عُرف العرب بالبلاغة التي قُسمت على أربعة أوجه: باللّفظ والخطّ والإشارة والدِّلالة، وكل منها له حظّ من البلاغة والبيان وموضع لا يجوز فيه غيرُه ومنه قولهم: لكل مَقام مَقال، ولكل كلام جَواب، ورُبّ إشارة أبلغ من لفظ.
فأمّا الخطّ والإشارة، فمفْهومان عند الخاصة أو أكثر العامة.
وأمّا الدِّلالة: فكل شيء دلَّك على شيء، فقد أخبرك به كما قال الحكيم: أشهد أنّ السمواتِ والأرضَ آيات دالاّت وشَواهد قائمات كلٌّ يُؤدّي عنك الحجَّة ويَشهد لك بالرُّبوبية.
وقال آخر: سَل الأرضِ "فقُل": مَن شَقَّ أنهارَكِ وغَرَس أشجارَكِ وجَنَى ثمارك فإن لم تُجِبك إخباراً أجابتك اعتباراً.
لقد جِئْتُ أبغِي لِنَفْسي مُجيراً فَجِئْت الْجبَالَ وجِئْتُ البُحُورَا
فقال ليَ البحرُ إذ جِئْتُه وكيـــف يُجير ضريرٌ ضَريرا
وقال آَخر:
نَطقتْ عَيْنُه بما في الضَّمير، وقال نُصِيب بن رَباح:
فَعاجُوا فأَثْنَوْا بالذي أنت أهلُـــه
ولو سَكتُوا أثنت عليك الحَقَائِــــبُ
يُرِيد: لو سكتوا لأثنت عليك حقائبُ الإبل التي يَحْتقبها الرَّكب من هِباتك. وهذا الثَّناء إنما هو بالدَّلالة لا باللفظ.
وقال حَبِيب:
الدار ناطَقةٌ وليست تَنْطقُ.. بدُثورها أنَّ الجديد سَيخْلُقُ
وقال رجل للعتّابي: ما البلاغة قال: كل من بلّغك حاجته وأفهمك معناه بلا إعادة ولا حُبْسة ولا استعانة فهو بَليغ.
قالوا: قد فَهمنا الإعادة والحُبسة فما معنى الاستعانة؟ قال:
أن يقول عند مَقاطع كلامه: اْسمع منِّي وافهم عنِّي أو يمسح عُثْنونه أو يَفْتِل أصابعه أو يُكْثر التفاته من غير مُوجب أو يتساءل من غير سُعلة أو يَنبهر في كلامه.
وقال أبْرويز لكاتبه: اعلم أنَّ دعائم المَقالات أربع إن التُمس لها خامسة لم تُوجد وإن نَقصت منها واحدة لم تتمّ وهي: سُؤالك الشيء وسُؤالك عن الشيء وأمْركِ بالشيء وإخبارك عن الشيء. فإذا طلبت فأسجح وإذا سألتَ فأَوْضح وإذا أمرت فأحكم وإذا أَخبرت فحقِّق. وأجمع الكَثِير مما تريد في القَليل مما تقول، يريد الكلام الذي تَقِل حروفه وتَكثر معانيه.
وقالوا: خير الكلام ما لم يحْتج بعدَه إلى كلام." وقال يحيى: الكلام ذو فنون وخيره ما وفق له القائل وانتفع به السامع.
وللحسن بن جَعفر:
وفي الصمْتِ سَترٌ للعَيِّ وإنما صَحِيفة لُبِّ المرء أن يتكلما
أبو تمام:
يومَ الفراق لقدْ خلقتَ طويـــلا لـــــــم تُبقِ لي جلداً ولا معقولا
لَوْ حارَ مُرتَادُ المَنِيَّة ِ لَمْ يُــــــــرِدْ إلا الفـــراقَ على النفوسِ دليلا
قالوا الرَّحِيلُ فَما شَككْتُ بأنَها نفسي عـــن الدنيا تريد رحيلا
الصَّبرُ أجمَلُ غَيْرَ أَن تَلــــــــَدُّداً في الحُب أَحرَى أَنْ يكونَ جَمِيلا
أتظنني أجدُ السبيلَ إلى العــزا وجـــــدَ الحمامُ إذاً إليَّ سبيلا!
ذكرتكم الأنواءُ ذكري بعضكـمْ فبكـــتْ عليكمْ بكرة ً وأصيلا
ساحة النقاش