ابن عربي.. نشأته وثقافته وأفكاره                   بسام حسن السيد

 يعد ابن عربي من أشهر مشايخ الصوفية، بل هو أشهرهم على الإطلاق، وينسب إليه مذهب الأكبرية الذي تأثرت به معظم الطرق الصوفية، ولمنزلته بين أتباع الطرق الصوفية فقد أطلقوا عليه العديد من الألقاب نحو "الشيخ الأكبر" و"محيي الدين" و"سلطان العارفين" و"الشيخ الكامل" و"ابن أفلاطون" و"البحر الزاخر"، إلى غير ذلك من الألقاب التي تعلي من شأنه، في الوقت نفسه الذي يشن علماء الإسلام حملة شرسة على أراء هذا الرجل واصفين له بنعوت الكفر والزندقة، فمن هو ابن عربي؟ وما حقيقة أفكاره؟

* - نشأته:

هو "أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي الحاتمي الطائي الأندلسي"، ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية؛ حيث بدأ دراسته التقليدية بها، ثم عمل في شبابه كاتبًا لعدد من حكام الولايات.

وفي سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته، ويشير ابن عربي نفسه إلى ذلك بأن سلوكه طريق التصوف يعود إلى رؤية رآها خلال مرضه بالحمى ليفيق من مرضه ويعزم على التوبة ويقرر التزام طريق المتصوفة(ا)؛ حيث انقلب بعد ذلك -وفقا لما يحكيه عن نفسه- زاهدًا منقطعًا للعبادة والخلوة، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية.

وفي الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فاس؛ حيث كتب كتابه المسمى: "الإسراء إلى مقام الأسرى" ثم عاد إلى تونس، ثم سافر شرقًا إلى القاهرة والقدس واتجه جنوبًا إلى مكة حاجًّا، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين، وألف في تلك الفترة كتابه "تاج الرسائل"، و"روح القدس" ثم بدأ سنة 598 هـ بكتابة مؤلفه الضخم "الفتوحات المكية".

في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسوريا والقدس والقاهرة ومكة، ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق، وقد وجد ملاذًا لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح، بل التكفير والزندقة، وفي تلك الفترة ألف كتابه فصوص الحِكَم وأكمل كتابه "الفتوحات المكية" وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون.

 

*- ابن عربي ومصادره الفلسفية:

أفكار ابن عربي وفلسفته هي وليدة البيئة التي نشأ فيها، وهذا ليس معناه أن البيئة هي العامل الأوحد، ولكنها من العوامل الفعالة، وقد عاش ابن عربي في الأندلس في لحظة تاريخية خمدت فيها روح الإسلام بسبب تأثر المسلمين بالثقافات والفلسفات الأخرى، والديانات المختلفة، خاصة أن الممالك المسيحية كانت تجاور الأندلس، هذا بجانب حياة الترف والمجون التي بلغت ذروتها في المجتمع الأندلسي في هذا العصر وهو قد تأثر بكل هذه التيارات والأجواء التي كانت موجودة في عصره، وكل ما وصله من علوم متباينة.

 

التراث الفارسي والهندي:

لذلك كانت أراء وأفكار ابن عربي هي خليط من التراث الفارسي والهندي، يقول د. محمد إبراهيم الفيومي" مما لا شك فيه أن القول بالرجعة والتناسخ والتنبؤ ودعوى الألوهية والإمام المعصوم، هذه القضايا تتخلل تراث ابن عربي، مشيرا إلى أن هذه الفلسفات نقلت لابن عربي من خلال انتشارها في ذلك الوقت فضلا عن تأثر ابن عربي بالحلاج والسهروردي أبناء هذه الثقافة، باعتبارهما من الأعاجم وأئمة الرمزية، كل هذا دفع ابن عربي أن يهضم هذه الفلسفات ويتمثلها تمثيلا، ويرى جولد تسهير أن عددا من الأفكار التي تتعلق بقواعد التصفية والأفكار الحلولية والاتحادية الموروثة عن الهند كان لها أثرها في ابن عربي(2) .

 

 الفلسفة اليونانية:

تتضح علاقة ابن عربي بالفلسفة اليونانية بشكل كبير، يقول بلاثيوس في معرض حديثه عن خصائص أفكار ابن عربي "وأول خاصية تبرز للعيان هي الأثر الأفلطوني العميق المتغلغل في كل مذهبه وبخاصة في تصوفه"(3)، بل يضيف بلاثيوس "ورغبة ابن عربي الشديدة في تكييف تحليل الظواهر الصوفية مع المصطلح الأفلوطيني رغبة تجعل المرء يشك أحيانا في صدق تجاربه الذوقية"(4).

