مقدمة
لقد منَّ الله تعالى على أمتنا بأن جعلها أمة وسطا فقال تعالى في أول سورة في القرآن بعد الفاتحة(وكذلك جعلناكم أمة وسطا)
وكرر ذلك فقال(يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم..........)
فنحن أمة وسط بين أمتين أمة قتلت الأنبياء وأمة غالت في الأنبياء وبالغت في حبهم وتقديسهم
أمة وسط بين الذين عاشوا الحياة مادة بلا روح والذين غالوا في الروح وأرادوا أن يعيش الانسان بلا اعتراف بحاجاته ومطالب جسده
وسط بين الذين ألجدوا فنفوا وجود الحق سبحانه وبين الذين اعتقدوا تعدد الآلهة
لماذا ميز الله هذه الأمة ؟
أيها الاخوة ميزها الحق سبحانه لأمور منها:
ـ أنها أمة أمينة على وحي السماء وشاهدة على الرسل وعلى تبيلغهم رسالة الله كما جاء في صحيح البخاري
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ،
فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ.
فَيُقَالُ لأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ؟
فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ،
فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟
فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} فَذَلِكَ قَوْلُهُ .
جَلَّ ذِكْرُهُ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيدًا}،
فنحن أمة أمينة على شهادتها لاتكتمها ولا تتلاعب بها ولاتشتري بشهادتها ثمنا قليلا فهذا نبي الله نوح يحتاج الى شهادة على تبليغه للرسالة فبمن يستشهد نوح عليه السلام؟ يستشهد بمحمد وأمته
ونحن على أي أساسٍ نشهد ؟هل سمعنا نوحا عليه السلام أورأيناه؟ هل عايشنا عصره ؟
كلا .. اننا نشهد ونحن موقنون أنه قد بلغ رغم أننا لم نسمع ولم نر وإنما لأننا مؤمنون بالله مصدقون بقوله سبحانه وقد ذكر لنا سبحانه أن نوحا قد بلغ قومه
ونحن نؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد بلغنا أن نوحا عليه السلام قد بلغ أمته
أما في الدنيا فان الله تعالى جعل القرآن أمينا على وحي السماء فقال تعالى
وأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ 48)
قال ابن كثير رحمه الله :لما ذكر تعالى التوراة التي أنزلها الله على موسى كليمه
ومدحها وأثنى عليها ، وأمر باتباعها حيث كانت سائغة الاتباع ، وذكر الإنجيل ومدحه ، وأمر أهله بإقامته واتباع ما فيه ، كما تقدم بيانه ، شرع تعالى في ذكر القرآن العظيم ، فقال
(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه)
: (ومهيمنا عليه)ومعنى
قال ابن عباس أي : مؤتمنا عليه قال : القرآن أمين على كل كتاب قبله.
فالقرآن أمين على الكتب المتقدمة ، فما وافقه منها فهو حق ، وما خالفه منها فهو باطل .
أي : شهيدا .
