دخل العجاج على عبدالملك بن مروان فقال له عبدالملك بن مروان: يا عجاج لقد بلغني عنك أنك عاجز عن الهجاء، فأجاب العجاج: يا أمير المؤمنين من قدر على الأبنية أمكنه إخراب الأخبية. فقال عبدالملك بن مروان: وما يمنعك من ذلك يا عجاج؟ فأجاب العجاج: إنا لنا حلماً يمنعنا أن نظلم، وعزاً يمنعنا من أن نظلم فعلام الهجاء؟!
فقال عبدالملك: فأنى لك عز يمنعك من أن تُظلم؟
فأجاب العجاج: الأدب البارع، والفهم الناصع.
فقال عبدالملك: والحلم الذي يمنعك من أن تظلم؟
فقال العجاج: الأدب المستظرف، والطبع التالد.
فقال عبدالملك: والله لقد أصبحت حكيماً.
فأجاب العجاج: وما يمنعني أيضاً أن أكون حكيماً وأنا نجيُّ أمير المؤمنين؟
الحِلْمُ، بالكسر: الأَناةُ والعقل، وجمعه أحْلام وحُلُومٌ.
وقد اشتهر العرب بالحلم ولهم قصص فيه تكاد تكون من الخيال، إلا أن حلمهم مشهود وواقع عاشه الأجداد، فعرف العرب بالحلم، وكثر الذين سجلهم التاريخ بحلمهم، وأشهرهم معن بن زائدة.
- الفَرْق بَيْـَن الحبِّ وَالودّ أن الحب يكون فيما يوجبه ميل الطباع والحكمة جميعاً، والود من جهة ميل الطباع فقط، ألا ترى أنك تقول: أحب فلاناً وأوَدّهُ، وتقول: أحب الصلاة، ولا تقول: أوَدّ الصلاة، وتقول: أوَدُّ أن ذاك كان لي، إذا تمنيت وِدَادَه، وأوَدّ الرجل وُدّاً وَمَوَدَّةً، والوِدُّ وللوَديدُ مثل الْحِبِّ وهو الحبيب.
أما الفرق بين الْمَحَبّةِ وَالعشْقِ فهو أن العشق شدة الشهوة لنيل المراد من المعشوق إذا كان إنساناً، والعزم على مواقعته عند التمكن منه، ولو كان العشق مفارقاً للشهوة لجاز أن يكون العاشق خالياً من أن يشتهي النيل ممن يعشقه، إلا أنه شهوة مخصوصة لا تفارق موضعها، وهي شهوة الرجل للنيل ممن يعشقه، ولا تسمى شهوته لشرب الخمر وأكل الطيب عشقاً، والعشق أيضاً هو الشهوة التي إذا أفرطت وامتنع نيل ما يتعلق بها قتلت صاحبها، ولا يقتل من الشهوات غيرها، ألا ترى أن أحداً لم يمت من شهوة الخمر والطعام والطيب، ولا من محبة داره أو ماله، ومات خلق كثير من شهوة الخلوة مع المعشوق والنيل منه.
إيليا أبو ماضي:
كن بلسماً إن صار دهــرك أرقمــا
وحلاوة إن صــار غـــيرك علقمــا
إن الحياة حبتـك كـلَّ كنـوزهـــــــا
لا تبخلنَّ على الحياة ببعــض مـــا
أحسنْ وإن لم تجــــــزَ حتـى بالثــنا
أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همـى؟
مَنْ ذا يكافئُ زهــــرةً فـواحـــــةً؟
أو مــن يثيــبُ البلبـل المـترنمــــا؟
عُدّ الكـــرامَ المحســـنين وقِسْهُـمُ
بهما تجدْ هذينِ منهم أكـرمـــــا
ياصاحِ خُذ علم المحبـــة عنهمـــا
إني وجدتُ الحبَّ علمـــا قيمــا
ساحة النقاش