بعض الاراء لفلاسفة العقل و الفلاسفة الاخرين القدماء حول الفن وكيفية تفسيره ومدى اهميته ،ولعلنا اوضحنا السمات الاساسية لماهية الفن عند هؤلاء الفلاسفة والخصائص التي ركزوا عليها بشكل عام ، لقد اتسموا بالقدرة الهائلة على استيعاب مدركات الفن وكيفية تحليلها بالنماذج المنطقية .
واليكم بعض اراء الفلاسفة الحديثين و المعاصرين في تفسير الفن وفهمهم له ، يقول ( كانت ) ان الفن هو نتاج عقلي تحكم الطبيعة الانسانية ( الفنان ) المنتج عقليا وحسب مستوى احساسه ويكشف الحقائق .
وعند هيجل وهو احد الفلاسفة الكلاسيكيين الالمان ، مثالي – موضوعي في بداية شبابه ، يعرف الفن بانه عملية عقلية تتم بواسطة ادراك قوانين ( الجدل ، الديالكتيك ) واعلى مرحلة يصل اليها الفن هو مرحلة الابداع ، وهي عملية عقلية متسلسلة في درجاتها ومستوياتها لذلك هناك نوعين من الفن ( فن متقدم و فن هابط ) وذلك بحكم مستوى الوعي ومستوى العقل ينتقل نحو الاعلى من الادراك الحسي الى عقلي – وعي – فكر ) . وهو يجب اي الفن ان يعبر عن اهم تناقضات العصر الفلسفية و الاخلاقية ، وهكذا التعبير الفني لابد ان يعطي القوى الحقيقية للعصر ويجب ان يتحقق بنظر هيجل ابراز مكامن المتناقضات الكمية والكيفية لا عن طريق الوصف و المحاكاة الجامدة لان المحاكاة لايمكنها ان تكشف عن الحقائق في دواخل الاشياء والاشكال والمفاهيم وهو اعلى المستويات واسمى درجاته عندما يتحقق مضمون التعبير الهارموني الباطني ويتم عن طريق تفاعل الروح الانسانية عند الفنان مع الروح المطلق بفعل قانون الجدل فيتحقق بذلك القانون الابداعي الاصيل .
وكان لارثر شوبنهاور فلسفة خاصة حول ماهية الفن حيث بنظره معرفة ميتافيزيقية وليست معرفة عادية او حتى معرفة علمية وهو بذلك جعل من الارادة ( المبدأ الفعال ) الذي يحكم مسيرة الحياة وعليه فان تأمل الفن والعمل الفني ماهو الا عملية تحقيق موضوعي بفعل نوع من الزهد على الحياة ومتطلباتها المادية والبايلوجية على الارادة فهو نوع من الوعي بها ويجاوزها وهذا نوع من السمو الى الكلي .
اما في الفلسفة المعاصرة فهنالك العديد من الفلاسفة الذين فسروا الفن باشكال مختلفة وكانت تلك الفترة هي ثورة في الفكر وثورة في الفن فالعديد من الفلاسفة عرفوا الفن ، فقد قدم هنري بركسن رؤيته الخاصة حول ماهية الفن ، ان الفن هو ذلك الفريد الجديد الخصب الفذ الذي لاسبيل الى تنشئة مسبقة فهو حدس لحظوي وابداع يرتبط بعقل الانسان ويتحقق في داخله على شكل حدس والفنان هو ذلك الانسان الذي تجاوز كل اشكال الحياة العملية تجاوزا روحيا ورفض كل الاسس العلمية والمنطقية التي يعمل بها عامة الناس فيبدأو وكانه منفصل عنهم وبعيد عن اطوارهم .
( كروتشه ) له رأيه الخاص حول الفن فيقول هو حدس وتعبيرليتفق بذلك مع مايكل انجلو حينما يقول ان الفنان لايرسم بيده بل برأسه فالفن لايتسم ولا يصنف ولايرتب ولايحكم عليه بانه حقيقي او زائف ، والفنان عنده هو ذلك الانسان الذي يحب ويعبر فهو ليس عالما ولا فيلسوفا ولا منظرا اخلاقيا في داخله انما مهمته تحقيق التكافؤ بين ما ينتج وما يحدسه لانه حب وتعبير .
