العدد 3 لسنة 2016

متى نحتفل بالمرأة .....!

بقلم : محمد قرافلي

 

تمثل النزعة الاحتفالية سمة مشتركة بين أفراد الجنس البشري غم اختلاف أجناسهم وتباين ثقافاتهم وحضاراتهم، إذ تلازم مظاهر الاحتفال كل انجازات الإنسان وتطبع مساره وصيرورته ولا نجد جماعة بشرية تشكل استثناءا عن هذه القاعدة، إلى درجة يمكن القول أن الاحتفال غريزة وان الإنسان كائن احتفالي بطبعه.
كما أن رمزية الاحتفال تلف الإنسان من أخمص قدميه إلى رأسه ، وتلازمه من المهد إلى اللحد وتستمر من ورائه. لعل السر في ذلك يرجع إلى أهمية الاحتفال، وما يحدثه من شرخ في مجرى السيولة الزمنية ، وتغيير في بعض التمثلات والمفاهيم ، وما يواكبه من كيفيات الانهمام والاهتمام بالذات ، وكذا ما يقدمه من وظائف، تتجسد في تطهير وتنشيط فعالية الإنسان ، و إعادة لحم للذاكرة الجماعية، وتجديدا لحركية التاريخ واغناء لصيرورته. فلا غرابة أن تمايزت الشعوب والمجتمعات في أشكال احتفالاتها وفي كيفيات إحيائها لذاكرتها وتباينت في طرق الاحتفاء بها.
الحال أن غريزة الاحتفال في فترتنا الراهنة قطعت أطوارا وتقلبت أحوالا إلى درجة يصعب مقارنتها ومقايستها بما سبقها، لأنها ابتدعت ما لانهاية من أشكال الاحتفال واتسعت دائرتها من حيث احتوائها وتجاوزها لمختلف أشكال الاحتفال السابقة. إذ عملت على نسخها ومسخها ووأد البعض منها وتجديد البعض الآخر.
لعل أهم ما يميز عصرنا هو تداخل وتقاطع أشكال الاحتفال بين مختلف الشعوب في ظل الانقلابات والتحولات الاجتماعية والسياسية التي أفرزت طرقا جديدة في الاحتفال بمختلف القضايا التي ترتبط بالإنسان بهمومه وقضاياه وانجازاته.
حيث أصبحنا نسمع باليوم العالمي للشغل واليوم العالمي للطفل واليوم العالمي للتدخين واليوم العالمي لمختلف الأمراض والأوبئة كاليوم العالمي للسكر ولأمراض الكلي وللسيدا......... التي تهدد البشرية في عصر العلم المظفر، وأياما للاحتفال بالمشاعر كعيد الحب .....ومنها ما يرتبط بالبيئة كاليوم العالمي للأرض واليوم العالمي للمحافظة على البيئة وهلم جرا قد تطول القائمة ولا نستطيع جرد الأيام العالمية .
يمكننا أن نتصور وفق تلك السيمفونية تناسلا للأيام العالمية فلا نندهش إذا شاهدنا مستقبلا لكل حيوان يومه العالمي كاليوم العالمي للحمار وللكلب وللسلحفاة.....
ويصبح لكل عنصر من الكائنات يومه العالمي....! لكل بحر يومه ولأنواع أسماكه يوم خاص بكل نوع، للدلفين وللقرش، وللسردين الذي اخذ ينقرض من المياه المغربية ويحتاج إلى وقفة والى أكثر من يوم لأنه يهدد انقراضه حياة المغاربة بالانقراض...!
كما يمكن أن نتصور لكل فرع معرفي يومه المعرفي كاليوم العالمي للفلسفة واليوم العالمي للطب واليوم العالمي لتسامح الحضارات.....!
ليس الغرض من الجرد التنقيص أو السخرية من المشهد وإنما عرضه في شموليته حتى تتضح الصورة ، وبالتالي لن نتيه وسط الأيام العالمية ، وعوض الاحتفاء والاحتفال بكل الأيام والتي قد لا تسعف 365 يوما على استيفائها، عليناان نقلص اللائحة حتى يمكن التحكم فيها وعقلنتها ونتمكمن من الاقتصاد في الجهد والزمن والتفكير، وتبويبها وتشجيرها بحسب الجنس والنوع .
كأن نقتصر على اليوم العالمي للحيوان، كلبا او قطا كان، او سمكة ، واليوم العالمي للإنسان طفلا أو راشدا، أنثى أو ذكرا، مراهقا شابا او شيخا كهلا، يهوديا أو يسوعيا مؤمنا أو ملحدا مدخنا أم سكيرا معافى أم عليلا....
يمكننا أيضا تجميع العلوم في سلة واحدة ما دامت بدأت تتزاوج مع بعضها وقد يؤدي ذلك إلى تناقحها بدل تشتيتها.....
كذلك الأمر بالنسبة لخطاب الحقوق وسياساتها....وعندئذ تتحقق لرؤيتنا العقلانية وتنتزع المشروعية وتتماشى مع خطاب الكونية الذي تجتره مختلف المنابر وتطفح به خطابات العولمة.
هكذا ننأى بأنفسنا وبغيرنا عن التلبيس والاستهتار وتمييع المشهد...!
