ألعاب الفيديو تنشط الدماغ وتساعد على زيادة التركيز

يحيى أبوسالم

في الماضي البعيد وبالتحديد فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، وقبل ظهور الهواتف الذكية، وبروز نجم الكمبيوترات اللوحية، وانتشار متاجرها الإلكترونية وما تحتويه من ملايين البرامج والتطبيقات، انتشار النار بالهشيم، وحتى قبل طرح الجيل الأول والثاني والثالث من منصة الألعاب اليابانية الشهيرة "بلاي ستيشن"، ومنافستها الأميركية "إكس بوكس" بنسختيها الأولى و"360"، واليابانية الغنية عن التعريف "ننتندو" ونسختها الشهيرة "وي"، كان مجرد ممارسة للألعاب الكلاسيكية القديمة بكثرة، يأتيك بوابل من الاتهامات والانتقادات التي لا تنتهي، بدايةً من الإهمال وإضاعة الوقت، وهدر المال وانتهاء بتبديد الجهد وعدم الحرص على الصحة.

في الماضي عندما كنت وأنت طفل تجر والدك جراً، وتوجهه بكل دقة للمتجر المخصص لبيع أشرطة ألعاب الفيديو لجهازك “ننتندو فاملي” أو “أتاري 2600” أو غيرها من الأجهزة المتوفرة في ذلك الوقت، وذلك لشراء آخر وأحدث نسخة من “دبل دارجون” أو “سوبر ماريو” أو غيرها من الألعاب الكلاسيكية في ذلك الوقت. وإذا كان لديك جديد هذه الأشرطة لجهاز ألعابك في المنزل وترغب في شراء جهاز ألعاب متحرك لا يبقيك أمام شاشة التلفاز، فكنت وقتها تلجأ إلى ألعاب اليد أو الجيب التي كانت متوفرة في تلك الفترة بأشكال وأنواع وألوان كثيرة ومتعددة مثل “جيم أند واتش” من شركة ننتندو اليابانية.

وإذا كنت أنت من يقود والدك في الماضي لشراء هذه الألعاب، فاليوم يقودك أباك أو والدتك بنفسهما إلى أقرب المتاجر الإلكترونية لشراء الأجهزة التكنولوجية القادرة على تشغيل ملايين الألعاب بضغطة زر، والتي توفر لك سهولة مطلقة ووفرة لم تعتد عليها في الماضي، وبضغطة زر واحدة على اللعبة تبدأ هذه الأخيرة بالتحميل على جهازك اللوحي أو هاتفك الذكي أو حتى كمبيوتر المكتبي “خصوصاً إذا كان يعمل بنظام التشغيل “ويندوز “8 الجديد، وهي التي لم تعد تجبرك على البقاء أمام كمبيوترك أو شاشة تلفازك، وأصبحت متلازمة لك في كل مكان وزمان تنتقل إليه.

 

وبين الماضي الرافض والمُتهِم والمهاجم لألعاب الفيديو وما تتسبب به من مشاكل نفسية وصحية لممارسيها، يقف الحاضر مدافعاً صلباً وقوياً، رافضاً اتهامات الماضي لأثر ألعاب الفيديو السلبي على ممارسيها، ومثبتاً بالدلائل القاطعة والبراهين على أن هذه الألعاب تأتي بفوائد جمة على الأشخاص الذين يمارسوها، وتميزهم عن غيرهم بالعديد من الإشارات والدلالات والفوائد، وليست فقط مضيعة للوقت والجهد والصحة. ولعل من أهم الفوائد الصحية التي قد ينالها الأشخاص الذين يمارسون ألعاب الفيديو بكثرة عن غيره:

 

أولاً: تحسين الرؤية: رغم أن الظاهر من ممارسة ألعاب الفيديو هو تأثيرها المباشر والسلبي على العيون، إلا أن جامعة روتشستر الأميركية، ووفقاً لباحثيها، الذين أكدوا ومن خلال تجاربهم العملية على مجموعة من الأشخاص، أن الذين مارسوا ألعاب الفيديو لمدة شهر متواصل كانوا قادرين على تميز قصاصات الأوراق العشوائية بشكل أفضل لغاية 20 بالمائة من قبل ممارستهم لهذه الألعاب. والنتيجة هنا وبحسب البحث المقدم، تأتي بعد 30 ساعة فقط من ممارسة الألعاب، وخصوصاً إذا كنت تلعب ألعاب المغامرات والإثارة والألعاب الحربية، حيث أن الرؤية الخاصة بالألعاب في هذه الحالة تكون قد اختبرك لأقصى درجة يمكن الوصول إليها، مما يجعل دماغ اللاعب يعدل قدراته وفقاً لذلك.

ثانياً: محاربة الاكتئاب: تعتبر ألعاب الفيديو وخصوصاً تلك التي لا تحتاج إلى مهارات فردية عالية، ويمكن ممارستها بسهولة، مثل لعبة الألغاز “بيجي ويلد/Bejeweled”، والتي تتطلب من اللاعب بعض التفكير في تحريك الأحجار الكريمة في صفوف وحسب ألوانها، وبسرعة للتمكن من إنها المرحلة والانتقال إلى أخرى. حيث ترى إحدى الدراسات الحديثة، التي أجريت على مجموعة من الأشخاص الذين يعانون اكتئابا، أن مثل هذه الألعاب تمكنت من تحسين مزاجهم، وزيادة ضربات القلب لديهم بشكل ملحوظ وفوري بعد ممارستهم لهذه اللعبة.

