كما تنظرون إلى أبنائكم يصبحون
إستراتيجية التخمين الإيجابي

الدكتور مصطفى أبو سعد

استراتيجية جديدة تساعد المربين على حسن التعامل مع أبنائهم وتزيد من كفاءتهم التربوية وقدراتهم على احتواء المشكلات والأزمات العابرة في علاقاتهم مع الأطفال.

وهي خطوة ورسالة للأبناء توحي إليهم أنّ المربّي يبذل جهده ويحاول فهم ما ألمّ بهم وتسبب في إفراز سلوكيات مزعجة أو في نشوء تأزم بينهم وبين الكبار.


هذه الاستراتيجية هي التخمين الإيجابي الذي يبرز تحسّسك لفهم نفسيات أبنائك ومحاولتك للتعمق في التعرف على خفايا وخلفيات السلوكيات المزعجة.


التخمين الإيجابي ومزاياه:

إنّ وضعك لاحتمالات أمام ما يزعج من تصرفات الأبناء يجعلك متصفاً بالهدوء باحثاً عن دوافع السلوك وأصله بدل التركيز على الأعراض وحسب!

وهذه صفة أساسية لكل مرب ومتعامل مع الطفل. أن يكون هادئاً حليماً، يستخدم الصبر بمفهومه الإيجابي وهو: العمل والتوجيه مع الزمن. وبمعنى أوضح أن تمارس دورك التربوي بالطرق المطلوبة الواعية المبنية على أسس علمية رزينة وتمارس عملية الصبر لتؤتي طرقك السليمة أكلها مع الزمن. وأمّا من يحاول قطف الثمر مباشرة بعد بذره فلن يحصل على شيء يذكر.


الثقة بالنفس إحدى نتائج وضعك لاحتمالات السلوك والتخمين الإيجابي. فأنت أثناء ممارستك لهذه الاستراتيجية تمنح أبناءك ثقة بقدراتهم وثقة بأنفسهم. وتمنحهم صورة إيجابية عن شخصيتهم، وهذا هو المطلوب لوضع أساس لبناء شخصية متميزة بقوة الساعد وقوة العقيدة وقوة العطاء وقوة الإيمان.


فضلاً عن هذا فإن ممارسة هذه الاستراتيجية تؤسّس الثقة بينك وبين الأبناء، وهذا مطلب تربوي أساسيّ لا بدّ من تحقيقه لتتم عملية التواصل بين الطرفين.


كيف تمارس التخمين الإيجابي؟

- ابدأ بالتعبير عن شعورك مردداً: لدي إحساس بأنّ
ابني لم يقصد بسلوكه أن يؤذي أحداً..
ابني يريدني أن أكون بجانبه وأخصص له وقتاً أكثر..
ابني كان يريد فقط تقديم المساعدة..
- أو عبّر عن الإحساس مع الأم/الأب بأن:
الابن بحاجة إلى شعور أننا نقف بجانبه ونتفهم احتياجاته..
الابن يغضب لو أنّ أحداً اعتدى على ممتلكاته..
لعلّ الابن محبط لأننا لم ننتبه لإنجازاته ولم نقدرها ونعتبرها..

بعد وضعك لاحتمالات وتخمينات إيجابية اسأل ابنك سؤالاً دقيقاً واضحاً:

(أخبرني هل فهمت حقاً مشكلتك؟) أو (قل لي هل فهمت بشكل صحيح) وحاول إثارته بكل هدوء ليتحدث ويجيب عن تخميناتك المطروحة.

بداية الحديث الصادر عن ابنك تعني أنه انفتح عليك وهذه أكبر خطوة من خطوات الإرشاد والتوجيه. وسوف يبدأ التعبير عن خفايا وأسرار ما كنت لتعرفها لو لم تمارس استراتيجية التخمين الإيجابي. وبذلك يقدم لك معلومات تؤهلك لفهم سليم لحاجيات ابنك وبالتالي حسن التعامل معها وإشباعها بالطريقة السليمة لئلا تحوّل إلى مولّد للسلوك السلبي.


التخمين الإيجابي يقوّي المشاعر المتبادلة ويرفع المعنويات:

هذه الخطوة تعني أنك تمد يد المساعدة لابنك وبالتالي ترفع معنوياته النفسية وتوطد العلاقة بينك وبينه وتعمل بشكل إيجابي على إخراج ما لديه من أسرار وخفايا تساعدك لتعامل مبني على فهم. إنها خطوة رائعة تنقذ العلاقات بين الآباء والأبناء من التأزم وتقدم لها أفضل إسعاف يحميها ويعيد لها عافيتها.