على ماذا يؤشر المشهد الاحتفالي بالمرأة ؟ ماهي رهاناته ؟ألا يمثل الاحتفال باليوم العالمي بالمرأة جزءا من المشهد العام أم يشكل استثناء ويعبر عن نقلة نوعية وانقلابا جذريا في أطرنا المفاهيمية وفي نظرة الإنسان لذاته ونظرته للمرأة ولعلاقته بالأخر ؟ هل ثمة خطاب واحد حول المرأة يستحضر ويأخذ بعين الاعتبار مختلف شروط وأحوال المرأة أينما كانت أم انه خطاب متمركز وفئوي ينبع من خلفيات ويعبر عن إرادات وقوى تنزع نحو التسلط والهيمنة؟ ثم من يستفيد من هذا الخطاب؟ وهل هو خطاب واحد أم خطابات متعددة؟
حتى لا نتيه وسط شبكة وحقول المواقف والخطابات المتعددة حول إلزامية وضرورة الاحتفال بالمرأة وتصوراتهم لأشكال الاحتفال، فانه يمكن التمييز بين تصورين جديدين قديمين يمثل كل واحد منهما رد فعل على الآخر.
خطاب يعتبر القضية مصيرية بغض النظر عن الخلفيات والشروط التاريخية لهذا الخطاب .إذ يراهن على ضرورة النهوض بعملية انتربولوجية وفكرية قصد تغيير مختلف الصور النمطية التي ترسخت في المخيال الفردي والاجتماعي عبر العصور .
على اعتبار أن تلك الصور السلبية حول المرأة قد انغرست في المنظومة القيمية والرمزية في عقلية الإنسان العربية وتم إضفاء عليها القداسة. كما تحولت إلى قوالب تابثة، منها يستلهم العربي مبادئه وتمثلاته ومفاهيمه في نظرته للمرأة وفي كيفية تعامله ومعها والغاية من وجودها.
إذ تستبطن تلك التمثلات مفهوما تشييئيا للمرأة جاعلا منها مصدرا لإفراغ الليبيدو وللإشباع النزوي ،أو تحويلها إلى تحفة وديكورا للتباهي والتفاخر ، وموضوعا وخشبة مسرح لعرض بطولات فارغة وغزو أراضي جديدة.
لذلك نحتاج إلى انتربولوجية تاريخية لتعرية الركامات واستنطاق المسكوت عنه في قبائل العرب وصحاريها ، كما نحتاج إلى انتربولوجية لليومي وللراهن من اجل معاينة مختلف التمثلات وكيف تصرف في البيت وفي الشارع وفي المدرسة وفي السوق وفي العمل وفي أسرار السرير وفي النكت والمقاهي .......!
كما يستند هذا الخطاب إلى جهد سياسي ونضالي تجلى مع مختلف الحركات السياسية التحررية التقدمية التي حققت انجازات لا يمكن إغفالها في فترات ما بعد الاستقلال وخلال الستينات والسبعينات والتي لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها.
محاولات توخت التأصيل فكريا لمفهوم المرأة من خلال الحفر في مختلف التراكمات التي استوطنت المخيال العربي حول المرأةوتفكيك الثالوث المحرم الذي تقوم عليه. لأجل فضح النزعة الذكورية التي تحكم التاريخ العربي والسلطة التي تغلغلت في بنية المجتمعات العربية في الحكم والسياسة وفي الدين وفي التربية والتعليم وفي البيت وهي سلطة أبوية تكرس علاقة الشيخ بالمريد وعلاقة الجلاد بالضحية، مع محاولة التأسيس لها قانونيا وسياسيا ونقابيا والنضال من اجل تفعيلها.
لعل هذا الواقع المأزوم للمرأة والانجاز الذي تم تحقيقه نسبيا يضفي على اليوم العالمي للمرأة مصداقيته بالنسبة للعالم العربي بحكم أن واقع التازيم لا يزال قائما من جهة وكذا تراجع الاهتمام بأهمية القضية وتراجع الجهد الذي تمت الإشارة إليه سلفا تنظير ا وتأصيلا وتأسيسا وممارسة مما يجعل راهنية هذا الخطاب تبدو ملحة.
أما الخطاب الثاني الذي يمكن اعتباره بمثابة خطاب مضاد للأول الذي قد يدفع الى مزيد من الاهتمام بالمرأة ، يتمثل في مستواه الأول فيما هو خاص ومحلي ، يكمن في الحراك الذي نجم عن " الربيع العربي " وما أحدثه من خلخلة لبنية الأنظمة الاستبدادية القائمة وما كشف عنه من تفككات وأزمات هيكلية من بينها واقع الاستبداد والإقصاء والتهميش الذي ليس حكرا على المرأة إنما يشمل الرجل والمرأة معا ويختلف من حيث الدرجة فقط، كما تمخض عن هذا الحراك عنصر ا لا يقل خطورة يتمثل في صعود التيارات ذات التوجه الديني والتي لا يزال خطابها حول المرأة يتصف بالانغلاقية والالتباس والانتهازية.

