أودع البارىء في هذا الكائن الصغير، مجموعة من البذور الطيبة، متى ماوجدت الظرف المناسب لمنبتها، نمت وترعرعت، والعكس صحيح ومن هذه الودائع فطرة الصدق. والصدق خصلة حميدة يميل إليها كل إنسان، وأن كان كاذباً.. والطفل بمنشئه كيان صادق لا يعرف معنى للكذب.. ولكن نتيجة للظروف التي يعايشها تتلوث فطرته شيء فشيء حتى يصل الأمر به إلى التفنن والمهارة، والتلذذ بممارسة الكذب.
ولما كان لكل مرض مسبب وظروف مهيئة ومساعدة على نموه في جسم المريض، كان أيضاً لنشوء مرض الكذب مسببات وظروف مساعدة. ويمكننا بمعرفة بعض هذه الأسباب وتشخيصها التوصل إلى طرق معالجتها. ونذكر من هذه:
1- تحميل الطفل فوق طاقته: عند خروج الأُم من المنزل تكلف طفلتها بأداء كذا وكذا من الواجبات... وعند عودتها تجدها لم تؤد ما كلفت به، والصغيرة بطبيعتها وحتى لا تظهر نفسها بمظهر غير القادرة على أداءها.. تختلق الاعذار فتقول بأنها لازمها صداع شديد ولم تستطع أداء الواجب.. ويبدء الكذب. وبتكرار الحالة تتعوّد الطفلة الكذب فتنشأ كاذبة.
عزيزتي الأُم.. لو درستي حياتك مع أطفالك.. تجدين نفسك في كثير من الأحيان المسبب في إكتساب طفلك مرض الكذب و إجبارهم على ممارسته من دون أن تشعرين.
وقد يتصوّر بعض المربين ان بأجبارهم الأولاد لأداء صلاة الليل أو قراءة جزء من القرآن يومياً أنّهم يربونهم تربية إسلامية، غافلين عن أنّهم بذلك أي بتحميل أولادهم عباً ثقيلاً فوق طاقتهم، ينشؤون فجوة وبداية كراهية للدِّين وتعاليمه.
الإستهانة بشخصية الطفل: من المهم إحترام شخصية الطفل وتكريمه لما لهذه النقطة من أهمية في بناء الفرد ومن ثمّ المجتمع، وعندما يحصل العكس أي الإستهانة بالطفل وعدم إعارته أي أهمية، نجده يثأر بشخصه ويحاول جذب الأنظار إليه بممارسة أي شيء يحقِّق له هذا الأمر. وتكون أحد هذه الطرق ممارسة الكذب.. فمثلاً فحين ينشغل والديه بإستقبال الضيوف يختلق الكذب الواحدة تلو الأخرى ليشير إلى شخصه ويجعل الموجودين يحسون به.. فيقول مرة والد صديقه دُحس، وحين يسرع الوالدين مع الضيوف ليروا ما الخبر.. يحس الطفل بأنّه قد جلب النظر إليه.
2- الخوف من العقوبة: تمثل الأسرة مركز الإطمئنان والإستقرار لأفرادها، وحتى ما تحول هذه الإطمئنان إلى الشدة والحساب العسير نجد انّه ينعكس على تربية الأطفال، فحين يقع خطأ ما يندفع الطفل ولصيانة ذاته من إنزال العقوبة بحقه، يندفع إلى الكذب وإختلاق الروايات لإنقاذ الموقف. وللمرء أن يلحظ هذا كثيراً في يومياته.. فإذا حدث وأن سقط المذياع من فوق الطاولة وتكسرت أجزاءه أثناء اللعب في الحجرة.. نجد الطفل يذكر الحادثة بوقائعها الحقيقية لوالديه (في حالة عدم توقعه العقوبة) والمربي المتمكن يمكنه بإسداء النصيحة للطفل يجعله لا يكره مرّة أخرى.
وقد نجد الطفل مرتبك ويذكر الحادثة بشكل مغاير للواقع (وذلك لخوفه من العقوبة) فيمارس الكذب لمرة وحين يجده ناجحاً، يمارسه في كل الأحيان ويجده ملاذه ومنقذه من المشاكل.
3- المحيط التربوي: فطرة الطفل كالغصن الطري الذي يحتاج إلى ظرف مناسب لنموه، ليقوى على الطبيعة ولكن إذا تعرض هذا الغصن إلى رياح عانية كسر ولا يجبر بعد ذلك إلا بصعوبة. فالطفل إذا لاقى الظروف الصعبة في بداية حياته فإن فطرته تتحرف عن الطريق الصحيح فالمحيط التربوي الذي يعيش فيه الطفل هو من أهم العوامل المؤثرة على تربيته، فمتى ما كان المحيط خالي من مرض الكذب والأمراض الإجتماعية الأخرى، نشىء الغصن طربا وقويا.. والعكس صحيح، فحين يكون الأب والأُم وبقية أفراد الأسرة مصابين بهذا الداء ينشىء الطفل ممارساً للكذب، حتى وإن كان والده يأمرانه بالصدق، لأن تصرفات المربي لها إنعكاس مباشر على حياة الطفل، وهنا يصبح العلاج عقيم حيث وجود المرض في نفس المعالج.
هذا ما نراه أهم العوامل التي تساعد على نشوء مرض الكذب عند الأطفال، وهناك عوامل أخرى يمكن للمربين تشخيصها عن طريق ملاحظاتهم اليومية للطفل ومن ثمّ علاجها، وكذلك يمكن إعتبار هذه العوامل أسباب وقائية للحذر من إصابة الجيل بهذا الداء، لأجل أن يشأ صادقاً كما أراد له خالقه.
المصدر: زينب العلوي
نشرت فى 3 مايو 2011
بواسطة alenshasy
هدى علي الانشاصي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
10,387,062
ساحة النقاش