فردوس محمد وأنور وجدي في فيلم «قلوب الناس»
عاما بعد عام ومع تراجع عدد الفنانات اللاتي يبرعن في تجسيد شخصية الأم، تزداد قيمة أم السينما المصرية الراحلة فردوس محمد التي تحتفظ بمكانة متميزة في قلوب وعقول الجميع سواء من الكبار أو الصغار، وعبر أجيال مختلفة، ورغم مرور ذكرى وفاتها الواحدة والخمسين مؤخراً في هدوء شديد لا يتناسب وما قدمته للفن من أعمال خالدة، فإنها تشبه الذهب الذي تزداد قيمته بمرور الزمن، فهي التي جسدت شخصية الأم لكبار فناني السينما المصرية رغم أنها كانت أصغر سناً من غالبيتهم.
وبموهبتها وقدرتها على أداء دور الأم لم يشعر أحد بهذه المفارقة الغريبة، حيث كانت أصغر سناً من ممثلين كبار منهم أم كلثوم ويوسف وهبي ومحمد عبدالوهاب، لكنها تميزت بقدرات عالية، ووصفت بالعطاء الذي لا ينضب، وكان أماً للجميع، وتتعامل مع فريق العمل، كأنها القلب الحنون لكل واحد منهم، وتهتم بالتفاصيل الدقيقة في الاهتمام والرعاية.
ومن المفارقات أن الراحلة رغم أنها لم تعرف الأمومة، فإنها صارت من أهم الأمهات في السينما العربية، حيث برعت في تجسيد الشخصية في ثياب مختلفة سواء للأم الحازمة وقوية الشخصية، أو الحنون التي كانت تنساب مع مشاهدها الدموع وترتعش الأفئدة، وكانت الوحيدة في عشرات الأفلام الكلاسيكية القادرة على انتزاع الدموع وآهات الشجن من المشاهدين.
يتيمة الأبوين
ولدت فردوس محمد في مايو 1906، وتوفي والدها ثم والدتها بعد ولادتها بفترة قصيرة فعاشت يتيمة الأبوين، وتولت أسرة تربطها صلة قرابة بوالدتها تربيتها، وألحقتها بمدرسة انجليزية في حي الحلمية فتعلمت القراءة والكتابة والتدبير المنزلي.
وعشقت التمثيل في سن مبكرة حيث كانت تهوى تقليد أصوات وحركات كثيرين ممن تعرفهم سواء في البيت أو المدرسة، وانضمت إلى فرقة عبدالعزيز خليل، وشاركت في العديد من المسرحيات والأوبريتات التي قدمتها الفرقة.
وكان للمخرج محمد كريم الفضل في اسناد دور الأم إليها في السينما عام 1935 في فيلم «دموع الحب» أمام محمد عبدالوهاب ونجاة علي، وجسدت فيه دور الأم لعبدالوهاب ببراعة رغم أن سنها لم يكن تجاوز 28 عاماً، وشاركت بعده في فيلم «سلامة في خير» مع نجيب الريحاني، ثم يوم سعيد مع محمد عبدالوهاب، ولعبت دور الأم لأنور وجدي في أول بطولة مطلقة له من خلال فيلم بياعة التفاح وكان وجدي يتفاءل بها كثيراً وهو ما دفعه للاستعانة بها في العديد من أفلامه ومنها فاطمة مع أم كلثوم ، والطريق المستقيم وفيروز هانم وحبيب الروح وغزل البنات وسر أبي وقلوب الناس، وفي عام 1941 شاركت في فيلم ليلى بنت الريف مع ليلى مراد ويوسف وهبي ونجيب الريحاني، و«المتهمة» أمام آسيا وزكي رستم ويحيى شاهين.
الأدوار البدوية
وكان لها نصيب من المشاركة في عدد من الأفلام الكوميدية ومنها سفير جهنم مع يوسف وهبي وليلى فوزي، والدنيا بخير مع ابراهيم حمودة ومحمود شكوكو، وأبو حلموس مع نجيب الريحاني وزوزو شكيب، والمهرج الكبير مع فاتن حمامة ويوسف وهبي، وعفريتة إسماعيل يس مع اسماعيل يس وكيتي وفريد شوقي، وإحنا التلامذة مع شكري سرحان وعمر الشريف وتحية كاريوكا. وأجادت ببراعة تجسيد عدد من الأدوار البدوية كما في أفلام عنتر بن شداد مع فريد شوقي وكوكا، وعنتر وعبلة مع كوكا وسراج منير، وعنتر يغزو الصحراء مع فريد شوقي وكوكا.
ولا ينسى الجمهور أدوارها المهمة في العديد من الأفلام الرومانسية والتراجيدية والوطنية والغنائية كما في أفلام «هذا هو الحب» مع يحيى شاهين ولبنى عبدالعزيز، ورد قلبي مع شكري سرحان وأحمد مظهر ومريم فخر الدين وصلاح ذوالفقار، ونساء في حياتي مع يحيى شاهين وهند رستم، و«نهاية حب» مع صباح وشكري سرحان وماجدة، و«الملاك الصغير» مع يحيى شاهين ويوسف وهبي وزبيدة ثروت، وغير ذلك من الأفلام.
وتعاونت مع عبدالحليم حافظ في فيلمين مهمين هما «حكاية حب» و«البنات والصيف»، وتزوجت وهي صغيرة السن من خارج الوسط الفني وطلقت بعد فترة قصيرة، ثم تزوجت للمرة الثانية من الممثل والمونولوجست محمد إدريس، ودامت حياتهما الزوجية خمسة عشر عاماًَ، انتهت بوفاة الزوج ولم تعرف الأمومة رغم أنها صارت من أهم الأمهات في السينما، وماتت إثر إصابتها بالسرطان في 22 سبتمبر عام 1961 عن عمر يناهز 55 عاماً.
ساحة النقاش