غلاء المهور يؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج

هناء الحمادي

أثارت تغريدات على أحد مواقع التواصل الاجتماعي نقاشاً واسعا بين الشباب والفتيات في عدد من دول الخليج العربي، بدعوتها إلى مقاطعة الزواج بسبب غلاء المهور التي تفرضها بعض العائلات قبل القبول بزواج بناتها، وتسببه في العزوف عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة. ولفتت إلى أن مشكلة غلاء المهور برزت في السنوات الأخيرة، وتعد دخيلة على مجتمعاتنا، لكنها انتشرت بشكل كبير وملحوظ، وأصبحت مثل النار في الهشيم، حتى صارت من أهم الأمور التي يحسب لها الشاب ألف حساب، حيث إن بعض الأسر ترفض شباباً أكفاء أمناء ذوي خلق ودين لمجرد أنهم متوسطو الحال وليست لديهم المهور المطلوبة.

تناول المشاركون في هذه التغريدات، التي أطلقت تحت عنوان «حملة مقاطعة البنات لين ترخص مهورهن»، أي المقاطعة حتى ترخص المهور، قضية عزوف الشباب عن الزواج بسبب غلاء المهور، وطالب معظم الشباب والفتيات بإعادة النظر في قضية غلاء المهور، التي تسهم بشكل مباشر في زيادة حالات الطلاق، وفي الوقت ذاته أيد بعض الشباب وجهة نظر الفتيات في أن المهر حق شرعي ولا غضاضة فيه، وأطلقوا بعض التغريدات منها، «يعني تدفع لسيارتك 200 ألف عادي، وزوجتك هي رأس المال ماتدفع لها؟».

كثرة الشروط

 

وحول ظاهرة غلاء المهور والآثار المترتبة على هذه المشكلة وتفاعل البعض مع هذه الرسائل، يرى المستشار الأسري خليفة المحرزي أنه مايزال هناك عزوف عن الاقتران ببعض بنات البلاد اللاتي قلما تقبل الواحدة منهن بالزواج من الشاب دون أن تضع شروطاً شبه مستحيلة على شخص لا يزال في بداية مستقبله المادي، مشيراً إلى أمور الزواج ترتبط بالقسمة والنصيب، لكن أن تصطدم القسمة والنصيب بغلاء المهور وكثرة متطلبات الزواج، فإن ذلك يشير إلى مشكلة اجتماعية بدأت تتفاقم في مجتمعنا، مما يدعونا إلى النظر إليها ولمسبباتها.

 

وأضاف المحرزي من خلال عمله استشارياً أسرياً، أن غالبية طلبات أسر الفتيات المرشحات للزواج جعلت الشاب المتقدم للخطبة يشعر بأن أهل الفتاة يعتبرونها مشروعا «تجاريا أو صفقة»، وهذه مشكلة اجتماعية تعد أبرز هموم الشباب بعد التخرج في الجامعة، ومن أكثر الأسباب التي تجعل من الارتباط أمرا صعبا، ناهيك عن أسباب أخرى ترتبط بمعايير اختيار الزوج، منها البطالة وصعوبة الحصول على مسكن الزوجي والوجاهة.

حجر عثرة

ويستطرد المحرزي: ظاهرة غلاء المهور التي تعاني منها معظم الدول الخليجية رغم الجهود المبذولة للتخفيف منها، لا تزال تقف حجر عثرة في طريق تحقيق رغبة الكثير من الشباب في تكوين بيت الزوجية، مما يتسبب في انعكاس الكثير من السلوكيات، ومنها على سبيل المثال، 
ارتفاع معدلات الزواج من أجنبيات، وزيادة معدلات العنوسة، وخصوصا بين الإناث، في بلدان تتمتع بتركيبة سكانية يكثر فيها الأجانب، رغم النمو السكاني الكبير الذي تشهده.

وأوضح أن هذه الظاهرة المؤرقة من صنع المجتمع نفسه، حيث ساهم الأفراد في تشكيل تلك العقدة حول أنفسهم وجعلوا منها ممارسة تسلط الضوء على جانب مريض مستشر، وهو التباهي والتفاخر وحب الاستعراض والتفرد الاجتماعي السلبي، فكم سمعنا عن أعراس تشبه ألف ليلة وليلة في بعض مجتمعاتنا تكون هدايا الحضور من الذهب أو النقود، والفقرات الاستعراضية واستخدام الطيور والخيول، وغيرها من مظاهر البذخ الأخرى.

