الصلاة على الميت فرض كفاية إذا قام بها بعض المسلمين سقط عن بقيتهم
لأمره r فى أحاديث كثيرة بالصلاة على الميت من موتى المسلمين.
كما فى الحديث الذى رواه مالك فى الموطأ وأبو داود والنسائى وغيرهم بسند صحيح ، من حديث زيد بن خالد الجهنى – رضى الله عنه – أن رجلاً من أصحاب النبى r توفى يوم خبير، فذكروا ذلك لرسول الله r فقال : " صلوا على صاحبكم ".
الشاهد : أنه لم يصل هو r على الجنازة لأن الصلاة على الجنازة فرض كفاية، إن قام بها البعض سقط عن بقيتهم قال r " صلوا على صاحبكم " إلى آخر الحديث، فتغيرت وجوه الناس لذلك – يعنى : لماذا ترك النبى r الصلاة عليه ؟ - فقال r " إن صاحبكم غل فى سبيل الله " - أى أكل حراما أخذ غلولاً – قال تعالى : {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةَِ} (161) آل عمران نسأل الله أن يرزقنا الحلال الطيب، وأن يبارك لنا فيه، وأن يباعد بيننا وبين الحرام كما باعد بين المشرق والمغرب قال : ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوى درهمين (1) فسماه النبى r غلولاً.
يستثنى من ذلك شخصان ، لا تجب الصلاة عليهما ، ولكن يجوز الصلاة عليهما ، فالأمر ليس على سبيل الوجوب ، وإنما على سبيل الندب والاستحباب من هما ؟
الطفل ، والشهيد ، لا تجب الصلاة على الطفل، الذى لم يبلغ لكن يجوز ، ولا تجب على الشهيد لكن تجوز؛ لأن النبى لما مات ولده إبراهيم لم يصل عليه كما فى الحديث عن عائشة – رضى الله عنها قالت : مات إبراهيم ابن النبى rوهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصل عليه رسول الله r (1)
الحديث رواه أبو داود ، وأحمد بسند حسن كما قال الحافظ ابن حجر فى الفتح ، وصححه شيخنا الألبانى – رحمه الله – لكن ثبت فى أحاديث أخرى جواز الصلاة على الطفل ، فالأمر ليس للوجوب.
والشهيد ؛ لأن النبى r لم يصلى على شهداء أحد ، وقد ذكرت بعض الأحاديث السابقة فى المسألة.
لكن يجوز الصلاة على الطفل والشهيد والدليل على ذلك :
أما بالنسبة للطفل ففى الحديث الذى رواه أبو داود والنسائى وغيرهما بسند صحيح، أن النبى r قال : " والطفل – وفى رواية : " والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة " (2)
وعن عائشة – رضى الله عنها – أن رسول الله r أتى بصبى من صبيان الأنصار، فصلى عليه النبى r فقالت عائشة : طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءاً ولم يدركه – أى لم يدركه سن التكليف – فقال r : " أو غير ذلك يا عائشة " ثم قال r " يا عائشة إن الله تعالى قد خلق الجنة، وخلق لها أهلها، وخلقهم فى أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وخلقهم فى أصلاب آباءهم " (1)
اللهم اجعلنا من أهل السعادة ولا تجعلنا من أهل الشقاوة يا أرحم الراحمين . مسائل مقدرة ، شئت أم أبيت { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}(7) الشورى مرتبة من مراتب أربع من مراتب الإيمان بالقدر سأفصل الحديث فيها إن شاء الله فى موضوع آخر فلا بد أن تؤمن بأن الله خلق الجنة وخلق النار وهما موجودتان الآن بالفعل ، هذا معتقد النبى r وأصحابه ومعتقد سلف الأمة، خلق الله الجنة والنار وخلق الجنة وجعلها داراً للنعيم لأوليائه ، وخلق النار وجعلها دار للكفار والأشقياء والمجرمين ، وخلق لكل واحدة منهما أهلا لها وهم فى أصلاب آبائهم يعرفهم جل جلاله ، وقد خلق الله أول ما خلق القلم ، وقال : " اكتب قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة(2) روى مسلم فى صحيحه أنه r قال : " إن الله كتب مقادير الخلائق عنده قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة "(3)
وفى الصحيحين من حديث أنس أن النبى r قال : " إن الله تعالى قد وكل بالرحم ملكا فيقول الملك – أى رب نطفة أى رب علقة أى رب مضغة أى رب أذكر أم أنثى أى رب أشقيا أم سعيد " (1) قال المصطفى r : " فيكتب الملك ويقضى ربك ما شاء ".هناك فى بطن أمه قبل أن يخلق شقى أم سعيد ، فالله علم ما كان وما هو كائن وما سيكون {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(49) القمر جلستك الآن بقدر ، وجلستى الآن بقدر ، ومكانك الذى جلست فيه فى المسجد بقدر ، وكل شئ فى الكون بقدر، بل ولا تسقط ورقة من شجرة فى الأرض إلا بقدر.
