تقرير / هويدا اسماعيل 

الحب من طرف واحد شكل من العلاقات العاطفية التي يكن فيها طرفٌ مشاعر حب أو إعجاب نحو شخص آخر قد لا يبادله هذه المشاعر، أو لا يرغب فيها.
“الفراق هو كل ما نحتاج أن نعرفه عن الجحيم”.. هكذا تقول الشاعرة الأمريكية إيميلي ديكنسون، متحدثة عن واحدة من أقسى خبراتنا العاطفية والإنسانية: الحب غير المتبادل، أو الحب من طرفٍ واحد.
نمر في حياتنا بالعديد من التجارب الرومانسية، وتشهد علاقاتنا الغرامية مشكلاتٍ مختلفة، بعضها قد يكون محزناً ومحطماً، لكن لا شيء يقارن بقصص الحب غير المقدر لها أن تبدأ، أو تكتمل، لأن أحد الطرفين لا يدري بمشاعر الآخر، وربما لا يعي وجوده على الإطلاق.
 
ليس للحب سيناريو محدد، قد نمضي في الحياة بشكل عادي، ثم نلتقي بشخص نشعر نحوه بالانجذاب الفوري العميق، أو تتطور مشاعرنا ببطء نحو صديق، نفتح أعيننا على وجوده فجأة ونراه بشكل مختلف، ويخفق القلب.
إذا كنا محظوظين فقد يكن لنا الشعور نفسه، لكن.. لا تسير الأمور بنعومة دائماً.
الحب من طرف واحد، أو الحب غير المتبادل، شكل من العلاقات العاطفية التي يكن فيها طرفٌ مشاعر حب أو إعجاب نحو شخص آخر قد لا يبادله هذه المشاعر، أو لا يرغب فيها، أو لا يدري بوجودها.
تتنوع أشكال الحب غير المتبادل، فمنها الوقوع في حب شخص لا يعرف بمشاعرنا، أو شخص يعرف بمشاعرنا لكنه لا يبادلنا إياها، أو شخص غير متوافر عاطفياً (مرتبط/ة أو متزوج/ة)، أو له توجه جنسي مختلف (مثلي/ة)، ويعتبر عدم تخطينا الشريك العاطفي السابق بعد الانفصال نوعاً آخر من الحب غير المتبادل.
يتسبب هذا النوع من الهوى في ألم عميق قد يستغرق وقتاً طويلاً حتى يمكن تجاوزه. في كتابها “لماذا نحب؟ طبيعةُ الحب وكيمياؤه”، تقول الباحثة الأنثروبولوجية الأمريكية، هيلين فيشر، إن الحب يحفز إفراز الدوبامين -هرمون السعادة- في الدماغ، ويعتبر الدوبامين جزءاً من نظام المكافأة الذي يتبعه المخ لإثابتنا بعد إنجاز مميز، وهكذا فإن مجرد الوقوع في الحب يمنحنا الشعور بالسرور والتحقق.
عندما ندرك أن الشريك/ة المحبوب/ة لا يبادلنا المشاعر، ونفقد فرصتنا في إقامة علاقة معه، يتراجع إفراز الدوبامين في المخ بشدة، فيتسبب في الشعور العميق بالتعاسة والألم.وفي دراسة لها حول 114 شخصاً فقدوا أحبتهم، تقول فيشر إن أكثر من 40٪ منهم مروا بحالات إحباط واضحة، بينما عانى 12٪ من اكتئاب متوسط إلى حاد، كما يمكن أن يحفز فقدان الحبيب احتمالات الإصابة بالجلطات، وتوقف القلب. للألم النفسي تأثير جسدي قوي ومؤلم مثل الإصابات الحقيقية.  شيوع تجربة الحب من طرفٍ واحد، وربما مرورنا بها أكثر من مرة، وتحذيرات الأصدقاء من التعلق بشخصٍ سيكسر قلوبنا، فغالباً ما نختار أن نمنح الحبيب/ة فرصة، ونأمل أن تغيّر مشاعرنا شيئاً، خصوصاً إذا تعرضنا لإشارات مختلطة، مثل مودته/ا في التعامل، واعتماده/ا علينا، وثقته/ا فينا، واعتزازه/ا بصداقتنا، فنغرق في الحب أكثر، ونتجاهل علامات الخطر الحقيقية، مثل:
 
