العدد8 لسنة 2016

( الكرسي .... والعمامة )

الكاتب القاص /عصام سعد حامد مصر أسيوط ديروط

 

لم أشترك حتى اللآن , لم يتبق على إفتتاح المعرض . سوى يومين فقط .
الأفكار والصور والتخيلات التى تراودني بدت لي تقليدية , كفنان حقيقى . أمقت التقليد مقتاً بلا حدود . بحثت , فكرت , تخيلت , تأملت , عصفت بذهني عصفاً . لأبتدع فكرة تحقق لي عنصر الإبتكار , لأترجمها بريشتي . أنا رسام بارع بلا شك ، نابغه بلا جدال ، عبقريتي جعلتني وحيداً منعزلاً عن المجتمع ., لندرة الإبداع الإبتكاري . كدت أصرخ من داخلي : ( أريد أن أحقق ذاتي) . ولأهدئ من روع نفسي . أغمضت عيني , أسلمت ذهني للهدوء . الذى قادني إلى غفوة من النعاس , تراءى لي فى لحظات نعاسي ـ أشعة الشمس متسللة من شباك مرسمي , الأشعة تتماوج على بعضها , يتشكل منها اسمي باللغة العربية . تارة بخط الرقعة , تارة بخط النسخ , تارة بالخط الكوفى .... بنفس هذه الأشعة تشكلت حروف اسمي باللغة الإنجليزية والفرنسية ثم الإيطالية والألمانية فالأسبانية .... وغيرها من اللغات
اختفت هذه التشكيلات وتحولت الأشعة لأمواج شمسية . تطفو عليها عمامة يصدر منها ضوءاً ذهبياً , أرى هذه العمامة على رأسي وأنا جالس على كرسي . يشبه أحد الكراسي التى بحوزتي فى مرسمي .... أفقت من غفوتي . اتجهت إلى الشباك , ناديت على أول شخص وقعت عليه عيناي . شيخاً تعدى السبعين منذ قليل ... استجاب الشيخ لندائي ، صعد للمرسم ، إتجه مباشرة لكرسي بجوار اللوحة البيضاء المعدة للرسم .
قائلاً : ( اتفضل ارسم . حقق ذاتك ) ... كانت هذه العبارة . مفاجئة حالمة واعدة لذهني كفنان ...
تساءلت فى صمت : لماذا اخترت هذا الشيخ بالذات.... ؟ لماذا .... ؟
أجاب الشيخ أيضاً فى صمت : ومن قال إنك إخترتني بإرادتك ؟ كل هذا فى خيالك أنت فقط . ارسم . ارسم ....، انتبه لعمامتي . سوف يكون لها معك شأن أى شأن .
تساءلت فى صمت : يا ترى . من أين جاء هذا الرجل ؟
الشيخ ما زال فى صمته : ارسم ودعك من هذه التهيئات . فأنا لست هنا ولا هناك , لن أكون فى اللوحة . أنا بداخلك وسأظل بداخلك ما حييت .
بقلمي الرصاص , قمت بتخطيط وهيكلة اللوحة ، رسمت الكرسي الذى جلس عليه الشيخ ذو العمامة ، رسمت أيضاًً العمامة . شيء ما جعلني أتجاهل رسم الشيخ نفسه ، اكتملت اللوحة على هذا الوضع ( الكرسي والعمامة فقط ) , كأن العمامة يرتديها شبح غير مرئي , العمامة يصدر منها ضوءاً . لم أقصد كفنان إظهاره ، العمامة بهذا الضوء . تريد أن تقول شيئاً , الكرسي كان يشعر بالحضورداخل اللوحة , كأنه يفرض نفسه , هذا أيضاً . لم أقصده فى وعيي , لكنها أشياء فرضت نفسها على العمل الفني كيفما أتفق . لا وعى الفنان الذى بداخلى أوحى بها لريشتي ، أوحت بها الريشه لكل من ينظر إلى هذه التحفه الإبداعية ، انتهيت من إبداعي كما تمنيت , استراحت سريرتي واطمئن قلبي ، كان لهذه الراحة والطمأنينة ما يبررها , كان بداخلي ثمة شيء ما يثقل عليّ ، أخرجته فى هذه التحفة الفنية الرائعة , التى أبدعتها فى غفلة من وعيي ، أسرعت إلى مقر المعرض ، سلمت اللوحة ....
فى اليوم التالي . ذهبت لأرى الأعمال التى شاركت ..... , لم أر أى عمل سوى رائعتي الفنية ! الحضور مكدسين أمام معجزتي . يقومون بالتعليق والنقاش والتصوير والشد والجذب حول هذه اللوحة . لوحة ( الكرسي والعمامة ) .......
من لحظتها , أعيش فى الضوء الأبيض بكافة مكوناته . لأننى وجدت نفسي , أعلنت عن ذاتي .
إنتهت ،،
الكاتب القاص /عصام سعد حامد مصر أسيوط ديروط

المصدر: البيت الثقافي العراقي التونسي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 127 مشاهدة
نشرت فى 16 سبتمبر 2016 بواسطة albashiq
albashiq
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

25,707