أما السبب الثاني فقد أخبر عن القرآن في سورة البقرة فنحن نقرأ فيها جزءا كاملا عن الأمم السابقة وكيف تمردت على أنبيائها واحتالت على أحكام الله وقتلت الأنبياء وعصتهم حتى أنه قال عنهم سبحانه (واذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا"
أما أمتنا أمة أصحاب رسول الله فقد أخبرت السورة في آخرها قولهم حتى تُميِّز بين قول هؤلاء وقول أولئك ولكن هذه الآيات التي مدح الله فيها المؤمنين وميزهم نزلت في مناسبة وموقف وهو أنه لما نزل قول الله تعالى (لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )جاء الصحابة الى النبي فقالو: يارسول الله أمرتنا بالصلاة فصلينا وأمرتنا بالصيام فصمنا أما هذه الآية فلا نطيقها) أي أنهم خشوا ربهم من محاسبتهم على حديث النفس وخواطر القلب التي قد لايستطيع الانسان دفعها وذلك لأنهم صادقون مع انفسهم ومع الله ولا يعرفون التحايل على الدين وأحكامه ولا الدوران حول الأحكام لذا ثقلت عليم هذه الآية ولو نزلت على غيرهم ربما ما استثقلوها لأنهم يحسنون التحايل والتملص من أحكام الله
فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ؟
قال أتريدون أن تقولوا كما قالت بنو اسرائيل لموسى سمعنا وعصينا؟ قولوا "سمعنا وأطعنا" فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى مدحهم والثناء عليهم (آمن الرسول بما أنزل اليه والمؤمنون كل آمن بالله.........) الآية ثم خفف فنسخ حكم الآية (وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) فقال (لايكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما أكتسبت .....) الآية وقال النبي صلى الله عليهوسلم (ان الله عفا عن أمتى ما حدثت بها أنفسها ما لم تعمل)
إذا أيها الاخوة الأمة الاسلامية أمة سمعنا وأطعنا وليست أمة سمعنا وعصينا
السبب الثالث الذي ميز هذه الأمة هو أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر ودعوتها لرسالة الاسلام وتحملها لأمانة نشر هذا الدين بين الناس والدفاع عنه قال تعالى(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم )
فخيرية هذه الأمة مرتبطة ومعلقة على أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر فان هي تمسكت بذلك ورفعت راية الاسلام وتشرفت بذلك ونشرت الدين وجاهدت في سبيله رفعها الله وكان لها من الخيرية بقدر ما تتحمل من ذلك وإن هي تخلت وتركت وتقاعست أصابها ما أصابها من ضعف وهوان وذل واستضعاف كما هو الآن
الخطبة الثانية
أسئلة مهمة
يتفق الناس جميعا على مقدمة السؤال وهو أن أحوال أمتنا لاتسر مسلما نعم لايختلف أحد في ذلك لأنه واقع
ولكن ما السبب في ذلك؟
هل هو التمسك بالدين أم ترك التمسك به؟
ان البعض يريدون أن يوهموا شباب المسلمين بأن التمسك بالدين هو سبب التخلف والسؤال أين هو التمسك بالدين حتى نحكم عليه؟
عندما نطبق شريعة الله ويتخلق المسلمون بأحكام الاسلام وينتهي الربا وينضبط الاعلام بأوامر الله عندها نحكم على النتائج
الثاني : الدين ثوابت ومتغيرات
وقد نص الاسلام على الثوابت وجعلها نصوصا لا اجتهاد معها ومثال ذلك ما ورد فيه عدد ملزم مثل عدد ركعات الصلاة وعدد أيام الصيام شهر فهذه لااجتهاد فيها فالصلاة هي الصلاة في عصر الفضاء كما في عصر الإبل والخيول
وكذلك المواريث فقد وردت بالأعداد نصف وربع وثمن فهذا ماهو مجال الاجتهاد فيها؟
أما ما يمكن الاجتهاد فيها فهو ما لم يحدده الشرع مثل قوله تعالى "فامسحوا برؤسكم" الرأس هنا كل الرأس أم بعضه يمكن أن يكفي؟ هنا اجتهاد العلماء لأنهم ورثةاانبياء وشرط هؤلاء أن يكونوا متخصصين مجتهدين يملكون الأدوات العلمية التي يتمكنون بها من الاجتهاد وليس كل أحد يمكنه أن يجتهد ويفتي بغير علم
فمالذي يمكن أن يتغير من فتاوى من زمان لزمان وما الذي لايصح بل يستحيل أن يغير أحد كائنا من كان ومهما أوتي علما أوسلطانا البعض يريد أن يتخذ من هذا المتفق عليه ذريعة لتغير الثوابت
أيها الاخوة الكرام
حصنوا أبناءكم بشيئين
الإيمان الواثق بالله تعالى
والثاني الفهم السليم للاسلام والواقع أيضا فمن لم يفهم الواقع ويقدر حجم الحرب التي تعيشها الأمة وشراستها لايمكنه ان يفهم ما يدور جوله من أحداث وبالتالي قد يضر الاسلام ولاينفعه
اننا نحن الآباء والمعلمين لم يعد بمقدورنا أن نحجر على ابنائنا ونحجب عنهم الواقع في العالهذا الوقع على مدار الساعة ويتأثرون بذلك فالصحيح أن نسلحهم بالعلم والفهم
دعاء
.
ساحة النقاش