يتميز عصرنا بتطورات مذهلة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما يتميز بتعاظم أهمية المعلومات والمعرفة في الاقتصاد والمجتمع ، مما استدعى إطلاق مصطلحات جديدة مثل الاقتصاد الإلكتروني واقتصاد المعرفة والتجارة الإلكترونية والأعمال الإلكترونية والمصارف الإلكترونية والنقد الإلكتروني …الخ… ولكل مصطلح من هذه المصطلحات مدلولاته ، ولا مجال هنا للدخول في تفاصيل هذه التطبيقات والأدوات والتقانات جميعها ، حيث أننا سنقتصر على عرض الموضوعات ذات العلاقة بآفاق التعاون الاقتصادي العربي .

1 - اقتصاد المعرفة :

يشهد عصرنا ظاهرة الاعتماد المتزايد على المعلومات العلمية والتكنولوجية وانتشار استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تطبيقات متنوعة في جميع مجالات الإدارة والاقتصاد والمجتمع مما أدى إلى ولادة اقتصاد المعرفة وهو نمط جديد يختلف في كثير من سماته عن الاقتصاد التقليدي الذي ظهر بعد الثورة الصناعية

وفي ظل اقتصاد المعرفة تحولت المعلومات إلى أهم سلعة في المجتمع ، وقد تم تحويل المعارف العلمية إلى الشكل الرقمي وأصبح تنظيم المعلومات وخدمات المعلومات من أهم العناصر الأساسية لاقتصاد المعرفة ، وفي ظل هذه الظروف الجديدة لم يعد الاقتصاد معنياً فقط بالبضائع أي بالتبادل التجاري للمنتجات المادية ، بل ازداد اعتماده على تقديم الخدمات ، وبالتالي اكتسب الاقتصاد سمة جديدة وهي إنتاج وتسويق وبيع الخدمات والمعلومات .

ومن ناحية أخرى تدخل المعرفة ( التكنولوجيا ) كعنصر أساسي في إنتاج البضائع المادية ، وتبلغ نسبة المعرفة الناتجة عن التكنولوجيا أكثر من 50 % من الإنتاج الإجمالي الأمريكي ، كما أن مجموع العاملين الأمريكيين ممن لهم علاقة بالمعلومات والمعرفة ، يبلغ حوالي ثلاثة أرباع مجموع القوة العاملة الأمريكية ، ويتعزز هذا الاتجاه بصورة مستمرة فمن المقدر أن 60 % من المهن الأمريكية الجديدة عام 2010 ستطلب مهارات متطورة لـ 22 % من عمال اليوم .

إن الشركات التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات وفي مجال التكنولوجيا الحديثة بصورة عامة تحقق أعلى نسبة من القيمة المضافة بالمقارنة مع قطاعات الصناعة التقليدية ، كما يحصل العاملون في الشركات التكنولوجية الحديثة على أضعاف الدخول التي يحصل عليها زملاؤهم في القطاعات التقليدية ، وتتميز هذه الشركات الحديثة بأنها الأقدر على تكوين علاقات واسعة على المستوى الدولي ، وأصبحت هذه العلاقات جزءاً أساسياً من نجاحها ، فبالإضافة إلى سلاسل التزويد والإنتاج تستفيد الشركات من علاقاتها لتوسيع أسواقها والحصول على نسبة أكبر من القيمة المضافة .

ويصنف الباحثون الاقتصاديون اليوم الصناعات إلى صناعات هابطة وهي التي تعتمد على المواد الأولية أكثر من اعتمادها على التكنولوجيا ، وتتميز بانخفاض القيمة المضافة على منتجاتها ، وإلى صناعات صاعدة وهي التي تعتمد على المعرفة والتكنولوجيا والخدمات والعلاقات أكثر من اعتمادها على المواد الأولية، وتتميز بارتفاع متزايد في القيمة المضافة على منتجاتها ، وثمة شركات لا تدخل فيها مواد أولية أبداً فالقيمة المضافة فيها هي بكاملها نتاج المعرفة مثل شركات التجارة الإلكترونية على الإنترنت فشركة أمازون لبيع الكتب تجني ملايين الدولارات سنوياً من عملية بيع الكتب دولياً ، دون أن يدخل في عملها مواد أولية ، فهي تتلقى طلبات شراء الكتب وترسلها إلى دور النشر وتربح من هذا العمل الذي يعد بأكمله نوع من أنواع الخدمات التجارية ، التي لا تدخل فيها مواد أولية .

وكذلك تعتمد شركات المعرفة على الإنترنت ( الطب ، الهندسة ، القانون ، التاريخ …. الخ… ) على المعلومات العلمية كمكون وحيد لقيمة الخدمات التي تقدمها .

