فى التاريخ الإنساني ، هُناك مايدعو فعلاً إلى الفخر والإعتزاز ..

ماوصلنا إليه الآن من علم وحضارة وتقدم ورقي ، لم يكن أبداً وليد لحظة بعينها  .. جميعنا وُلدنا فى زمن نجني فيه جهود مئات الآلاف من العُلماء والباحثين والمُخترعين فى كافة أنحاء العالم ، بكل الجنسيات والعرقيات والاديان .. كانوا جميعاً يُجاهدون للوصول إلى التطور والرقي ، على الرغم من أنهم جميعاً كانوا يعرفون حتماً أنهم لن يحصدوا هذا التطور والرقي فى حياتهم .. وأن الاجيال القادمة هي فقط التى سوف تستمتع بما بذلوه لمئات السنين ..

نستعرض هنا قائمة بأقدم عشر جامعات فى العالم على الإطلاق ، يُمكن القول أنها كانت هي النواة للتعليم الاكاديمي الحديث الذي مازال مُمتداً حتى يومنا الحالي ..

لاحظ أنه ، وقبل أن تأتى هذه الجامعات إلى الوجود ، كان هُناك أيضاً فكر واختراعات وابتكارات وأبحاث ومراكز علمية تعليمية ، ولكنها لم تكن بالنظام أو الاكاديمية العلمية التى أرستها هذه الجامعات، واستمرت إلى زمننا هذا.. بمعنى آخر ، نحن هنا نتكلم عن أقدم 10 جامعات بالمفهوم الأكاديمي الحديث للجامعة كما نراه اليوم ..

دعنا نترك هذا الزمن المُتقدم الذي نعيش فيه ، ونُسافر للماضى مئات السنين .. لنعرف من الذي كان له الفضل في وضع حجر الأساس لكل التقدم الاكاديمي العلمي والادبي الذي نعيشه اليوم..

********************

المركز العاشر : جامعة بادوا ( بادوفا ) – إيطاليا

ثاني أقدم جامعة في إيطاليا .. قصة تأسيسها تعود إلى العام 1222 ، عندما قرر بعض الطلاب والأساتذة الإنشقاق من جامعة بولونيا ( الوحيدة فى البلاد وقتئذ ) ، وتكوين مؤسسة جامعية أخرى أكثر حرية وأكاديمية وتخصصاً ..

الجامعة بدأت فى التألق فعلياً بعد 300 عام من تأسيسها ، وذلك فى القرن السادس عشر .. عندما أصبح ينتمي إليها عُظماء ومشاهير ، وأصبحت لديها بحوث أكاديمية مرموقة وشهيرة فى أوروبا كلها ..

حتى الآن مازالت جامعة بادوا ( بادوفا ) تعمل بنفس القوة والكفاءة والتميز ، وتعتبر من أفضل الجامعات الاوروبية الحديثة ، حيث وصل تعداد الطلاب بها اكثر من 60 ألف طالباً وطالبة ..

******************

المركز التاسع : جامعة سالامانكا – إسبانيا

الحقيقة أن هذه الجامعة التى تأسست فى العام 1218 ، تُعتبر أقدم جامعة إسبانية على الإطلاق ، على الرغم من تأسيس جامعة ( بلنسية ) قبلها .. إلا أن جامعة بلنسية لم يعد لها وجود اليوم ، فحازت جامعة سالامانكا على هذا اللقب ، باعتبارها مُستمرة حتى يومنا هذا ، وينتمي إليها حوالي 32 ألف طالباً وطالبة ..

من أبرز الادوار التى لعبتها هذه الجامعة ، عندما استعان ( كريستوفر كولومبوس ) مُكتشف العالم الجديد بعُلماء وجغرافيين من هذه الجامعة تحديداً ، لمُساعدته فى العديد من المهام التى يقوم بها فى استكشاف المزيد من الأراضي..

*********************

المركز الثامن : جامعة كامبريدج – بريطانيا

الجامعة الغنية عن التعريف ، تُعتبر ثاني أقدم جامعة تم تأسيسها فى كافة البلاد الناطقة بالإنجليزية .. تأسست فى العام 1209 ، بواسطة مجهودات طُلاب وأكاديميين وأساتذة تركوا جامعة أوكسفورد ، وقرروا تأسيس جامعة جديدة في بريطانيا..