جون دوي الفيلسوف المعاصر الذي ذاع صيته في الولايات المتحدة لقد عاش حياة مريرة وعصيبة ، يتحدث عن الفن قائلا هو ذلك العمل العقلي التجريبي الذي يحاول ان يكشف عن مكامن الفجوات او المتناقضات من الانسان والمجتمع والبيئة ، حيث يرفض بان الفن انفصال فردي صرف من خلال اشكال شعورية ولا شعورية كما طرحها مدرسة التحليل النفسي ويقصد النظرية الفرويدية حول الفن ، وباعتقاده ايضا ان الفن صفة انسانية اساسها الخبرة والتجربة وهو عمل انتاجي يحقق التوازن بين الكائن الحي والبيئة ( والفنان عند دوي ) هو ذلك الانسان ذو التناقضات التجريبية الواسعة للخبرة لديه والتي يستطيع بها ان يكشف عن المتناقضات مابين الكائن البشري و المجتمع الانساني وبين البيئة الديناميكية .
اما جورج سانتيانا يوصف فلسفة الفن بفلسفة الطبيعة او المذهب الطبيعي وهو لايخلو من مثالية موضوعية ، فقد قسم الفن الى عناصر عدة المادة والشكل والتعبير ( المادة والادراك الحسي ) فالمادة عنصر من عناصر الجمال لها اثارها الكبيرة في تحقيق البيئة الجمالية ، و ( الشكل ) هو الاحساس بالجمال وهو مهم في الفن والاسس الادراكية فيها و ( التعبير ) مجموعة من التاثيرات الانفعالية التي تضفي الى المضمون الجمالي ولاي عمل فني دلالة وجدانية خاصة تختلف باختلاف الذكريات والارتباطات في ذهن المتذوق .
اما الفن عند الفيلسوف الوجودي ( جون بول سارتر ) فيحلل الفن على انه ذلك اللعب الرافض الذي يشوه اللاوعي في بعض الاحيان والوعي المقصود في احيان اخرى ، وهو انتاج حي يحاول ان يعبر من عالم المحسوسات والمحددات العقلية والواقعية الى عالم يتصف باللامحدود واللامعقول و اللاوعي و هو فن فردي يرتبط بفردية الفنان اولا وفردية المتذوق ، والعمل الفني يحرر الانسان من القيود والكبت ، اما الفنان عنده هو ذلك الانسان الذي ادرك بصورة منفعلة تناقضية هذا العالم في داخله ورفضه رفضا انفعاليا قد يصل الى مستوى الهستيريا وكان اساس هذا الرفض هو دافعية الحرية في ذاته ويحاول باستمرار ان يخلق عالم جديد لعامة الناس انه عالم اللاواقع و اللامعقول .
اما نظرة فرويد العالم النفسي حول الفن فيقول الفن يصدر عن العقل الباطني واللاشعور ومافيه من عقد مكبوتة ترجع في صحيحها الى الغريزة الجنسية والعمل الفني هي خبرات الفنان النفسية والفنان عنده هو شخص منطوي على نفسه يقترب كثيرا من حالة المريض النفسي العصابي واعماله الفنية وسائل لتنفيس عن رغباته الجنسية المكبوتة .
واخيرا عند ( كوستاف يونك ) هي عملية تعبيرية عن مكنونات الفنان يعبر عنها بوسائطه الخاصة لاشعوريا نتيجة للمراحل التاريخية التي عاش فيها ثم يقوم الفنان باعادتها تكون خاضعة بمحتويات اللاشعور الجمعي هذا وفق مستلزمات روح العصر الذي يعيش فيه .
