لقد أسهم أسبوع الأصم العربي الخامس والثلاثين 21 - 27 نيسان / إبريل 2010 الذي شاركنا في العديد من فعالياته التي انطلقت تحت شعار (تمكين المرأة الصّماء في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة)[i]، أسهم في إعادة تنظيم برامجنا الإعلامية والثقافية التي نقوم بها منذ تأسيس الهيئة الفلسطينية للمعوقين في عام 1988، ومركز درعا للتأهيل المجتمعي في مخيم درعا للاجئين جنوب سورية، هذا المركز الذي أنشئ بالتعاون بين المجتمع المحلي ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في سورية عام 1992.
لقد وجدنا أن تمكين الأشخاص المعوقين وخاصة النساء أحد أهم مكونات النجاح للوصول إلى مجتمع للجميع يشارك فيه الإنسان المعوق بفعالية وعلى قدم المساواة إلى جانب باقي أفراد المجتمع، ويتمثل في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والصحية والاقتصادية.
1- مدخل إلى التأهيل المجتمعيCommunity Based Rehabilitation :
تمركزت معظم خدمات التأهيل في عدد قليل من المدن الكبيرة، بعيدة عن متناول الأشخاص المعاقين وذويهم في المدن الصغيرة والقرى حيث العدد الأكبر من معاقي البلدان النامية، وهي تخدم أقل من 3 % من الأشخاص المعوقين المحتاجين لخدمات التأهيل المختلفة، وقد أعطت هذه الخدمات القسط الأكبر من اهتمامها إلى الأطفال في سن المدرسة، بينما لم يحظ الأطفال في المرحلة ما قبل المدرسة إلا بالنذر اليسير من الاهتمام وكذلك الشباب في المرحلة ما بعد سن المدرسة، هذا بالإضافة إلى وجود دور محدود لأسرة المعوق أو المعوق نفسه في هذه الخدمات. ولهذا المفهوم ثلاث ميزات بارزة: تركيزه على الاندماج المجتمعي، واستخدامه التكنولوجيا المبسّطة للتأهيل، مع نظام خاص لتوزيع الخدمات.
تجربة مركز درعا للتأهيل المجتمعي للأشخاص الصم: يقع المركز في مخيم درعا للاجئين جنوب سورية، وفي منطقة فقيرة نسبيا لا توجد بها خدمات للمعوقين عامة والأشخاص الصم خاصة، وقد أنشئ البرنامج بالتعاون بين المجتمع المحلي ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في سورية عام 1992، وبدعم وتوجيه للمشرفين من الهيئة الفلسطينية للمعوقين ومقرها دمشق، وقد ركز البرنامج الذي يضم المركز على اندماج المجتمع وذلك من خلال:
· توعية المجتمعات المحلية فيما يتعلق بالإعاقة، أسبابها، الوقاية منها، احتياجات الأشخاص المعاقين ودور أفراد المجتمع في هذا المجال.
· تقبل المجتمع المحلي مبدأ المشاركة في المسئولية عن صحّة أفراده؛
· تجنيد الموارد المحلّية المختلفة للمجتمع المحلّي؛
· الاشتراك الفاعل للأفراد المعاقين وأسرهم في تطوير عملية التأهيل المجتمعي بما فيها المشاركة في صنع القرار، التخطيط، الإدارة، وغيرها.
· تسليط الضوء على المرأة ودورها المركزي من خلال المتطوعات المشرفات على المركز ومن خلال الدور الكبير لأمهات الأطفال الصم والصم أنفسهم لا سيما الإناث منهم.
وقد استخدم تكنولوجيا التأهيل المبسّطة: من أجل إزالة هذه الحواجز والعقبات تم تبسيط تكنولوجيا التأهيل وأدواته، بشكل يلائم واقع المجتمع المحلي، ويساعد على انتشاره الواسع خارج المؤسسات والمراكز المتخصّصة حتى تستطيع الشريحة الواسعة من المعوقين وذويهم الاستفادة من هذه التكنولوجيا المبسّطة.
2- اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في تمكين المرأة الصّماء
أ - المرأة الصّماء:
تشكلُ المرأةُ الصّماءُ أكثر من نصفِ حالات الصّمم في المجتمع، لكنّها و كما تفيد الدراسات لا تتلقى ما تحتاج إليه من خدماتٍ صحّيةٍ و تعليميةٍ و اجتماعيةٍ و تأهيليةٍ مقارنة بالذكور من الأشخاصِ الصّم بسبب عواملٍ اجتماعيةٍ عديدةٍ، فالأمية تزدادُ في صفوفِ النساء المعوقات من الصّم و لا يحصلن على الخدمات التأهيليةِ التعليمية المؤسساتيةِ الأساسيةِ و كذلك التعليم المتوسط و الجامعي و فرص العمل المناسبة، و بالتالي تنقص فرص دمجهن في المجتمع، كما تنقص نسبةُ مشاركتهن الفاعلةِ في حياةِ المجتمع، و في جمعيات الصّم ومختلفِ مستويات اتخاذ القرار في مجتمعاتهن المحلية بل إن بعضهن يتعرض للتمييز والعنف و الاعتداء، كما تضعف فرصهن في الزواج، و تحقيق حياة كريمة أسوة ببقية أفراد المجتمع من العاديين.
