مشكاة زجاجية من العصر المملوكي بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة

عبر أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان مارس الصُناع والفنانون في أرجاء دار الإسلام من حدود الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً أعمالهم المعتادة في إنتاج ما تحتاجه المجتمعات الإسلامية من أدوات ومصنوعات للاستخدام اليومي في الطعام والشراب والمنازل ودور العبادة وجاءت جميعها وبغض النظر عن رخص أسعارها حافلة بالزخارف والألوان التي تعبر عن جماليات ووحدة الفن الإسلامي وتسابقت المتاحف العالمية على اقتنائها لعرضها في قاعاتها. وإذا كانت أيدي تجار العاديات قد فرقت التحف الإسلامية على أركان الكرة الأرضية فإن العزاء يبقى أنها حيث استقرت تتحدث عن ماضينا وتراثنا الفني التليد.

د.أحمد الصاوي ـ في ميدان باب الخلق بوسط القاهرة يقع أكبر متاحف الفن الإسلامي المتخصصة بالعالم وتتجاوز مقتنياته من التحف الإسلامية المئة ألف قطعة. وقد ولدت فكرة إنشاء هذا المتحف في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي عندما جمعت بعض التحف المنقولة من الآثار الإسلامية بالقاهرة في الظلة الشرقية من جامع الحاكم بأمر الله قرب باب الفتوح وكان ذلك في عام 1869م.

وفي عام 1881م صدر مرسوم من الخديوي توفيق بإنشاء لجنة حفظ الآثار العربية برئاسة “ماكس هيرتس باشا” حيث تولت الإشراف على جمع المقتنيات وتوفير مبنى مستقل لعرضها بعدما ضاقت بها أروقة جامع الحاكم إلى جانب عملها الأساسي في صيانة وترميم الآثار الإسلامية بالقاهرة.

 

واختير الموقع الحالي بميدان أحمد ماهر ليطل على شارع الخليج المصري “حاليا بورسعيد” بينما الجانب الآخر منه المطل على شارع محمد علي كان مقرا لدار الكتب السلطانية أو الكتبخانه “دار الكتب المصرية حاليا”.

 

وفي 9 شوال 1320هـ الموافق 28 ديسمبر 1903م فتح المتحف أبوابه للجمهور لأول مرة تحت مسماه القديم “دار الآثار العربية”. وفي عام 1952م تم تغيير المسمى إلى “متحف الفن الإسلامي”.

الطراز المعماري

مبنى المتحف شيدت واجهته على طراز المباني المملوكية المنتشرة بأرجاء القاهرة ولا سيما في استخدام الحجر المشهر، فضلا عن عقود مدخليه وهما المدخل الرئيسي المطل على الميدان المشهور بباب الخلق والفرعي بالواجهة الشمالية الشرقية. وحتى السبعينات من القرن الماضي كان المدخل الأخير يفتح على شارع ضيق يفصل بين المتحف ومحطة لوقود السيارات حتى تمت إزالتها وضمت أرضها للمتحف لتستخدم من وقتها وإلى اليوم كحديقة متحفية.

وتتوزع قاعات المتحف على طابقين إلى جانب طابق آخر تحت مستوى الأرض يستخدم كمخزن للقطع الأثرية التي لا تستوعبها القاعات ويحتاج الباحثون للإطلاع عليها لأغراض البحث العلمي.

وبعد نحو مئة عام من افتتاحه ونتيجة لتداعي بعض جدرانه والأساسات أغلق المتحف أبوابه في عام 2003م لمدة سبع سنوات أجريت خلالها أعمال الترميم اللازمة وأضيفت إليه عدة قاعات من مبنى دار الكتب المصرية وبعد تحديث أساليب العرض والإضاءة أعيد افتتاحه في نهاية شهر أكتوبر من عام 2010م.

وكانت النواة الأولى لمعروضات المتحف من موجودات عمائر القاهرة والتي بلغ عددها في عام 1888م 985 قطعة فقط قفزت بعد عامين من افتتاح الدار إلى 3201 قطعة وراحت تتزايد بمرور الأعوام لتتجاوز مئة ألف قطعة.

وإلى جانب الحفائر لعبت “الهدايا” الدور الأهم في زيادة أعداد ونوعية المقتنيات، ومن أبرزها مجموعة الأمير “يوسف كمال” التي نقلت للمتحف بعد وفاته ثم مجموعة يعقوب أرتين باشا وكان عضوا بلجنة حفظ الآثار العربية وقد أهدتها ابنته بعد وفاته للمتحف وتضم نياشين وأنواطاً ولوحات وأدوات استحمام وفناجين للقهوة. وأعقب ذلك حصول المتحف على هدايا ثمينة من السجاد التركي والإيراني والأقمشة فضلا عن الخزف آلت إليه من مجموعة الأمير يوسف كمال.

