إشكاليّة مفهوم الشعر في ظلّ الحداثة
بقلم : علاء الأديب
لقد صار حتميا علينا أن نعيد النظر اليوم بمفهوم الشعر في ظلّ الحداثة التي دخلت على جميع مفاصل الحياة ومظاهرها والأدب من ضمنها.
على أن تكون تلك الحتميّة موضوعيّة منطقيّة تعتمد الأسس المقنعة والدلالات الشاهدة الراسخة التي لاتترك لأحد مجالا للخلاف أو الإختلاف .ولا تسمح للمتزمتين بالبقاء على تزمتهم .
ولهذا علينا أولا أن ندخل الى مفهوم الشعر أولا من الجانب اللغويّ لهذا المصطلح..
ولو عدنا لأصل كلمة الشعر فهي كلمة متأتّية من الشعور أو المشاعر (انظر ماورد في معجم تاج العروس):
معنى شعر في لسان العرب شَعَرَ به وشَعُرَ يَشْعُر شِعْراً وشَعْراً وشِعْرَةً ومَشْعُورَةً وشُعُوراً وشُعُورَةً وشِعْرَى ومَشْعُوراءَ ومَشْعُوراً الأَخيرة عن اللحياني كله عَلِمَ وحكى اللحياني عن الكسائي ما شَعَرْتُ بِمَشْعُورِه حتى جاءه فلان وحكي عن الكسائي أَيضاً أَشْعُرُ فلاناً ما عَمِلَهُ وأَشْعُرُ لفلانٍ ما عمله وما شَعَرْتُ فلاناً ما عمله قال وهو كلام العرب ولَيْتَ شِعْرِي أَي ليت علمي أَو ليتني علمت وليتَ شِعري من ذلك أَي ليتني شَعَرْتُ.
إذن فتعريف الشعر على أنّه الكلام الموزون المقفى ذو المعنى لايمكن أن يكون التعريف الحقيقي له فالكثير من الموزن المقفى ذي المعنى لايمكن أن يكون شعرا لفقدانه الشاعريّة المتأتية منها كلمة الشعر بحسب المعنى لغويّا.
فلايمكن اعتبار ألفيّة ابن مالك مثلا من الشعر رغم انها موزنة مقفاة لكنّها من الكلام المنظوم لأغراض تعليميّة و يمكن اعتبارها نظما فقط .
كلامنا لفظٌ مفيد كاستقم واسم وفعل ثم حرفٌ الكلم
واحده كلمــةٌ و القول عم و كلمــــة بها كلام قد يؤم
بالجــر والتنوين و النــــدا وأل ومسند للاسم تمييزٌ حصل
إضافة الى إنّ هذا التعريف للشعر قد اعتمد في زمن لم تظهر فيه معالم الحداثة وكان من الأجدر أن يعاد النظر فيه بعد ظهور حركة التجديد الأولى المتمثلة بظهور شعر التفعيلة .
فليس من العدل أن يكون مصطلح الشعر منضويا تحت راية العمود الخليلي مع اعترافنا بشعر التفعيلة .فأما أن نلتزم به وننكر اعترافنا بشعر التفعيلة وأما أن نطلق المعنى من أسره.
أما بخصوص الشعر الحرّ الذي أطلق على شعر التفعيلة فلا يمكن أن يكون حرّا ولايمكن أن تطلق عليه هذه التسمية .
حيث لايمكن أن نقول حرّا على من تخلص من قيود اليد وأبقى قيود الأقدام.
فرواد حركة شعر التفعيلة قاموا بالتخلص شطري العمود الخليلية لكنهم ابقوا على الإلتزام بالتفعيلة على الرغم من انهم كسروها او جزؤوها احيانا .
لهذا فإنّهم لم يطلقوا لحريتهم العنان للتخلص من كلّ مايتعلق بآثار الموروث.
قد يكون ذلك لأسباب تتعلق بما جابهته حركتهم من رفض ومن تصد ّ لها في وقتها أو ربّما لأنّهم ما أرادوا أن تكون الحداثة مفاجئة قدر ما أرادودوها أن تكون على شكل جرعات يمكن أن يتقبلها الناس .
لذا فإن المصطلح الأصلح للشعر الحرّ هو (شعر التفعيلية) بعيدا عن كلمة حرّ.
وإذا كان هنك من هو حرّي بمصطلح الشعر الحرّ فهو (الشعر المنثور) لأن اصحاب مدرسة الشعر المنثور هم الذين اخذوا على عاتقهم فعلا أن يحققوا الحريّة الكاملة بالتخلص من كلّ الآثار الخليليّة التي كان بعضا ليس يسيرا منها عالقا بشعر التفعيلة كالتفعيلة والقافية احيانا .لكنّ اصحاب مدرسة الشعر المنثور قد حمّلوا انفسهم أكثر مما تحمّله رواد العمود والتفعيلة من مسؤولية ثمنا لهذه الحريّة . حيث انّهم قد حمّلوا انفسهم خلق جميع الجماليات والصفات التي تخرج بنصوصهم من اطار النثر المتعارف عليه الى اطار الشعر المنثور.(الإيقاعات الداخلية - التكثيف -جمالية الصورة - الخ).
وربّ قائل يقول كيف لك ان تطلق على قصيدة النثر بالشعر المنثور مع انّ الشعر شيء والنثر شيء .
وهنا أذكر من يسأل هذا السؤال بأننا لم نعد نركن لتعريف الشعر بأنه كل كلام موزون ومقفى وله معنى كما اسلفنا في بداية مقالنا . بل على المعنى الحقيقي للشعر والذي استنبطنا منه مفهومنا الجديد له على ضوء الحداثة ومتطلباتها وهو:
(الشعر : تجسيد لغويّ مموسق جزيل المعاني قويم البيان مقروء أو مسموع يعبّر عن مشاعر الشاعر أو مايتقمصه لضرورة ما . يتميّز عن غيره من النصوص بشاعريتة وجمالية صوره الشعريّة وموسيقاه .
وليس الشعر كما قال السالفون بأنّه كلّ كلام موزون ومقفى .فليس كلّ كلام موزون ومقفى يمكن ان يكون شعرا).
ويشترك كل من العمود والتفعيلة والحرّ بمشترك واحد فقد هو شاعريّة النص.
فإذا فقد النص في أيّ نوع من هذه الأنواع شاعريته خرج عن مفهوم الشعر.
والله يحبّ المحسنين.
علاء الأديب
تونس - نابل
27-11-2016