يبين لنا هذا على ان اهمية الفن لم تكن قليلة حيث تقول فيلسوفة العصر ( سوزان لانجر ) عن الفن انه اساس الحضارات فبدونه تكون الحضارة ناقصه في معظم النواحي الانسانية والجمالية والثقافية والفكرية اذا يبين لنا ان اهمية الفن تكمن بوجودية الانسانية فهو نشاط انساني بمعنى الكلمة وهو رؤية خاصة بجوهر الحياة قد لايمكن للكثير ان يتحسسوا بها لولا وجود الفنان فالفن هو رمز مبدع لم يكن موجودا من قبل وظهر الى الوجود من خلال الفنان ، لقد عمل الفنان الكوردي للوصول الى الحقيقة المطلقة لماهية الفن تاريخيا والى الان رغم الفهم الخاطئ للبعض حول ماهية الفن حيث فسروا الفن بانه اتجاهات ايدلوجية او بحث عن الاحداث ونقلها على اللوحة او انشاء عمل فني من اجلها ، كل هذا يهدد الامن او الرسالة الفنية في كوردستان ويجعل من الاذواق تشويها للخبرات او عرض صور تقليدية لايقتحم الخيال الفني بمفهوم ابداعي فيشكل بذلك جيلا مشوها من ناحية الذوق الرفيع ، اذا علينا عرض المفاهيم الصحيحة للفن عن طريق الاعمال الفنية الناضجة والابداعية دون الاستعانة بالفنون الاخرى من حيث الشكل و المضمون ، حيث يجب ان تكون عملية ذاتية ابداعية غير مرتبطة بالايدلوجيات و التناقضات الفكرية وعدم التاثر بالاتجاهات او الاساليب الاخرى ، فالفن هو مسالة ذاتية ادراكية يعلن عنها الفنان في نهاية العمل الفني وليس في بدايته ، الفنان الكوردي رغم الظروف التي خرج منها الا انه استطاع ان يحول هذه الظروف الى عملية فنية ناجحة مقترنا الثقافة الفنية الناضجة فعليه ( الفنان ) في كوردستان يجب ان يفهم كيف يبدا بالعمل الفني وماهي الافكار الصحيحة في سلك مجريات الفن بشكل منظم ووجوب حدوث التغيرات الفنية ليكون بذلك عالما خاصا بالفن في كوردستان .
اذا كان الفن في كوردستان يمثل وصفا شاملا للخبرات الانسانية فليس من شك ان الفنان الكوردي قام بتحليل الخبرة الثقافية في الفن بنظم جديدة تخدم النمط المعاصر للفن وتظهر على شكل افكار طبيعية جديدة في مضامينها وذو فلسفة جمالية في شكلها اي بمعنى ظهور عالم جديد وجميل بمعناها الحقيقي.
لم يكن دراسة الفن دراسة سهلة فكان لها احكامها التقويمية في كوردستان رغم مرور زمن طويل من مرحلة الجمود الا ان الفن كان لابد ان ينغرز في فكر الفنان الكوردي بشكل خاص لامتلاكه الجوانب الانسانية والارضية الذي يسعى في بناء العمق الثقافي والابداعي للعمل الفني بصيغة عامة ، حيث قدم الكثير من الفنانين وكل على حدة معان خاصة تحوي تاملات فلسفية حول طبيعة الفن رغم عدم ادراك البعض لماهية الفن وضرورته ، فقد خرج بالاساليب الواقعية والتقليدية الاوربية ، الا ان البعض الاخر قد ادرك ماهية الفن فحاول ان يعبر ما في ذاته باساليب ذاتية مبتكرة مرتبطة او نابعة من الوجدان .
يبين هذا ان التامل الفلسفي الذي قد امتلكه ميدان الدراسة الفنية في كوردستان في هذا الوقت بالتحديد انما يوكد ان الفن او الفنانين كان لديهم نظرة فلسفية خاصة في تحليل ماهية الفن رغم اختلاف اتجاهاتهم الفنية في فلسفة الفن و المفاهيم المتنوعة لها من حيث التعبير والادراك والاحساس ...الخ .
لقد مر الفن في كوردستان بسمات معينة كانت تتصف بعض الشئ بالفكر المعاصر رغم عدم وجود الحرية التعبيرية بسبب الظروف الماساوية التي مرت بها كوردستان في العهد السابق الا ان الفن ظهر مرة اخرى ومن جديد ليعطى التعبير الفني الصادق لتخلع بذلك الجذور الثابتة والتقليدية للنظريات الايدلوجية
في الفن و العوالم الساذجة والبالية التي لم تعد لها وجود الان .
من اجل رؤية جديدة في العالم وكوردستان هي ان نبحث على حقيقة الفن وان نفصل بين الفكر المادي والعمليات الحسية وان تكون رؤية الفنان رؤية غير محددة المعاني بالاضافة الى امتلاكه الهدف الذي لايقبل الخلاف بين الانسانية والابداع والظهور للعالم الخارجي بوجه جديد .

ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

  • Currently 142/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
48 تصويتات / 4713 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2009 بواسطة ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

ahmedsalahkhtab
أحمد صلاح خطاب بنها - قليوبية أكاديمية الفنون المعهد العالى للفنون الشعبية تخصص العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

467,167