اضف الى إلى ذلك ان ذلك الخطاب المضاد، ليس فقط للمرأة بل لكل ما هو إنساني ، قد تحول إلى ظاهرة كونية بحكم المآل والمنعطف الأخير الذي اتخذته الصور النمطية للمرأة في ظل عولمة قيم التسليع ومنطق الاستهلاك .
لذلك يسعى ذلك الخطاب ليس فق الى تكريس تلك الصور النمطية للمرأة بل تحول إلى صناعة تسهر عليها مؤسسات وشركات عابرة للقارات، نوظف فيها مختلف الوسائل التقنية والفكرية وتنجز مخططاتها عقول جبارة وبرامج رقمية جد متطورة.
يكمن خلف توظيف صور المرأة المسلعة وتجريدها من مقوماتها عاملان:
أولا دافع تحصيل المال والربح بأية وسيلة وبأية طريقة لذلك تشكل الصور النمطية للمرأة سلاحا فتاكا يخاطب المخيال والوجدان ويخترق الأعماق . وتتم العملية بكيفية محسوبة ومدروسة مدعمة بما استجد من تقنيات السينما والإخراج ومن فن صناعة النجوم وملكات الجمال ومن إثارة وإغواء وماركوتينغ المعاملة والمفاوضة وجذب الزبون.........وبالفعل قد تم النجاح في ذلك ويكفي تصفح القنوات ومعاينة الأيقونات والتحف المرمرية للمذيعات وللاشهارات وللأشكال المعروضة في عالم الماركوتينغ. ناهيك عن الصور التي يعج بها العالم الرقمي ، أو من خلال المسلسلات،
أما العامل الثاني ويرتبط بالأول ارتباطا وثيقا حيث توظف فيه " المرأة " توظيفا سياسيا في مختلف المنابر السياسية والإعلامية . مادام الفعل السياسي قد تم إفراغه من روحه النضالية والقيمية وتحول الى إلى سوق للحشد والتنميط فإن المرأة قد استحالت الى رقم في قائمة السياسي اللاهت خلف تلميع الصورة . ........
لكن بالرغم من قتامة المشهد الذي يسعى الخطاب المضاد أن يأسر فيه صورة المرأة فإن لحركة التاريخ منطق آخر قد يشذ عن كل الحسابات التي يراهن عليها ذلك الخطاب. فالسلطة التي يزعم الإمساك بها تتعرض في كل لحظة لأشكال من الهدم والتفكك يمس كل جيوب ومخابئ تلك السلطة القهرية . إذ أن من يستقرئ واقع المرأة اليوم يلمس التحول العميق والنقلة النوعية في مكانة المرأة وأدوارها على مستوى الحراك الاجتماعي والسياسي ، والشواهد على ذلك لاتعد ولا تحصى ، سواء من حيث فعلها النضالي في الربيع العربي او على مستوى انجازاتها الأدبية والفنية والفكرية . أضف إلى أن مغالطة التمويه التي دأب الخطاب المضاد على الترويج لها بوصف المرأة بالجهل والدونية وبأقدح النعوت قد انفضحت لعبته للقاصي والداني ، وبأن لعبة خلط الأدوار بين الجلاد والضحية، بين الجاني والبرئ لم تعد تخدع أحدا ....!
يتبين إذن أن الاحتفال بالمرأة مطالب قبل كل شئ أن يثور على نزعته الاحتفالية وان يجعل تلك الاحتفالية مناسبة للمكاشفة والبوح اولا، ثم لحظة للمساءلة والحفر في شروط امكان تلك الخطابات التي تتناسل حول الراهن اليومي . ومادامت المرأة تتقن فن الاحتفال اكثر من غيرها لندع النساء تحتفلن بعيدهن بسلام !

محمد قرافلي

المصدر: البيت الثقافي العراقي التونسي.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 102 مشاهدة
نشرت فى 17 مارس 2016 بواسطة albashiq
albashiq
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,206