لقد أكدت العديدُ من الدراسات هذه الحقائق القاسية عن واقع المرأة الصّماء، لذلك سعت التشريعات الوطنية إلى تعزيز حقوقها، و تأمين حاجاتها المختلفة الأساسية، وخطت العديدُ من المؤسسات الحكومية و الأهلية خطواتٍ من أجل تحسينِ هذه الصورة، لكن العواملَ الاجتماعية والثقافية، وضعف الوعي المجتمعي بذلك، وضعف الخطوات المتخذة على أرض الواقع كانت تحول دون ذلك، و ظلت المرأة الصّماء تدفع ثمناً باهظاً.
ب - اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة:
لقد شكّلت اتفاقيةُ الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ثمرةً كبيرةً لجهود الحكومات و المجتمع المدني العالمي و منظمات الأشخاص المعوقين أنفسهم، وفي 13 كانون الأول / ديسمبر 2006، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الاتفاقية وبروتوكولها الاختياري، وفُُتح باب توقيعهما في 30 آذار / مارس 2007، حيث وقعت 81 دولة ( بينها عدد من الدول العربية ) و الجماعة الأوروبية هذه الاتفاقية، و هو أعلى عدد توقيعات تحظى به أيُّ اتفاقية لحقوق الإنسان يوم افتتاح باب التوقيع.
ب – 1 - أهمية الاتفاقية الدولية:
تنبع أهميةُ هذه الاتفاقية الدولية التي دخلت حيّز التنفيذِ في 3 أيار مايو 2008 دون غيرها أنها قد وضعت آليةً تنفيذٍ و رصدٍ و متابعةٍ، على الصعيدين الوطني و الدولي، وتؤكّد على مشاركةِ الأشخاصِ ذوي الإعاقة والمنظمات الممثّلة لهم في هذه الآليات، فالمادة 33 من هذه الاتفاقية تنصُّ على:
1 - تعيِّن الدول الأطراف، وفقا لنهُجها التنظيمية، جهة تنسيق واحدة أو أكثر داخل الحكومة تُعنى بالمسائل المتصلة بتنفيذ هذه الاتفاقية، وتولي الاهتمام الواجب لمسألة إنشاء أو تعيين آلية تنسيق داخل الحكومة لتيسير الأعمال ذات الصلة في مختلف القطاعات وعلى مختلف المستويات.
2 - تقوم الدول الأطراف، وفقا لنظمها القانونية و الإدارية، بتشكيل أو تعزيز أو تعيين أو إنشاء إطار عمل داخل الدولة الطرف، بما في ذلك آلية مستقلة واحدة أو أكثر، حسب الاقتضاء، لتعزيز هذه الاتفاقية و حمايتها و رصد تنفيذها و تأخذ الدول الأطراف بعين الاعتبار، عند تعيين أو إنشاء مثل هذه الآلية، المبادئ المتعلقة بمركز وطرق عمل المؤسسات الوطنية المعنية بحماية حقوق الإنسان و تعزيزها.
3 - يسهم المجتمع المدني، و بخاصة الأشخاص ذوي الإعاقة، و المنظمات الممثلة لهم، في عملية الرصد ويشاركون فيها مشاركة كاملة.
ب -2- المرأة في الاتفاقية الدولية:
تمثل الاتفاقية صكاً لحقوق الإنسان ذا بعد واضح للتنمية الاجتماعية، و تؤكد الاتفاقية من جديد ضرورة تمتع جميع الأشخاص ذوي الإعاقة بجميع حقوق الإنسان و الحريات الأساسية على قدم المساواة مع الآخرين، و توضح الاتفاقية و تصف كيفية انطباق جميع فئات الحقوق على الأشخاص ذوي الإعاقة، و تحدد المجالات التي ينبغي مواءمتها لكي يمارس الأشخاص ذوو الإعاقة حقوقهم بالفعل، و المجالات التي انتهكت فيها حقوقهم، و المجالات التي يجب تعزيز الحقوق فيها، من أل تمكين الأشخاص المعوقين بما فيهم المرأة الصّماء، و تعزيز دورهم المجتمعي. وقد حرصت هذه الاتفاقية على تعزيز حقوق، و تلبية حاجات الفتيات و النساء ذوات الإعاقة، من خلال:
1- ما ورد في الديباجة أن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية:
(أ): إذ تشير إلى المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة التي تعترف بما لجميع أفراد الأسرة الإنسانية من كرامة و قيم متأصلة و حقوق متساوية غير قابلة للتصرف كأساس للحرية و العدالة و السلام في العالم.