" يا عائشة خلق الله الجنة وخلق لها أهلها وخلقهم فى أصلاب آبائهم " سيأتى واحد يسأل كما سأل بعض الصحابة رسول الله r : ففيم العمل إذا ؟! فقال r " اعملوا فكل ميسر لما خل له " (2)
ثم القدر يحتج به فى المصائب، ولا يحتج به فى المعائب. هذا من نفيس كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لا تزن وتقول : قدر ، لا تسرق ، وتقول : قدر، لكن إن وقعت بك مصيبة فقل : قدر الله وما شاء فعل ، ولا تقل : لو كان كذا لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل ، وسأفصل الحديث فى القدر إن شاء الله.
الصلاة على السقط :
الظاهر أن السقط إنما يصلى عليه إذا كان قد نفخ فيه الروح، وذلك إذا استكمل أربعة أشهر بنص حديث ابن مسعود – رضى الله عنه – فى الصحيحين : " إذا استكمل الجنين أربعة أشهر وسقط، يصلى عليه ويسمى ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة "
وأصل ذلك حديث اين مسعود فى الصحيحين كما ذكرت.
اشترط بعض أهل العلم، أن يسقط السقط حيا لا ميتا ، واحتجوا على ذلك بحديث، لكنه ضعيف، لا يصبح ألا وهو " إذا استهل السقط – أى نزل إلى الأرض صارخاً أو باكياً – صلى عليه وورث " (1) إن كان له ، لكن الحديث ضعيف كما ذكرت
أيضا الشهيد يجوز أن يصلى عليه لكن ليس عل سبيل الوجوب فعن شدد بن الهاد أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبى r آمن بالنبى r واتبعه ثم قال : أهاجر معك يا رسول الله r فلبثوا قليلاً ثم نهضوا فى قتال العدو فأتى بهذا الرجل يحمل ، وقد أصابه سهم، ثم كفنه النبى r فى جبته ثم قدمه فصلى عليه مع أنه قد سقط شهيداً ، وقد ذكرت حديثه بالتفصيل، ذلك الرجل الذى قسم له النبى r شيئاً من الغنائم فقال : ما على هذا، إنما اتبعك على أن أرمى ها هنا بسهم فأقتل فقالr : " إن صدق الله يصدقه " قال : فلبثوا قليلاً ثم نهضوا فى قتال العدو فأتى به ألى النبى r محمولاً فلما رآه النبى r – وجد أن سهماً قد أصابه فى الموضع الذى أشار إليه فقال r : " أهو هو " قالوا : نعم هو يا رسول الله قال : " صدق الله فصدقه " ثم كفنه النبى r فى جبة له، ثم قدمه فصلى عليه(2) هذا يدل على جواز الصلاة على الشهيد. كذلك عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله r أمر يوم أحد بحمزة – رضى الله عنه – ثم سجى ببردة، ثم صلى عليه r فكبـر تسع تكبيرات ، وصلاة الجنازة كما هو معلوم، مختلف فى عدد التكبيرات ، لكن ما عليه جمهور أهل العلم الأربع لكن هناك رواية فيها سبع تكبيرات، وفيها تسع تكبيرات، لكن الراجح ما عليه جمهور العلماء.
لكن التسع تكبيرات ثابتة عن النبى r أنه قام فكبر على حمزة فى صلاة الجنازة تسع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى وصلى عليهم وعليه معهم. حديث أخرجه الإمام الطحاوى فى معانى الآثار بسند ورجاله كلهم ثقات معروفون، وابن إسحاق قد صرح بالحديث، والحديث له شواهد كثيرة كما ذكرنا منها قبل ذلك.
عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – قال : إن النبى r مر بحمزة وقد مُثل به ولم يصل على أحد من الشهداء غيره، يعنى من شهداء أحد (1)
والحديث أخرجه أبو داود بسند حسن.
أيضاً تجوز الصلاة على من قتل فى حد من حدود الله هل يجوز أن نصلى عليه؟ نعم .
امرأة زنت ورجمت حتى الموت، هل يجوز أن نصلى عليها ؟ نعم .
هناك رجل أقيم عليه حد الرجم، مثلاً كان زانياً محصنا، فرجم حتى الموت والدليل ما رواه مسلم وأبو داود والنسائى وغيرهم من حديث عمران بن حصين أن امرأة من جهنية أتت النبى r وهى حبلى من الزنى الغامدية فقالت : يا نبى الله أصبت حدا، فأقمه على، فدعا النبى r وليها فقال له : " أحسن إليها فإذا وضعت طفلها فأتني بها " انظر إلى الإسلام الذى اتهموه بأنه متعطش لإقامة الحدود وسفك الدماء.
وفى رواية مسلم : " اذهبى حتى تضعى ولدك " فعادت المرأة حتى ولدت فلما جاءت للنبى r بطفلها فى لفائفه، قال لها النبى r : " ارجعى فأرضعيه حولين كاملين حتى تفطميه " فعادت المرأة فأرضعت طفلها عامين وعادت بولدها وفى يده كسرة خبز – لماذا لم تهرب ؟
لأن هؤلاء تربوا على مراقبة الواحد الوهاب، فهناك فرق بين تربية الناس على مراقبة القانون الوضعى الأعمى، جاءت المرأة بعد سنتين وقالت للنبى r : أقم على الحد. فشدت عليها ثيابها ورجمت حتى ماتت، وبعد ذلك رجع النبى rفصَلَّى بفتح الفاء والصاد، هو الذى صلى عليها r ، ما الدليل على ذلك ؟
الدليل رواية مسلم من حديث عمر يقول للنبى r : يا رسول الله تصلى عليها وقد زنت ؟ فقال r : " يا عمر لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم " . ثم قال r : " وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى " (1)
فبذلك يجوز أن نصلى على من مات فى حد من حدود الله.
أيضاً الصنف الرابع : يجوز أن نصلى على الفاجر العاصى الذى شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ومات وكان فاجراً أو فاسقاً أو عاصياً، كان يكون زانياً، أو مدمناً للخمر، إلى غير ذلك من الفسق؛ فإن هؤلاء يٌصلى عليهم، وهذا ما أجمع عليه المسلمون من لدن المصطفى r إلى يومنا هذا، ما علمنا أن المسلمين قد تركوا الصلاة على فاسق أو عاص، هذا كلام فى غاية الأهمية.
لكن سؤال مهم : هل يجوز للإمام أو الخليفة أو من ينوب عنه، أو للعالم الكبير أن يتأخر عن الصلاة على فاسق معلوم بالفسق؛ ليكون زاجرا لأمثاله؟
الجواب : نعم له أن يتأخر، ولا يجوز له أن يمنع غيره من الصلاة عليه، يجوز له من باب الزجر لغيره، كأن يكون رجلاً له وجاهة وله مكانة، لكن لا يجوز له أن يمنع المسلمين من الصلاة عليه، والدليل فعل النبى r ذلك أكثر من مرة. فعن أبى قتادة قال : كان رسول الله r إذ دعى لجنازة سأل عنها فإن أثنى عليها خيراً قام فصلى عليها، وإن أثنى عليها ذلك قال لأهلها : " أنتم وشأنكم "ولم يصل عليهاr (1).
الحديث رواه أحمد فى مسنده والحاكم فى مستدركه وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين، وأقر الحاكم الذهبىُ والألبانىُ.
وعن جابر بن سمرة قال : مرض رجل فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول الله r فقال : يا رسول الله إن فلاناً قد مات، قال له النبى r " وما يدريك ؟ "قال : أنا رأيته. فقال النبى r " إنه لم يمت " قال : فرجع فصيح عليه، فقالت امرأته : انطلق إلى رسول الله فأخبره فقال الرجل : اللهم العنه. قال : ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشخص، ذبح نفسه فانطلق إلى النبى r فأخبره قال أنه مات وقال : " وما يدريك؟ " قال : رأيته ينحر نفسه بمشخص معه قال : " أنت رأيته ؟ " قال : نعم.
