تقرير د/ ايمان الشربينى 

في علاقاتنا العاطفية نهتم بمن نحب ونريده دائما أن يكون بخير وأن يكون سعيدا، والأهم أن يكون معنا وحدنا، وهنا تبدأ الغيرة تكشر عن أنيابها لترتعد العلاقة أمامها، لكن قد يتحول ذلك الوحش إلى شيء إيجابي يزيد من قوة العلاقات العاطفية، اقرأ معي السطور التالية لتعرف كيف يمكن ذلك.

 عاطفة الغيرة مؤلمة بحق، ويكره معظمنا الاعتراف بالشعور بالغيرة على الإطلاق، فأن تكون غيورا يعني أن تعترف بأن شريك حياتك قد ينجذب لشخص آخر، وأنه أو أنها قد تتصرف وفقا لذاك الشعور، وأنك قد تكون عاجزا عن منع ذلك.

 الوعي يمكن أن يؤدي إلى مزيج من المشاعر السيئة التي ينكر وجودها الكثير من الناس، مثل الغضب، وانعدام الثقة، والشك بالذات، والحرج. تقول إستر بيريل (الأخصائية النفسية والمؤلفة) بأن هذه ثقافة لا تتسامح مع المشاعر، فغالبية الناس لا يتحدثون عن الغيرة، لأن الشعور نفسه يشبه المحرمات. وتضيف بيريل: "إنه أمر مؤسف، لأنه في حين قد تكون الغيرة خطيرة في أشكالها المتطرفة، فالشعور ذاته طبيعي تماما، فهو شعور إنساني عالمي، وهو واحد من عديد من المشاعر التي تعد جزءا من تجربة متعددة الطبقات من الحب"، حتى إنه يمكن أن يكون في الواقع حافزا لتحسين العلاقات إذا كان بإمكاننا أن نتعلم الإنصات له فيمكننا تحسين حياتنا الرومانسية والجنسية -وإنقاذ بعض الأطباق-.

 إن أفعالا مثل وضع ذراعك حول شريك في حفلة، ومصادقة زميل لطيف في العمل، هي أفعال تعبر عن الغيرة، وتُدعى سلوكيات الاحتفاظ بالشريك

  عادة  ما تعرف الغيرة  بأنها رد فعل عاطفي للشعور بتهديد لعلاقة المرء من منافس رومانسي حقيقي أو متوهَّم، وهي تختلف عن الحسد في أنها تنطوي دائما على طرف ثالث، وتقول إيريكا سلوتر (أستاذ علم النفس في جامعة فيلانوفا): الحسد يعني "أريد ما تملك"، أما الغيرة فهي "أملك شيئا أعتقد أنك تريده، وأعتقد أنك تسعى للحصول عليه". 

يقول ديفيد بوس (أستاذ علم النفس في جامعة تكساس في أوستن ومؤلف كتاب "العاطفة الخطرة") "إن أحد أسباب كون الاعتراف بالغيرة مؤلما هي أن ذلك يمكن أن يشير إلى اختلال توازن القوى في العلاقة"، وهي إشارة إلى أن شريك حياتك له اليد العليا في العلاقة أو أنك تشعر بالتهديد بشكل عام أو خائف من أن يتركك شريكك، لذلك يحاول الناس عمدا قمع التعبير عن الغيرة. ويضيف: غالبا ما تكون الغيرة في أسوأ أشكالها مدمرة للغاية، فهي الدافع الأول لجرائم قتل الشركاء الرومانسيين، لا سيما الزوجات والزوجات السابقات، كما يمكن أن تجعل الناس يحاولون السيطرة على شركائهم بطرق غير صحية، مثل مراقبة أماكن وجودهم باستمرار، وقطعهم عن أصدقائهم وأسرهم، أو محاولة تقويض تقديرهم للذات وإقناعهم ألّا أحد آخر سيقبلهم. 

 
ولكن مع ذلك فإن للغيرة غرضا، حيث يرى علماء النفس التطوريون أنها آلية تساعد الناس على التخلص من "صيد الشركاء"، يقول إدوارد ليماي (أستاذ علم النفس في جامعة ميريلاند): "عندما يوجد تهديد في العلاقة ويصبح الناس غيورين فإن الغيرة تحفزهم على الانخراط في سلوكيات تتداخل مع ذهاب الشريك بعيدا". أفعال مثل وضع ذراعك حول شريك في حفلة ومصادقة زميل لطيف في العمل، وتُدعى هذه الأفعال سلوكيات الاحتفاظ بالشريك، وتشير دراسة حديثة لكل من ليماي وأنجيلا نيل (أستاذ علم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية، لانكستر) إلى أن مثل هذه الإيماءات يمكن أن تكون فعالة جدا في إرجاع الشركاء مرة أخرى في دائرة العلاقة.

في الدراسة، احتفظ الأزواج بمذكرات يومية يسجلون فيها إذا كانوا قد شعروا بإغراء وانجذاب لشريك رومانسي أو جنسي آخر محتمل، وما إذا كانوا يعتقدون أن شريكهم قد شعر بإغراء ومدى شعورهم بالالتزام نحو علاقتهم الأصلية، ووجد الباحثون أن المشاركين اكتشفوا إغراءات شركائهم بدقة تامة، تقول نيل: "لا تتوقع أن تستمر في التحديق بالناس ولا يلاحظ شريك حياتك أنك تفعل ذلك".

