من مسلسل الخواجة عبدالقادر
يقف الوسط الفني في مصر عاجزا أمام استمرار القرصنة الإسرائيلية المقصودة لتراثه وأعماله الفنية، رغم الحديث مرارا وتكرارا عن خسائر بملايين الدولارات تلحق بهذه الصناعة. ويرى فنانون ومنتجون أن استمرار إسرائيل في القرصنة الفنية أمر مقصود بهدف إجبارهم على القبول بـ”التطبيع” من خلال الإيهام بأنهم لجأوا لهذه الطريقة بسبب رفض المصريين التعامل معهم وأنهم على استعداد لتوقيع عقود رسمية مع أصحاب الأعمال الفنية الأصليين مقابل مبالغ مالية، محذرين من الوقوع في هذه “الخديعة”.
جميع المحاولات لوقف السرقة الإسرائيلية أو الحصول على تعويضات لقرصنتها للتراث الفني المصري، باءت بالفشل، خاصة مع توقف محاولة المخرج رأفت الميهي رفع دعاوى قضائية للمطالبة بتعويضات مالية عن تكرار هذه السرقات.
وقال الميهي: اختفى مشروعي بمقاضاة إسرائيل وتوقف ولم يتحرك المحامي الفلسطيني لأنني لم أتحرك، والقضية أكبر من الأفراد يجب أن تتحرك الحكومة لوقف العبث والحصول على تعويضات للأعمال التي تسرقها إسرائيل.
وأضاف: كانت مهمة المحامي الفلسطيني البحث في الوثائق الإسرائيلية عن الأعمال الفنية المسروقة أو ما يظهر في القنوات الإسرائيلية من أعمال فنية يجري التنويه عن إذاعتها أو ما يذاع فعلا، وإثبات ذلك قانونيا لكن كل ذلك توقف وانتهى.وأكد أنه ليست لديه إحصائية عن عدد الأعمال الفنية التي سرقتها إسرائيل لكنه قال: كل الأعمال الفنية المصرية من مسلسلات وأفلام تعرض على القنوات الإسرائيلية من دون الرجوع لأصحاب الحق فيها.
وحول دور غرفة صناعة السينما في هذه القضية قال الميهي: هذا دور دولة لا أفراد أو غرفة، وغرفة صناعة السينما تقول إن محاولة الاتصال بالجانب الإسرائيلي تعتبر تطبيعا.
سرقة الأعمال الدرامية
ودأبت إسرائيل منذ سنوات طويلة على سرقة الأعمال الدرامية المصرية وعرضها عبر مواقعها وإعادة تصدير الكثير من هذه الأعمال لعدد من الدول الأوروبية والأميركية، مع تزويدها بالترجمة الإنجليزية أو الإسبانية وتحقيق أرباح مالية متميزة من وراء هذه القرصنة. وعرضت المواقع الإلكترونية الإسرائيلية مؤخرا أعمالا درامية مصرية بثت في رمضان الماضي منها موقع التلفزيون الإسرائيلي، الذي عرض مسلسلات رمضان المصرية من دون الحصول على إذن بذلك.
ونال مسلسل “فرفة ناجي عطاالله” نصيب الأسد من هذه السرقات ليصبح العمل الأكثر عرضا في الكثير من المواقع في إسرائيل، حيث تمت ترجمته إلى اللغة العبرية. ومن بين الأعمال المصرية التي تمت سرقتها وعرضها أيضا، مسلسل “الصفعة” بطولة شريف منير، والمأخوذ عن قصة حقيقية من ملفات المخابرات المصرية، وكذلك مسلسل “كاريوكا” بطولة وفاء عامر الذي يتناول قصة حياة الراقصة الراحلة تحية كاريوكا، وأيضاً مسلسل “الخواجة عبدالقادر” ليحيى الفخراني.
المطالبة بتعويضات
ويلقي منتجون وفنانون باللائمة على الدولة في استمرار القرصنة الإسرائيلية لأعمالهم الفنية وضياع الملايين منهم، ويقولون إن أعمالا فنية وموسيقية يتكلف إنتاجها مبالغ طائلة تتم قرصنتها بسهولة عن طريق آلاف المواقع على مستوى العالم من بينها إسرائيل لتخصصها في قرصنة كل أنواع الفنون من دون أي موقف من الدولة. واتهموا مؤسسات الدولة بالصمت وعدم التحرك لوقف هذه المهزلة والحصول على تعويضات، بسبب ما سموه بـ”الخوف من التطبيع التجاري مع إسرائيل رغم أنه كان يجرى بدرجة كبيرة في ظل النظام السابق”.
ويقول أحمد عبدالعزيز إن إسرائيل كيان قائم على السرقة والاغتصاب وهي دائما تسرق وتغتصب المنتج الفني، وهذا ليس بجديد عليها، وليست المرة الأخيرة، مطالبا بتدخل فوري من الخارجية المصرية للحصول على حقوق المصريين. وأضاف أن استمرار إسرائيل في قرصنة الأعمال الفنية المصرية أمر مقصود وسياسة مرسومة على أعلى المستويات بهدف فرض التطبيع الإجباري على المصريين والدخول في عملية بيع وشراء معهم من خلال شركاتهم المشبوهة والتغلغل في ثقافتنا وتراثنا حتى ننسى اغتصابهم للأرض الفلسطينية.
