أوضح عدد من علماء الدين أن شهر رمضان الكريم يصاحبه كل عام طوفان من السلوكيات والعادات التي لا علاقة لها بجوهر الصيام، ولا روحانية الشهر الكريم بداية من جرعة الدراما المكثفة وحتى تقليل ساعات العمل، وتعطيل المصالح بحجة أن الصيام يضعف الإنسان، وهناك عادات سيئة لا حصر لها مما يفسد قدسية الشهر. وشددوا على أن الشهر الكريم فرصة ربانية أعطاها الله تعالى للمسلمين لتكون محطة سنوية يقفون فيها مع أنفسهم ومع ربهم، ليراجعوا حساباتهم للقضاء على السلبيات وتنمية الإيجابيات، ويجب على المسلمين أن يحسنوا استثمارها حتى لا تمر عليهم مرور الكرام.
أحمد مراد (القاهرة) - دعت الدكتورة إلهام شاهين أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، المسلمين إلى تهيئة أنفسهم لاستقبال الشهر الكريم بالبدء في تعويد النفس على قراءة القرآن الكريم، والصلاة في المساجد، وفعل الخيرات، وفتح صفحة جديدة مع الله تعالى، مستنكرة عدم التفات الكثير من المسلمين لفرصة شهر رمضان، وإهدارها بمتابعة الفوازير والمسلسلات وبرامج المقالب، وغيرها من الأشياء التي جعلت الناس ينصرفون عن جوهر الصوم وروحانية الشهر المبارك.
فرصة
وشددت على ضرورة أن يستثمر المسلم فرصة رمضان بطريقة تحقق غاية الصوم، وهذا لا يكون إلا بالاستثمار الرابح لشهر رمضان الكريم، والالتزام بالهدف من الصوم الذي يتمثل في التقوى مصداقاً لقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.
وتضيف: التقوى هي هدف وغاية الصوم، وتحقيقها يكون باتقاء الشرور والآثام، والتغلب على العقبات، والانتصار على الشهوات، وبهذا تكون التقوى سمواً بالنفس، وارتقاء بالروح بعيداً عن ماديات الحياة، مع شفافية في الشعور، ومراقبة لله تعالى في السر والعلن، وحتى نصوم بالكيفية التي أرادها الله تعالى ورسوله ينبغي على الصائم أن يلتزم بسلوكيات وأخلاقيات الصيام، وفي مقدمتها أن تكون علاقته بالناس في رمضان أفضل من أي وقت؛ لأن الصوم تربية للنفس، ومن الشواهد الظاهرة للصوم المقبول والتي يلحظها الإنسان حسن السلوك مع الآخرين وتحمل الصائم للمشاق ومسؤولياته فعندما نجد موظفا يقبل على عمله وإنجاز مصالح المواطنين بكل همة ونشاط في رمضان، فهذا معناه أنه فهم بالفعل حكمة الصيام.
وتأسف الدكتورة آمنة نصير عميد كلية الدراسات الإسلامية «بنات» بجامعة الأزهر سابقاً، لما اعتاده الكثيرون من الصائمين من الاهتمام بكل ما يتعلق بأحكام الصوم من أمور شكلية وإغفال الهدف الأساسي الذي من أجله فرض الله تعالى الصوم.
الهدف من الصوم
وتقول الدكتورة آمنة: لا بد للصائم أن يدرك في وضوح تام الهدف من الصوم حتى يكون لصيامه معنى، فقد روي عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أنه قال لأصحابه عن امرأة تصلي وتصوم وتزكي ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها: “أخبروها أنها في النار”، فصوم هذه المرأة وعباداتها كانت شكلية لا روح فيها ولا حياة ولم تكن على وعي بالهدف من العبادات فأفسدتها بسوء أخلاقها فحبط عملها وفقدت عباداتها معناها ولم تكن لها ثمرة وبالتالي فسد صيامها لأن هدفه - والذي هو التقوى - غاب عنها كما يغيب عن الكثيرين الآن، ومن هنا نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش”.
وتضيف: على الصائم حتى يكون لصيامه معنى أن يعي ويدرك هدف الصوم، وهو التقوى بكل ما تحمله من معاني صفاء العلاقة بين الإنسان وربه والتي ينعكس أثرها على علاقات الناس بعضهم مع بعض.
هيبة رمضان
وتشدد على ضرورة أن يعمل المسلمون على استعادة هيبة رمضان وجوهر الصيام، مؤكدة أن هناك عدة أمور مطلوبة من المسلمين حتى يستعيدوا هيبة رمضان ويجعلوا منه منهجاً لاستعادة مجد أمتهم من جديد أهمها أن يصوموا رمضان كما صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم والرعيل الأول، فصامت أعضاؤهم جميعاً عن المحرمات وتحركت فيهم دواعي التغيير، وتفاعلت معهم مقاصد الشريعة من الصيام.
وتضيف: ولو نظرنا إلى أمتنا الإسلامية لوجدنا أن أكبر التحديات والمشكلات الداخلية تعود إلى الفرقة والخلافات والنزاعات وإلى النفوس السيئة الضعيفة فالصوم الحقيقي هو أحسن وسيلة لعلاج هذه النفوس، وأما التحديات والمشكلات الخارجية فتكمن في ضعفنا وفي قبولنا لشروط وإملاءات أعدائنا، وأهم شيء في الصيام هو التحدي الاقتصادي. ودائماً أقول إن الشياطين ومردة الجن يصفدون في شهر رمضان ولكن إخوانهم من شياطين الإنس يحلون محلهم حيث يعدون لإفساد هذا الشهر احد عشر شهراً من العمل المستمر من خلال المسلسلات السيئة والأفلام الماجنة فيحولون شهر الصفاء إلى شهر ارتكاب المحظورات، ولذلك نحذر إخواننا الصائمين وأخواتنا الصائمات من الوقوع في هذه الآثام وفي جو بعيد عن جو الصيام الحقيقي.
ويؤكد الدكتور محمد أبوليلة الأستاذ بجامعة الأزهر أن المسلمين لن يعودوا إلى جوهر الصيام الحقيقي إلا بعد أن يقلعوا عما اعتادوه من سلوكيات مرفوضة جعلت شهر رمضان موسما للدراما والكسل والخمول والنوم والسهر وتعطيل مصالح الناس، مشيراً إلى أن رمضان بات يعاني شوائب عديدة طمست جوهره وأخفت معالمها الحقيقية.
شهر العبادة
ويقول أبوليلة: شهر رمضان هو شهر العبادة بمختلف أشكالها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب الناس في إحياء شهر رمضان بكل ما هو طيب وبكل عمل صالح حتى يخرجوا من رمضان بإرادة قوية وعزيمة صادقة تجعلهم قادرين على تحقيق غاية الله من خلقه والتي تتمثل في عبادته جل شأنه وإعمار الأرض، فضلاً عن أنهم يخرجون من رمضان وقد غفر الله لهم ذنوبهم بشرط أن يصوموا رمضان إيماناً واحتساباً، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”.
ويدعو المسلمين إلى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في إحياء شهر رمضان بالكيفية التي أرادها الشارع الحكيم حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم - في رمضان يكثر من أنواع العبادات، فقد كان يكثر من تلاوة القرآن ومن الصدقة والعطاء والصلاة والاعتكاف وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان يخص رمضان في العبادة بما لا يخص غيره من الشهور.
ويضيف: وتلاوة القرآن مطلوبة شرعاً في رمضان وغير رمضان لما يترتب عليها من الثواب العظيم، وللذكرى والاتعاظ، وينبغي على المسلم أن يختم القرآن ولو مرة واحدة على الأقل في شهر رمضان، وهذا يقتضي أن يقرأ في اليوم والليلة جزءاً من القرآن، وقد روي عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمئة آية كتب من القانتين”.
ساحة النقاش