قال : " إذن لا أصلى عليه " (1)
أخرجه بهذا أبو داود بسند صحيح على شرط مسلم كما قال الألبانى، وأخرجه مسلم مختصراً والنسائى والترمذى وابن ماجه والحاكم والبيهقى وغيرهم.
هذا حديث حسن قد اختلف أهل العلم فى هذا فقال بعضهم : يصلى على كل من صلاى للقبلة – يعنى أيا كانت معصيته وكبيرته، وعلى قاتل النفس قال سفيان الثورى وإسحاق وأحمد : يصلى على قاتل النفس، لكن لا يصلى عليه الإمام ويصلى عليه من المسلمين غير الإمام، لماذا ؟ لأن النبى r لم يصل عليه، لكن لم يمنع المسلمين من الصلاة عليه.
وعلمنا – والله أعلم – أن قاتل النفس يصلى عليه من لدن النبى r إلى يومنا هذا، وحسابه على الله إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومن أمتنع من الصلاة على أحدهم – يعنى على القاتل أو الغال: الذى غل وسرق من الغنائم، وعلى المدين زجراً لأمثال عن مثل فعله كان حسنا، ولو امتنع فى الظاهر ودعا فى الباطن؛ ليجمع بين المصلحتين، كان أولى من تفويت إحدى المصلحتين : يعنى امتنع فى الظاهر، ولكن يأتى وهو ساجد بين يدى الله ويقول : اللهم اغفر له، اللهم تجاوز عنه ، والله لو علم كل واحد منا ضعفه ، والله لرحم كل المسلمين.
أنا لست درويشاً أهرف بما لا أعرف بل أعرف كل كلمة، أصحاب القلوب الكبيرة قلما تستجيشها دوافع الغلطة والقسوة والانتقام بل هى إلى الرحمة والعفو والصفح أقرب لأنك بشر، ولست ملكاً ولا نبيأً معصوماً يمكن أن تذل فى نفس المعصية التى تشن بها الحرب على غيرك ليس معنى ذلك أن تحب المعصية التى تشن بها الحرب على غيرك ليس معنى ذلك أن تحب المعصية، حاش لله، لكننا نبغض كل المعاصى نبغض صغيرها وكبيرها لكننا فى الوقت ذاته نرحم إخواننا من المسلمين ممن هم على المعاصى، ونتقرب إليهم برحمة وود؛ لنحذرهم من المعصية ولنحببهم فى الطاعة الطاعة، وإن كنا فى الوقت ذاته نبغض ما هم عليه من المعاصى، فكلنا على المعاصى، نحن لا نريد أن ننظر إلى الناس النظرة القاسية، وأخ على معصية نذبحه لماذا؟ وهل أنت ملاك ؟ من كان بيته من زجاج وجب عليه ألا يرمى إخوانه بالحجارة، كلنا على خطأ وعلى تقصي، كان يؤتى برجل للنبىr ليقام عليه الحد من شرب الخمر، اللفظ فى البخارى : كان كثيراً ما يؤتى به وأخيراً سبه واحد من الصحابة فقال r : " لا تكن عوناً للشيطان على أخيك " لا تسب أخاك " فوالله إنى لأعلم أنه يحب الله ورسوله " (1)
كان النبى r يحمل قلبا يسع أهل الأرض، إننى أرى بعض إخواننا ينظر إلى أهل المعاصى شذرا مذر، كأنه مبراً من كل عيب { كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ } (94) النساء اللهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنا واختم لنا بخاتمة السعاد يا أرحم الراحمين.
كان رجل من السلف قد مر عليه مجموعة من الشباب بطبل وبزمر ومن حوله يقولون له : ادعوا الله عليهم فرفع يديه إلى السماء وقال : اللهم كما فرَّحتهم فى الدنيا فرحهم فى الآخرة.
فقال لهم : اعلموا بأن الله لن يفرحهم فى الآخرة إلا إذا وفقهم فى الدنيا لطاعته وفبضهم على ذلك، وما ضركم فى ذلك من شيء .
