موقع الأستاذ عبد الفتاح أمير عباس أبو زيد

موقع لغوي أدبي تربوي قبمي


http://www.youtube.com/watch?v=SEZuRIhz_Zo


http://www.youtube.com/watch?v=3b8h8VisAkY


http://www.youtube.com/watch?v=__P0ZJwBsIU


http://www.youtube.com/watch?v=5l22GvVrD9Y


http://www.youtube.com/watch?v=Fu668_Ee8ls

الحمامة والثعلب ومالك الحزين

 

من كتاب كليلة ودمنة ...

قالَ دَبشَليمُ الملِكُ لبَيْدَبا الفَيلَسوفِ: قد سَمِعتُ هذا المَثَلَ، فاضرِبْ لي مَثَلاً في شأنِ الرَّجلِ الذي يَرَي الرأيَ لغيرِهِ ولا يَراهُ لنفسِهِ. قالَ الفَيلَسوفُ: إنَّ مَثَلَ ذلك مَثَلُ الحمامَةِ والثَّعلَبِ ومالِكٍ الحَزينِ. قالَ الملِكُ: وما مَثَلُهُنَّ؟

قالَ الفَيلَسوفُ: زَعَموا أنَّ حَمامَةً كانت تُفرِخُ في رأسِ نَخلَةٍ طويلَةٍ ذاهِبَةٍ في السَّماءِ. فكانتِ الحمامَةُ إذا شَرَعَت في نَقلِ العُشِّ إلي رأسِ تلك النَّخلَةِ لا يُمكِنُها ذلك إلاَّ بعدَ شِدَّةٍ وتَعَبٍ ومَشَقَّةٍ لطولِ النَّخلَةِ وسُمقِها. وكانت إذا فَرَغَتْ مِنَ النَّقلِ باضَتْ ثم حَضَنَتْ بَيضَها، فإذا انقاض وأدرَكَ فِراخُها جاءَها ثَعلَبٌ قد تَعَهَّدَ ذلك منها لوقتٍ قد عَلِمَهُ رَيثَما يَنهَضُ فِراخُها، فوَقَفَ بأصلِ النَّخلَةِ فصاحَ بها وتَوَعَّدَها أن يَرقي إليها أو تَلقِيَ إليه فِراخَها فتُلقيها إليه.

فبينما هي ذاتَ يومٍ وقد أدرَكَ لها فَرخانِ إذ أقبَلَ مالكٌ الحَزينُ فَوقَعَ علي النَّخلَةِ. فلمَّا رأي الحمامَةَ كئيبَةً حَزينةً شديدَةَ الهَمِّ قالَ لها: يا حمامَةُ ما لي أراكِ كاسِفَةَ البالِ سَيِّئَةَ الحالِ؟

فقالت له: يا مالِكُ الحَزينُ إنَّ ثَعلَبًا دُهيتُ به كلَّما كانَ لي فَرخانِ جاءَني يَتَهَدَّدُني ويَصيحُ في أصلِ النَّخلَةِ فأفرَقُ منه فأطرَحُ إليه فَرخَيَّ.

قالَ لها مالِكٌ الحَزينُ: إذا أتاكِ ليَفعَلَ ما تَقولينَ فقولي له: لا أُلقي إليكَ فَرخَيَّ فارقَ إلَيَّ وغرِّرْ بنفسِكَ. فإذا فَعَلتَ ذلك وأكلتَ فَرخَيَّ طِرتُ عنكَ ونَجَوتُ بنفسي.

فلمَّا عَلَّمَها مالِكٌ الحَزينُ هذه الحيلَةَِ طارَ فوَقَعَ علي شاطِئِ نَهرٍ. وأقبَلَ الثَّعلَبُ في الوقتِ الذي عَرَفَ، فوَقَفَ تحت النَّخلَةِ ثم صاحَ كما كانَ يَفعَلُ، فأجابَتهُ الحمامَةُ بما عَلَّمَها مالِكٌ الحَزينُ، فقالَ لها: أخبِريني مَن عَلَّمَكِ هذا؟ قالت: عَلَّمَني مالِكٌ الحَزينُ.

فَتَوجَّهَ الثَّعلَبُ حتي أتي مالِكًا الحَزينَ علي شاطِئِ النَّهرِ فوَجَدَهُ واقِفًا. فقالَ له الثَّعلَبُ: يا مالِكُ الحَزينُ إذا أتَتكَ الرّيحُ عن يَمينِكَ فأينَ تَجعَلُ رأسَكَ؟ قالَ: عن شِمالي. قالَ: فإذا أتَتكَ عن شِمالِكَ أينَ تَجعَلُ رأسَكَ؟ قالَ: أجعَلُهُ عن يَميني أو خَلفي. قالَ: فإذا أتَتكَ الرّيحُ من كلِّ مكانٍ وكلِّ ناحيةٍ أينَ تَجعَلُهُ؟ قالَ: أجعَلُهُ تحت جَناحَيَّ. قالَ: وكيفَ تَستَطيعُ أن تَجعَلَهُ تحت جَناحَيكَ؟ ما أراهُ يَتَهَيَّأُ لك. قالَ: بلي. قالَ: فأرِني كيفَ تَصنَعُ فلَعَمري يا مَعشَرَ الطَّيرِ لقد فَضَّلَكُمُ اللهُ علينا. إنَّكُنَّ تَدرينَ في ساعَةٍ واحدَةٍ مثلَ ما نَدري في سَنَةٍ. وتَبلُغنَ ما لا نَبلُغُ وتُدخِلنَ رؤؤسَكُنَّ تحتَ أجنِحَتِكُنَّ مِنَ البَردِ والرّيحِ. فهَنيئًا لَكُنَّ. فأرِني كيفَ تَصنَعُ.