وعقيدة وحدة الوجود التي اشتهر بها ابن عربي هي في الأساس منقولة عن الأفلاطونية الحديثة، يقول الشيخ إحسان إلهي ظهير"ذكر جمع من الكتَّاب والباحثين في التصوف ممن اشتغلوا بالتصوف من المسلمين وغير المسلمين، وقل من شذ عنهم أن الأفلاطونية الحديثة هي أحد المصادر الأساسية للتصوف، بل إنها هي المصدر الأول بالنسبة للقائلين بوحدة الوجود والحلول بدءًا من أبي اليزيد البسطامي، وسهل التستري، والترمذي الملقب بالحكيم، وابن عطاء الله الأسكندري، وابن سبعين، وابن الفارض، والحلاج، ولسان الدين بن الخطيب، وابن عربي، والرومي، والجيلي، والعراقي، والجامي، والسهروردي المقتول وغيرهم"(5).

 ويقول د. محمد إبراهيم الفيومي: "عرف ابن عربي نظريات هؤلاء الفلاسفة على وجه مفصل ودقيق حتى لقد غالى بعضهم في وصف ابن عربي بأنه ابن أفلاطون، ويرى البعض أن ابن عربي قد تأثر بالأخلاق الرواقية، ولا سيما نظرية الخلق ووحدة الوجود، وفكرة الجسمية "(6).

الاتجاه الصابئي:

والصابئة هي نحلة في مقابلة الحنفاء أتباع دين إبراهيم عليه السلام، وعقيدة الصابئة تقوم على تقديس وعبادة الكواكب والاهتمام بالسحر والخرافة، وكان لهذا الفكر أثر كبير على فكرة ابن عربي عن إمكان أخذ الإلهام عن الكواكب (7)، الأمر الذي دعا لعدد من العلماء المسلمين لتكفيره.

المسيحية:

وتأثير المسيحية في عقيدة ابن عربي غير خفي، بل ابن عربي يرى أن عقيدة التثليث عند النصارى هي عين التوحيد وأن معنى الفرد هو الثلاثة، يقول ابن عربي: "إن الأصل الساري في بروز أعيان الممكنات هو التثليث، واعلم أن الأحد لا يكون عنه شيء ألبتة، وأن أول الأعداد الاثنان، ولا يكون عن الاثنين شيء أصلًا ما لم يكن ثالث يربط بعضها ببعض، فحينئذ يتكون عنها ما يتكون بحسب ما يكون هذان الاثنان عليه"، ويضيف "وهذا هو حكم الاسم الفرد، فالثلاثة أول الأفراد، وعن هذا الاسم ظهر ما ظهر من أعيان الممكنات، فما وجد ممكن من واحد، وإنما وجد من الجمع وأقل الجمع ثلاثة وهو الفرد"(8).

وقال: "وأما أهل التثليث فيرجى لهم التخلص لما في التثليث من الفردية، لأن الفرد من نعوت الواحد، فهم موحدون توحيد تركيب، فيرجى أن تعمهم الرحمة المركبة"(9).

أما العقيدة الثانية في المسيحية وهي التجسيد، فيؤكد بلاثيوس تأثر فكرة الاتحاد الصوفي عند ابن عربي بعقيدة النصارى الخاصة بالاتحاد الأقنومي، ويقارن بلاثيوس بين قول أهل الاتحاد والحلول "أنا الحق" وعبارة بولس "المسيح يحيا فيَّ"(10)، ويرى بلاثيوس: "وموقف العطف والتقارب مع العقيدة المسيحية هذا هو في نظري نتيجة للتأثير الشديد الواسع الذي أحدثته الرهبانية المسيحية في التصوف"(11).

 

الشيعة:

ويربط العديد من الباحثين بين التشيع والصوفية، ويرون أن التشيع هو الذي مهد الأرض أمام الفكر الصوفي، ويرى ابن خلدون في كتابه "المقدمة" أن المتصوفة المتأخرين من أمثال ابن عربي وابن الفارض قد تأثروا بالشيعة الغلاة والفكر الباطني المنحرف، يقول ابن خلدون في هذا الصدد: "ثم إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس توغلوا في ذلك، فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة وملؤوا الصحف منه مثل: الهروي في كتابه "المقامات" وله غيره، وتبعهم ابن عربي وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وابن الفارض والنجم الإسرائيلي في قصائدهم، وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضا بالحلول وإلهية الأئمة مذهبا لم يعرف لأولهم، فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم"(12).

