآخرين من الخصوم والمخالفين، وأن نتسلح بالتفاؤل والأمل والحب، وأن نقابل السيئة بالحسنة، والعبوس بالبسمة فنحن أمة سنشهد يوم القيامة على الأمم، وإلا إذا لم نكن على مستوى المسئولية فكيف سنشهد. ورحمة الدعوة تحتم علينا أن نُوصل فكرتنا لكثير من المسلمين المضللين المغرر بهم من بعض التيارات الفكرية التي تعادي الإسلام فهذا الصنف من الناس علته الجهل، وفي الوقت الذي يجدون فيه دعاة رحماء يقدمون الإسلام بصورته الناصعة السهلة سيستجيبون ويكونون من أكثر الناس تحمساً لنصرة الإسلام.

ورحمة الدعوة أيضاً تحتم على الدعاة أن يكونوا رحماء فيما بينهم، ومن مظاهر هذه الرحمة: أن يتعاونوا فيما اتفق عليه ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلف فيه. ومنها أيضاً: إشاعة روح الأخوة وفقه الوفاق وأدب الاختلاف والولاء والحب، فمثل هذه الأخلاق تكفلُ جمع الكلمة ورص الصفوف والتي هي أقوى سلاح في مواجهة أعداء الأمة فضلاً أنها من الواجبات التي يفرضها الوقت.

amer123123

اللهم احفظ المسلمين من شر وسوء المنافقين والخونة والعملاء والكافرين يارب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 157 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2013 بواسطة amer123123

ساحة النقاش

عبد الفتاح أمير عباس أبوذيد

amer123123
موقع لغوي تربوي وأدبي وقيمي الرؤية والرسالة والأهداف: رؤيتنا: الرؤية : الارتقاء بالمنظومة التعليمية والتربوية بما يؤسس لجيل مبدع منتمٍ لوطنه معتزاً بلغته فخوراً بدينه رسالتنا: السعي لتقديم خدمات تربوية وتعليمية ذات جودة عالية بتوظيف التقنية الحديثة ضمن بيئة جاذبة ومحفزة ودافعة للإبداع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها · إعداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

14,556,891