فأدخَلَ الطَّائِرُ رأسَهُ تحت جناحَيهِ. فَوثَبَ عليه الثَّعلَبُ مكانَهُ فأخَذَهُ فهَمَزَهُ هَمزَةً دَقَّ بها عُنُقَهُ. ثم قالَ: 

يا عَدُوَّ نفسِهِ تَرَي الرأيَ للحَمامةِ وتُعَلِّمُها الحيلَةَ لنفسِها وتَعجِزُ عن ذلك لنفسِكَ حتي يَتَمَكَّنَ منكَ عَدُوُّكَ! ثم قَتَلَهُ وأكَلَهُ. ألهَمَنا اللهُ أن نكونَ مِنَ المُؤْتَمِرينَ لِما يأمُرونَ والمُنتَصِحينَ بما يَنصَحونَ.

فلمَّا انتَهي المَنطِقُ بالفَيلَسوفِ إلي هذا المَوضِعِ سَكَتَ الملِكُ. فقالَ له الفَيلَسوفُ: أيُّها الملِكُ، عِشتَ ألفَ سَنَةٍ ومُلِّكتَ الأقاليمَ السَّبعَةَ وأُعطيتَ من كلِّ شيءٍ حَظَّا وبَلَغتَ ما أمَّلَتهُ من خيرِ الدنيا والآخرَةِ في سُرورٍ منكَ وقُرَّةِ عَينٍ من رَعِيَّتِكَ بك ومُساعَدَةِ القَضاءِ والقَدَرِ لكَ. فإنَّه قد كَمَلَ فيكَ الحِلمُ والعِلمُ وحَسُنَ منكَ العَقلُ والنِّيَّةُ وتمَّ فيكَ البأسُ والجُودُ واتَّفَقَ منك القَولُ والعَمَلُ. فلا يوجَدُ في رأيِكَ نَقصٌ ولا في قَولِكَ سَقَطٌ ولا عَيبٌ. وقد جَمَعتَ النَّجدَةَ واللِّينَ فلا تُوجَدُ جَبانًا عندَ اللِّقاءِ ولا ضَيِّقَ الصَّدرِ عندَ ما يَنوبُكَ مِنَ الأشياءِ.

وقد جَمَعتُ لكَ في هذا الكِتابِ شَملَ بَيانِ الأمورِ وشَرَحتُ لكَ جوابَ ما سألتَني عنه منها، تَزَلُّفًا إلي رِضاكَ وابتِغاءً لطاعَتِكَ، فأبلَغتُكَ في ذلك غايَةَ نُصحي واجتَهَدتُ فيه برأيي ونَظَري ومَبلَغِ فِطنَتي. واللهُ تَعالي يَقضي حَقّي بحُسنِ النِّيَّةِ منكَ في إعمالِ فِكرِكَ وعَقلِكَ فيما وَضَعتُ لكَ مِنَ النَّصيحَةِ والمَوعِظَةِ. معَ أنَّه ليسَ المَنصوحُ بأولي بالنَّصيحَةِ مِنَ النَّاصِحِ، ولا الآمِرُ بالخيرِ بأسعَدَ مِنَ المُطيعِ له فيه. فافهَمْ ذلك أيُّها الملِكُ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ العَلِيِّ العَظيمِ.

 

 

amer123123

اللهم احفظ المسلمين من شر وسوء المنافقين والخونة والعملاء والكافرين يارب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1254 مشاهدة
نشرت فى 8 ديسمبر 2012 بواسطة amer123123

ساحة النقاش

عبد الفتاح أمير عباس أبوذيد

amer123123
موقع لغوي تربوي وأدبي وقيمي الرؤية والرسالة والأهداف: رؤيتنا: الرؤية : الارتقاء بالمنظومة التعليمية والتربوية بما يؤسس لجيل مبدع منتمٍ لوطنه معتزاً بلغته فخوراً بدينه رسالتنا: السعي لتقديم خدمات تربوية وتعليمية ذات جودة عالية بتوظيف التقنية الحديثة ضمن بيئة جاذبة ومحفزة ودافعة للإبداع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها · إعداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

14,406,199