انتقد سلوك ابنك لا شخصيّته

متى يكون انتقادك لابنك إيجابياً بناءً؟ ومتى يكون سلبياً هدّاماً؟
في قصّتي أروى وزياد التاليتين نرى مثالين تربويّين نموذجيين لما يحدث يومياً بين الآباء والأمهات والأبناء.

النقد السلبيّ الهدّام

أروى فتاة في السابعة من عمرها. سكبت كوباً من الحليب دون قصد منها وهي جالسة مع والديها على مائدة الإفطار. صرخت أمها في وجهها قائلة:
أعتقد أنك في سن تجعلك تعرفين كيف تمسكين بكوب الحليب! كم مرة قلت لك أن تأخذي حذرك! لكنك كالعادة لا تفهمين ولا تسمعين الكلام..
وعلّق الأب غاضباً: لن تفعل ذلك أبداً لأنها غبية وستبقى دائماً غبية!..

هذه قصة أروى. سفحت كوباً من الحليب وقوبل تصرفها بحملة توبيخ من والديها. هذا التهجم قد يكون له أثره القاسي على نفس الطفلة ذات السنوات السبع، وهذا ربما سبب لها ألماً نفسياً سيظل أثره طويلاً وقد يفقدها الكثير من الثقة بنفسها وربما جعلها غير راغبة في تحسين سلوكها مستقبلاً.


النقد الإيجابيّ البنّاء

أمّا زياد البالغ من العمر 8 سنوات فقد سكب أيضاً كوباً من الحليب أمام والديه على مائدة الإفطار، فعلّق أبوه بأسلوب هادئ: أسرع يا زياد وارفع الكوب حتى لا يسكب ما تبقى فيه من الحليب!
وقالت أمه: عليك يا زياد أن تسرع بتنظيف الطاولة.
ونهضت لإحضار إسفنج وماء وأعطتهما زياداً وهي تقول: خذ يا بني الإسفنج لتمسح الحليب الذي سكبته.
نظر زياد إلى والديه بحب، وشعر بالأسف لما حدث وأكد لوالديه أنه سيكون أكثر حذراً في المستقبل: أنا آسف وسأكون أكثر حذراً في المرات القادمة.
خرج زياد من الموقف بروح حذرة وإحساس بالامتنان ونية قادمة بأن يكون قد استفاد من الخطأ.

إن ما تؤكده مدارس التربية -وعلى رأسها مدرسة الإسلام- هو أن أسلوب التوجيه الحكيم هو توجيه الانتقاد نحو السلوك نفسه، وهو الأجدى والأنفع في تغيير سلوك الطفل.


فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجّه طفلاً طاشت يداه في الإناء على المائدة وكان توجيهه صلى الله عليه وسلم له بالقول:

(كل بيمينك وكل مما يليك). إن توجيه الحديث إلى ما كان يجب عليه القيام به لكي يتفادى الخطأ الذي ارتكبه هو توجيه للحديث نحو البناء ليدعم للطفل ثقته بنفسه ويجعله راغباً في تطوير سلوكه. وأمّا أن ينصب الانتقاد نحو شخصيته وتحقيرها ووصفها بصفات قبيحة فسيجعله مقهوراً لما سببه له انتقادك من ألم نفسي.

تفهّم عالمهم.. انظر بعيونهم.. تدخل قلوبهم وعقولهم!

إنّ تفهّمنا لحقيقة ما يقوم به الطفل من تصرفات قابلة للصحّة والخطأ سيعطينا عمقاً أكثر نحو تربية أفضل بإذن الله. وعالم السلوك عند الأطفال عالم واسع يدور حول محور أساسي هو أن الطفل يتحرك في الواقع الذي يعيشه بسلوك عفوي لا يستطيع معه أن يخفي ما يشعر به. وأكثر ما يؤلمه الاستخفاف بمشاعره وتجاهلها، فهو يريد من والديه وجميع من حوله أن يتفهموا شعوره إن كان غاضباً أو غيوراً أو خائفاً أو حزيناً.

وإذا ما أخطأ فهو يريد توجيهاً نحو نقطة معينة يتفهمها بسلوكه الخاص. ولن يدرك أو يربط الأمور كما يفعل الكبار. فهو لن يدرك سبب السخرية من سلوكه ولن يربط بين ما ارتكب من خطأ وبين الشتم واتهامه بالغفلة أو الغباء. إنّنا في حاجة حقيقيّة إلى إدراك مثل هذه الحقائق والضغط على أعصابنا لنتمرن عليها لكي ينشأ عندنا جيل أبيّ الأنفس.


ألستم معي في ذلك؟

alfaresmido

أنا مسلم .. أعتز بديني

  • Currently 46/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 151 مشاهدة
نشرت فى 24 ديسمبر 2010 بواسطة alfaresmido

ساحة النقاش

الفارس أحمد عطا

alfaresmido
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

116,106