فالتواضع هو انكسار القلب لله ، وخفض جناح الذل لخلق الله، أن تكون دائماً خائفاً من الله، لاتغتر بعلم ولا بعبادة ، ولا بطاعة دائماً أنت خائف، وبعد ذلك خفض جناح الذل لخلق الله لا تتكبر لا يملأ قلبك عجب أو غرور ، أو لماذا تغتر ؟ لأنك على علم، من الذى علمك ؟ ولأنك على مال، من الذى أعطاك مالاً ؟ لأنك على صحة، من الذى أعطاها لك؟.
أيضاً عن جابر قال : لما فتح الله على رسول الله r من الغنائم حتى لا يعتقد أحد أن النبى r كان فقيراً إن الله عز وجل قال له : {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} (8) الضحى
النبى r كان غنياً فى كل شيء فى كل جانب من جوانب الغنى، كان فى دينه، كان غنياً فى خُلقه، كان غنياً فى خَلقه، كان غنياً فى جسده، كان غنياً فى ماله، أنسيت أن سائلاً أتى يسأل النبى r الصدقة، فأعطاه غنماً بين جبلين رجل يعطى صدقة قطيعاً من الغنم، فانطلق إلى قومه ليقول لهم : يا قوم إن محمداً يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة : يقول جابر : لما فتح الله على رسول الله r قال : " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك ديناً فعلى قضاؤه "
قال بعض أهل العلم : إن هذه الأحاديث ناسخة للأحاديث الأولى التى تتحدث عن الحبس عن الجنة بسبب الدين – هذه رحمة ، والله تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } (6) الأحزاب
" فمن ترك ديناً فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته " (1) الحديث رواه أبو داود، والنسائى، بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
عن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن رسول الله r كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل : " هل ترك لدينه من قضاء " فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا فلا قال : " صلوا على صاحبكم " فلما فتح الله عليه الفتوح قال : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فى الدنيا والآخرة " اقرءوا إن شئتم قوله تعالى :{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ } فمن توفى وعليه دين فعلى قضاؤه ومن ترك مالاً فهو لورثته " الحديث فى البخارى ومسلم .
إن هذه الأمة خير أمة بفضل الله، ثم بفضل المصطفى r قد يعترض على بعض طلابنا ويقول : يا شيخ أين الخيرية ؟ والأمة فى المعاصى والمصائب ، أعلم هذا جيداً، ومع ذلك أؤكد أن أمة النبى r خير أمة ، إذا أردت أن تقف على الفارق مع ما فى الأمة من ذنوب ومعاصى، فانطلق إلى الشرق الملحد والغرب الكافر لترى أناساً يأكلون كما تأكل البهائم لا يعرفون شيئاً عن الله.
شتان شتان بين الموحد والكافر {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (36) سورة القلمأَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } (28) ص
شتان شتان بين فرعون الذى قال : أنا ربكم الأعلى، وبين موحد يقول كل يوم : سبحان ربى الأعلى حتى ولو كان على المعاصى، حتى ولو كان على الذنوب لا ينبغى أبداً أن نسوى بين الكافر ، والموحد، بين المشرك والمؤمن أبداً{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } (48) النساء{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الزمر {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (65،66) الزمر الشرك ذنب ، ولو كان كبيراً يغفر الله إن شاء {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) الزمر اللهم اغفر لنا جميع الذنوب.
الثالث من تجوز الصلاة عليه : من دفن ولم يصل عليه يجوز لمن لم يصل عليه أن يصلى عليه.
ففى الحديث الذى رواه البخارى وابن ماجه ومسلم واللفظ لابن ماجه من حديث ابن عباس – رضى الله عنه – قال : مات رجل ماجه وكان رسول الله r يعوده يعنى : يزوره فدفنوه بالليل، فلما أصبح أعلموه يعنى أخبروا النبى rأن فلانا قد مات فقال الظلمة r : " ما منعكم أن تعلمونى " قالوا : كان الليل وكانت الظلمة، فكرهنا أن نشق عليك يا رسول الله، فأتى النبى r قبره فأمنا خلفه، وصلى عليه (1)
قال ابن عباس وأنا فيهم، وكبر النبى r أربعا.
