تحت وطأة القهر والاستبداد تهب الجماهير لإسقاط الأنظمة وإحداث التغيير في ثورات عارمة تطيح باعتى عتاة السلطة, تتحول فيها هذه الجماهير إلى أشبه بمستودع لقنابل مهيأة للانفجار في أي وقت وزمان, وينفذ من خلال هذه الفجوة زعماء التغيير لإشعال صواعق هذه القنابل وإحداث الانفجار.

من المحال التفكير بتجييش الجماهير للثورة ما لم يكن هنالك تذمر واستياء عارم يتولد نتيجة استشراء فساد نظام الحكم واستئثاره بالمال العام وانعدام الخدمات وانتهاك الحقوق والحريات العامة والاقصاء والتهميش وسلب حقوق الاخرين, ويكون هذا الاستياء قد بلغ ذروته إلى درجة الإحباط وفقدان الأمل في المستقبل, فيجد الساعون إلى التغيير ان الظروف مهيأة لتأليب الجماهير وحثها على الثورة, فتوقد فيهم الآمال الجامحة والتوق إلى التغيير, يتخلل ذلك نوع من الحماسة  والانفعال الضروريين جدا لتحقيق أي تغيير كبير وسريع, ويستوي أن تتأتى هذه الحماسة من خلال الانخراط في حركات جماهيرية تنشط في جو مشبع بالحماسة الوطنية يقودها الوطنيون أوجدتها الظروف التي ساعدت على تصاعد حدة التذمر, او من خلال توقع ثروات هائلة نتيجة الفوضى المصاحبة لعملية التغيير, فينظم الى الثورة جمهور واسع من الافراد المنفلتين ليس هدفهم التغيير بقدر ما يهدفون الى احداث الفوضى واضعاف قبضة النظام لتسهيل اعمال النهب والسلب, وهؤلاء المنفلتين لهم دور كبير في ارتخاء قبضة السلطة وترجيح كفة الثوار على كفة النظام.

من البديهي ان الذين يخشون محيطهم لا يفكرون في التغيير مهما كان وضعهم بائسا, وعندما يكون نمط الحياة مضطربا وواهيا الى الدرجة التي تمنع من التحكم في الظرف المعيشي اليومي, فليس من سبيل لتجنب المفاجآت سوى الانزواء بعيدا عن مجريات الأحداث, على عكس الساعين إلى التغيير الذين يندفعون لإحداث تغييرات واسعة وعادة ما يشعرون بأنهم يمتلكون قوة لا تقهر,  والقوة تبدو للوهلة الأولى ان من يمتلكها ستملكه الرغبة في التحدي والتغيير, ولكن ما يهم ليس في امتلاك القوة وحسب, وإنما في الإيمان المطلق بعقيدة مصيرية وثيقة الصلة بالجماهير أو قضايا أخرى قادرة على استقطابهم, وفي غياب الإيمان تصبح القوة داعمة للأوضاع القائمة ومناهضة التغيير.

قد تكون هنالك شرائح ضد التغيير, فالمحافظين والراديكاليين هم عقبة أمام التغيير لخشيتهم من المستقبل وهذا ما يدفعهم للتمسك بالحاضر, ويتخوف من التغيير ايضا من يرى الحاضر في عينيه مثاليا, ولهذا نجد رجالا حققوا الكثير من المنجزات قد يقفون ضد أي محاولة للتغيير والخشية من ان يأتي المستقبل ومعه المزيد من علامات الضعف والوهن, وان أي تغيير قد يقود الى ضياع مكتسباتهم, والفقراء فقرا مدقعا أيضا لايشعرون بأي أمل في المستقبل الذي يبدو كما لو انه فخا منصوبا أمامهم وعليهم أن يتحاشوه فهم في ثورة دائمة ضد الفقر, وهؤلاء لا يعني لهم التغيير سوى المتاعب, إلا ان الصورة قد تختلف تماما عندما يدخلها الأمل, حيث يؤجج الأمل في المستقبل الحماسة للتغيير في كل من الغني والفقير والقوي والضعيف الناجح والفاشل, لا تهم طبيعة الشخص الذي يحركه الأمل الجامح, قد يكون مثقفا وطنيا أو عاطلا عن العمل أو حرفيا فقد عمله أو موظفا مجتثا دون حقوق كل هؤلاء يتحدون الحاضر ويدمرونه عند الضرورة ويخلقون العالم الجديد الذي يمكن أن يحقق آمالهم وطموحاتهم.

ولكي يندفع الثوار الموتورون في مغامرة تستهدف التغيير الشامل, فلابد من الشعور بالتذمر والاستياء من غير أن يكونوا فقراء فقرا مدقعا, ويجب أن يكون لديهم الرغبة في التغيير والشعور بالقوة ومن أنهم يعتنقون العقيدة الصحيحة وإتباع الزعيم الملهم واعتناق أساليب جديدة في العمل الثوري, وإنهم سيصبحون قوة لا تقهر, بالإضافة إلى ذلك كله يجب ان تكون لديهم تطلعات جامحة للمنجزات التي ستتأتى مع المستقبل, وفي النهاية يجب أن يلقوا خلف ظهورهم كل العقبات التي يمكن أن تعترض سبيلهم والتطلع نحو الهدف, أما الرجال المجربون ذوي الخبرة السياسية فيأتي دورهم لاحقا بعد إحداث التغيير واستقرار الأوضاع, ولا ينظم هؤلاء الحركة الا بعد التأكد من نجاحها.

وعندما يشتعل فتيل الثورة وتصطرع الآمال والأحلام الصاخبة في الشوارع وتنحى منحى العنف والانتقام, فليس امام المسالمين الا الدخول إلى منازلهم وإحكام إغلاق أبوابها جيدا حتى تنتهي فورة الغضب والثورة فهنالك فرق شاسع بين الآمال التي تبدو رقيقة حالمة وبين الأفعال الفظيعة التي تتبعها من الثوار وأتباع السلطة على حد سواء.

خالد لخفاجي

رئيس الرابطة الوطنية للمحللين السياسيين

المصدر: الشبكة العربية العالمية: خالد الخفاجي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 62 مشاهدة
نشرت فى 19 فبراير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,650