حالياً ، كامبريدج تُعتبر هي – وبلا أي مُبالغة – القاطرة التى تقود الحركة التعليمية والجامعية والبحثية فى القارة الاوروبية والعالم ، ويتم تصنيفها سنوياً ضمن المراكز الخمسة الأولى من أفضل 100 جامعة عالمية بشكل مُستمر..

يكفي ان تعرف ان هذه الجامعة – بمفردها – أخرجت 85 عالماً وباحثاً حائزين على جائزة نوبل حتى الآن ! .. وربما أكثر !

*********************

المركز السابع : جامعة مونبيليه – فرنسا

تقع فى مونبيليه بفرنسا ، ويُقال أنها تأسست فى العام 1150 ميلادياً .. إلا أن أغلب المؤرخين يؤكدون أنها تأسست قبل هذا التاريخ ..

هذه الجامعة مرت بظروف تاريخية متأرجحة طبقاً لتغيرات التاريخ الفرنسي ، إلا أنها بدأت تنتعش وتنال مكانة مميزة كبيرة منذ إندلاع الثورة الفرنسية .. ثم جاء القرن التاسع عشر بتغييرات جوهرية فى أبنيتها وأقسامها العلمية ، إلى أن تم تحديثها بالكامل فى العام 1969 .. وأصبحت ( على الرغم من قدمها ) واحدة من أهم الجامعات الاوروبية التى تُعنى بالعلوم والتكنولوجيا الحديثة..

*******************

المركز السادس : جامعة أوكسفورد – بريطانيا

دُرة التاج البريطاني ، وواحدة من أعظم جامعات العالم على مرّ العصور ، منذ بدء تأسيسها ( الغير معروف موعده بالضبط ) إلى يومنا هذا ..

ومع ذلك ، يُمكننا أن نقول أن أكثر التواريخ التقريبية لتأسيس هذه الجامعة العريقة رسمياً هو العام 1096 ميلادياً .. ووجدت الجامعة إنتعاشها الأكاديمي الاول ، عندما أمر الملك هنري الثاني بمنع الطلاب الإنجليز بالسفر إلى فرنسا والدراسة فى جامعة باريس وتحويلهم للدراسة فى اوكسفورد بدلاً منها ..

الجامعة مرت بالكثير من الظروف العصيبة فى تاريخها العلمي والاكاديمي الذي يبلغ الألف عام .. إلا أنها ساهمت فى تخريج عشرات الحاصلين على جوائز نوبل ، والجوائز الدولية المميزة فى كافة العلوم والآداب والفنون ، وتشغل مكانها الدائم من بين أفضل عشر جامعات سنوياً بشكل مُستمر ..

************************

المركز الخامس : جامعة باريس – فرنسا

أيضاً ليس معروفاً تماماً سنة تأسيس هذه الجامعة ، ولكنها المؤكد أنها كانت موجودة قبل تأسيس جامعة اوكسفورد فى العام 1096 ربما بعدة سنوات معدودات ..

الجامعة كانت منارة تعليمية فى القارة الاوروبية فى فترة العصور الوُسطى المُظلمة عندهم – والمُضيئة عندنا ! – ، .. إلى أن تم تأسيس كلية ( السوربون ) كواحدة من الكليات التابعة للجامعة وذلك فى العام 1257 ، والتى نمَت بسرعة كبيرة فى العديد من المجالات العلمية والطبية والفنية ، إلى أن تم الإصطلاح على مُسمى الجامعة كلها بانها ( جامعة السوروبون )..

الجامعة ( باريس – السوربون ) حتى الآن مازالت تحصد مراكزاً عالمية دولية مُتقدمة بشكل مُستمر  ، يجعلها لا تخرج أبداً عن أفضل 20 جامعة فى العالم ..

************************

المركز الرابع : جامعة بولونيا – إيطاليا

أول جامعة للتعليم العالي تأسست فى العالم الغربي كله ! .. يعود تاريخ تأسيسها إلى العام 1088 ميلادياً ، وتقع كما يُشير إسمها فى بولونيا بإيطاليا .. ويفخر الإيطاليون دائماً بهذه الجامعة تحديداً ، بإعتبارها تُشير إليهم دائماً بأنهم أول من قام بتأسيس جامعة أكاديمية منهجية للتعليم الجامعي فى الغرب كله ..