والمتابع لأراء ابن عربي يعجب من هذا التساوُق مع العقائد الشيعية الفارسية، ودليلنا على ذلك أن ابن عربي وجد العدد الأكبر من مريديه وخلفائه في إيران الشيعية وبين أبناء الباطنية الشيعية الإسماعيلية، وحتى اليوم يحتفي الشيعة بشكل كبير بكتابات ابن عربي لتوافقها مع مذهبهم.

 

الهرمسية:

ويقصد به العودة إلى القديم، والاستعانة بالسحر والتنجيم والكيمياء في الوصول إلى المعرفة أو الكشف، وينسبها البعض للمصريين القدماء، وكان العديد من مشايخ الصوفية قد تأثروا بالفكر الهرمسي وعلى رأس من تأثر به ابن سبعين وابن عربي وعملوا على نشرها في أوساط المسلمين، يقول د. إبراهيم هلال: "إن بعض العقائد الهرمسية الخاصة يمكن أن نراها كثيرًا في الكتابات الصوفية عن الكون، وخاصة تلك التي كتبها ابن عربي مثل "فصوص الحكم" وبعض فصول كتاب "الفتوحات المكية"، وعموما فقد تجمعت العقائد الهرمسية الكونية في المعتقدات الصوفية بواسطة ابن عربي، وهذه ظاهرة في كتباته ومعظم كتابات ممثلي هذه المدرسة البارزين مثل "صدر الدين القنوي"، "عبد الكريم الجيلي"، "وابن توركاه الأصفهاني"، و"ابن أبي جهور"(13).

 

خلاصة القول :

فقد ارتبطت المصادر الفكرية والثقافية عند ابن عربي بفلسفات وأساطير وخرافات الأمم الأخرى والديانات السابقة؛ حيث تجد لكثير من الخرافات والانحرافات الموجودة لدى الأمم الأخرى مثيلًا لها عند ابن عربي، بل هو يقر بنقله لهذا الفلسفات والانحرافات واستفادته منها، يقول ابن عربي: "ما من مذهب إلا وقد رؤيت قائلًا به"(14) .

 

*- آراؤه ومعتقداته:

 

- قوله بوحدة الوجود:

"وحدة الوجود مذهب فلسفي لا ديني، يقول: إن الله والطبيعة حقيقة واحدة، وإن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا- صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.

يقول د. أبو العلا عفيفي في مقدمته لكتاب الفصوص : "ولم يكن لمذهب وحدة الوجود وجود في الإسلام في صورته الكاملة قبل ابن عربي، فهو الواضع الحقيقي لدعائمه والمؤسس لمدرسته والمفصل لمعانيه والمصور له بتلك الصورة النهائية التي أخذ بها كل من تكلم في هذا المذهب من المسلمين من بعده"(15).

يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق.

فابن عربي يقرر أن كل هذه الموجودات القائمة من السماء والأرض والجن والإنس والملائكة والحيوان والنبات ما هي إلا الله، وأن هذه الموجودات هي عين وجوده، وأنه لا يوجد خالق ومخلوق ولا رب ولا عبد، بل الخالق هو عين المخلوق، والعبد هو عين الرب، والرب هو عين العبد، وأن الملك والشيطان، والجنة والنار، والطهر والنجاسة وكل المتناقضات والمتضادات ما هي إلا عين واحدة تتصف بكل صفات الموجودات، وهي عين الله الواحد الذي ليس معه غيره.

ويلخص ابن عربي عقيدته هذه في بيت من الشعر بقوله:

فما نظرت عيني إلى غير وجهه *** وما سمعت أذني خلاف كلامه(16)

ويقول:

سبحان من لا أرى سواه *** في كل شيء تراه عيني

وذلك فرق يراه عقلي *** ما بين معبوده وبيني(17)

ويقول:

عجبت لموجود حوى كل صورة *** من الملأ العلوي والجن والبشر

ومن عالم أدنى ومن عالم علا *** ومن حيوان كان أو ثبت أو حجر(18)

 

ويوضح ابن عربي عقيدته بأن الله لا ينزه عن شيء؛ لأن كل شيء هو عينه وذاته، وأن من نزهه عن الموجودات قد جهل الله ولم يعرفه، أي جهل ذاته ونفسه، ويقول: "اعلم أن التنـزيه عن أهل الحقائق في الجانب الإلهي عين التحديد والتقييد، فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب". (19)

 

وحدة الأديان:

ونتج عن قوله بوحدة الوجود، قوله بعد ذلك بوحدة الأديان، لذلك نجده يدافع عن من يعبد الأحجار والأصنام ومن يعبد المسيح ومن يعبد الكواكب، فكلهم سواء عنده مع من يعبد الله؛ لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله؛ إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق.