وعن أبى هريرة – رضى الله عنه : أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد – أى تنظف مسجد رسول الله r – فماتت – يعنى كان النبى r دائم السؤال عنها – فلما لم يرها افتقدها – فسأل عنها بعد أيام – فقيل له : إنها ماتت. فقال : "هلا كنتم آذنتمونى؟"
قالوا : ماتت من الليل ودفنت، فكرهنا أن نوقظك . قال أبو هريرة : فكأنهم صغروا أمرها، فقال r" دلونى على قبرها " فدلوه فأتى قبرها فصلى عليها ثم قال : قال ثابت أحد رواه الحديث قال r : " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتى عليهم" (1)
الحديث أخرجه البخارى ومسلم وأبو داود وابن ماجه والبيهقى وأحمد من طريق ثابت البنانى عن أبى رافع عنه أى عن ثابت.
بالنسبة للزيادة الأخيرة : رجح الحافظ ابن حجر تبعاً للبيهقى : أنها مدرجة فى الحديث، وأنها من مراسيل ثابت وخالف الحافظَ والبيهقى ابن التركمانى فذهب إلى أن الزيادة مسندة من رواية أبى رافع عن أبى هريرة لأنه كذلك فى صحيح مسلم، لكن قول ثابت هذا يؤيد ما ذهب إليه الأولان، ويقويه – أن الحديث ورد من رواية ابن عباس أيضاً، وليس فيه هذه الزيادة كما أخرجه الإمام الطبرانى فى المعجم الكبير قال الشيخ الألبانى – رحمه الله : نعم ثبتت هذه الزيادة أو معناها مسندة فى حديث آخر وهو : عن يزيد بن ثابت وكان أكبر من زيد قال : خرجنا مع النبى r ذات يوم، فلما ورد البقيع، فإذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقالوا : فلانة قال : فعرفها النبى r ثم قال : " ألا آذنتموننى بها "فقالوا : ماتت ظهراً، وكنت قائلاً – أى فى وقت القيلولة- صائماً، فكرهنا أن نؤذيك قال r : " فلا تفعلوا لأعرفن " ثم قال " ماتت منكم ميتاً ما كنت بين أظهركم إلا آذنتمونى به فإن صلاتى عليه رحمة "
" ثم أتى النبى r القبر فصفنا خلفه فكبر أربعا r (1)
الحديث أخرجه النسائى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه، والسياق لابن ماجه وسنده عند الجميع صحيح على شرط مسلم كما قال الشيخ الألبانى.
أيضاً : يصلى على من مات فى بلد ليس فيها أحد من المسلمين، ولم يصل عليه كالنجاشى - رحمه الله تعالى – فهذا يصلى عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب.
ففى الحديث عن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى r نعى للناس النجاشى، صاحب الحبشة فى اليوم الذى مات فيه، والرسول فى المدينة، فقام النبىr فى المسجد فنعى للمسلمين النجاشى فى اليوم الذى مات فيه فقال r : " إن أخاكم قد مات ".
وفى رواية " مات اليوم عبد لله صالح بغير أرضكم فقوموت فصلوا عليه " قالو : ومن هو يا رسول الله ؟ قال " النجاشى " ثم قال : " استغفروا لأخيكم " قال : فخرج بهم إلى المصلى.
وفى رواية : إلى البقيع ثم تقدم فصفوا خلفه صفين، قال فصفنا خلفه كما يصف على الميت، وصلينا عليه كما يصلى على الميت قال : وما تحسب الجنازة إلا موضوة بين يديه r قال : فأمنا وصلى عليه وكبر : عليه أربع تكبيرات (1)
الحديث رواه البخارى ومسلم واللفظ لمسلم ورواه أحمد والنسائى والبيهقى وأبو داود وغيرهم.
وفى لفظ أحمد قال r حديث جرير بن عبد الله الطبرى :
" إن أخاكم النجاشى قد مات فاستغفروا له " (2)
قال ابن القيم فى زاد المعاد : ولم يكن من هدية وسنته r الصلاة على كل ميت غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين فلم يصل عليهم، أى فى غير بلاد المسلمين وصح عنه من أنه صلى على النجاشى صلاته على الميت، فاختلف فى ذلك على ثلاثة طرق.