سلبيات

ولفتت الباحثة الأسرية ظلال عبدالله الجابري الحاصلة على ماجستير دراسات إسلامية معاصرة في جامعة زايد، إلى أن مسألة غلاء المهور من أكبر المشكلات التي تواجه الشباب وتجعلهم عازفين عن الزواج، حيث أصبح الشاب يفكر كثيراً قبل إقدامه على مشروع الارتباط المقدس، ما أدى إلى ظهور الكثير من السلبيات على سطح المجتمع الخليجي، بدءاً من سفر الشباب إلى الخارج وتبعات هذا الأمر، فضلاً عن ازدياد معدلات العنوسة بين الفتيات.

وحول الحملة التي أطلقها الشباب حول أنهم لن يتزوجوا من البنات إلا في حالة تخفيض مهورهن، فقالت، أنا لست ضد هذه الفكرة، لكن في الوقت ذاته، لماذا لم تكن هناك حملة أخرى تنطلق مطالبة بـ«لا للزواج بأجنبيات»؟.

وأكدت من خلال عملها كباحثة أسرية ترى أن الكثير من الشباب يبحثون اليوم عن جمال الفتاة لا أخلاقها ودينها، بل عندما يطرق الباب لمن يريدها زوجة له، وذات أسرة مرموقة وحسب ونسب، فمهما كان المهر مرتفعا، فإنه يدفع بلا تردد، لكن بالنسبة للشاب غير القادر على تكاليف الزواج الباهظة والمهر المبالغ فيه، فيمكنه أن يرفض هذه الفتاة، التي طلب أهلها أن يكون مهرها غاليا، مؤكدة أن الخيار بيد الشاب فهو من يحدد إن كان باستطاعته أن يدفع أكثر أو لا، إن كانت الفتاة التي سيرتبط بها وتكون زوجة المستقبل تستاهل أن يدفع لها.

حل أسري

سلمان أحمد، طالب جامعي، لا يبتعد كثيرا عن من سبقه، مستغربا من عدم رضوخ الأسر للدعوات التي تطالب بخفض تكاليف الزواج.

وأضاف، من الغريب في مجتمعاتنا العربية غياب الفوارق المادية والاجتماعية في هذا المجال فقط، وكأن العائلات تعيش المستوى المادي ذاته.

فالأسرة الفقيرة أو متوسطة الدخل تنتظر قيمة المهر التي تطلبها الأسرة الثرية التي حباها الله بالمال، ويستطيع أبناؤها تغطية تكاليف الزواج مهما بلغت دون اللجوء للبنوك أو للآخرين عكس بقية الأسر ذات الدخل المتوسط أو المحدود، وهذا غير معقول لأن الناس ليسوا متساوين في المال، لكن الأسرة الفقيرة اليوم أصبحت تنافس الثرية في مظاهر التبذير والإسراف، الأمر الذي يوجب توعية شاملة حول هذا الموضوع، حتى يرجع المجتمع إلى رشده، وينبذ هذه العادات والتقاليد والمستويات الاجتماعية والثقافية البالية، التي يجب أن تتغير، فمن الخطأ أن يكلف الشاب نفسه ما لا يطيق، ليقضي الكثير من سنوات عمره في سداد ديون البنوك.

وقال، في عصرنا اليوم أصبح لدى الناس ما يسمى بعقدة غلاء المهور التي غالبا ما تكون المسؤولية فيها مشتركة بين والد الفتاة، والمقبل على الزواج في بعض الأحيان، لأن بعض الشباب المقبلين على الزواج أصبحوا يطالبون بزيادة المهور، رغبة منهم في التفاخر والمظاهر الخداعة، ومن المؤسف حقا أن نرى ولي الفتاة التي ستكون زوجة المستقبل ينتظر كم سيدفع هذا الشاب أو ذاك في ابنته أو أخته، وما العرض الذي سيقدمه لما سيقوم به يوم الزواج من استئجار صالات أفراح أو جناح في فندق.

العنوسة

ويقول سعيد ناصر الشامسي. موظف متزوج، يعاني الكثير من الشباب عدم القدرة على إتمام حياتهم الزوجية، ما يتسبب في ارتفاع نسبة العنوسة، فكثيرون هم الشباب الذين يرغبون في الزواج وبناء أسرة تملأ عليهم حياتهم سعادة، لكن تبقى بعض المشاكل سداً عاليا عصيا على الهدم، رغم محاولات المصلحين وعلماء الاجتماع إحداث ثغرة فيه، نتيجة تراكمات وعادات ترسخت في المجتمع وأصبحت تحول دون رغبة هذا الشاب أو تلك الفتاة في بناء أسرة.