(ب): و إذ تعترف بأن الأمم المتحدة قد أعلنت و وافقت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، على أن لكل فرد دون تمييز من أي نوع الحق في التمتع بجميع الحقوق و الحريات المنصوص عليها في تلك الصكوك.
وكذلك الفقرة:
(د) و إذ تشير إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، و اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، واتفاقية حقوق الطفل، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم.
وكذلك الفقرة:
( ف ) و إذ تعترف بأن النساء و الفتيات ذوات الإعاقة غالبا ما يواجهن خطراً أكبر في التعرض سواء داخل المنـزل أو خارجه، للعنف أو الإصابة أو الاعتداء و الإهمال أو المعاملة غير اللائقة، و سوء المعاملة أو الاستغلال.
( ق ) وإذ تؤكد الحاجة إلى إدماج منظور جنساني في جميع الجهود الرامية إلى تشجيع تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة الكامل بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
2- التأكيد على احترام كرامة الأشخاص المتأصلة و استقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم و استقلاليتهم، وعدم التمييز، تكافؤ الفرص، إمكانية الوصول، كما جاء في المادة الثالثة من المبادئ العامة وبشكل خاص الفقرة ( ز) التي تنص على المساواة بين الرجل والمرأة.
3- وقد خصصت الاتفاقية مادة خاصة ( المادة 6) للنساء ذوات الإعاقة و جاء فيها:
- تقر الدول الأطراف بأن النساء والفتيات ذوات الإعاقة يتعرضن لأشكال متعددة من التمييز و أنها ستتخذ في هذا الصدد التدابير اللازمة لضمان تمتــعهن تمتعا كاملا وعلى قدم المساواة بجميع حقوق الإنسان و الحريات الأساسية.
- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة لكفالة التطور الكامل و التقدم والتمكين للمرأة بغرض ضمان ممارستها حقوق الإنسان و الحريات الأساسية المبينة في هذه الاتفاقية و التمتع بها.
4- وفيما يتعلق بعدم التعرض للاستغلال و العنف و الاعتداء، فقد شددت الفقرة الخامسة من المادة 16 على وضع تشريعات و سياسات فعالة، من ضمنها تشريعات و سياسات تركز على النساء و الأطفال، لكفالة التعرّف إلى حالات الاستغلال والعنف والاعتداء التي يتعرض لها الأشخاص ذوو الإعاقة والتحقيق فيها، وعند الاقتضاء، المقاضاة عليها.
5- كما شددت الاتفاقية على احترام البيت والأسرة في المادة 23 وأكدت على حق جميع الأشخاص ذوي الإعاقة الذين هم في سن الزواج في التزوج و تأسيس أسرة برضا معتـزمي الزواج رضا تاماً لا إكراه فيه.
6- اعترفت الاتفاقية في المادة 25 بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في التمتع بأعلى مستويات الصحة دون تمييز و ضرورة اتخاذ الدول الأطراف كل التدابير المناسبة الكفيلة بحصول الأشخاص ذوي الإعاقة على خدمات صحية تراعي الفروق بين الجنسين.
7- و قد كفلت الاتفاقية في المادة 34 منها شرط التمثيل المتوازن للجنسين عند تشكيل اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، و التي تنتخب من الدول الأطراف، و لها دور كبير في تلقي تقارير الدول الأطراف ومناقشتها و رفعها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
و هكذا يتبين لنا الجوانب العديدة التي كفلتها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة للمرأة المعاقة و منها المرأة الصّماء، كذلك أبدت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة اهتماماً خاصاً بالأشخاص الصّم و لغاتهم الإشارية، من خلال المادة 2 الخاصة بالتعاريف، و المادة /9/ الخاصة بإتاحة الوصول، و المادة / 21 / حول حرية الرأي و التعبير، و المادة / 24 / الخاصة بالتعليم، و المادة / 30 / حول المشاركة في الحياة الثقافية والترفيه، و قد أكدت على الاعتراف بلغة الإشارة، و استخدامها، و احترام ثقافة الأشخاص الصّم وخصوصيتهم، و الحق في الحصول على الترجمة الإشارية، و استخدام ثنائية اللغة في تعليمهم.
[i] أسبوع الأصم العربي الخامس والثلاثين: 21 - 27 نيسان / إبريل 2010 ، (تمكين المرأة الصّماء في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة)، إعداد الدكتور/ غسان شحرور.. أمين سر اللجنة التنفيذية الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم/ سورية.
ساحة النقاش