ويعبر ابن عربي عن مساواته بين الأديان جميعها في نظره بقوله:

لقد صار قلبي قابل كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنَّى توجهت *** ركائبه فالحب ديني وإيماني(20)

 

ويعتبر ابن عربي أن كل معبود من المعبودات وجه من وجوه الله، ويفسر قوله تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} قائلا: حكم وقدر أزلا أنكم لا تعبدون غير الله مهما تكن صور معبوداتكم"(21)، وعلى هذا فالذي يعبد الحجر والشجر والكواكب هو في الحقيقة عند ابن عربي لا يعبد إلا الله وبالتالي ليس هناك فرق بين دين وآخر.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد استعراضه لأقوال ابن عربي في كتابه الفصوص: "لهذا جعل صاحب هذا الكتاب عباد العجل مصيبين، وذكر أن موسى أنكر على هارون إنكاره عليهم عبادة العجل"، ويضيف ابن تيمية أن ابن عربي وأمثاله يجعلون فرعون من كبار العارفين المحققين، وأنه كان مصيبا في دعواه الربوبية.

 

قوله في النبوة:

ادعى ابن عربي أن الولاية أعلى وأرفع من النبوة والرسالة، وادعاؤه أنه هو خاتم الأولياء، وأن الأنبياء والرسل تحت لوائه، ويأخذون من علومه.

يقول ابن عربي في "الفصوص" - وهو يتحدث عن وحدة الوجود-: وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء أو الرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى إن الرسل لا يرونه - متى رأوه- إلا من مشكاة خاتم الأولياء؛ فإن الرسالة والنبوة -أعني نبوة التشريع ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدًا، فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء"(22).

 

وقال ابن عربي:

 مقام النبـــوة في بـرزخ *** فويق الرسول ودون الولي(23)

 

وينقل ابن تيمية عنه قوله: إن خاتم الأنبياء إنما يرى العلم من مشكاة خاتم الأولياء وإن خاتم الأولياء يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى خاتم الأنبياء(24).أي أنه يزعم أنه يأخذ من الله بلا واسطة والنبي يأخذ بواسطة.

وادعى ابن عربي أنه هو خاتم الأولياء؛ حيث أخبر أنه رأى سنة 599 هـ حائطًا من ذهب وفضة إلا موضع لبنتين إحداهما من ذهب والأخرى من فضة، فانطبع في موضع تينك اللبنتين قال: وعبرت الرؤيا بانختام الولاية بي، وذكرتها للمشايخ والكاملين المعاصرين فعبروها بما عبرتها به"(25).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "درء تعارض العقل والنقل": "وصار كل من هؤلاء يدعي النبوة والرسالة، أو يريد أن يفصح بذلك، لولا السيف"، كما فعل السهروردي المقتول، فإنه كان يقول: لا أموت حتى يقال لي: قم فأنذر، وكان ابن سبعين يقول: لقد زرَّب ابن آمنة حيث قال: لا نبي بعدي. ويقال إنه كان يتحرى غار حراء لينزل عليه الوحي.

وابن عربي ادعى ما هو أعظم من النبوة عنده، وهو خاتم الولاية، وخاتم الأولياء عنده أفضل من خاتم الأنبياء في العلم بالله.

 

*- أسلوبه في الكتابة:

اعتمد ابن عربي في كتابة مؤلفاته على لغة مبهمة عن قصد؛ حيث كان يكثر من استعمال لغة الرمز والإشارات؛ نظرا لأن الأمة لم تكن لتقبل إلحاده وانحرافه إن صرح به، وهذا الأسلوب الذي اعتمده ابن عربي تأثر فيه بالفرق الباطنية الضالة كالإسماعيلية وكتابات إخوان الصفا وغيرهم، يقول أبو العلا عفيفي: يغلب على ظني أنه يعتمد تعقيد وإخفاء الظاهر لأغراض في نفسه، فعباراته تحتمل في أغلب الأحيان معنيين على الأقل، أحدهما ظاهر وهو ما يشير به إلى ظاهر الشرع والثاني باطن وهو ما يشير به إلى مذهبه، ولو أن من يعمق النظر في معانيه ويدرك مراميه لا يسعه القول بأن الناحية الثانية هي الهدف الذي يرمي إليه، أما ما يذكره مما له صلة بظاهر الشرع فإنما يقدمه إرضاء لأهل الظاهر من الفقهاء الذين يخشى أن يتهموه بالخروج والمروق... وقد كان ابن عربي يشعر دائما بهذه الثنائية في أسلوبه، كما كان دائما على استعداد لأن ينتقل بقارئه من لسان الظاهر إلى لسان الباطن أو العكس، وسئل مرة عما يعنيه بقوله:

