«أسبوع الأصم العربي».. كل عام يجمعنا.. بقلم د. غسان شحرور
في كل عام، وخلال الأسبوع الأخير من شهر نيسان (أبريل)، تنظم جمعيات الأشخاص الصّم والهيئات العاملة معهم في الوطن العربي أسبوعاً يدعى «أسبوع الأصم»، وهو تظاهرة إعلامية حقوقية شاملة للتعريف بالصّمم والوقاية منه، وكذلك التعريف بالأصم وقدراته، ووسائل تربيته وتأهيله، وقنوات تواصله اللغوي والنطقي والإشاري مع أقرانه وأسرته وأفراد مجتمعه، بالإضافة إلى تسليط الضوء على حقوقه الأساسية الصّحية والتربوية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما يهدف «أسبوع الأصم» أيضاً إلى تمكين الأشخاص الصّم وضعاف السّمع وجمعياتهم من القيام بدور فاعل وإيجابي في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة والمستدامة.
لقد انطلق أسبوعُ الأصم في الوطن العربي تنفيذاً لتوصيات المؤتمرٍ الثانيٍ للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصّم، المنعقد في "دمشق" بين 24 و 26 نيسان/إبريل 1974م، وفي نفس الأسبوع من كل عام، تنطلق فعاليات هذا الحدث السنوي، وهكذا تجتمع جمعيات الأشخاص الصم، والمؤسساتُ الحكوميةُ والأهليةُ والخاصةُ المهتمةُ بالعملٍ مع الأشخاصٍ الصّمٍ، تحت شعار وموضوع واحد تختاره جمعيات الأشخاص الصم بالتنسيق مع اللجنة التنفيذية للاتحاد، وعاماً بعد عام، ازداد اهتمام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من حيث الكم والكيف بهذا الأسبوع، وانتقلت في التعامل مع قضية الأشخاص الصم من جوانبها الإنسانية إلى جوانبها الحقوقية التنموية، وهو أمر طالما تطلعنا إليه.
لقد أضحى هذا الأسبوع تقليداً سنوياً، يجري الإعداد له محلياً ووطنياً وإقليمياً، وهو كما نذكر دائماً، أسبوع مفتوح للأفكار والمبادرات، مهما صغرت أو كبرت، فقد يكون تغريدة أو مداخلة أو صورة في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يكون كلمة نقولها في افتتاح اجتماع أو حصة مدرسية، وقد يكون في تنظيم معرض رسوم أو منتجات، أو شعار نضعه هنا أو هناك، وقد يكون من خلال تنظيم لقاء رياضي أو ثقافي، أو طبي، أو إعلامي أو فني، وغيره كثير وكثير، طالما كان ذلك عن حقوق وحاجات وقدرات وإسهامات أبناء مجتمعنا من الأشخاص الصم.
إن مراجعة سريعة لفعاليات أسبوع الأصم العربي خلال السنوات الماضية تظهر مدى انتشارها وتنوعها وقوتها بفضل المشاركة الريادية للأشخاص الصم وجمعياتهم، وبفضل الاحتضان القوي للجهات الحكومية والأهلية والخاصة على امتداد الوطن العربي. لقد أظهر الأشخاص الصم العرب وجمعياتهم حماسة كبيرة للعمل جنباً إلى جنب مع المؤسسات الحكومية والأهلية لتحديث التشريعات الوطنية وتعزيز العمل في الجوانب التربوية والاجتماعية والصحية والإنسانية لتمكين الأشخاص الصم والمرأة بشكل خاص من مواجهة التحديات التي تواجههم للنهوض بأوضاعهم وحماية حقوقهم لاسيما الحق في حياة كريمة منتجة.
وفي هذا العام 2017، ركز "أسبوع الأصم العربي" على أهمية لغة الإشارة، باعتبارها أداة تواصل مهمة للأشخاص الصم، وهذه هي المرة الرابعة التي يطرح فيها "أسبوع الأصم" موضوع لغة الإشارة، كذلك فإن اتفاقية الأمم المتحدة أبدت اهتماماً خاصاً بالأشخاص الصّم ولغاتهم الإشارية، من خلال المادة 2 الخاصة بالتعاريف، والمادة 9 الخاصة بإتاحة الوصول، والمادة 21 الخاصة بحرية الرأي والتعبير، والمادة 24 الخاصة بالتعليم، والمادة 30 الخاصة بالمشاركة في الحياة الثقافية والترفيه، وقد أكدت هذه الاتفاقية التي صادقت عليها الدول العربية، على الاعتراف بلغة الإشارة، واستخدامها، واحترام ثقافة الأشخاص الصّم وخصوصيتهم، والحق في الحصول على الترجمة الإشارية، واستخدام ثنائية اللغة في التربية والتعليم.
ومع توسع هذه التظاهرة الإعلامية الحقوقية، لازلنا نتطلع ونطالب بجهد أكبر ومدروس يلبي حاجات وحقوق الأشخاص الصم على امتداد الوطن العربي، وبشكل خاص في مجالات تطبيق اتفاقيةُ الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة اتفاقية التي شكّلت ثمرةً كبيرةً لجهود الحكومات و المجتمع المدني العالمي و منظمات الأشخاص المعوقين أنفسهم، وهي كما ذكرنا في أكثر من مناسبة، مما نعول عليه في تلبية حاجات الأشخاص الصم لاسيما في ميادين التعليم والتشغيل والتوظيف والتعليم العالي، بالإضافة إلى العمل من أجل إزالة كل أشكال التمييز، وتحقيق تكافؤ الفرص والمساواة، وهي تحديات يواجهها الأشخاص الصم على امتداد الوطن العربي.
ساحة النقاش