ويتابع، غلاء المهور هو الحاجز دون إتمام الكثير من الشباب حياتهم الزوجية رغم استعداداهم نفسياً وماديا لذلك، ورغم وجود شريك الحياة والاتفاق معه، ورضا الطرفين واستعدادهما، لتقاسم حلو العيش ومره، لكن يظل الآباء بثقافتهم القديمة يحولون دون زواج الشباب واستقرارهم، ولا يدري هؤلاء الآباء أنهم بهذا يقفون في وجه إصلاح المجتمع ويساعدون على فساد أخلاق الشباب من حيث لا يشعرون، فالشاب اليوم الذي يعمل في وظيفة محترمة وبراتب جيد لن يستطيع تغطية تكاليف الزواج دون مساعدة أهله وأقاربه وزملائه، أو اللجوء إلى البنوك للاقتراض منها، وذلك ما سيجعل من حياته المستقبلية جحيما، لأن معظم راتبه سيذهب في تسديد تلك الديون ولسنوات طويلة، وبهذا يحكم على البعض بالعيش في نكد وقلق دائم، نتيجة لتفكيره أو قيامه بالبحث عن الاستقرار الذي توفره له الحياة الزوجية.

غلاء ولكن

وترى عفراء جمعه النعيمي، طالبة في جامعة الإمارات، أن تكاليف الزواج باهظة جدا ولهذا تلجأ الفتاة إلى أن يمنحها من يتقدم للزواج بها مهرا باهظا كي تستطيع من خلاله إعداد نفسها للزواج، فالزواج اليوم غير الزواج في الأعوام السابقة، وذلك لأن متطلبات حفل الخطوبة والزواج والكماليات المتعلقة به غير التي كانت مستخدمة قبل ثلاثين سنة من الآن، كما أن الفتاة اليوم أصبحت تشاهد آخر صيحات الموضة في تصميم الملابس والمجوهرات وحتى التصميم الخاص بكوشات الأفراح، ومن ثم تلجأ إلى المباهاة بملابسها، وبقيمة فستان زفافها وخطبتها.

وتضيف، الفتاة تتباهي اليوم باسم المصمم الذي صمم لها غرفة نومها، وكماليات شقتها أو فيلتها السكنية، كما أن بعض الفتيات اليوم إضافة إلى المهر الباهظ يطلبن سيارة فارهة أيضاً، لكن لا ترى النعيمي أن الفتاة الإماراتية مبالغة جداً في قيمة المهر الذي تطلبه، بل هو ناتج من جراء الغلاء في أسعار مكملات ومستلزمات الزواج، ومتطلبات المجتمع في مناسبات الأعراس.

وتقول شمسه عيسى محمد، طالبة جامعية إنه يوجد غلاء مهور، أنا كفتاة لا أعتقد أن الغلاء بسبب الفتيات ومتطلباتهن، لكن أرى أن الأسرة تتعب كثيرا في تربية الفتاة وتعليمها من الروضة وحتى التعليم الجامعي ومتطلبات فرص العمل من تأهيل وتدريب، ومن ثم يأتي العريس لأخذها على الجاهز، وتكون قد وظفت في وظيفة مرموقة وأصبح لها راتب ربما يفوق راتبه، وأرى أن في هذا هضما لحقوق أسرة العروس ولهذا من يريد الزواج بها عليه أن يدفع مهراً باهظاً لها يوازي ما صرفه عليها أهلها في مراحل التربية والتعليم وما بعد التعليم والعمل، خصوصاً إذا كانت امرأة عاملة، أما الفتاة التي لا تعمل فهذه لا يجب موازاة مهرها بالفتاة العاملة، وعليها أن تقبل بمهر أقل لأنها لم تكلف أسرتها تكاليف تربية وتعليم أكثر.

وتنهي شمسه حديثها بقولها إن الأعذار التي يبديها بعض الشباب بشأن غلاء المهور واهية، خصوصاً الذين لا يضعون الزواج كهدف من أهدافهم الكبيرة في بداية حياتهم العملية، والشباب الجادون والذين لديهم هدف الزواج يلجأون إلى عدة طرق لتحقيقه، باعتباره غاية كبرى ومن هذه الطرق اللجوء إلى عمل جمعية مع الزملاء والأصدقاء، أو مع أفراد الأسرة، تأجيل الحلم بامتلاك السيارة الفارهة وغالية الثمن والاكتفاء بسيارة مناسبة، الحصول على قرض ميسر الدفع من البنوك، وطلب عون الأهل.