– لا يهتم بالاتصال
في العلاقات الصحية يتحرك الطرفان نحو بعضهما بالتساوي، فيتبادلان المكالمات والرسائل، لكن في حالة الحب من طرف واحد نجد الشخص المتعلق هو البادئ دوماً بالاتصال، ونادراً ما يبدأ الحبيب بالتواصل، وقد لا يلاحظ غيابنا عن مراسلته.
 
– لا يهتم بالتعرف عليك
عندما نحب نكون راغبين بشدة في معرفة الحبيب، نتقرب إليه ونسأله عن نفسه، تفاصيل عمله، عائلته، اهتماماته، ما يحب ويكره، ونتلقى الأسئلة ذاتها لأنه يسعى بدوره لمعرفتنا. إذا كانت المشاعر غير متبادلة، فنادراً ما يسأل المحبوب عن شيء يخصنا، لأنه غير مهتم.
 
– لا يهتم بقضاء الوقت معك
جنون البدايات من المراحل الأجمل في قصص الحب، وتتميز بأن الطرفين يسعيان لخلق أنشطة تجمعهما معاً، كالسفر أو الذهاب إلى السينما، وحين نقع في حب غير متبادل نبذل كل الجهد لنجتمع بالطرف الآخر، لكنه/ا لا يتحمس أو يهتم كفاية.
 
– تواصل جسدي محدود ومتحفظ
التواصل الجسدي من ملامسة وعناق وارد في الحب المتبادل، فالشريكان ينتهزان الفرصة للمسة يد أو جلسة حميمية، أمَّا في حالة الحب غير المتبادل يكون المحبوب متباعداً بوضوح، يعمد إلى المصافحة السريعة والابتعاد جسدياً عن الطرف الآخر. يتعامل بشكل عابر أو بشكل رسمي ليضع حدوداً توقف الاندفاع.
 
–  الغيرة ليست متبادلة
الغيرة هي الوحش الذي يلتهم قلوبنا حينما نرى المحبوب/ة بصحبة آخر، وقد نسعى لسؤاله عن وضعه العاطفي، لكن هذه الغيرة والاهتمام الرومانسي يتحركان من جانب واحد فقط، ولا يبدو على من نحب الاهتمام بحالتنا العاطفية، أو بضيقنا من ملاطفته لآخرين.
– تشعر/ين بعدم التقديرالمجهود المبذول في علاقة الحب كبير، لا بد أن يقوم به طرفان. تحت تأثير المشاعر قد نتطوع بلعب كل الأدوار لنفوز بقلب من نحب، ومع هذا لا يبدو أن شيئاً يوثر فيه/ا، ونشعر باستمرار أن مشاعرنا لا تؤخذ بجدية، أو تقدَّر حق تقديرها، وتتملكنا الوحدة، حتى بجواره.
 
– التفكير فيه/ا يؤلمك
يفترض بالحب أن يكون مطمئناً، ولكن في الحب غير المتبادل، يكون مجرد التفكير في الطرف الآخر موجعاً، تتردد التساؤلات: هل يحبني؟ هل يشعر بي؟ ماذا قصد بهذه العبارة؟ هل يهتم فعلاً؟
كل هذا يتزامن مع إعادة التفكير في كل تفصيلة، ومحاولة تفسير كل إشارة.. ترتفع هرمونات التوتر، وينسحب الدوبامين من الدماغ مخلفاً الحاجة القاهرة للوجود مع الحبيب/ة لاسترجاع شعور السعادة والتحقق، لندخل في مرحلة مؤلمة من إدمان شخص لا يشعر بأي شيء.
 