وتوالت بعد ذلك الإهداءات من الملك فؤاد وابنه الملك فاروق وكان آخر الهدايا القيمة تلك المجموعة النادرة من أدوات الطب والجراحة التي أهداها للمتحف في الربع الأخير من القرن العشرين الطبيب وعالم الآثار د.هنري أمين عوض.

أشهر المقتنيات

ويتبع متحف الفن الإسلامي بالقاهرة فلسفة عرض متحفي خاصة تمزج بين الأسلوبين الشهيرين لعرض المقتنيات الأثرية، فبعض القاعات يحتوي معروضات رتبت وفقا للطرز المعروفة في الفن الإسلامي والبعض الآخر لعرض المصنوعات من مادة بعينها مثل قاعات التحف الخشبية والنسيج والأسلحة.

ووصف متحف الفن الإسلامي بالقاهرة باعتباره أكبر متاحف الفن الإسلامي بالعالم لا يعتمد فقط على أعداد مقتنياته بقدر ما يستند للنوعيات والقطع الفنية النادرة التي يحتويها.

ومن أشهر مقتنيات المتحف إبريق من البرونز المصبوب يعرف باسم “إبريق مروان بن محمد” وهو آخر خلفاء الأمويين عثر عليه بقرية “أبو صير الملق” ببني سويف حيث قتل الخليفة هناك إبان مطاردة العباسيين له. ويتميز الإبريق بتصميم بدنه الكروي الرشيق وصنبوره الذي يتخذ هيئة ديك ناشر جناحيه وهو يصيح ربما في إشارة لطلوع الفجر موعد أولى الصلوات الخمس وكانت تلك الأباريق تستخدم لأغراض الاغتسال والوضوء.

ويفخر المتحف بما يضمه من مصابيح الزجاج المستخدمة لإنارة المساجد والمعروفة باسم المشكاوات، ومجموعته هي الأكبر والأهم في هذا المجال وجلها ينتمي للعصر المملوكي وهي من الزجاج المموه بالمينا المتعددة الألوان.

وهناك أيضا مجموعة متميزة من التحف الخشبية كالمنابر والمحاريب ومنها محرابان خشبيان من العصر الفاطمي ومجموعة من أحجبة الخشب الخرط التي وضعت بالقاعات بذات الهيئة ولتحقيق نفس أغراض الإضاءة الناعمة في المساجد والمنازل.

ومن أنفس المصنوعات الخشبية تركيبة قبر كل من مشهد الإمام الشافعي والمشهد الحسيني والأول من عمل “ابن معالي النجار” ويعتبران من أنضج الأمثلة المبكرة للحشوات المجمعة المحفورة بالزخارف.

الحلي والسيوف

ويزدان المتحف بمجموعة متميزة من الحلي الإسلامي من الذهب وأعداد من السيوف الخاصة ببعض سلاطين المماليك وهي مكفتة بالذهب وكذا بعض الأسلحة النارية من إنتاج تركيا العثمانية والهند المغولية وجميعها مكفت بالذهب والفضة أو مرصع بالجواهر والأحجار الكريمة.

وتعرض بقاعات المتحف نماذج من أدوات الطب والجراحة في العصر الإسلامي والمخطوطات الطبية وهناك أيضا القسم الخاص بالنقود الإسلامية التي تنتمي لمعظم الدول الإسلامية ويزيد عددها في الوقت الحالي عن 70 ألف قطعة من الذهب والفضة والنحاس والبرونز إلى جانب صنج الوزن المعدنية والزجاجية.

وبالمتحف قاعة خاصة بالمنتجات الفنية الإيرانية وهي عامرة بأنواع الخزف الإيراني الشهيرة ومنها ما صنع تقليدا للخزف الصيني والتحف المعدنية والزجاجية. ويعتز متحف الفن الإسلامي بمجموعته النادرة من المنتجات التي تحمل أسماء السلاطين والأمراء من المماليك والتي أنتجت من أجلهم ومنها صناديق ومقاعد للمصاحف من الخشب المصفح بالنحاس المكفت بالفضة أو الذهب وكذا المحابر والعلب الإسطوانية وكلها مكفتة بالذهب والفضة فضلا عن الشماعد والتنانير والثريات المعدنية.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 723 مشاهدة
نشرت فى 4 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,212,927