الحقيقة أن الجامعة كانت ومازالت من أكثر المؤسسات التعليمية التى أفرزت بحوثاً وعلماء واكاديميين ومُخترعين فى التاريخ منذ تأسيسها ، إلا إذا استثنينا الحقبات التاريخية الصعبة التى مرت بها إيطاليا ، خصوصاً فترتي الحرب العالمية الاولى والثانية ..

اليوم ، وعلى الرغم من عُمرها الذي تجاوز الألف عام .. إلا أنها تُعتبر جامعة رائدة فى نظام التعليم الجامعي الإيطالي والاوروبي بشكل عام ، وتُعتبر فى مصاف الجامعات الأفضل حول العالم ..

************************

المركز الثالث : الجامعة النظامية – إيران / العراق

بعيداً عن الغرب وثلوجه ( وتخلفه أيضاً ) فى هذه الفترة .. كان هنالك فى الشرق حيث العرب والمسلمين تميزاً علمياً وأكاديمياً غير مسبوق فى أي مكان فى الدنيا ..

الجامعة النظامية ، هي سلسلة من الجامعات والمراكز التعليمية المُنتشرة فى عدة فروع حول العديد من المُدن الإسلامية الكُبرى ، وإن كان مقرّها الرئيسي فى مدينة ( أصفهان ) ، إحدى مُدن إيران حالياً ..

هذه الجامعة أسسها ( الخواجة نظام المُلك ) فى القرن الحادي عشر ، وتُعتبر المنارة المُضيئة للعلوم والمعارف فى العالم كله فى فترات العصور الوسطى ..  وإن كان ليس معروفاً تاريخ إنشاءها بالضبط ، إلا أن أغلب الترجيحات تشير أنها تأسست فى العام 1065 ميلادياً ( مقر بغداد )..

المؤرخون الغربيون يؤكدون أن نظام هذه الجامعة بفروعها المُنتشرة فى البلاد الإسلامية كان يُمثل قيمة مُبهرة بالنسبة للاوروبيين فى ذلك الوقت ، والذين بدأوا فى تأسيس الجامعات الاكاديمية تقليداً للحضارة العربية والإسلامية الزاهرة فى هذه العصور.. وأن الجامعة النظامية تحديداً بفروعها وكلياتها المُختلفة تُمثل حجر الأساس للجامعات الغربية الحديثة..

وتظل الكلية النظامية التابعة للجامعة فى دُرة البُلدان وقتئذ ( بغداد ) ، هي أشهر فروع هذه الجامعة بلا استثناء .. وإن كان لديها ايضاً فروع أخرى فى نيسابور ، ودمشق ، والبصرة ، والموصل ، وسمرقند .. وغيرها من حواضر البلاد الإسلامية فى هذا الزمن ..

يكفي ان تعرف أن فروع الجامعة النظامية فى مُختلف البُلدان التى كانت بها ، هي التى أخرجت عُلماء كبار فى تاريخ المُسلمين مثل :  ( إبن الجسار ) اول من اكتشف أسباب ونتائج مرض الجُذام .. وإبن الهيثم الفيزيائي المُسلم المعروف مؤسس علم البصريات .. وإبن رشد .. وابن يونس العالم الفلكي الكبير الذي وضع عقارب الساعة قبل جاليليو .. وغيرهم الكثير جداً !

***********************

المركز الثاني : جامعة الازهر – مصر

الجامعة الشهيرة التى تقع فى عاصمة مصر ( القاهرة ) ، والتى تُعتبر ثاني أقدم جامعة عالمية عريقة مازالت موجودة حتى يومنا هذا بنظامها التعليمي ودرجاتها الأكاديمية ..

تأسست الجامعة مابين العامين 970 – 972 ميلادياً ، إبان فترة الحُكم الفاطمي لمصر .. وكان الهدف من تأسيسها أن تكون قلعة للعلوم الدينية الإسلامية بمذاهبها المُختلفة ، فضلاً عن تدريس اللغة العربية وقواعدها والبحث فى كنوزها اللغوية ، ودراسة أصول الدين والفقة وعلوم الحديث ، وغيرها من العلوم الإسلامية ..

ومع الوقت ، تطوّرت الجامعة بمرور السنين للتوسع فى العلوم الدنيوية أيضاً ، وبدأت فى تدريس البرامج الدراسية ذات الطابع الغير ديني ، فى المجالات العلمية والادبية المُختلفة ..

