الحمد لله الذي خصَّ شهر رمضان عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،وبعد:
فها هو شهر رمضان قد أظلنا، وحريّ بنا أيها الأحبة أن نعرف لهذا الضيف قدره وننزله منزلته.. ومن خصائص هذا الشهر العظيم ما يلي:
- أن الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة التي لا يقوم الإسلام إلا بها، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي (ص) قال: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والحج، وصوم رمضان»([1]).
- في شهر رمضان بعث الله محمداً (ص) برسالة الإسلام إلى الناس كافة.
- وفيه نزل القرآن الكريم، قال تعالى: (شهرُ رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان).
- وفيه يُضاعف الله الحسنات ويرفع الدرجات، فقد جاء عن النبي (ص) في ذكر فضائل رمضان «..من تقرَّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيماسواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه..» ([2]).
- أن رمضان مُكفر لما بينه وبين رمضان الآخر من الذنوب، قال (ص): «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذااجتنبت الكبائر»([3]).
- الصوم سبب لتكفير الذنوب، قال (ص): «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تُكفرها الصلاة والصوم والصدقة»([4]).
- الصوم جُنَّة ووقاية من النار، قال (ص): «الصوم جُنة يستجنُّ بها العبد من النار»([5]).
- خلوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك.
- تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا.
- يُزين الله في كل يوم جنته ويقول: «يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك».
- وهو شهر الصبر، قال تعالى: «إنما يُوفَّى الصَّابرون أجرهم بغير حساب».
- وفيه تصفدُ الشياطين، وتفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، قال رسول الله (ص): «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلتالشياطين»([6]).
- فيه ليلة القدر هي خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حُرم خيراً كثيراً.
- يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان.
- لله عتقاءُ من النار، وذلك كل ليلة من رمضان.
- للصائم دعوة مستجابة لا تُرد قال (ص): «ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم»([7]).
فيا أخــي الكريم: شهر هذه خصائصه وفضائله بأي شيء نستقبله؟ بالانشغال واللهو وطول السهر والاستمرار في الغفلة؟ أو نتضجر من قدومه ويثقل علينا، ونفرح بانقضاء يومه وليلته؟!
كلا! فالعبد الصالح يستقبله بالتوبة النصوح، والعزيمة الصادقة على اغتنامه، وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة. وإليك ـ أخي الكريم ـ بعضاً من الأعمال التي تتأكد في رمضان:
1ـ الصوم:
قال (ص): «كلُّ عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به،ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان؛ فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند اللهمن ريح المسك»([8]).
- وقال (ص): «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه»([9]). والصيام صيام عن الطعام وعن الحرام من زور وبهتان وغيبة ونميمة.
ولا تجعل ـ أخي المسلم ـ يوم صومك ويوم فطرك سواء، ولا يكن حظك من صيامك الجوع والعطش.
2ـ القيام:
- قال (ص): «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»([10]).
- وقال تعالى: (وعبادُ الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً * والذين يبيتون لربهم سُجداً وقياماً).
- وفي حديث السائب بن زيد قال: كان القارىء يقرأ بالمئين ـ يعني بمئات الآيات ـ حتى كنا نعتمدُ على العصي من طول القيام قال: وما كانوا ينصرفون إلّا عند الفجر.
3ـ الصدقة:
- كان رسول الله (ص) أجود الناس، وكان أجود ما يكونُ في رمضان، كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة.. وقد قال (ص): «أفضلُ الصدقةِ صدقةٌ فيرمضان»([11]).
وللصدقة في رمضان مزية وخصوصية فبادر إليها، واحرص على أدائها بحسب حالك. ولها صور كثيرة منها:
أـ إطعام الطعام:
قال الله تعالى: (ويطعمون الطعام على حُبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً * إنَّا نخافمن ربنا يوماً عبوساً قمطريراً * فوقاهُمُ الله شرَّ ذلك اليوم ولقَّاهم نصرةً وسُرُوراً * وجزاهم بما صبروا جنَّةً وحريراً). ولهذا كان السلفُ الصالح يحرصون على إطعام الطعام سواءً كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح، فلا يُشترط في المُطعَم الفقر، فقد قال رسول الله (ص): «أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيقالمختوم»([12]).
قال الشافعي رحمه الله: أحب الصيام الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله (ص) ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم فيه بالعبادة عن مكاسبهم.
ب ـ تفطير الصائمين:
وقد ورد في فضله أجر عظيم، منها قوله (ص): «من فطّر صائماً كان له مثلُ أجره غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائم شيء»([13]).
4ـ الاجتهاد في قراءة القرآن:
شهر رمضان هو شهرُ القرآن فينبغي أن يُكثر العبد المسلم من قراءته، وقد كان من حال السلف العنايةُ بكتاب الله، فكان جبريلُ يدارس النبي (ص) القرآن في رمضان، وكان عثمان بن عفّان رضي الله عنه يختم القرآن كلَّ يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كلِّ يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر.
قال ابن رجب: إنما ورد النهي عن قراءةِ القرآن في أقلَّ من ثلاثٍ على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يُطلبُ فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها؛ فيُسحبُ الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان، وهو قولُ أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدلُّ عمل غيرهم، كما سبق ذكره.
5ـ الجلوس في المسجد حتى تطلع الشمس:
كان النبي (ص) إذا صلى الغداة ـ أي الفجر ـ جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس([14]).
وأخرج الترمذي عن أنس عن النبي (ص) أنه قال: «من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتينكانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة»([15]). هذا في كل الأيام فكيف بأيام رمضان؟
فيــا أخـي ـ رعاك الله ـ استعن على تحصيل هذا الثواب الجزيل بقيام الليل، والاقتداء بالصالحين، ومجاهدة النفس في ذات الله، وعلو الهمة لبلوغ منازل الجنة.
6ـ الاعتكاف:
كان النبي (ص) يعتكفُ في كلِّ رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً([16]).
فالاعتكافُ من العبادات التي تجمع كثيراً من الطاعات؛ من التلاوة، والصلاة، والذكر، والدعاء، وغيرها.
وآكدُ الاعتكاف في العشر الأواخر تحرياً لليلة القدر، وهو الخلوة الشرعية، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغلٍ يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له همٌّ سوى الله وما يرضيه عنه.
7ـ العمرة:
وفيها فضل عظيم وأجر كبير، قال (ص): «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما»([17]). وفي رمضان يتضاعف هذا الفضل والأجر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (ص) لما رجع من حجة الوداع قال لامرأة من الأنصار اسمها أم سنان: «ما منعك أن تحجي معنا؟» قالت: أبو فلان ـ زوجها ـ له ناضحان: حج على أحدهما، والآخر نسقي عليه، فقال لها النبي (ص): «فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرةفيه تعدل حجة» أو قال: «حجة معي»([18]).
اللهم وفقنا لفعل الخيرات والمسارعة إلى الطاعات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
([1]) متفق عليه.
([2]) رواه ابن خزيمة.
([3]) رواه مسلم.
([4]) متفق عليه.
([5]) رواه أحمد.
([6]) متفق عليه.
([7]) رواه أحمد.
([8]) أخرجه البخاري ومسلم.
([9]) أخرجه البخاري ومسلم.
([10]) أخرجه البخاري ومسلم.
([11]) رواه الترمذي.
([12]) رواه الترمذي بسند حسن.
([13]) أخرجه أحمد والنسائي.
([14]) أخرجه مسلم.
([15]) رواه الترمذي.
([16]) أخرجه البخاري.
([17]) متفق عليه.
([18]) متفق عليه.
ساحة النقاش