"إن إصابتي الحقیقیة، لیست في بصري الذي فقدته مذ خرجت إلى الحیاة، إنها في المجتمع الذي یأبى أن یتقبلني كما أنا مواطنةً عادیةً“. هذا ما قالته لي إحدى السیدات الكفیفات، في إحدى المناسبات.
لقد تركت هذه الكلمات في نفسي أثراً كبیراً.. نعم، لقد فقدَت البصر، لكن بصیرتها یفتقدها كثیرون.
بدأ "اليوم العالمي للعصا البيضاء"، في عام 1980، وفي هذا اليوم السنوي، تقيم الجمعيات والمراكز التي تعني بالأشخاص كفيفي البصر الندوات والمعارض المختلفة التي تذكرنا جميعاً بقدرات الأشخاص المكفوفين وحقهم في الحصول على فرص متكافئة أسوة بباقي المواطنين، كذلك التعريف بالإنجازات التي أمكن تحقيقها، كما تلقي الأضواء على الصعاب والتحديات التي تواجههم في حياتهم من أجل كسب تأييد المجتمع لتخفيفها والتغلب عليها.
كما نعلم جميعاً، لم يحول فقد حاسة بصر العديد من الأشخاص المكفوفين دون التفوق والإبداع، ولم يكن ذلك ممكنا لولا إرادتهم القوية ومساندة أُسرهم ومجتمعاتهم. هذا ولا يقتصر النجاح على المبدعين والموهوبين منهم، وإنما يمتد إلى سائر المجتهدين والمثابرين، كبعض المعلمين والمربين، والحرفيين المهرة، ورجال الدين وغيرهم، و لايغيب عن ذاكرتي أكثر من معلمة، وربة منزل، وطالبة من المكفوفات المتفوقات في الحياة والمجتمع.
المرأة العربية الكفيفة.. تمييز مضاعف:
أتحدث في هذه المناسبة عن المرأة العربية الكفيفة، لأنها تعاني من التمييز مرتين: مرة لأنها كفيفة، ومرة ثانية لأنها إمرأة. حقاً، إنها حقائق قاسية عن المرأة الكفيفة في بلادنا العربية رغم الكثير من الجهود التي بذلت وتبذل من الجهات الحكومية والأهلية والخاصة، ورغم انضمام الدول العربية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة فإن المرأة الكفيفة لاتحظى بفرص متكافئة في الحصول على العمل، وكذلك في المشاركة الاجتماعية والثقافية وغيرها أسوة بأقرانها من العاديات، فهي لاتزال بين المجموعات الأكثر ضعفاً والأقل حماية، وهي بين الأكثر فقراً والأقل تعليماً في المجتمع، تواجه الكثير من الصعوبات في الحصول على الخدمات الصحية والتأهيلية والاجتماعية مقارنة بأقرانها العاديات، ويزيد الطين بلة أن بعض الأسر العربية تنظر إلى الفتاة أو المرأة الكفيفة على أنها مصدر خجل وشفقة وحسرة.
نعم، لاتزال الحاجة ماسة إلى تعزيزالخدمات الخاصة بالأشخاص المكفوفين لاسيما برامج التعرف والتنقل، والتأهيل المجتمعي بالإضافة على دعم برامج التشغيل والحماية الاجتماعية في الإطار الشامل للدمج والاحتواء.
إنها حقائق عن المرأة الكفيفة في بلادنا تذكّرنا وتحفّزنا أن نبحث أكثر، ونعمل أكثر، ونطالب أكثر من أجل إيفائها حقوقها في المشاركة والمساواة والتعليم والصحة والعمل والحماية الاجتماعية.
إنها حقوق لا يمكن بلوغها إلا بتمكين المرأة الكفيفة وجمعياتها والجهات العاملة معها، في كل مراحل العمل لمواجهة هذه التحديات والصعوبات، والتغلب على جميع أشكال التمييز، ورصد الخطوات والإنجازات على طريق تعزيز حقوقهن وحفظ كرامتهن، إنها جزء لايتجزأ من حقوقنا وكرامتنا جميعاً.
دعوة إلى مضاعفة الجهود:
لقد شهدت الساحة العربية عدداً من الفعاليات لتسليط الضوء على حاجات وحقوق المرأة الكفيفة، أذكر منها "الملتقى العربي الأول للمرأة العربية الكفيفة" الذي انعقد في ليبيا عام 2008، وندوة “المرأة العربية الكفيفة بين حلم القيادة ومعوقات الواقع" التي نظمها "الاتحاد الوطني للمكفوفين" بتونس في عام 2009 ، و "برنامج تمكين المرأة الكفيفة في الأردن" الذي نظمته "جمعية الصداقة للمكفوفين" في عمان عام 2014، وغيرها، وفي هذا العام نتطلع إلى المزيد في "ملتقى تمكين المرأة العربية الكفيفة"، 14-15 ديسمبر/كانون الأول 2015 بمدينة الكويت الذي ينظمه "معهد المرأة للتنمية والسلام" بالتعاون مع "الجمعية الخليجية للاعاقة".
لاشك أن منظماتِ الأشخاصِ ذوي الإعاقة، لا سيما منظمات المرأة تسعى إلى المشاركةِ الكاملة، والفاعلة في كل هذه الجهود، خاصة أنها تحتاج إلى الكثيرِ من الوقتِ لإحداثِ التغييرِ المنشود، كما أن المنابرِ الإعلاميةَ العامةَ والمتخصّصةَ بالإعاقةِ لا تتردد في القيامِ بالعملِ الإعلاميِّ المتخصّص والجاد من أجلِ تمكينِ المرأةِ المعوقة، وخاصّة الكفيفة، وخلق بيئةٍ ممكّنة لضمانِ تمتـّـعها تمتّعاً كاملاً، وعلى قدم المساواة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
نأمل أن يشكّلَ هذا اليوم مناسبةً للاحتفالِ في الوطن العربي بإنجازات المرأة الكفيفة و نجاحاتها، وهو أيضاً مناسبةً لتكريمها و تعزيز دورها، وعرض التحديات والصعوبات التي تواجهها وسبل التغلبِ عليهما، وكذلك مناسبةً لعرضِ الجهودِ والتشريعات والدراسات التي تسعى إلى تمكينِهاِ والنهوضِ بواقعها نحو الأفضل.
د. غسان شحرور، منسق "اليرموك للإعلام الخاص"
من مقالات الصحة المدرسية
ساحة النقاش