<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

إذا لاحظنا الإنسانية في أي فترة من تاريخها نجد أنها تتبع نظاماً معيّناً في حياتها، وطريقة محددة في توزيع الحقوق والواجبات بين الناس، وانها بقدر ما يتوفر لديها من ضمانات لالتزم الأفراد بهذا النظام وتطبيقه تكون أقرب إلى الاستقرار وتحقيق الأهداف العامة المتوخاة من ذلك النظام.

وهذه الحقيقة تصدق على المستقبل والماضي على السواء لأنّها من الحقائق الثابتة في المسيرة الحضارية للإنسان على مداها الطويل.

والضمانات منها ما هو موضوعي كالعقوبات التي تضعها الجماعة تأديباً للفرد الذي يتجاوز حدوده، ومنها ذاتي وهو الشعور الداخلي للإنسان بالمسؤولية تجاه التزاماته الاجتماعية، وما تفرضه الجماعة من واجبات وتحدد له من حقوق.

وعلى الرغم من انّ الضمانات الموضوعية لها دور كبير في السيطرة على سلوك الأفراد وضبطهم فإنها لا تكتفي في أحايين كثيرة بمفردها ما لم يكن إلى جانبها ضمان ذاتي ينبثق عن الشعور الداخلي للإنسان بالمسؤولية، لأنّ الرقابة الموضوعية للفرد مهما كانت دقيقة وشاملة لا يمكن عادة ان تضمن الإحاطة بكل شيء واستيعاب كل واقعه.

والشعور الداخلي بالمسؤولية يحتاج لكي يكون واقعاً عملياً حياً في حياة الإنسان إلى إيمانه برقابة لا يعزب على علمها مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وإلى مِران عملي ينمو من خلاله هذا الشعور ويترسخ بموجبه الاحساس بتلك الرقابة الشاملة.

والرقابة التي لا يعزب عن علمها مثقال ذرة تتواجد في حياة الإنسان نتيجة لارتباطه بالمطلق الحق العليم القدير الذي احاط علمه بكل شيء فإن هذا الارتباط بنفسه يوفر للإنسان هذه الرقابة، ويهيئ بذلك إمكانية نشوء الشعور الداخلي بالمسؤولية.

والمران العملي الذي ينمو من خلاله هذا الشعور الداخلي بالمسؤولية يتحقق عن طريق الممارسات العبادية، لأنّ العبادة واجب غيبي، نقصد بكونها واجباً غيبياً ضبطها بالمراقبة من خارج أمر مستحيل، فلا يمكن أن تنجح أي إجراءات خارجية لغرض الاتيان بها. لأنها متقومة بالقصد النفسي والربط الروحي للعمل بالله، وهذا أمر لا يدخل في حساب الرقابة الموضعية من خارج ولا يمكن لأي اجراء قانوني ان يكفل تحقيقه، وانما الرقابة الوحيدة الممكنة في هذا المجال هي الرقابة الناتجة عن الارتباط بالمطلق بالغيب الذي لا يعزب عنه شيء، والضمان الوحيد الممكن عن هذا الصعيد هو الشعور الداخلي بالمسؤولية، وهذا يعني انّ الإنسان الذي يمارس العبادة يباشر واجباً يختلف عن أي واجب أو مشروع اجتماعي آخر، فحين يقترض ويوفي الدين أو حين يعقد صفقة وينفذ شروطها وحين يستعير مالا من غيره، ثمّ يعيده إليه يباشر بذلك واجباً يدخل في نطاق الرقابة الاجتماعية رصده، وبهذا قد يدخل بشكل آخر التحسب لرد الفعل الاجتماعي على التخلف عن أدائه في اتخاذ قراراً بالقيام به، واما الواجب العبادي الغيبي الذي لا يعلم مدى مدلوله النفسي الا الله سبحانه وتعالى فهو نتيجة للشعور الداخلي بالمسؤولية ومن خلال الممارسات العبادية ينمو هذا الشعور الداخلي ويعتاد الإنسان على التصرف بموجبه، وبهذا الشعور يوجد المواطن الصالح إذا لا يكفي في المواطنة الصالحة أن لا يتخلف عن أداء حقوق الآخرين خوفاً من رد الفعل الاجتماعي على هذا التخلف، وانما تتحقق المواطنة الصالحة بأن لا يتخلف الإنسان عن ذلك بدافع من الشعور الداخلي بالمسؤولية، وذلك لأنّ الخوف من رد الفعل الاجتماعي على التخلف لو كان وحده هو الأساس لالتزامات المواطنة الصالحة في المجتمع الصالح لأمكن التهرب من تلك الواجبات في حالات كثيرة حينما يكون بامكان الفرد أن يخفي تخلفه أو يفسره تفسيراً كاذباً، أو يحمي نفسه من رد الفعل الاجتماعي بشكل وآخر، فلا يوجد ضمان سوى الشعور الداخلي بالمسؤولية.

ونلاحظ انّ المرجح غالباً في العبادات المستحبة أداؤها سرا وبطريقة غير علنية، وهناك عبادات سرية بطبيعتها كالصيام فإنّه كف نفسي لا يمكن ضبطه من خارج، وتوجد عبادات اختير لها جو من السرية، والابتعاد عن المسرح العام كنافلة الليل التي يطلب أداؤها بعد منتصف الليل، وكل ذلك من أجل تعميق الجانب الغيبي من العبادة ورطبها أكثر فأكثر بالشعور الداخلي بالمسؤولية وهكذا يترسخ هذا الشعور من خلال الممارسات العبادية ويألف الإنسان العمل على أساسه ويشكل ضماناً قويّاً لالتزام الفرد الصالح بما عليه من حقوق وواجبات.

المصدر: السيد محمد باقر الصدر

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,408,471