وهكذا يشق اقتصاد المعرفة طريقاً جديدة في التاريخ الإنساني ، ويجعل المعلومات وتكنولوجيا المعلومات والمعرفة العلمية التكنولوجية جزءاً لا يتجزأ من معظم الفعاليات الاجتماعية – الاقتصادية – السياسية ، ويحقق بالتالي تغيرات بنيوية عميقة في جميع مناحي الحياة ، مما حقق قفزة هائلة حولت المعرفة بحد ذاتها إلى مورد أساسي من الموارد الاقتصادية وإلى قوة حقيقية في الإدارة .

ويعمل الباحثون الاقتصاديون اليوم على إدخال عامل المعرفة بشكل مباشر وواضح في نظريات التنمية مثل " نظرية النمو الجديدة " ، فالعلاقة بين التنمية وتوليد المعلومات واستخدامها أصبحت واضحة ، وأصبح الاستثمار في مجال المعلومات والإنترنت أحد عوامل الإنتاج فهو يزيد في إنتاجية العاملين ويزيد من فرص العمل .

ولذلك ، لا يخفى على أحد أن العرب اليوم عندما يتداعون إلى بناء تكتل اقتصادي قوي ، لا يستطيعون أن يقتصروا في محاولتهم هذه على أساليب وأدوات الماضي ، مثل خفض الرسوم الجمركية وفتح الأسواق أمام بضائع البلدان العربية الأخرى ، فهذه الإجراءات أصبحت من البديهيات ، ولن تمضي فترة طويلة من الزمن حتى يرى العرب أن تلك الإجراءات أصبحت مطبقة على نطاق عالمي ، وليس ضمن مناطق معينة للتجارة الحرة فقط ، فما هي الميزة التي ستكون لمنطقة التجارة الحرة العربية عندئذٍ ؟ .

إن المحاولات العربية الرامية إلى بناء تكتل اقتصادي لن يكتب لها النجاح إلا إذا تم التخطيط لها بمفاهيم عصرية حديثة ، ووضعت تحت تصرفها للتنفيذ أحدث الوسائل التكنولوجية التقنية ، ويستطيع العرب اليوم الإفادة من سمات اقتصاد المعرفة ، وأن يوجهوا جهودهم لبناء نظم المعلومات العلمية وتوليد المعلومات ونقلها وبيعها ، وهذا الحقل من النشاط الاقتصادي يحتاج حتماً إلى التعاون العربي لأنه :

- يتطلب توحيد المصطلحات بين البلدان العربية ، بهدف توسيع أسواق خدمات المعلومات العلمية ، كما أن نظم المعرفة باللغة العربية يمكن توزيعها ضمن إطار الوطن العربي فقط .

- إن هذا الحقل لا يتطلب رؤوس أموال كبيرة ، فيكفي إقامة مؤسسة صغيرة ذات إدارة ذكية وفعالة ومبادرة وعدد من الباحثين المتخصصين في المجالات العلمية ، إضافة إلى ضرورة تعاون سلسلة من المؤسسات العربية في هذا العمل الهام .

- إن قطاع المعلومات هو قاطرة التنمية في عصرنا ، وستفيد المنطقة الحرة العربية من إدخال عناصر تبادل المعلومات والخدمات في نطاق خططها التي تقتصر حتى الآن على البضائع المادية .

- إن قطاع المعلومات هو الأساس في أية محاولة جادة لنقل وتوطين التكنولوجيا، وسيستطيع العرب عبر تعاون علمي اقتصادي جاد أن ينجحوا في تحقيق نقل وتوطين التكنولوجيا الحديثة في البلدان العربية .

2 – التجارة الإلكترونية (E-Commerce) :

شهدت التجارة الإلكترونية في السنوات الأخيرة نمواً انفجارياً ويؤكد المحللون الاقتصاديون أنها أصبحت مفتاح التطور الصناعي ، والمحور الأساسي للتطور الاقتصادي على المستويين الدولي والوطني .

لقد وسعت التجارة الإلكترونية أسواقها بوتيرة متصاعدة ، ويعود سبب هذا الارتفاع المذهل والمستمر ، إلى تأثير التفاعل اللولبي : مزيد من المؤسسات تشارك في التجارة الإلكترونية ، ومزيد من المؤسسات الأخرى ترغب بالمشاركة ، وبذلك ينتج مزيد من نهوض القوة الكامنة في التجارة الإلكترونية ، وسر هذه القوة الكامنة غير المحدودة هو في خلق أسواق مفتوحة ديناميكية متعددة اللغات ، تتيح فرص واسعة أمام أعداد ضخمة من البائعين والمشترين لتبادل الصفقات بحرية ودون أية قيود ، وتتميز هذه الصفقات كما هو معروف بالسرعة الفائقة في إبرامها وتنفيذها وبانخفاض كلفة الإنجاز .

