غريبٌ أن يشتكي الجميعُ من الجميع، وأن يذم الجميعُ الجميع، وأن يتهم الكلُّ الكلَّ الآخر بالجهل والغباوة، وسوء الظن، وانعدام الخلق، وقلة الحياءوالمُدهش في الأمر أن المُشتَكَى منهم غائبون دائما!وعجيبٌ أيضا أن يعتاد كثيرون إحباط الكثيرين، وأن يُصبح شائعا أن يذم الحاضرون الغائبين، وأن يُشكك المتحدثون في نوايا الصامتين، وأن يلعن المجتمعون بقية المتفرقين، وأن يصبح الإحباطُ ألذَ وجبةٍ وأشهى طبقٍ شعبي واسع الانتشار! بحيث صار قول الشاعر المتشائم أبي العتاهية هو حكمة العصر في مجتمعنا :لدوا للموت وابنوا للخراب فكلكمُ يصير إلى تراب لقد اكتسح وباءُ الإحباط مجتمعنا، وغدونا لا نرى في الورود سوى الأشواك، وتحولنا من حالة الحضور في الوطن إلى حالة الغياب، وأصبحنا نعيش في أوطاننا بأجسادنا فقط، ونحيا في عواطفنا وأحلامنا في أوطان غيرنا، نتمناها في الحلم ،وندعو في سرنا أن تكون أوطانُ الآخرين لنا مستقرا ومُقاما! تُرى من المسؤول عن نشر وباء الإحباط ، وفايروس الاحتقار للأهل والعشيرة والوطن؟ فهل المسؤول عن نشر الوباء هو (غول) الألفية الثالثة؟ أم أنه (ضبع) الاستعمار البغيض؟ ام أن المسؤول الأول والأخير هو (ظلمُ ذوي القُربى)؟!

وهل وباء الإحباط مرض مقيم، أم مرض تنشره ذبذبات الألسن وحركاتُ الشفاه؟

أم هو مُنتَجٌ من منتجات مخابرات الدول، وعيون الشركات والمؤسسات ، ومعامل صك قوالب الشعوب، وتغيير جواهرها؟

أم أن الوباء مؤامرةٌ عالمية خطيرة وكبيرة ترمي لتقسيم العالم إلى نصفين، نصفٍ مستهلك فقط يحيا بالجسد، وآخرٍ منتجٍ مبدعٍ يحيا بالروح والعقل والإبداع؟

يبدو أن الإجابة الصحيحة تكمن في كل الاستفاهامات السالفة.

ولعلّ خطورة الأمر تكمن في أن وباء الإحباط قادرٌ على استنساخ نفسه ألاف المرات في اليوم الواحد، وهو قادرٌ على تدمير البنية الأساسية للتطور والنهوض في المجتمعات المتمثلة في الجيل الصاعد والأطفال، وهم الأكثر تأثرا بهذا الوباء!

كما أن البيئات التي يتناسل فيها هذا الوباء ويتكاثر، هي بيئات القحط الفكري ، حيث يوجد نظامُ تعليمٍ يعتمد سياسة حشو العقول، لا تفتيحها وتنويرها وتثقيفها.

وينتشر الوباء أيضا في دول النظام السياسي الديكتاتوري الديماغوجي، حيث يسودُ الاضطهاد والملاحقة والسجن والقتل، وتنتشر المفاسد والرذائل .

نعم إن وباء الإحباط مُنتَجٌ مهجّنٌ، مكون من خليطٍ من جِينَة الجهالات، ومن نطفة الخرافات، ومن سلالة

الضلالات، وهو يتكاثر ويتعدد ويتجدد ويتوالد ويتناسل ويتشظى بسرعة البرق!

لقد تمكنتْ دولٌ كثيرة من تفكيك أسرار جينات هذا الوباء منذ زمنٍ طويل، فأوجدت له تطعيمات قادرة على وأده في المهد، وابتدعت أمصالا قادرة على منع انتشاره، فجعلت المدارسَ والجامعات والكليات العلمية شرفاتٍ تُطلُّ على واجهات العالم، وليس مستودعات وكهوفا تصلح لتحضير أرواح الغابرين!

 وعالجتْ دولٌ كثيرة هذا الوباء بأدوية عديدة أبرزها، إكسير الفنون، بكل أشكالها وأنواعها وعلاج وباء الإحباط بالفنون دواءٌ فعّال ناجح قادرٌ على اقتلاع الإحباط من جذوره ، وقادرٌ على منح الشباب جرعات الأمل ، وحب الحياة، وتعزيز ثقتهم بوطنهم، بحيث لا يشعرون بأنهم كَمٌّ زائدٌ عن الحاجة، يُعذبُهم آباؤهم،ويلعنهم مجتمعهم!

ولعلّ أهم الأدوية الفعّالة في علاج هذا الوباء الخطير، هو نشر وتعليم وتطبيق الديمقراطية بمفهومها الواسع.         

المصدر: موقع النجاح نت

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,408,402