زواج مع ديون

أما أحمد رحمه الأنصاري فيذكر أن الزواج أصبح في مجتمعنا اليوم مكلفاً، وهناك الكثير من الشباب يعانون هم الديون بسبب الزواج، حيث لا أعرف شابا أقبل على الزواج من دون أن يطرق أبواب البنوك للبحث عن مبلغ طائل يعاني من فوائده ما تبقى من عمره، وذلك لأن الفكرة أصبحت واضحة للكثير من الشباب بأن تفكيره في الزواج يرتبط بتفكيره في الأعباء المادية.

ويتابع، بعض الأسر أصبحت مقلدة أكثر من كونها متزنة التفكير وعاقلة، فبعض الآباء يسمع أن جاره فلانا قد زوج بمئات الآلاف من الدراهم، وأقام حفل الزفاف في أفخم الفنادق، وقدم من الهدايا لأهل العروس الكثير مما يدفعه لأن يلزم الشاب المتقدم لخطبة ابنته بأن يفعل كما فعل سابقه، مع أنهما قد يختلفان في الظروف والمستوى المادي وهذا ما يجعل المشكلة تزداد سوءا، لأن الشاب قد يصدم بكل ذلك فيتراجع عن قراره وتبقى الفتاة في بيت أبيها من غير زواج، وهناك من القصص التي نعايشها ونسمعها الكثير حول هذه القضية التي لم تجد لليوم حلاً شافيًا لها، ويتوجب أن تكون هناك جهود تربوية واجتماعية للحد من انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها سواء من خلال نشر الثقافة في مناهجنا، وبثها بين الأسر من خلال المحاضرات والبرامج التوعوية المختلفة.

من الواقع

يحكي حسن المحمود 28عاما، قصته كنموذج للشباب المقدم على الزواج: أنا شاب أبحث عن زوجة مناسبة في الوقت الحالي مررت بمواقف في هذا الجانب، منها أن أحد الآباء وضع شرطا متعارفا عليه أنه لا يزوج بناته بأقل من مبلغ كبير، مع العلم أنه رجل ميسور الحال ولا أتوقع أن مهر ابنته سيزيد أو ينقص من وضعه شيئا، وبمجرد أن سمعت هذا الكلام لم أطرق بابه بل ألغيت الموضوع من تفكيري، وبدأت أفكر في البحث عن فتاة أخرى لأني على قناعة أن أي مشروع لا يبنى على تفكير عاقل، لن يكتب له النجاح لأنني لا أستطيع أن أدفع مهرا كهذا. وأضاف، الأمر ليس متوقفا عند المهر فقط، بل أنا بحاجة لجوانب أهم من ذلك منها توفير المسكن المناسب لبناء أسرة، وكذلك التخطيط الجيد لمستقبل تلك الأسرة ومسؤوليتها، وإذا بدأت حياتي بديون كبيرة فإنني لن أستطيع أن أتقدم خطوة خلال ما لا يقل عن 10 سنوات نتيجة الديون، ويؤكد المحمود أنه لا بد من وقفة جادة تجاه هذا الأمر من قبل المجتمع من خلال التوعية المناسبة لأولياء الأمور، وكذلك من قبل الشباب والفتيات أيضا والتعاون في تيسير الزواج على المقبلين عليه، والتفكير بأن المهر والمظاهر المبالغ فيها في فترة الزواج ليست إلا محطة يجب أن نتخطاها بثبات ولا نتخبط فيها لنتحمل سلبياتها في حياتنا بعد ذلك.

زوج المستقبل

قالت صالحة، معلمة رياض أطفال عن تجربتها: تقدم لخطبتي أكثر من شاب، يشهد لهم الجميع بحسن الخلق، لكن أبي كان يرفض دائما ويطالب بمهر عال جدا، وكان يضع الكثير من العيوب في كل شاب متقدم، وعندما أحاول إبداء رأيي يتهمني بعدم معرفة مصلحتي، ويمر بي العمر، وأنا بانتظار من يرضى عنه أبي، والسبب راتبي الذي يخاف أن يأخذه زوج المستقبل.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 171 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,307,795