وتؤكد الدراسة أن مثل هذه الألعاب لها دورا كبيرا على المساعدة في الراحة والاسترخاء، بالضبط كالدور الذي تقدمه الكلمات المتقاطعة في الجرائد والمجلات أو بعض الألغاز الأخرى التي يلجئ كبار السن، والتي لم توصف في يومٍ من الأيام بأنها مضرة للصحة، كما وصفت ألعاب الفيديو.

ثالثاً: تحسين المهارات الاجتماعية: رغم أن هنالك العديد من الألعاب الفردية التي تحتوي على مراحل معينة يجب على اللاعب إنجازها لوحده، لإتمام اللعبة، إلا أن التوجه السائد اليوم في عالم ألعاب الفيديو، مبني على الحياة الاجتماعية والمشاركة بين اللاعبين، وتعزيز روح الجماعية، ففي مثل لعبة “وورلد أو ووركرافت” وكما ترى باحثة سويدية متخصصة، ستجبر اللعبة اللاعبين على تعلم المهارات الاجتماعية، والمشاركة والتعاون فيما بينهم إذا أرادوا البقاء ومقاومة وصد الهجمات الخارجية، وستعلم اللاعبين فنون القيادة ومهارات حل النزاعات، وكيفية وقوف بعضهم إلى جانب بعض كصف واحد. وغير ذلك الكثير من المهارات الاجتماعية التي يصعب اكتسابها في حياتنا اليومية السريعة، وتكون مثل هذه الألعاب السبيل المناسب والأمثل لاكتسابها. وحتى مع الألعاب الحربية والعنيفة مثل “كول أو ديوتي بلاك أوبس 2” فسيتعلم اللاعب في “اللعب الفردي أو الجماعي” أنه لن يتمكن من الانتصار بمفرده وأنه بحاجة إلى فريقه جنباً إلى جنب للتمكن من إتمام مراحل اللعبة المختلفة أو التغلب على الفريق الثاني.

رابعاً: تحسين القدرات: وفي دراسة أخرى أجرتها جامعة روشستر الأميركية، أكد علماء النفس في الجامعة أن الاختبارات التي أجريت على مجموعة من الجراحين الذين يمارسون ألعاب الفيديو بكثرة كانت إيجابية، حيث كانت النتيجة أن إنتاجهم خلال العمليات كان أسرع بنسبة 24 بالمائة، وأن أخطاءهم كانت أقل بنسبة 32 بالمائة، وأن أداءهم العام كان أفضل بنسبة 26 بالمائة. وأكدت الدراسة أن هذه النسب كانت أعلى بكثير من نسب الاختبارات السابقة التي أجريت على جراحين مارسوا ألعاب الفيديو لثلاث ساعات فقط. الأمر الذي قد يفتح الباب أمام الجراحين والعلماء لإجبارهم على ممارسة ألعاب الفيديو منذ سن مبكرة.

خامساً: تحسين الثقة بالنفس: ورغم أن آلاف الألعاب حالياً لا ترمي إلى هدف معين، وليس المقصود من أغلبها سوى المتعة وتفريغ الطاقات، وخصوصاً إذا ما كانت اللعبة مبنية على الحروب أو القتال والتي تهدف إلى تدمير وسحق الخصم المواجه والمقابل لك، الأمر الذي يعود على اللاعب الشعور بالنصر والراحة لتمكنه من ذلك. إلا أن باحثون في جامعة ماكجيل الكندية، يرون أن هنالك مئات اللاعب الأخرى التي تأتي بهدف جوهري يتمثل في احترام الذات، مثل هذه الألعاب تركز على تشجيع الأفكار الإيجابية للاعب واتخاذ المواقف الفردية الإيجابية، وتحاول في الوقت نفسه إزالة الأنماط السلبية وتطوير الثقة بالنفس. وهو الأمر الذي يكون تأثيره مباشراً على الشخص في حياته العملية بعد انتهائه من ممارسة مثل هذه الألعاب.

سادساً: تقليل التوتر: في وقتنا الحالي، أصبح من غير العدل أن نصف ممارسة ألعاب الفيديو على أنها مضيعة للوقت والتسلية والإلهاء فقط، حيث يمكن أن توجيه ألعاب الفيديو لمحاربة الغضب لدى العديد من الأشخاص الذين يواجهون مشاكل فيه. حيث وجدت جامعة “إيه آند إم تكساس” الأميركية، من خلال بحث نشر لها مؤخراً، أن الألعاب الحربية المختلفة على غرار “كول أو ديوتي” أو “باتل فيلد” أو “جوست ريكون”. وغيرها تعبر المنفذ الحديث والمناسب للاعبين لإفراغ عصبيتهم وإخراج عدوانيتهم وغضبهم المكبوت. وهي النتائج التي تعارضت مع العديد من نتائج الدارسات السابقة حول الموضوع نفسه.

سابعاً: تحسن القدرة على الاحتفاظ بالمعرفة: وخصوصاً من خلال ممارسة الألعاب ذات الأهداف المحددة، مثل الألعاب التي تركز على العلم والتعليم. حيث أكدت دراسة أجريت مؤخراً في جامعة كنساس الأميركية، أن مثل هذه الألعاب التعليمية المحددة الأهداف لها من القدرة الكبيرة على نقل المعرفة والعلم وأساليبه المختلفة للطلاب أو حتى المعلمين. حيث قام الجامعة بعمل اختبارات من ثلاث مجموعات مختلفة لتأكيد أثر الألعاب في الاحتفاظ بالمعرفة، ووجدت أن الاختبار الأول القائم على برنامج “باور بوينت” كان أثره أقل من الاختبارات التي استخدمت ألعاب الفيديو بها، حيث احتفظ الممارسون للألعاب التعليمية بالمعلومات بشكل أكثر ولفترات أطول. وفي هذه الحالة أثبت الدراسة أن العقل كان أنشط وبشكل واضح خلال ممارسة الشخص للعبه، عنه من خلال تصفح شخص آخر لشرائح برنامج باور بوينت، الذي قل به نشاط العقل لهذا المتصفح.

ثامناً: زيادة سرعة الاستجابة: حيث أن الألعاب الجديدة تتطلب من اللاعبين مهارات فردية عالية، لا تقف عند عدد مرات الضغط على ذراع التحكم أو الفأرة أو لوحة المفاتيح، بل تتطلب من اللاعب الانتباه التام والمطلق لكل ما يدور حوله، وتتطلب من تركيز عالي في أغلب حواسه، الأمر الذي يجعل ردة فعل اللاعب للأمور أسرع بمراحل كثيرة عنها في الأشخاص الذين لا يمارسون ألعاب الفيديو. وهو ما أكدته جامعة “روتشستر” الأميركية، حيث وجد الباحثون في الجامعة أن ممارسة ألعاب الفيديو قد تكون بديل مناسب عن أنظمة التدريب الشاقة، والتي لا تأتي فقط بالفائدة على المتدرب في زيادة ردة وسرعة استجابته، بل وتنعكس على سمعه ورؤيته وحتى إحساسه. وهو ما يمكن أن يتقنه اللاعب خلال الممارسة المستمرة.

تاسعاً: تجبرك على الرياضة وإنقاص الوزن: أحد أهم الفوائد الصحية الحديثة التي جاءت بها منصات الألعاب، وحتى بعض مشغلات الألعاب التقنية الجديدة، هي إجبار اللاعب على التحرك والحركة وخصوصاً في تلك الأجهزة التي تتطلب حركات معينه من اللاعب، مثل تحريك يديه أو أرجله أو جسده، وهي الفكرة التي ابتدعتها شركة ننتيندو في جهازها “وي”، والتي لحقتها بعدها كلٍ من إكس بوكس 360 و بلاي ستيشن 3، في الفكرة نفسها. وهي التي نسفت معها مفهوم أن ممارسة الألعاب يأتي بمضار كثيرة على الأطفال أهمها السمنة الزائد، وجاءت إلى ذلك بمفاهيم جديدة تفيد الصحة وتجعلك تمارس الرياضية وأنت أمام شاشات التلفاز لديك في منزلك، والتي أكدتها جمعية العلوم الرياضية الدولية.

عاشراً: تخفيف الألم: يرى الباحثون في جامعة إيموري الأميركية، أن مفتاح ألم الجسد البشري يكمن في العقل، حيث أكدوا أن ممارسة الألعاب الافتراضية، للأشخاص الذين يعانون آلاماً معينة، قد يخفف عنهم هذا الألم وينسيهم إياه. حيث يرى الباحثون أن ألعاب الواقع الافتراضي، التي تنقل اللاعب من عالمه الحقيقي إلى عالم افتراضي كامل مختلف عن عالمه، لها دور كبير وفعال ومباشر في علاج المرضى، أو التخفيف من آلامهم.

اللعبة المناسبة

مع أن هذه الإيجابيات الكثيرة، تظهر العديد من الفوائد الصحية والنفسية على ممارسيها، إلا أن سوء عملية اختيار اللعبة المناسبة للشخص المناسب، بناءً على عمره والمرحلة الزمنية التي يمر بها، قد تنسف كافة هذه الفوائد للاعب، وقد تعود عليه بعشرات السلبيات التي لا يحمد عقباها. ولهذا فإن عملية اختيار اللعبة المناسبة لعمر طفلك هو مفتاح الفائدة القصوى من هذه الألعاب، والتي ستعود على ممارسها ببعض إن لم يكن أغلب هذه الفوائد، وبغض النظر عن إذا كانت هذه اللعبة متوفرة على جهاز ألعابه في المنزل “إكس بوكس أو بلاي ستشين أو ننتندو” أو يتم تحميلها مباشرة على كمبيوتره اللوحي أو هاتفه النقال الذكي.

المصدر: الاتحاد

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,832