الطباعة الرقمية
يواجه الباحث في تعريف الطباعة الرقمية معضلة تتمثل في كلمة "رقمية" نفسها، لأن هذه الكلمة لها عدة معاني وعندما تقترن بأي شيء فإنها قد تعني التحول من الطبيعة المادية إلى الهيئة الإلكترونية التي يفهمها الكمبيوتر أو قد تعني التحول من الطبيعة أو الهيئة التماثلية إلى الهيئة الرقمية، ولكن ما الذي نفهمه من عندما نقول الطباعة الرقمية؟ هل أصبحت العملية الميكانيكية عملية إلكترونية بدون حبر أو بدون أجزاء متحركة؟ هل نفهم على سبيل المثال من الطباعة الرقمية مثلا أننا نطبع على ملفات إلكترونية بدلا من الورق كما هو الحال عند تحويل الكتاب الورقي إلى رقمي؟ أو كما هو الحال عند تحويل المستندات إلى ملفات بصيغة PDF الشهيرة التي تجعل من الممكن فتح المستندات بنفس تنسيقها وتصميمها الأصلي على أي حاسب عبر الشبكة أو عبر الإنترنت؟
باختصار الشديد يمكن القول بأن الطباعة التقليدية تتم عن طريق استخدام ألواح طباعية على مكبس للطباعة، حيث تغطي هذه الألواح الرقيقة المصنوعة من الألمونيوم بطبقة رقيقة حساسة للضوء تماما مثل الطبقة التي تغطي الفيلم الذي يوضع في كاميرا التصوير وبنفس آلية التصوير في الكاميرا تصبح هذه الطبقة بمثابة فيلم أو نيجاتيف بحجم المطبوعة المطلوبة حيث يتم تصوير المطبوعة التي قد تكون مجلة أو صحيفة أو مطوية أو منشور أو كتاب على هذه الطبقة ويتم تحميضها وإزالة بقية الطبقة الحساسة للضوء، حتى لا تتأثر بالضوء مرة أخرى. وبعد ذلك يتم تركيب هذه الألواح التي تحمل الآن صورة سلبية للنص أو المستند المطلوب طباعته على أسطوانة أو عجلة أو بكرة دوارة في مكبس أو مكنة للطباعة، وكلما تدور هذه الاسطوانة، تلتقط الألواح الطباعية الحبر الذي يغطي صورة النص المطلوب ثم تطبعه على الورق. وينبغي أن نذكر هنا أن كلمة صورة في أدبيات الطباعة لا يقصد بها الصورة بالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن وهو المعنى الفوتوغرافي، ولكن يقصد بذلك صورة المحتوى الذي قد لا يحتوي على أي صور أصلا وقد يكون نصا فقط كما هو الحال في الكتب والدوريات العلمية الأكاديمية.
نرجع إلى سؤالنا الأول ماذا تعني كلمة رقمية في الطباعة الرقمية؟ من المعروف أن كلمة رقمية تشير إلى الحقيقة المعروفة بأن كل بيانات الكمبيوتر هي في الأصل وفي الأساس عبارة عن رقمين اثنين فقط هما الصفر والواحد ولكن بتتابعات مختلفة. سنفترض أن لدينا نصا رقميا فمعنى ذلك أنه محفوظ في ذاكرة الكمبيوتر في صورة أصفار وآحاد كثيرة، فبدلا من أن نلتقط صورة للنص أو المحتوى المطلوب طباعته على نيجاتيف، أصبح لدينا الآن ملف إلكتروني يحتوي كل المحتوى المطلوب طباعته سواء كان لصحيفة أو مجلة أو كتاب أو مستند عادي، وهو إما في صورة ملف Word أو PDF أو PostScript
ما يحدث في الطباعة الرقمية هو أنه يتم توصيل الكمبيوتر أو الحاسب بالطابعة التي تستقبل هذا السيل المتتابع من الأصفار والآحاد التي تمثل النص أو المحتوى المطلوب طباعته، وبفضل التقنية الرقمية أصبحت هذه الطابعات قادرة على فهم هذا السيل من الأصفار والآحاد وترجمته إلى نصوص وأشكال ورسومات يمكن طباعتها. ومن هنا جاءت كلمة طابعة رقمية digital printer بمعنى أنها أصبحت قادرة على فهم وقراءة الأرقام وإعادة تحويلها إلى محتوى يمكن طباعته على الورق المادي. هذا باختصار مفهوم الطباعة الرقمية، التي تشير إلى الوسيط الرقمي بين الحاسب والطابعة التي أصبحت قادرة على التعامل والتحدث بنفس لغة الكمبيوتر، ولكنها في نفس الوقت ما زالت محتفظة بنفس إمكانياتها المكانيكية من حيث وجود الأحبار والاسطوانة والطبقة الحساسة للضوء، وإن كانت طريقة الطباعة اختلفت كثيرا كنتيجة للطباعة لاختلاف طريقة الإدخال أو التغذية.
تماثل نقاط الحبر الأصفار والآحاد التي يمكن وضعها على الورق بطرق مختلفة، فتكنولوجيا نفث الحبر على سبيل المثال تنشر نقاط الحبر الضئيلة ذات الحجم المتناهي في الصغر على امتداد الصفحة ثم تعود أدراجها مرة أخرى على نفس الصفحة لمطابقة الأصفار والآحاد في تيار البيانات الرقمية، أما تكنولوجيا الطباعة بالليزر فبدلا من وضع نقاط الحبر على الورق تكتب سطور النقاط على اسطوانة خاصة فائقة الحساسية تلتقط مسحوق الحبر(التونر) على النقاط أو المواضع التي تماثل
الآحاد والأصفار ثم تنقل ذلك إلى الورق.
ساحة النقاش