يا من يراني ولا أراه *** كم ذا أراه ولا يراني

مشيرا بذلك إلى مذهبه في وحدة الوجود وأنه يرى الحق في صور أعيان الممكنات ولا يراه الحق؛ لأنه هو المتجلي في صورته، فأجاب على فوره:

يا من يراني مجرما *** ولا أراه آخذا

كم ذا أراه منعما *** ولا يراني لائذا (26)

 

ولعل أسلوبه هذا هو الذي حماه من مصير الحلاج والسهروردي الذين قتلا بسبب إلحادهما.

يقول د. محمد إبراهيم الفيومي: "ويبدو أن تسلل الخوف إلى ابن عربي من سفك دمه وخاصة بعد الحلاج والسهروردي جعله يكتم كثيرا من الأسرار، وينقل عن ابن عربي قوله: "ولولا قطع البلعوم لأظهرت هنا سرًّا يهتز له العرش وما حوله، ولكن في هذا تنبيه وغنية"(27).

 

_____________________________

1- الفتوحات المكية (4/648) - طبعة بولاق القاهرة، وانظر (ص 11) "ابن عربي حياته ومذهبه" - أسين بلاثيوس ترجمة عبد الرحمن بدوي - طبعة المكتبة الأنجلو المصرية.

2-الشيخ الأكبر ابن عربي، صاحب الفتوحات المكية - محمد إبراهيم الفيومي - الدار المصرية اللبنانية - (ص 26).

3- ابن عربي حياته ومذهبه" - سابق (ص260)

4- ابن عربي سابق (ص260).

5- التصوف المنشأ والمصدر-إحسان إلهي ظهير - إدارة ترجمان السُّنة، لاهور، (ص 74).

6- الشيخ الأكبر ابن عربي - سابق (ص 28).

7-الشيخ الأكبر ابن عربي - سابق (ص 30)، بتصرف.

8- الفتوحات المكية (3/166).

9- الفتوحات المكية (3 /228).

10-ابن عربي حياته ومذهبه - سابق (ص 257).

11- ابن عربي حياته ومذهبه - سابق (ص271).

12- مقدمة ابن خلدون- دار الفجر للتراث القاهرة، (ص584).

13- نقلًا عن خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء.. رسالة ماجستير من إعداد الصادق بن محمد بن إبراهيم، طبعة مكتبة الرشد- (ص103).

14- الشيخ الأكبر ابن عربي- سابق (ص23)

15- فصوص الحكم، ابن عربي ص 68، دار الكتاب العربي، بيروت، مقدمة د.أبو العلا عفيفي (ص25).

16- الفتوحات المكية (2/459).

17- ديوان ابن عربي (ص432)، نقلا عن حقيقة العبادة عند ابن عربي، كرم أمين أبو كرم، دار الأمين، القاهرة، (ص50).

18- ديوان ابن عربي ص432 -نقلا عن حقيقة العبادة، سابق (ص 50).

19- فصوص الحكم، تحقيق أبو العلا عفيفي (ص 68).

20- ترجمان الأشواق، بيروت طبعة 1961، (ص 43)، نقلا عن ثلاث حكماء مسلمين، "سيد حسين نصر"، دار النهار للنشر، (ص153).

21- الفصوص، سابق (ص 33).

22- الفصوص، (ص62 ).

23- رسالة في الرد على ابن عربي في دعوى إيمان فرعون، لشيخ الإسلام ابن تيمية، (ص8).

24- رسالة في الرد على ابن عربي، سابق (ص4).

25- الفتوحات (5/68-70)، انظر مقالة عقيدة ختم الولاية عند الصوفية -محمد أحمد لوح، العدد الثاني من (مجلة الصوفية).

26- فصوص الحكم، سابق (ص 17، 18)

27- مشاهد الأسرار، نقلا عن الشيخ الأكبر ابن عربي -سابق، (ص 57).

المصدر: مجلـة الصـوفيــة العدد السابع أعلام التصوف.. ابن عربي
ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 393 مشاهدة
نشرت فى 16 يوليو 2014 بواسطة ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

ahmedsalahkhtab
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

614,135