 

 

وليس من المستغرب أن الفريق قد وجد أن الناس كانوا أكثر عرضة للقيام "بحراسة ومراقبة شريكهم" في أيام كانوا يعتقدون أن عيون شركائهم كانت تتجول بعيدا، لكنهم وجدوا أيضا أن المشاركين سجلوا مستويات أعلى "للالتزام" بالعلاقة بعد أن اتخذ شريكهم سلوك "حراستهم". وتؤمن النتائج التي توصلت إليها نيل بأن الغيرة يمكن أن تنفع العلاقة العاطفية كثيرا، وتقول: "كثيرا ما يمكن أن يكون لها آثار سيئة، ولكن في بعض النواحي تعد الغيرة أمرا إيجابيا، فإذا خلت علاقتك من الغيرة قد يكون ذلك مؤشرا على أن شريك حياتك لا يهتم بك كثيرا".

نعم، قد يكون من المزعج أن يسترق شريك حياتك النظر على الهاتف الخاص بك لمعرفة من كنت تراسل، ولكن ذلك يمكن أيضا أن يكون مطمئنا، بل أنه حتى قد يكون مثيرا أن تعرف أنه يشعر بالقلق عليك -خاصة إذا كانت علاقتك جديدة نسبيا-، وقد يجبرك ذلك على وضع الهاتف جانبا وإخباره كم يبدو وسيما أو إخبارها كم تبدو جميلة.

 

نداء إنذارتضمنت دراسة نيل وليماي في الغالب الأزواج الأصغر سنا في علاقات جديدة، وهي الحالات التي يكون حدوث الغيرة فيها هو الأكثر احتمالا، تلك المرحلة التي يتقصى فيها شركاء العلاقة مستويات التزامهم لها، بينما تميل الغيرة في العلاقات طويلة الأمد إلى الموت مع مرور الوقت، ولكن عندما تنشب نيرانها فمن الحكمة لأي زوجين أن ينظرا إليها على أنها نداء إنذار، وأنها ليست حريقا بل ومضة.

تقول ميشيل شينكمان (معالجة نفسية متخصصة في العلاقات في مدينة نيويورك): "ينبه هذا النداء إلى أن شيئا ما ليس طبيعيا، فقد يكون الزوجان معا لسنوات عديدة عندما يحدث فجأة شيء يحتاج إلى عناية واهتمام"، وتشير شينكمان إلى أن الأزواج في العلاقة القديمة يمكنهم أن يمشوا نياما في علاقتهم، كأن يصبح الجنس روتينيا في حياتهم أو ألا يمارسوا الجنس على الإطلاق، ثم ذات يوم قد تبدأ الزوجة العمل مع مدرب شخصي، أو يتصادق الزوج مع أم مطلقة أثناء إحضار ابنه من المدرسة، فيذكر شركاؤهم فجأة: "آخرون قد يظنون أن شريكي جذاب، أعتقد أن شريكي جذاب أيضا، ومن الأفضل لي أن أبدأ في إظهار ذلك"، ومن المثير للاهتمام جدا كم من الناس لا يولي اهتماما بشريكهم حتى يأتي شخص آخر.

إنذار أحمر! إنذار أحمر! رغم أن الأبحاث تشير إلى أن الرجال والنساء يختبرون الغيرة بمعدل كثافة متساوية تقريبا يقول بوس هناك اختلافات مهمة، فغيرة الذكور يمكن أن تكون أكثر خطورة بكثير، ففي البلدان الغربية نسبة 50 إلى 70%من النساء البالغات اللاتي يقتلن يكون موتهم على يد الزوج أو الصديق الحميم أو صديق سابق، في حين أن 3% فقط من الرجال الذين قتلوا ماتوا على يد شريكتهم أو شريكتهم السابقة.

يميل النساء والرجال كذلك إلى الشعور بالاستفزاز من أمور مختلفة، فبالنسبة للرجال فإن احتمال الخيانة البدنية عادة ما يكون أكثر إزعاجا، في حين أن النساء أكثر عرضة للانزعاج من الخيانة العاطفية. ويعزو علماء النفس التطوريون ذلك إلى نقاط عدم الأمان المعينة في العلاقة التي يواجهها الرجال والنساء، فالرجال قلقون أكثر حول الخيانة الجنسية لأنها قد تؤدي إلى توفير الرعاية والموارد لأطفال ليسوا لهم، في حين أن النساء في صالحهم ضمان إخلاص الشريك عاطفيا بما يكفي للبقاء والمساعدة على تربية أطفالهم.

ويشدد بوس على أن هذه أمور عامة ويقول: "بعض الناس يقولون إن النساء لا تهتم بالخيانة الجنسية، والرجال لا يهتمون بالخيانة العاطفية، وذلك أمر غير حقيقي، إذ أن كلا الجنسين يشعران بالضيق الشديد من كلا الشكلين، ولكن الرجال يميلون إلى التركيز بشكل أكبر على الجوانب الجنسية والنساء على الجوانب العاطفية".
 الوصول إلى توازن

يمكن أن تكون الغيرة في العلاقة قوة كهربائية إما منتجة أو مدمرة، وللاستفادة من الإشارات المضمنة في هذا الشعور تقول شينكمان إنه من المهم وضع بعض الحدود، لا تهم ماهيتها تفصيلا ما دام الطرفان مرتاحان لها، وتضيف: "أريد أن أساعد الزوجين على إيجاد توازن بين الأمان والحرية والالتزام والاستقلال"

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 78 مشاهدة
نشرت فى 25 فبراير 2024 بواسطة akherkalam

موقع اخر كلام

akherkalam
موقع اخر كلام صحافة حرة والخبر فور حدوثة رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير :محمد الصبروت /ت 01225288308-01004211282 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

263,996