وسط عالم من الضوضاء وتزاحم الناس وتسابقهم على الحياة، يتمتع الشاب عبد اللطيف أبو هين بمنحة الهدوء والسكون وُلدت معه من محنة الصمم، التي شكلت منذ صغره سرا لنجاحه وتألقه بين الناس.
ودفع حب الزَّخارف والنقوش والقُدرة على الابتكار التي كان يتمتَّع بها أبو هين (27 عامًا) به لخوض مهنة النجارة منذ صغره، وكانت بداياته وتتلمذه على يد أصم آخر في إحدى جمعيات الصم بقطاع غزة، ليكون بعد 12 عامًا قائدًا متألقًا لمجموعة صُم في افتتاح معرض لقطع أثاث فخمة.
وافتُتح معرض المستقبل للمنتجات اليدوية، والذي تنفذه جمعية الصم الكبار بغزة، بتمويل من لجنة الأعمال الخيرية في جمعية الإصلاح بالبحرين.
سرّ النَّجاح
وبلغة الإشارة، ينقل أبو هين لـ"صفا" مسيرة نجاحه، قائلا: "كنت منذ صغري أحب الزخارف والنقوش، ولهذا خضت مهنة النجارة ورأيتها مناسبة لي، وكان تعلمي على يد محترف للمهنة، التقيت به في إحدى جمعيات الصم".
ويُتابع "بدأت بتنفيذ الأعمال البسيطة في مجال النجارة وصنع الأشكال الصغيرة، لكني لم أبق هكذا، وتطورت على وجه السرعة، لأن ما في ذهني من أفكار وأشكال كان أكبر وأروع مما كنت أعده من مصنوعات خشبية تواكب احتياجات وأذواق الناس".
وبثقة، عبر الشاب أبو هين عن نظرته لنفسه وللناس من حوله كونه أصم، قائلا: "كوني أصم فهذه ميزة عن غيري من الناس، وهي سر نجاحي عكس ما يفترض أن يقال، لأني لا اسمع أحدا، وبالتالي لا أتأثر بأي ضجيج من حولي يمكن أن يشتت تركيزي".
ويضيف "هذا ما جعلني أبتكر في خيالي صورا للأشكال التي قمت بحفرها على الخشب، وهو نفس السبب الذي جعلني أتقن عملي وأتفنن في الأثاث الذي أصنعه بشكل ممتاز".
آمال في الأفق
وشمل معرض المستقبل مصنوعات أثاث منزلي كبيرة، من مكاتب وكراسي وابجورات وبراويز وزينات حائط للمنازل والأماكن العامة، وجميعها مزينة بأشكال محفورة وزخارف وتطريزات، بعمل يدوي من جهد أبو هين و3 من أقرانه.
ويستشف عبد اللطيف الأشكال التي يقوم بتطبيقها على المصنوعات الأثاثية، من خلال أفكاره أو عبر الإنترنت، حيث يستعين به ليطَّلع على أحدث الأشكال والمناظر الزخرفية الجديدة ليواكب بذلك العصر وأذواق الناس.
ولا تتوقف طموحات الأصم المبدع عند افتتاح المعرض، فلديه تطلعات وآمال كبيرة، عبر عنها بقوله: "لدي أفكار كثيرة لأشياء كبيرة وأضخم يمكن أن نقوم بصناعتها، وتتضمن أشكال منقوشة ومحفورة بشكل أكثر روعة تصلح لمكاتب رسمية فخمة وغرف نوم وما إلى ذلك، ولهذا سأستمر وسأطور عملي وفق رؤيتي أنا".
إشادة وتطوير
ولاقت المعروضات الأثاثية داخل المعرض إعجابا وانبهارا كبيرين لدى الزوار من المسئولين، من وزراء ونواب ومواطنين، والذين وصفوها بأنها عالم من الإبداع والتألق أكثر من كونه أثاث فخم.
وقال وزير الشئون الاجتماعية أحمد الكرد: "المعرض رائع إلى حد كبير للغاية، ففي كل شكل وقطعة إبداع فعلا، خاصة وأنها من صنع أناس صم، قد لا يستطيع الأصحاء صنع ما صنعوا".
وأشاد بدور الجمعية واحتضانها لإبداعات الصم، واعدا بدعم مثل هذا المشروع لإعطاء فرصة للشباب الأصم بشكل خاص لأن يكونوا بناةً داخل المجتمع.
من جانبه، قال مدير جمعية الصم الكبار أدهم عيد في حديث لـ"صفا": "إن فكرة مشروع المعرض بدأت منذ عام، وتنفيذ المصنوعات استغرق ثلاث سنوات ونصف، وهي من جهد 3 أشخاص صم يقودهم الشاب عبد اللطيف، وبإشراف من مسئول القسم المهني بالجمعية".
وأوضح أنَّ عبد اللطيف وأحد الشباب الصم مبدعيْن في عالم الكمبيوتر والإنترنت، ولهذا يستغلانه في الحصول على نماذج زخرفية من الإنترنت ودبلجتها لخدمة المهنة وتنفيذها بالحفر على المصنوعات الأثاثيَّة.
وأكَّد على أنّ الجمعية تسعى لتطوير المشروع والمنجرة الخاصة بها لتخدم مجموعات أخرى من الصُمّ في الجانب التَّدريبي والتشغيلي، من خلال تطوير القسم المهني في الجمعيَّة.
نقلاً عن وكالة صفا الاخبارية
ساحة النقاش