الأول : أن هذا تشريع وسنة للأمة، الصلاة على كل غائب، وهذا قول الشافعى وأحمد.
والثانى : قال أبو حنيفة ومالك : هذا خاص به r وليس لغيره.
القول الثالث : قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه صلى عليه صلاة الغائب، صلى النبى r على النجاشى؛ حيث مات بين الكفار، ولم يصل عليه أحد، وإن صلى عليه، حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب؛ لأن الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبى r صلى على الغائب وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له موضع واله أعلم والأقوال ثلاثة فى مذهب أحمد وأصحها هذا التفصيل (1)
مسألة فى غاية النفاسة لأن المسألة تحدث خلافاً فى كل مرة يموت فيها عالم من علماء المسلمين، نرى خلافاً بين الإخوة بسبب الصلاة ، وعدم الصلاة، منهم يبدع من يصلى ، ومنهم من يبدع من لا يصلى، وهكذا هذا هو القول الذى يجمع بين الأقوال كلها فى هذه المسألة.
لا يجوز للمسلمين أن يصلوا أو يستغفروا للمشركين والكفار والمنافقين.
الصلاة على الكافرين، والمشركين، والمنافقين، والاستغفار لهم محرم فى الإسلام؛ لقول الله تعالى لنبيهr : {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } (84) التوبة
سبب نزول هذه الآية : أن عبد الله بن أبى بن سلول، وهو رأس النفاق فى المدينة.
والمراد بالنفاق هنا : نفاق الاعتقاد، ومعناه : أن يبطن الإنسان الكفر وأن يظهر الإسلام،وصاحبه يكفر بهذا النفاق كفراً أكبر يخرج به من الملة.
أما نفاق العمل فقد حدد النبى r أصوله فى خمسة أصول:
" إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان " (1)
وهذه رواية أبى هريرة فى الصحيح، وفى رواية عبد الله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنه : " وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر (2)
هذه هى أصول نفاق العمل، من توفرت فيه هذه الخصال الخمس كان منافقاً خالصاً، وليعاذ بالله ويخشى عليه عند موته أن يختم له بسوء الخاتمة.
أما نفاق الاعتقاد : فهو نفاق أكبر، وكفر أصغر ، وهو أن يعتقد الإنسان الكفر، وأن يبطنه وأن يظهر الإسلام.
فسبب نزول هذه الآية : {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ }
أنها نزلت فى عبد الله بن أبى بن سلول، وهو رأس النفاق فى المدينة.
ففى الحديث الذى رواه البخارى والنسائى والترمذى وأحمد وغيرهم : لما مات عبد الله بن أبى بن سلول، دعى له رسول الله r ليصلى عليه.
وأعلم يقيناً أنكم تذكرون جيداً ما فعله عبد الله بن أبى بن سلول مع رسول
الله r ، فهو الذى قال للرسول r يوماً : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وهو الذى قال لرسول الله r ، أو فى حق رسول الله r يوماً : سمن كلبك يأكلك ، وهو الذى قال فى حق رسول الله r يوماً : لقد غَبَّر علينا ابن أبى كبشة، وهو الذى خطط لقتل النبى r.
رجل سافرُ فى عدائه لرسول الله r ، ومع ذلك لما مات دعى رسول
الله r ليصلى عليه، فقام عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – فأخذ بثوب
النبى r ، يقول : فقمت فأخذت النبى r من ثوبه وقلت : يا رسول الله أتصلى على عدو الله، وقد قال يوم كذا كذا وكذا، وظل يعدد عمر للنبى r أقوال رأس النفاق، وهم فى المسجد والجنازة موجودة، أو خارج المسجد على تفصيل سأبينه، وعمر يناقش
النبى r فقال عمر : أعدد عليه قوله، أى ما قاله رأس النفاق، أليس قد نهاك الله أن تصلى على المنافقين فقال تعالى : {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } (80) التوبة
فتبسم رسول الله r وقال : " أخر عنى ياعمر " يقول عمر : فلما أكثرت عليه قال :" ياعمر إنى خيرت فأخترت فقد قال الله لى"{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } ثم قال r :"والله لو أعلم أنى إن زدت على السبعين لغفر له لزدت عليه ".