وتتراوح التقديرات الرسمية حول حجم التجارة الإلكترونية بحوالي 1.2 – 1.5 تريليون دولار في حين تؤكد المؤسسات الخاصة (مثل مدير مبيعات ORACLE) أن الحجم الحقيقي يفوق هذا الرقم بكثير وأنه قد تجاوز 2.7 تريليون دولار عام 1998 وقد يصل إلى 3.5 تريليون دولار خلال عام 2001 .

والتجارة الإلكترونية هي إحدى أهم المظاهر الحديثة في اقتصاد المعرفة أو الاقتصاد الإلكتروني ، وتمثل القطاع الأسرع نمواً في الاقتصاد العالمي . والتجارة الإلكترونية هي تنفيذ وإدارة الأنشطة التجارية المتعلقة بالتبادل الاقتصادي ( شراء/ بيع ) للبضائع والمعلومات والخدمات عبر شبكات الاتصالات الدولية (الإنترنت، شبكات إنترانت، الإكسترانت، شبكات خاصة…)، ويمتد نشاط التجارة الإلكترونية إلى ثلاثة مجالات :

- الأول : خدمات ربط أو دخول الإنترنت ، - الثاني : التسليم أو التزويد التقني للخدمات ، - والثالث : استخدام الإنترنت كأداة لتوزيع الخدمات وتوزيع البضائع المسلمة بطريقة غير تقنية .

وتستخدم التجارة الإلكترونية أنماطاً مختلفة في عملها مثل نمط الاتصال والتبادل ( بين الشركات ) (business – to - business) والتي تختصر بصورة (B2B) ، ونمط الاتصال والتبادل ( من الشركة إلى المستثمر )

(business – to - Consumer) التي تختصر بصورة (B2C) .

1.2 – ميزات التجارة الإلكترونية :

ثمة ميزات كثيرة دعمت نمو التجارة الإلكترونية المستمر نذكر أهمها فيما يلي :

- رفع حصة المؤسسة في الأسواق العالمية :

توفر التجارة الإلكترونية فرصاً كبيرة لزيادة المبيعات إذ أنها تعرض البضائع التجارية على نطاق العالم بأكمله ، وبقدر ما تستطيع المؤسسة أن تطور أساليب عملها لتحقيق ميزة تنافسية في التجارة الإلكترونية ، بقدر ما تتوسع أعمالها وتزيد مبيعاتها ، وبالتالي تخفض كلفة المنتج .

- الاستجابة لرغبات الزبائن :

توفر التجارة الإلكترونية الأدوات اللازمة لتلبية رغبات الزبائن من خلال عرض تشكيلة واسعة من المنتجات وعرض مزياها وأسعارها حيث يمكن للزبون أن يفاضل بين الأصناف ومزاياها وأسعارها ويختار منها ما يلائمه ، كما يستطيع إبداء ملاحظاته حول المنتج ، مما يساهم في تفهم الشركة لاحتياجات الزبائن ، وفي بعض الأحيان تتيح الشركة للزبون أن يضع هو بنفسه مواصفات المنتج الذي يريد شراؤه ، بما يلائم ذوقه الشخصي .

- تطوير الخدمات التجارية :

تشكل التجارة الإلكترونية عاملاً محرضاً للشركات المتعاملة معها كي تطور خدماتها التجارية بشكل مستمر ، فالمنافسة هنا تتخذ أعلى أشكالها ، ذلك أن الشركة مع زيادة الأسواق المتاحة أمامها ، يزداد عدد منافسيها في الوقت نفسه ، وهي مضطرة لمواجهة المنافسة في الأسواق الوطنية ، وبالتالي يتشكل هذا العامل المحرض على تطوير القدرات التنافسية ، وتسعى الشركات الحديثة إلى تطوير البنى التحتية والاستراتجيات التسويقية والإدارية وبرامج التدريب وتطوير العلاقات العامة للشركة .

وتواجه شركات التجارة الإلكترونية أنماطاً مختلفة غير مطروقة سابقاً في التجارة التقليدية ، فعلى سبيل المثال تبيع شركات عديدة فائض مخزونها عبر الشبكة بوساطة مزادات الإنترنت ، ووفقاً ( لشركة فورستر للأبحاث ) فإن المزادات بين الشركات عبر الإنترنت حققت 7.3 مليار دولار أمريكي خلال عام 1999 .

إن التجارة الإلكترونية اليوم هي التقنية الأكثر انتشاراً في الميدان الاقتصادي ، وهي توفر الشروط في الميدان الاقتصادي ، وهي توفر الشروط الملائمة للتعاون الاقتصادي العربي وسنتفحص فيما يلي مدى الانتشار الذي حققته هذه التقنية الجديدة في البلدان العربية وما هي آفاق توسعها .

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 4129 مشاهدة
نشرت فى 26 إبريل 2012 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,835,605

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters