قصة قابيل
كونها تتعرض لشخصية مكابرة تعسة حزينة سقط فى الامتحان , وارتكب الخطيئة عامدا متعمدا كانت السبب في تحويل حياته من السعادة إلي الشقاء بالخسران الكبير والندم العظيم .
يرجع خطأ قابيل بدافع أخلاقه الفاسدة المشبعة بالحقد والحسد والغيرة والغيظ والنقص والعناد ، ولسلوكه المنحرف من جراء الطمع والجشع والأنانية ، وإلي ثقته الزائدة فى قدراته الذاتية بالإصرار والتوكيد على ما يريد – لأقتلنك - دون رجوع لأى سبب من الأسباب ، رغم وجود التنبيه والإعلام والإخبار والتعريف تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين . وتلك توضح سماته الشخصية كنموذج لطبيعة الشر من فساد الأخلاق من العناد والمكابرة والأنانية والتكبر والغطرسة وضلال القلب وظلام العقل .
رغم أنه ترافقه وتواجهه وتصارعه وتنصحه شخصية أخرى وديعة طيبة أقرب الناس له أخوه هابيل ، نموذج البطولة الخيرة المتواضعة الوديعة المقاومة الممانعة وهو من وقع عليه الفعل , الناجح فى الابتلاء ، مع أنه كان قادرا على الفعل ورد الأذى والضرر عن نفسه ، ومع ذلك لم يفعل ، مما استوجب علينا احترامه وإكباره والخوف والإشفاق والمؤازرة له , مما يتهدد حياته من مخاطر وفواجع ورعب وقلق على يد أخيه أقرب الناس له ، مما تثير كل أحاسيسنا وتستنهض كل خوفنا إلى ذروتها ، وتستجيش وتستنفر كل مشاعرنا الإنسانية ، وهو يتمسك بإصرار وصبر وعزم لا يلين على النجاح فى الاختبار الثانى مستعدا أن يضحى بنفسه ويفجعها على ألا يعصى الله ، ولم يقابل الشر بالشر ولم يرد الأذى بالأذى ، ولم يقاوم إلا بالتي هى أحسن حيث قدّم النُصح والإرشاد والتوضيح لأخيه عن عاقبة ما سيناله من عقاب سيوجبه الله ويحكم به عليه .
عرف قابيل ما يعرفه من شرع الله وما ذكره ونصحه به أخوه من حسن خلقه وخوفه من الله ، ومع ذلك لم يرتدع ولم ينتصح ولم يتراجع ولم يتعظ ولم يخف من عقاب الله وحكمه ، وقام بإصرار ونية كاملة بإتمام الفعل وقتل وارتكب الخطيئة ، ولو لم يكن كامل الوعي تام النية والقصد لكانت زلة أوجب الله على نفسه أن يغفرها له ، ولكنه فعلها بقصد ونية قتل عامدا متعمدا فحزنا على أخيه الذى وقع عليه الفعل – هابيل - الطيب المؤمن التقى المسالم الناصح , وبكينا من أجله وما آل إليه مصيره المؤلم التعس الذي لا يستحقه . بينما استحق قابيل العقاب بأن كشف الله له جهله وأرسل له من به يعرف أنه جاهل خاسر ساقط فى الاختبار للمرة الثانية ، بدوافعه الخبيثة الفاسدة المسيطرة عليه التى هى أسباب مأساته الحقيقية لا سواها , التى دفعته لارتكاب الخطيئة التى ارتكبها متجاهلا حقيقة توابع الجريمة ومردودها عليه ، التي تحول حياته من السعادة إلي الشقاء ، فيستبين جهله ويجر أذيال الخسارة وينهار من الندم ويرفل فى الحسرة ويغرق فى الدموع ، معلنا أنه خسر وأنه نادم وأنه ليس أمامه من باب غير التوبة إلى الله عساه أن يتقبلها منه , وهو يبكى لا يهمه كرامته ولا مكانته ولا ما حققه ولا ما كان يهدف إليه أو أى شيء آخر وتكون تلك النهاية التى لا يجب أن تعطى أى إشارة له - ولا لنا - تريحه أو تطمئنه من أن الله قبل توبته . لماذا دخل قابيل فى صراع مع القوة العليا – الله - يحمله تحدى حكمها وعناده وغروره وحسده وغيرته وطمعه ؟!
عندما ابتلاه بعدم قبول قربانه فعاند القوة العليا التى تقبلت من هابيل وحكمت له بالنجاح فى الابتلاء ، بينما حكمت له أنه سقط فيه , فقرر أن يقتل أخاه حسدا وغيرة وعنادا فى القوة العليا التى يعرف أنه ليس بمقدوره التفوق عليها ، ولكنه ظن أن بمقدوره التفوق على إرادتها فيما يتجلى أمامه ، وذلك بعصيانها والإتيان بعكس إرادتها فقتل أخاه ، ولكنه لم يستطع التواصل بنجاح كما كان يظن ، للدرجة التى توقف فيها عن الفعل لعدم معرفته ماذا يفعل بما أوقع نفسه فيه من اختيار وعناد ، احتار فى كيفية التصرف فى جسده وظل على حاله أمدا بعيدا ، حتى شعر بالانهزام الداخلي والقهر النفسى من نفسه قبل أن تهزمه القوة العليا أو توضح له عجزه وتواضعه وخسارته ، التى تتعطف عليه وتكشف له انهزامه لتسخر منه وتبين له خسارته وجهله وعدم كمال علمه وقصور معرفته ، فأرسلت له بما هو دونه بمراحل حيوان لا يعقل لكى يعلمه ما لم يعرفه هو ولم يتوصل إليه بعقله المفضل به عمن سيعلمه ، وقبل رغم تكبره أن يتعلم ، ولما تعلم وعرف شعر بالخسارة ، ومن ثم ندم وتغلب عليه حزن شديد وتحولت حياته من السعادة إلى الشقاء ، من بعد عصيان بسبب جهله ، وظلم بسبب عدم كمال علمه ، وجحود بسبب غروره وصلفه , وحماقة بسبب تسرعه ، وتكبر بسبب طمعه ، يرزح فى الحزن والمعاناة والآلام حتى النهاية . وما من طريق أمامه غير اعترافه بخسارته وندمه وحزنه والتوبة والتذلل لله فيتوب ويتذلل ، وهو منكسر الكرامة كارها للسلطة والمال والولد ، يبتغى رضى الله وحده أن يقبل توبته ، وتكون النهاية التى لا تحسم أقبل الله توبته أم لا ، وهذا مدعاة لنا لأن نخاف أن نخطئ كما أخطأ ونجنى كما يجنى , مما يلهمنا العلاج النفسى الذى يتحقق من خلال الحرص واليقظة والحيطة والحذر.
ساحة النقاش