قمة الرحمة من رسول الله r ، لو أتيت بأبلغ أهل الأرض من العلماء والأدباء؛ ليجسدوا رحمة النبى r فى هذه اللحظة برأس النفاق، ما ستطاعوا ، أصل الإنسان بشر، الطبيعة البشرية حينما تؤذى وتؤذى لا تتحمل، يمكن أن تؤذى من رجل ممن يعرفونك مرة تصبر مرة أخرى تصبر، لكن يستمر الإيذاء، ومع ذلك تصبر، مرة أخرى تصبر مرة أخرى، لكن يستمر الإيذاء، ومع ذلك تصبر، وتنسى الإيذاء، هذا خلق لا يرتقى إليه إلا المصطفى r ، هذا هو مقام النبى r.
يمكن أن أتحمل مرة أو اثنين أو ثلاثة وحتما سأرد الأذى، ولردت الأذى فلست آثماً، بل هذا أمر مشروع جائز، لكن أنظر إلى النبى r يقول لعمر : " يا عمر أخر عنى لو أعلم أنى إن زدت على السبعين مرة فغفر له لزدت عليها ".
قال عمر : إنه منافق ؟ !! قال عمر : فصلى عليه رسول الله r ، وصلينا معه، ومشى معه، فقام على قبره، حتى فرغ منه – يعنى صلى على الجنازة، ومشى مع الجنازة، ومشى ووقف على القبر إلى أن دفن، وفرغ من دفنه – ثم انصرف، فلم يمكث
النبى r إلا يسيراً حتى نزل عليه جبريل يقول الله تعالى : {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } (1) قال عمر : بعد أن نزلت هذه الآية والنبى r يقرأها أريدك أن تتخيل فرحة عمر ، وسعادة عمر؛ لأن عمر ملهم، ومحدث ومسدد وموفق.
لقد نزل القرآن موافقاً أكثر من مرة رأى عمر آيات نزلت بنفس الكلمات التى قالها عمر، بالحرف عجيب.
جلس يوماً مع رسول الله r فى الكعبة فقال : يا رسول الله أتخذ من مقام إبراهيم مصلى ؟ قال r : " لم أؤمر بذلك يا عمر " فلم يخرج النبى r من مجله ولم يقم حتى نزل عليه قول الله تعالى : { وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}(2)(125) البقرة.
ومن بين هذه المواطن : حجب نساءك يا رسول الله، فنزلت آية الحجاب، ورأيه فى أسرى بدر.
لما سمع هذه الآية يقول عمر قال : فعجبت بعد من جرأتى على رسول
الله r يومئذ ، والله ورسوله أعلم، الحديث أخرجه البخارى، والنسائى ، والترمذى، وأحمد ، ومسلم.
أود أن أنقل كلاماً نفيسا للحافظ ابن حجر فى فتح البارى (1) يقول : إنما جزم عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – أنه منافق جريا على ما كان يطلع عليه من أحواله، وإنما لم يأخذ النبى r بقوله وصلى عليه إجراءً له على ظاهر حكم الإسلام واستصحاباً لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول الذى تحققت صلاحيته، ومصلحة الاستئلاف لقومه ودفع المفسدة.
وكان النبى r فى أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح، ثم أمر بقتال المشركين فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الإسلام، ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف، وعدم التنفير عنه ولذلك قال : " لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه " فلما حصل الفتح ودخل المشركون فى الإسلام وقل أهل الكفر وذلوا، أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم الحق، ولا سيما وقد كان ذلك قبل نزول النهى الصريح عن الصلاة على المنافقين وغير ذلك مما أمر فيه بمجاهرتهم.
بهذا التقرير يندفع الإشكال عما وقع فى هذه القصة بحمد الله تعالى.
عن المسيب بن حزن – رضى الله عنه – قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله r وهو على فراش الموت فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبى أمية فقال رسول الله r : " يا عم إنك أعزم الناس على حقا ، وأحسنهم عندى يدا، ولأنت أعظم على حقا من والدى فقل : لا إله إلا الله ، كلمة أحاج بها عند الله " فقال أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! والراجح أن عبد الله بن أبى أمية قد مات على الإسلام.
فلم يزل رسول الله r يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب، وهو آخر ما تكلم به قال : بل هو على ملى عبد المطلب، وأبى أن يقول : لاإل
ساحة النقاش