هذه الجامعة العظيمة ، التى كانت شاهدة على جميع الاحداث التى مرت على مصر طوال الألف عام الماضي ، والتى ساهمت بقدر كبير جداً فى دفع الحركة العلمية والبحثية الدينية والدنيوية للمصريين والعرب والمسلمين طوال هذه الفترة ..

أصبحت الآن – وفقاً للتصنيف العالمي لترتيب الجامعات الدولية – ، فى المركز رقم ( 74 ) على مُستوى الجامعات الأفريقية ، والمركز رقم ( 8,019 ) عالمياً ، وفقا لموقع ويبو ماتريكس لتصنيف الجامعات ، ونقلاً عن ويكيبيديا العربية ..

نعم ، لا يوجد أخطاء إملائية هنا .. جامعة الأزهر .. ثاني أقدم جامعة فى العالم .. ترتيبها اليوم رقم ( ثمانية آلاف وتسعة عشر ) عالمياً .. أي تقريباً رأساً برأس مع ترتيب جامعات بوركينا فاسو والسنغال !!

***********************

المركز الأول : جامعة القرويين – المغرب

تضعها موسوعة غينيس للأرقام القياسية باعتبارها أقدم جامعة فى تاريخ العالم على الإطلاق ، حيث تم تأسيسها فى العام 859 ميلادياً وتقع فى مدينة فاس بالمغرب ..

مايدعو للفخر فعلاً ان واضعة حجر البناء لهذه الجامعة العريقة هي السيدة : فاطمة الفِهري القيراوني .. أي أن هذه الجامعة جمعت المجد من أطرافه كما يُقال :

فهي أقدم جامعة فى العالم .. وتقع فى بلاد المغرب العربي .. وأسستها سيّدة عربية مُسلمة ..

الجامعة مازالت تعمل كمؤسسة أكاديمية فى المغرب حتى يومنا هذا ، بعد مئات السنين من كونها جامعة تُدرس العلوم المُختلفة .. وتخرج منها الكثير جداً من الرموز الإسلامية ، فضلاً عن الكثير من العُلماء الغربيين الذين استفادوا بالدراسة فى هذه الجامعة .. منهم ( سلفستر الثاني ) الذي شغل منصب البابوية من العام 999 م إلى العام 1003 م ..  و( موسى ابن ميمون ) الطبيب والفيلسوف اليهودي الشهير فى عصره ، و العالم العربي العظيم ( إبن خلدون ) مؤسس علم الإجتماع .. والكثير جداً من النابغين فى علوم الدين واللغة العربية والطب والفلك ..

ترتيب الجامعة ضمن جامعات العالم حالياً ؟ .. الحقيقة لا أعرف .. لم اجد لها أي مصدر ! .. ولكن الأمر ” مفهوم ” ويُمكن تصور الإجابة ببساطة على أية حال !

************************

هذا المقال يُمكن أن تأخذه كنوع من المعلومات العامة .. أو يُمكن أن تتعامل معه كمُعطى تبني عليه الفرضيات المأساوية المُعتادة التى تدور جميعها حول ( كيف كُنا ، وماذا أصبحنا ؟ ) .. أو حتى أن تتعامل معه بلا إهتمام..

ولكن المؤكد أننا نتفق جميعاً أن ( أجدادنا ) لم يكونوا بنفس عقلية البؤس والغباء والتخلف الحضاري والتعليمي والعقلي الذي نعيشه الآن .. ولم يقوموا ببناء الحضارة العظيمة التى نكتفي نحن بالفخر بها ، لأنهم اعتمدوا على الإيمان فقط ، بل كانوا أول أمم العالم إهتماماً بقيمة العلم والحضارة بشكل منهجي مُنظم ..

بدأنا قبل الجميع .. ولكن الفرق بيننا وبينهم أنهم إلتزموا بالإستمرار فى الإهتمام بالتعليم والبحث حتى وصلوا إلى ماوصلوا إليه الآن .. ونحن كان لدينا أعظم جامعات الدنيا ، ولم يعد لنا سوى ذكر تاريخ هذه الجامعات فقط !

لا أتذكر من الذي قال : لا تبكي كالنساء على مُلك لم تصُنه كالرجال ..

ولكنى أعتقد أنها مقولة مُناسبة تماماً لتوصيف حالنا .. أليس كذلك ؟ 

المصدر: اراجيك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 122 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,572