 
تختلف طرق تعاملنا مع انكسار القلب، فمن السهر مع الأفلام الرومانسية الحزينة، والبكاء حتى تتورم جفوننا، إلى تصرفات جنونية تؤذي صحتنا ومن حولنا، وحتى ملاحقة من رفضنا، والتوسل له، أو تهديده، أو التحرش به، أو الانتقام منه.
تقول فيشر إن الرجال يكونون أكثر اعتماداً على حبيباتهم، ربما لامتلاكهم روابط أقل مع الأصدقاء والعائلة، وعندما يخسرون الحب يميلون إلى تناول الكحول والمخدرات والقيادة المتهورة، بأكثر مما يتحدثون عن مشاعرهم.
على الطرف الآخر، تعاني النساء من البكاء، والنوم لفتراتٍ طويلة أو عدم النوم على الإطلاق، والانسحاب الاجتماعي، ومشكلات الذاكرة، وانعدام الطاقة. فسيولوجياً، تعتبر هذه الأعراض مرافقة لنقص هرمون الدوبامين في الدماغ، وارتفاع هرمونات التوتر.
الشكوى للأصدقاء وتفريغ الحزن من الأنشطة الشائعة بين السيدات، ورغم أنها تمنح بعض الراحة، فإن استعادة التفاصيل تزيد من فترة التعلق والألم. إذا وقعت فريسة لحالة الألم هذه، فربما عليك الآتي:
 
– خذ/ي وقتك في الحزن
رغم الغضب والرغبة في تجاوز الألم سريعاً، أو التظاهر بأن الحبيب لم يكن مهماً، فإن تجاهل مشاعرنا لن ينتهي بسلام. يقتضي الحزن والألم الاعتراف بهما، وكلما سمحنا لمشاعرنا بالانطلاق انتهت معاناتنا سريعاً. بعكس الإنكار الذي يشعرنا أننا على ما يرام الآن، لكنه يهددنا مستقبلاً بالانهيار.
– استوعب/ي أن الرفض ليس نهاية العالميتحسس البعض من فكرة الرفض، تشعرهم بالإهانة ويظنونها تقلل منهم. الحقيقة أن الرفض وارد الحدوث لأي منا، ولا يعني إلا أننا غير مناسبين لشخصٍ بعينه. حاول/ي تقبل الرفض بشكلٍ صحي، وعدم تحميله أكثر مما يحتمل، لأنه -فعلاً- لا يمس إنسانيتك في شيء.
 
– لا تبق/ي وحدك
الرفض يغذي فقدان الثقة وشعورنا بعدم الاستحقاق، لهذا من المهم أن نقاوم رغبتنا في العزلة، نخرج ونلتقي بأصدقائنا، وربما نبكي على كتف المقربين، ونوجه طاقة الحب التي نملكها نحو أنفسنا، لنتخطى ونتطور.
 
– انتبه/ي للنمط المتكرر
متأثرين بتجارب طفولتنا، يمكن أن نختار شركاء عاطفيين يخضعون لنمط محدد يتكرر رغم تغير الأشخاص.
إذا مررت بتجربة حب غير متبادل أكثر من مرة، فربما عليك التفكير في نمط العلاقة: هل تكررت القصة دوماً بنفس الطريقة؟ قدمت التضحيات نفسها وتلقيت الخذلان نفسه من شركاء مختلفين؟ هل كنت تختار/ين دوماً الشريك غير المتوافر عاطفياً لتلقي عليه مشاعرك؟
ربما يجعلك هذا التفكير تكتشف/ين نمطاً متكرراً تحتاج/ين إلى الحذر منه في المستقبل، أو اللجوء إلى الاستشارة النفسية لتجنب الوقوع ضحية لعلاقة مماثلة لاحقاً.
 
 
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 85 مشاهدة
نشرت فى 31 يناير 2024 بواسطة akherkalam

موقع اخر كلام

akherkalam
موقع اخر كلام صحافة حرة والخبر فور حدوثة رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير :محمد الصبروت /ت 01225288308-01004211282 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

263,983