أغاني أم كلثوم
وبشأن الحل لوقف عملية القرصنة والحصول على الحقوق المالية لهذه الأعمال الفنية قال: لا طريقة سوى مخاطبة الإسرائيليين عن طريق الدولة ممثلة في الخارجية المصرية والضغط عليهم لدفع تعويضات مالية لأصحاب هذه الأعمال أو تقديم شكوى في منظمة “اليونسكو” باعتبار أن هذه الأعمال من ثقافة وتراث مصر ولا يحق لأحد قرصنتها أو سرقتها.
وقالت فردوس عبدالحميد إن عهد ما قبل ثورة 25 يناير هو ما أطمع فينا العدو الإسرائيلي ومكنه من سرقة المنتجات الفنية الأصيلة، مؤكدة أنه لا يمكن السكوت على ما يحدث وعلى الكل أن يتحرك لوقف هذه المهزلة.
وبدأ مسلسل السرقات منذ فترة طويلة، حيث قامت إحدى المغنيات الإسرائيليات وتدعى “زهافا بن” بأداء أغنية كوكب الشرق أم كلثوم “أنت عمري” التي ألفها أحمد شفيق كامل ولحنها محمد عبدالوهاب كما غنت زهافا أغنية “حب أيه” التي غنتها أم كلثوم عام 1960، من كلمات عبدالوهاب محمد وألحان بليغ حمدي وغيرها من الأغنيات لكوكب الشرق وعبدالحليم حافظ وغيرهما من كبار مطربينا كما تعرض للسرقة لحن أغنية “العالم الله” لعمرو دياب عام 2000، وظهرت النسخة العبرية للحن في عام 2002.
ولم تترك إسرائيل الأفلام المصرية فقامت بعرض العديد منها بدور العرض من دون أذن أو تصريح من القائمين على العمل هذا غير أفلام كبار مخرجي السينما المصرية، والتي كانت إسرائيل تصر على سرقتها أمام الجميع.
غرفة صناعة السينما
ورغم اتهامات الفنانين للدولة بالتقصير في هذه القضية فإن سيد فتحي رئيس غرفة صناعة السينما، يقول إن الغرفة لم تتلق أي ورقة رسمية أو شكوى من أي فنان أو مخرج أو مطرب يقول فيها إن إسرائيل سرقت منه عملا فنيا حتى تقوم الغرفة بدورها في مخاطبة الجهات المعنية وهي وزارة الخارجية لاتخاذ الإجراءات القانونية والقيام بدورها في حماية الأعمال الفنية.
وأضاف أن الغرفة في حيرة من أمرها لأنها من الممكن أن تقوم بإجراء ضد الإسرائيليين ولكنهم يردون: نحن على استعداد لان نسلك الطرق القانونية ونتعاقد مع أصحاب الأعمال الفنية ونعمل معهم عقودا وندخل هنا في تطبيع تجاري، وبالتالي تتهم الغرفة بالتطبيع مع إسرائيل.
وأشار إلى أنه منذ فترة طويلة خاطبنا الإسرائيليين وقدمنا شكوى ضدهم نتهمهم بسرقة الأعمال الفنية المصرية وجاء وفد من الإسرائيليين ليتعاقد على الأعمال الفنية بصيغة قانونية ومن خلال إبرام عقود مع أصحابها الحقيقيين ولكننا رفضنا مقابلتهم خشية أن نتهم بالتطبيع التجاري معهم.
وأكد أن مصر تخسر ملايين كثيرة بسبب قرصنة الأعمال الفنية التي تقوم بتسويقها مرة أخرى للأوروبيين والأميركيين وترجمتها وتتحصل هي على مبالغ مالية من وراء ذلك مستغلة سهولة نسخ أسطوانات الأعمال الفنية التي تعرض في قنوات غير معروفة أو من خلال امتلاكها لعقود تنازل من الشهر العقاري لبعض الأطراف قام بها أفراد مزورون وهي تعلم أن هذه العقود “مضروبة” وانهم ليسوا أصحاب هذه الأعمال الحقيقيين، وبالتالي توثق هذه الأعمال لبعض القنوات التي تستغلها في التداول ومن هنا تحصل إسرائيل عليها.
طلب رسمي
بشأن إيجاد آلية دولية لمحاربة هذه القرصنة قال سيد فتحي، إنه لا توجد آلية دولية تجرم هذا ولا تستطيع أي دولة منع ذلك في ظل الانتشار الفضائي والتقدم التكنولوجي الهائل في العالم وبالتالي سهولة القرصنة. وأضاف: ليس أمامنا وسيلة إلا الضغط من خلال وزارة الخارجية لتخاطب إسرائيل من خلال السفير المصري في تل أبيب والمطالبة بتطبيق قوانين الملكية الفكرية ووقف بث أي عمل فني في القنوات الإسرائيلية وهذا لن يحدث إلا بتقديم طلب رسمي من الفنان الذي يتعرض لقرصنة لأعماله الفنية.
ساحة النقاش